بدون عنوان

عُقد خلال الفترة من 25 مارس/ آذار إلى 28 منه مؤتمرٌ علمي حضره 37 عالماً ومختصاً في الشأن الاستراتيجي والعقيدة الدّفاعية لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومختصون  فنيون  على أعلى درجات القيادة الفنية للمشروع في الولايات المتحدة والناتو على حدّ سواء. وقد حضر الدكتور عبدالوهاب القصاب (باحث مشارك في المركز العربي  للأبحاث  ودراسة السياسات) المؤتمر، مدعواً للمشاركة في المناقشات. وأبدى الحاضرون اهتماما بالغا بالتعرّف على المركز العربي  للأبحاث و دراسة السياسات ودوره في الحياة الفكرية العربية، بعد أن قدّم الدكتور القصاب نفسه باسم المركز.

وقد تضمّن جدول الأعمال القضايا التالية:

1. قمّة لشبونة: المبدأ الاستراتيجي الجديد والدّفاع الصّاروخي: النتائج-التحديات-الفرص.

ألقى  أوراق هذا المحور  كلٌّ من حسين ديريوز (تركيا) مساعد الأمين العام للناتو لشؤون سياسة الدفاع والتخطيط، و إيمانت ليغيس وزير الدفاع اللاتفي السابق ورئيس البعثة البرلمانية اللاتفية للجمعية البرلمانية للناتو، وإيريك ديسوز رئيس هيئة مكتب السيطرة على التسلّح والتحقّق في وزارة الخارجية الأميركية.

2. الأبعاد الداخلية: كيف يمكن بناء  الإجماع و إدامته.

قدّم أوراقا في هذا المحور كلّ من بيوتر باكولسكي -مدير مكتب الدفاع الصّاروخي في وزارة الدفاع الوطني البولندية، وأوميد بامير - عضو مجموعة خبراء الناتو للعقيدة الاستراتيجية الجديدة -إسطنبول، ورأَس جلسة المحور البروفيسور جوليان ليندلي فرانس رئيس كرسي آيزنهاور للاستراتيجية في الأكاديمية الدّفاعية الهولندية.

3. الأبعاد الخارجية للدّفاع الصّاروخي.

وقد تضمّن هذا المحور المواضيع التالية:

  • تنمية العلاقات مع روسيا - أوكسانا أنتونينكو - الزّميل الأقدم مديرة برنامج روسيا وأوراسيا في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية -لندن، وروبيرتو زادرا - نائب رئيس مجموعة العمل لمجلس الناتو -روسيا؛ نائب رئيس مركز أسلحة الدّمار الشّامل -الناتو -بروكسل.
  • وجهة نظر لعضو محتمل في الناتو: إيلينا خوشتريا - نائب وزير الدّولة للتّكامل الأوروبي والأوروبي الأطلسي- جورجيا.

4. الأبعاد الاستراتيجية والسّياسيّة لعمليات الدّفاع الصاروخي.

شارك في هذا المحور متحدّثان  اثنان  هما مايك ديريك (العقيد) مدير إدارة التكامل مع الحلفاء- القيادة الاستراتيجية الأميركية، وجون غلاسمان مدير إدارة السياسة الحكومية _ مؤسّسة نورثورب غرومان للمنظومات الالكترونية -بالتيمور وقد كان السيد غلاسمان سفيراً سابقا. ورأس الجلسة البروفيسور جوليان ليندلي فرانس السابق ذكره.

5. التكنولوجيا والتصاميم: كيف يمكن التغلّب على التّحديات.

تحدّث في هذا المحور كلّ من دين ويلكننك، مدير البرنامج العلمي في مركز دراسات الأمن الدولي والتّعاون في جامعة ستانفورد، و نيل ديور مدير منظومات الدّفاع الصاروخي في شركة بوينغ -هنتسفيل.

6. تداعيات الدفاع الصاروخي: كيف يمكن إدارتها -القسم الأوّل ؛ وقد كان الموضوع الأوّل يختصّ بالرّدع والموقف النووي والدّفاع الصاروخي بعد لشبونة.

 وقد تحدّث فيه كلّ من  ؛ كارل هاينتز كامب -مدير قسم البحوث في كلية دفاع الناتو -روما، ودييجو روس بالمر رئيس قدرات التحليل الاستراتيجي للناتو -بروكسيل.

7. تداعيات الدفاع الصاروخي: كيف يمكن إدارتها - القسم الثاني.

وقد تحدّث فيه كلّ من ؛ مالكولم جالمرز - أستاذ زميل باحث في معهد روسي للدّفاع والدراسات الأمنيّة -لندن وبينارد كيوبيغ - مدير برنامج أبحاث الدّفاع الصّاروخي العالمي  ومنسّق برنامج السّلام للشّرق الأوسط -معهد بحوث السّلام فرانكفورت على الماين.

8. جلسة حوارية -مائدة مستديرة.

ترأسها البروفيسور جوليان ليندلي فرانس، واختُتمت بها أعمال المؤتمر. 

 شهدت أيّام العمل الثلاثة للمؤتمر نقاشات مثمرة وحوارات هامة، وتناولت أوراق العمل قدرا هائلا من المعلومات الحديثة حول مختلف محاور المؤتمر .

وقد طرح ممثّل المركز العربي للأبحاث ودراسة السّياسات بجرأة جملة أفكار مضادّة رغم تَعارُضها مع القناعات الاستراتيجيّة التي بُني عليها الفكر الاستراتيجي للناتو. وقد تدخّل الدكتور عبد الوهاب القصاب في مناقشات عدد من محاور المؤتمر:

1. بالنّسبة إلى المحور الأوّل حول قمّة لشبونة والعقيدة الاستراتيجية الجديدة للناتو: ركّز الدكتور عبد الوهاب على مدى عدالة تبنّي استراتيجية ستعود بالضّرر على الجار الجنوبي للتّحالف وهو الوطن العربي، رغم أهميّته - موقعاً ومواردَ - في إدارة شأن الحياة اليومية لدول التحالف، ناهيك عن تزييت آلة التّحالف الدفاعيّة و تشغيلها بموارد طاقة مصدرها الوطن ،وطننا العربي، وتأمين مناطق التمركز والإيواء وضمان الممرّات البحرية العابرة لمضائقنا وممرّاتنا الملاحيّة ومياهنا الوطنيّة. واستغرب الدكتور عبد الوهاب القصاب تكثيف التّشاور مع طرف واحد هو إسرائيل و إغفال هذه الكتلة الجيوستراتيجية والبشرية التي تمثّل الجار الجنوبي للتّحالف على طول امتداده الأوروبي. وخلص إلى القول: "كما أنّ التّحاور مع روسيا للوصول إلى إجماع في شأن مشاريع الناتو وخططه مهم، فإنّ الشّفافية فيما يتعلق بانعكاسات تخطيط التحالف على الوطن العربي تعدّ مهمة ، خصوصاً في الوقت الراهن عندما بدأت شعوب الوطن العربي تبادر لتأخذ مصالحها بيدها، ممّا يجعل التّحالف أمام مأزق الاستمرار في سياسته المتجاهلة، أو البحث عن بديل جديد".

2. بالنسبة إلى المحور الثاني والثالث: من الواضح أنّ المقصود منهما هو إيران باعتبارها العدوّ المحتمل؛ وقد استغرب الدّكتور القصّاب التّركيز الكبير على تهديد مفترض، إذا ما أخذنا القدرات الإيرانية الحقيقية ونصف قطر دوائر التهديد الفعلي لما هو موجود لديها من صواريخ، وطبّقناها مع التخطيط الاستراتيجي الإيراني ومَراميه الحقيقية، والتي تتركز على هدفين، ليس للناتو ولا لأوروبا شأنٌ بهما، فالتهديد النّاجم عنهما، لا ينصرف تأثيره باتجاه أوروبا ولا الناتو، ولا حتّى باتجاه الولايات المتّحدة الحاضر الدّائم على المسرح الخليجي. وبيّن أن هنالك تهديدا حقيقياًّ منبعثا من مهدّد بعيد عن مسرحنا وهو كوريا الشّمالية، فما هو رأي التّحالف في هذا التّهديد؟ وما هو رأي التّحالف في الموقف الرّوسي من هذا التهديد؟ خصوصاً وأنّ روسيا قد انخرطت بالفعل، مهما كانت درجة تردّدها، في شبكة الدفاع الصّاروخي على نحو تنسيقي وتعاوني. وبيّن كذلك أن إيران لا يمكن أن تستهدف أوروبا لعدم وجود قضايا حقيقيّة بين الطّرفين، وحتّى مع افتراض حدوث مواجهة بين الولايات المتّحدة وإيران، فإنّ ساحة المجابهة لن تكون أوروبا، بل في مناطق وجود الولايات المتّحدة في منطقتنا (العراق والخليج) وأفغانستان. وإذا ما افترضنا أنّ الكيان الإسرائيلي سيكون مهدّداً أو مستهدفاً من إيران فإنّ حساب الكلفة والتّأثير (Cost Effectiveness) سيجعل الطّرفين متردّديْن كثيراً في الذهاب إلى حدّ المجابهة. كما أنّ الصّواريخ بمداها المعروف لن تكون مُجْدية من ناحية الكلفة والتأثير إذا ما استُخدمت مقذوفات حرّة الطيران لتعاقب منطقة كسلاح تقليدي، إذ أنّ مخرجات الضّربة ستكون أقلّ كثيراً من المتوقّع منها. الصّواريخ العابرة (البالستيةBM) مهمّتُها حمل الرّؤوس النوويّة وما بمستواها، وهنا لن يكون مجدياً استخدامها سلاحا تقليديّا.

3. أمّا بالنّسبة إلى المحور الثالث الذي بحث الأبعاد السياسيّة لعمليات الدّفاع الصّاروخي، فقد انطلقت مداخلة الدكتور عبد الوهاب بشأنه من خطورة الآثار المترتبة على وطننا العربي جراء سياسات اتُّخذت على نحو افتراضي قد تعود بالضّرر على قطاعات واسعة من السّكّان والبنى الارتكازيّة لأقطارنا العربية. كما بيَّن أنه وانطلاقاً من الخبرة المحصّلة من استهداف الكيان الإسرائيلي بـ 43 صاروخاً عراقياً في تسعينات القرن الماضي، فإنّ الأضرار النّاجمة عن اعتراض الصّواريخ و تدميرها قبل إصابتها الهدف ستلحق أضرارا بناس آخرين، قد يكونون حلفاء (إسبانيا أو فرنسا مثلاً لو تمّ استهداف إنجلترا)، أو مواطنينا وبنانا الارتكازيّة لو حصلت معركة التقاطع الصّاروخي في أجوائنا. فمَن سيتحمّل مسؤوليّة الضّرر الناتج. صحيح أنّ تطوراً ملحوظاً قد تحقّق في نظام (THAAD) للدّفاع الصّاروخي المعمول به حالياً مقارنة بمنظومات الاعتراض في التّسعينات، لكن يظلّ تحت نقطة التّدمير أراضٍ وناس .

4. أمّا المحورُ الأخير الذي نوقِش في جلستين حول التّداعيات، فقد كان أساسُه مخطّطات للوضع الحقيقي الذي تمّ رسم الاستراتيجيّة انطلاقا منه ، ولوحظ أنّ هذا التّخطيط يغطّي وطننا العربي وسيكون الخليج نقطة ساخنة في إطاره، واستفسر الدكتور القصاب عن الموقف الذي سيترتّب علينا في حال أيّ مواجهة بين الناتو وإيران، أو بينها وبين الولايات المتّحدة، خصوصاً لو دخل الكيان الإسرائيلي على الخطّ. 

ملاحظات ختامية:

1. يعدّ ولتون بارك (Wilton Park) أحد أوعية التفكير البريطانية المشهود لها، ويعود الفضل في إنشائه إلى السّياسي البريطاني المخضرم الذي قاد بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية السِّير ونستون تشرشل، فقد أسّسه مع نهايات الحرب العالميّة الثانية لتجسير الفجوة بين الحلفاء والألمان والاستفادة من المعارضين الألمان لنظام هتلر، ثم من أسرى الحرب في هذا المجال. ومن المفيد الإشارة إلى أنّ أوّل مدير لولتون بارك كان لاجئاً ألمانيّا.

2. يتّبع ولتون بارك ضوابط جاثام هاوس في الحوار، التي تقوم على الحريّة المطلقة في إبداء الآراء، وعدم المسؤوليّة عنها، وسرّيّة الأسماء المساهمة، و صدور التّقرير باسم المؤسّسة دون إشارة إلى آراء المتدخّلين.

3. تتولّى الخارجية البريطانية رعاية المؤتمر، دون أيّ مسؤوليّة أدبيّة لولتون بارك أمامها من النّاحية الأكاديميّة والحواريّة.