بدون عنوان

بدأ المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات اليوم (السبت 30 آذار / مارس 2013) أعمال مؤتمره السّنوي الثّاني للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة بجلسة اشتملت على محاضرتين عامّتين في موضوعي المؤتمر، على أن يكون الافتتاح الرّسميّ للمؤتمر على السّاعة السّادسة والنّصف مساءً من اليوم نفسه. ويعقد المركز مؤتمره هذا يومي 30  و31 آذار / مارس 2013 في الدوحة.

وقد افتتح مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السّياسات الدّكتور عزمي بشارة أعمال المؤتمر بالتّرحيب بالحاضرين. وذكّر بأنّ المؤتمر مؤتمر أكاديمي متخصص غير أن المؤتمرات ليست فضاءات للبحث بمعناه التفصيليّ، إنما هي مناسبةٌ للتّعارف بين الباحثين والمفكّرين ولتبادل الأفكار والطروحات. وشدّد على ضرورة الالتزام بالأهداف العلميّة والبحثيّة التي رسمها المركز لهذا النّوع من المؤتمرات، واعدًا بأن يبقى هذا الموعد تقليدًا ثابتًا من تقاليد المركز. 

وافتُتحت الجلسة الابتدائية بمحاضرةٍ للدّكتور أحمد بعلبكي في المحور الأول للمؤتمر "جدلية الاندماج الاجتماعي" عنوانها "عن ليبيراليّةٍ في لبنان تتحصّن بدمج الأفراد في طوائفهم". وانطلق في تناوله لارتباط الأفراد بالمجتمع في المجتمعات اللّيبيراليّة من تمييز علماء الاجتماع بين شكلين من هذا الارتباط؛ فهناك "ارتباط الدّمج الاجتماعي"، المفروض مثلًا على المهاجرين في المجتمعات الأوروبيّة اللّاتينيّة، من خلال خضوعهم للقيم السّائدة في هذه المجتمعات، أما الشكل الثاني للارتباط فهو "ارتباط الاندماج الاجتماعي"، وهو يقوم في المجتمعات الأنكلوسكسونيّة على الالتزام بقيمٍ وتشريعاتٍ تضمن انفتاح المجتمع على الخصائص الثّقافيّة والاجتماعيّة المختلفة لدى الأفراد الوافدين عليه.

وبعد استعراض المحاضر طبيعة هذه المجتمعات اللّيبيراليّة وخصائصها، أشار إلى أنّ الأزمات الاندماجيّة النّاتجة عن قيم هذه المجتمعات وقواعد سلوكها، من شأنها أن تؤدّي إلى ارتداد المهاجرين عن أيديولوجيّة المجتمع اللّيبرالي التّعاقدي.

ثمّ انتقل بعلبكي إلى حالة المجتمع اللّبناني؛ فرصد معوِّقات الاندماج الاجتماعي فيه، ولاحظ جملةً من المؤشِّرات التي تحول دون تحقّقه؛ وعلى رأسها: تراجع أطر التّنظيمات النّقابيّة والعمّاليّة عن الاضطلاع بدورها التّنظيمي والمطلبي المستوحَى من التّجارب اليساريّة، وفشلها في تغليب المكوِّن المهني الاجتماعي على المكوِّنات الطائفيّة في تركيب هويّات تلك الفئات.

وتحدّث عن فروق الاندماجات بين الطّوائف في الثّقافة والتّربية، بسبب تحصّنها بمؤسّساتٍ تعليميّةٍ طائفيّةٍ في تنشئة الأبناء. كما أشار إلى الفروق بين المناطق والقطاعات في إمكانات الاندماج الاقتصادي والاجتماعي؛ ممّا انعكس سلبًا على أوضاع الأجراء وكفاءة المهنيّين وتسبّب في تشرذم الجسم النّقابي.

وسجّل المحاضر في ختام ورقته أنّ ما رصده من معوّقات اندماجيّة في المجتمع اللّبناني، قد أدّى إلى تراجع نسبة المشاركة في الحياة السّياسيّة، وإلى تراجع الحقوق في العمل.   

وقدّم الدّكتور فهمي جدعان، محاضرة في المحور الثاني للمؤتمر "ما العدالة في الوطن العربيّ اليوم؟" وكان عنوانها "العدالة في ديونطولوجيا عربيّة". وأشار في مستهلِّها إلى أنّ الباحثين قد درجوا على استخدام لفظي "العدل" و"العدالة" بالمعنى نفسه، في حين استُعمل المصطلحان بمعنييْن مختلفين في نصوص التّراث الإسلامي.

واستعرض المحاضر تاريخ مفهوم "العدل" وتطوُّر التّنظير له، فأشار إلى المكانة الخاصّة التي أولاها التّراث الإسلامي له، ولدور فلسفة الأنوار في التّنظير له. وأكّد على ضرورة الاهتمام بهذا المفهوم؛ نظرًا إلى دور منظري اللّيبرالية المتوحِّشة اليوم في ازدرائه.

ورأى أنّ العودة إلى الفكر الغربي مهمّة في تناول المفهوم، لكن من المثير للسّخرية إسقاط التّجربة النظريّة الغربيّة على واقعنا العربيّ. كما أكّد على أنّ ما صاغتْه المذاهب الغربيّة المتداوَلَة اليوم من تنظيراتٍ تتعلّق بمفهوم "العدالة"، ليس خصيصةً ماهويّةً للعقل الغربيّ، بل هو ينتمي إلى المشتَرَك الإنسانيّ.

وفي نتائج الورقة العمليّة، أقصى الباحث العدل بمفهومه "الكلاميّ" من الموروث الإسلاميّ،  كما أقصى التّأثير الفلسفيّ اليونانيّ فيه. وأبقى - في المقابل - على الموروث المنتمي إلى العدل الشّرعي الإسلاميّ؛ حيث "العدل" غاية الشّرع ومقصده.

كما تحدّث عن إمكانية الأخذ بمذهب النفعيّة، إذا حُمِل على معنى الخير العامّ، وإسقاطه داخل الفضاء العربي الإسلامي. في حين يفضل استبعاد هذا المذهبَ إذا ما ألغى العامل الأخرويّ وارتبط بالفردية واللّذائذيّة.

وانتهى إلى ذكر الشّروط الأساسيّة لتحقّق العدل؛ ومنها: أهميّة العمل والثّروة والنموّ الاقتصادي المتكامل. كما رأى أنّ بإمكان ديمقراطيةٍ عالمة أن تكون من بين تلك الشّروط، وأن تضطلع بوظيفة تحقيق العدل.