بدون عنوان

نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في مقرّه بالدوحة يوم 09 آذار/ مارس 2011 جلسة النقاش الفكري الثانية التي  كان محورها: "الأوضاع في مصر والسيناريوهات الممكنة وأجندة البحث الخاصّة بالثورة الشعبية في مصر  وانعكاساتها على المنطقة ككل"، وحضر الجلسة نخبة من المفكرين والناشطين المصريين وعدد من الأكاديميين المتخصصين، بالإضافة إلى باحثي المركز. 


عزمي بشارة: الثورة الثانية بدأت وسوف تستمر حتى إنتاج مجلس نيابي منتخب في مصر

استهلّ الدكتور عزمي بشارة مدير عام المركز الجلسة بالتأكيد على أهمية النقاش في الفترة الحالية عن حالة الثورة المصرية للخروج بأرضية عمل تكون نبراسا للمرحلة المقبلة. وأشار إلى أنّ  إسقاط مبارك شكّل ثورة حقيقية قام بها الشعب المصري ولها أبعادها وخصائصها وحظيت بهذا الاهتمام العربي والعالمي، ولكن ، الآن بدأت الثورة الثانية ولها خصائص مختلفة، خاصة بعد أن أصبحت المواقف الدولية جميعها لصالح الثورة وأصبح الهدف يكمن في كيفية المحافظة على نسق الثورة واستمراريتها.

وأضاف  أنّ الثورة الثانية بدأت عمليا بعد إسقاط مبارك وتركه سدّة الحكم والتي ساهمت أيضا في إسقاط حكومة أحمد شفيق وتكليف عصام شرف الذي أدّى "قسم الولاء" في ميدان التحرير تلا ذلك إسقاط مباحث أمن الدولة وغيرها من الخطوات وهي سوف تستمر حتى إنتاج مجلس نيابي منتخب يؤسّس لقواعد جديدة في مصر و يُرسي دعائمَ ديمقراطية حقيقية.

وشدّد على أنّ الاهتمام الآن ينصب على الثّورة الثانية لاستكمال مرحلة التحول الديمقراطي في مصر، على رغم أنّ المؤرّخين بعد سنوات منها سيتحدّثون عن الثورة المصرية  معطى واحدا، واستدلّ على ذلك بالتأكيد على أنه بالعودة إلى نماذج أخرى من التاريخ نجد أن  حالة الثورة الفرنسية سجّلت ثلاث  مراحل، وهي أوّل ستة أشهر من الثورة تختلف عن الستة أشهر الثانية وعن الثالثة إلى درجة أنه حتى عام 1794 كان يتم الحديث عن الثورة الفرنسية، وحاليا بعد مضيّ تلك الفترة يتم تناولها على أساس أنها ثورة واحدة وليست ثورات عدّة على امتداد مراحل.

وقال الدكتور عزمي إنّ الجيش المصري يعمل على إحداث نوع من توازن القوى والمصالح في الفترة الحالية معتبرا أنّ ذلك يعدّ "لعبة مزدوجة" فهو يحاول أن يرضي الشّارع وأن يكون هذا الشّارع لصالحه وليس ضدّه، وفي الوقت ذاته يسعى بعض الجنرالات إلى المحافظة على مصالحهم التي انخرطت ضمن المنظومة التي تم إرساؤها خلال الحقبة السابقة .

وفي سياق تحليله لما جرى في مصر لاستخلاص الدروس منه أكّد على أن  هناك أنظمة إذا بلغت درجة من الفساد  والترهل أصبح مع هذا الواقع أي عمل تقوم به سيكون له تأثيراته المباشرة في هذه الأنظمة حتى لو كان رد الفعل يتضمن  إصلاحات، وهو ما تجلى بشكل واضح في كلّ من الثورتين المصرية والتونسية. حيث تم الاستفادة من أخطاء النظام وأسهمت هذه التراكمات في  زرع بذور الثورة التي جاءت في زمن غير معلوم ودون توقّع لها.

 واستغرب بشارة انهماك البعض في إضفاء سبب معين  واختزال الثورة فيه، مشيراً إلى  أن العلوم الاجتماعية تبحث في أسباب عديدة للظاهرة، منبها إلى عدم تسطيح الأمور واختزال الثورة في الفايسبوك أو الشبكات الاجتماعية فقط  رغم  حيوية هذه العوامل التي تساهم جميعا في نجاح الثورة التي تقوم على مجموعة مركبات هي المحدّد الرئيس والأساسي.


عباس التونسي: لابد من التمييز بين مستويات مطالب الثورة وانتقالها التدريجي
 

من جانبه دعا الدكتور عباس التونسي من جامعة جورج تاون إلى ضرورة التمييز بين مستويات مطالب الثورة وانتقالها التدريجي بداية من حركة كفاية التي دشّنت نشاطها بمعارضة فكرة التّوريث، وبعدها جاءت حركة 6 أبريل ثم  فكرة محمد البرادعي في الاستمرار في العصيان المدني حتى سقوط نظام مبارك وأخيرا حركة 25 يناير التي تكلّلت جهودها بالنّجاح في نهاية المطاف. وكشف أنّه كانت هناك بروفات نفّذت قبل 25 يناير وكان بمثابة التدريب استعدادا ليوم الحسم.

وأشارت الدكتورة ناهد عز الدين إلى أنّ النظام السابق كان يحمل بذور فنائه بسبب سياساته الإقصائية وتعسفه تجاه شباب مصر الذي عانى من التهميش مما ساهم في تأليب الجميع ضدّه، وساندتها في هذه الفكرة الروائية المصرية عائشة أبو النور التي أكّدت أنّ  النظام السابق تصوّر أنه لتهدئة الوضع لابدّ من إجراء بعض التعديلات ومنح بعض الحرية الإعلامية وهو كان عاملا فاعلا بعدما منح تصاريح للقنوات التلفزيونية الخاصة و التي ساهمت بشكل كبير في فتح المجال لانتقادات الكثير من الممارسات وتمّ كشف عيوب النظام. وأضافت إلى أنه ناهيك عن ذلك لعب الإعلام الجديد الذي لا يمكن مراقبته دورا محوريا في العملية لأنه بكبسة زرّ واحدة يمكن نشر أيّ خبر أو ملفّ أو صورة، وأضافت إلى أنّ الجمعيات الأهلية كان لها الأخرى دورٌ فاعل في المجتمع خصوصا وأن  هناك أكثر من 20 ألف جمعية أهلية في مصر. وشدّدت على أنّ هذه العوامل مجتمعة كان لها تأثير في حراك المجتمع وزيادة شحنة الغضب عند الناس وهو ما ساهم في تنظيم صفوف الثورة الشعبية المصرية  التي كانت حركة شعبية جمعت الغضب المتراكم منذ سنوات.

أمّا الدكتورة  أمل صبري الأستاذة في جامعة قطر فأشارت إلى أنّ الظلم والحرمان الذي تعرض له الشعب المصري خصوصا لدى فئة الشباب ساهم  في تكريس موجة الغضب والحنق ضدّ ممارسات النظام وزاد  الغضب حينما بدأ سيناريو التوريث يتجسّد على أرض الواقع فكان ذلك بمثابة المحرك و الدافع للخروج إلى الشارع ورفض هذه المشاريع،  و أضافت أنّ الثورة التونسية مهّدت للشباب المصري الأرضية بعد فورة الإعلام التي كان لها إسهام  كبير في أرض الواقع والشباب المصري في هذه المرحلة يرغب في ملامسة نتائج سقوط النظام السابق.

وأبرز أنس حسن، مسؤول موقع "رصد" الالكتروني وأحد النّاشطين البارزين في "شباب 25 يناير " العوامل التي كان لها دورٌ في تفعيل مبادرتهم وكانت محرّكَ الثورة مشيرا إلى أنها عبارة عن كمّ من العوامل المتشابكة والتي لا يمكن اختزالها في عامل بسيط، مشدّدا على دور التوعية التي كان لها دورٌ فاعل في هذا الأساس والذي ساهمت فيه عدة جهات وفعاليات من كفاية و البرادعي و6 أكتوبر بالإضافة إلى دور الإعلام الذي لعب دورا محوريا إضافة إلى أخطاء النظام السابق الذي أدّى إلى تأجيج مشاعر الناس ضدّه بسبب ممارساته حيث ساهمت حادثة خالد سعيد في سخط الشباب وخروجه إلى الشارع خصوصا وأن هذا الشاب لم يكن مسيّسا وبالتالي حشدت قضيّته التأييد و الدعم.

وهذه العوامل أدّت إلى اشتعال الثورة لأن استمراريتها ساهمت فيها عوامل أخرى، وأشار إلى أن الثورة بدأت عفوية وموجّهة في نفس الوقت بطرق بسيطة وتزامن تاريخها مع يوم الشرطة.  واستطرد قائلا إنّ الثورة التونسية كانت بمثابة إلهام للشباب المصري وهي وجبة سريعة كان لها تأثير فعال في حشْد تأييد الشعب المصري. وشدّد على ضرورة دراسة فكر شباب الثورة الذي يدعو إلى التغيير على أكثر من صعيد حيث توالت مطالب بإصلاح الوضع ليس على مستوى النظام بل حتى على مستوى الحركات السياسية  فهناك مطالب بتغيير سلوك الأحزاب مثل فكر الإخوان والأحزاب الأخرى

وفي مداخلة له في الجلسة النقاشية أشار حمزة المصطفى مساعد باحث في المركز إلى أن الساعات الأولى من الثورة المصرية كانت مستوحاةً من الثورة التونسية والشّعارات الأولى كانت نفسها تقريبا، معتبراً أنّ اللاّعنف استهدف في  ساعات الثورة الأولى  إنتاج العنف من الشّرطة، كما أنّ اللاعنف كان السبب الرئيس في إيهام النظام بعدم الحشد الأمني . ما جعل الشباب يبادر تجاه الشرطة ويخرق الطّوق الأمني الذي اتّبعه النظام  استراتيجيّةً دائمة لاستنزاف الاحتجاجات وكبْح قدرتها على الاستمرار، وهو ما أسهم في انتشار الناس  في الشّوارع للدّعوة إلى الثّورة. الأمر الذي أكسبها زخما كبيرا استحال معه استخدام النظام للعنف المفرط .


هشام مرسي: الثورة لم تكن ملكا لأحد
 

وانتقل الحديث بعد مداخلة الدكتور عزمي بشارة إلى إبراز عامل "اللاّعنف" الذي كان من بين العوامل اللافتة في الثورة وتناول الكلمة في هذا الصّدد الدكتور هشام مرسي وهو مدير عام أكاديمية التغيير التي تقع في الدوحة ليتحدث عن جهود مؤسسته في التواصل مع بعض شباب الثورة و عقد جلسات مع بعضهم البعض . وكشف أنّ أكاديمية التغيير عقدت قبل الثورة بفترة قصيرة جلسات مع شباب من 7 محافظات بمعدل 40 شاب من كلّ محافظة وكان محورها الأساسي هو إنتاج التغيير من دون عنف وهو أحد المكونات الأساسية والرّئيسة في الثورة. حديث الدكتور هشام عن دور الأكاديمية وتأثيرها في بعض العناصر الشبابية لم يكن ليتيح له التأكيد على اعتبار الأكاديمية هي المحرّك لكل ما حدث حيث شدّد على أنّ الثورة لم تكن ملكا لأحد ولا يوجد من يدّعي أنه يقف محركها الأساسي.