بدون عنوان

صدر حديثًا عن الشبكة العربيّة للأبحاث والنشر في بيروت كتاب "تحوّلات مفهوم القوميّة العربية: من المادّي إلى المتخيّل"، للباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات هاني عوّاد. واحتوى الكتاب - وهو في الأصل أطروحة ماجستير عن جامعة بيرزيت جرى تطويرها - على خمسة فصول حاولت تقديم مساهمة جديدة في تحقيب انتقالات مفهوم القوميّة العربيّة.

وتعالج فصول هذا البحث إشكاليّتين رئيستين، تتساءل الأولى إذا ما كان الفكر القوميّ العربيّ قد أجرى -ضمن صيرورته الثقافية- نقدًا داخليًّا استطاع من خلاله مواكبة مشكلات الواقع العربيّ على مدار القرن الفائت؛ وتنظر الثانية في قدرة الفكر القوميّ العربيّ عبر إنتاجه المعاصر على تشييد مشروعٍ سياسيّ اجتماعيّ يعيد التفكير في قضيّته المتمثّلة ببناء أمّةٍ حديثة.

وتفصح الإشكاليّة الثانية عن سؤالين هما: هل استطاعت الفكرة القوميّة العربيّة المعاصرة تجاوز الفجوة المعرفيّة في طروحاتها السابقة التي عبّر عنها فشلها في تفجير قلقها إلى وجودٍ خاصّ تتجادل معه؟ وإذا ما جرى ردم تلك الفجوة، كيف جدّدت علاقتها مع واقعٍ مختلف عن واقعها الأوّل حيث أصبحت الدولة القطريّة حاصلًا لا مناصَ من التعامل معه؟

يسعى هذا الكتاب إلى تقصّي إجابات عن الأسئلة التي تولّدها هاتان الإشكاليتان عبر مناقشته نتاجات أربعة نماذج من المثقّفين القوميّين، تتوزّع على فتراتٍ زمنيّة مختلفة، وهم محمد عزة دروزة من الجيل الأوّل، ونديم البيطار وقسطنطين زريق من الجيل الثاني، وعزمي بشارة من الجيل الثالث.

وقد رصد الكتاب ثلاث لحظات ضمن الصيرورة الثقافية للفكر القوميّ العربيّ، جرى تقسيمها إلى ثلاث خطابات؛ كان أوّلها الخطاب القوميّ العربيّ في مرحلة الما- صدق، والتي مثّل الكاتب عليها بمحمد عزة دروزة، حين تلبّست الفكرة شكلها الماديّ لأسباب متعدّدة كان أهمّها الصورة التي تمثّلها داعي القوميّة عن قوميّة الآخر ومعنى أمّته.

وقد بدا في اللحظة الثانية ذات الصبغة العلموية، والتي يمثّل الكاتب عليها بكلٍّ من نديم البيطار وقسطنطين زريق، أنَّ الخطاب القوميّ العربيّ لم يستطع التخلّص من شبح هذا "الآخر"، فأخذ على عاتقه اللّحاق به مستلهمًا الطريق الذي خطّه، وما وجد من طريقةٍ لفعل ذلك سوى خلع صفة الرجعيّة على خياله وشعوره الخاصّ، متّهمًا إيّاه بالرومانسيّة الرجعيّة تارةً، وواصفًا إيّاه بالحنين الذي يقاطع السياسة ويستقرّ في البيت. وتحوّل القوميّ في الحالة الثانية إلى مُربٍّ، ولا شيء غير مربٍّ.

وفي لحظةِ التجديد القوميّ العربيّ، عاد الخطاب القوميّ العربيّ ليستعيد ما كان قد خسره في حقبته الوسيطة، بعد أن دفع ثمن ما فقده سياسيًّا واجتماعيًّا بما يُعدّ - دون مغالاة - خسارة باهظة، ويَعدّ الكاتب عزمي بشارة ممثّلًا لهذا الجيل حين عالج المسألة العربيّة بوجهين؛ يتعلّق الوجه الأوّل منهما بضرورة التمسّك بالهُويّة العربيّة بوصفها صمغًا لاصقًا يَأوي التعدّد الهويّاتي في المجتمعات العربيّة، أمّا الوجه الثاني للمسألة العربيّة، فهو إعادة التأسيس لمسألة بناء الأمّة على مستوى الدول القطريّة عبر الديمقراطيّة.