اختُتمت اليوم (الإثنين 16 حزيران / يونيو2014) أعمال مؤتمر "العرب والولايات المتحدة الأميركية: المصالح والمخاوف والاهتمامات في بيئة متغيرة" الذي عقده المركز في الدوحة (14-16 أيار/ مايو 2014)، بجلسة نقاشٍ مفتوح عن إشكاليات علاقة العرب بالولايات المتحدة ومواضع التنافر والتلاقي بين المصالح الأميركية والعربية والقضايا المركزية الإشكالية في هذه العلاقات. وأعلن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في ختام المؤتمر عن تدشين مكتبٍ فرعي له في واشنطن يساهم في تعزيز الدراسات العربية عن الولايات المتحدة الأميركية، ويسعى للتواصل والتبادل مع مراكز الأبحاث الأميركية.
سياسة أميركا تجاه الفلسطينيين أضرت بمصالحها ومصالحهم معًا
تركّز محور إحدى الجلستين اللتين سبقتا النقاش الختامي على " القضايا الإشكالية في العلاقات العربية - الأميركية: فلسطين والعراق"، ورأى الباحث مروان بشارة في ورقته التي قدّمها في هذه الجلسة عن "فلسطين في السياسة الخارجية الأميركية" أنّ الولايات المتحدة وضعت إستراتيجياتها تجاه فلسطين باستمرار على أساس الموازنة بين سياستها الداخلية واعتبارات الأمن القومي في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي أضرّ في أغلب الأحيان بمصالحها ومصالح الفلسطينيين.
ولم يختلف الباحث أسامة أبو ارشيد عن زميله في هذا التحليل. ولكنّه رأى أنّ استعراض مساعي إدارة أوباما في الملفّ الفلسطيني، يُظهر أنّ الإدارة الأميركية تحت رئاسته قد مارست ضغوطًا غير مسبوقة على إسرائيل. وقد يعود ذلك إلى جملةٍ من الأسباب؛ منها خلفية أوباما الفكرية والتاريخية والسياسية. ولكن هذا السبب وحده لا يكفي لتفسير سياسات إدارته. ثمّة سبب آخر يتمثل برغبة أوباما في تحقيق إنجاز أفشل من قبله من الرؤساء الأميركيين. ولكن، لا يكفي هذا التفسير أيضًا. وهنا يدخل سببٌ ثالث، ويتمثّل بأنّ ثمّة قناعةً في دوائر صنع القرار السياسية والاستخباراتية والعسكرية في واشنطن بأنّ استمرار الصراع العربي الإسرائيلي دون تسوية مقبولة من الطرفين، أمرٌ يؤثّر سلبيًّا في المصالح الحيوية والأمن القومي الأميركيَّين، غير أنّ العناد الإسرائيلي، وقوّة موقف حلفاء إسرائيل في واشنطن وصلابته، تصعِّبان على إدارة أوباما تحقيق رغبتها في إنجاز تسوية قبل أن ترحل.
الولايات المتحدة تسعى للحفاظ على هدوء الدول العربية التي لم يشملها "الربيع"
في إطار الجلسة الأولى من اليوم الثاني للمؤتمر (الأحد 15 حزيران / يونيو 2014) التي تناولت المقاربات الأميركية تجاه الثورات العربية، رأى الباحث الأميركي ديفد بولوك أنّه على الرغم من انتشار نظريات المؤامرة التي كان لها تأثير كبير في خيال سكان المنطقة، فإنّ تأثير الولايات المتحدة محدود، فيما تعدّ السياسة الأميركية في المنطقة إما ردّة فعلٍ أو دفاعية. وتعدّ البيئة السياسية المحلية في الولايات المتحدة من أبرز العوائق التي تحدّ من التأثير الأميركي في الفترة الأخيرة. وتتضمّن هذه البيئة: الملل من موضوع الحرب في البيت الأبيض والكونغرس وفيما بين الجمهور الأميركي، واهتمام عامّ بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، واستقطاب حزبي غريب حتى في مسائل السياسة الخارجية التي يتفق الحزبان الديمقراطي والجمهوري عليها تقليديًّا.
وأوضح بولوك أنّ السياسة الأميركية يراد لها ضمنيًّا أن تساعد في إبقاء الدول العربية التي لا تعيش انتفاضات "هادئة"، وذلك من خلال: تأمين مساعدة اقتصادية أو دبلوماسية إضافية، وتشجيع تعاون إقليمي أكبر، والأهمّ من ذلك، الامتناع عن توتير الأوضاع بالمطالبة الخارجية بالإصلاح الديمقراطي.
ورأى الباحث الأميركي أنّ السياسة الأميركية تطوّرت بطريقة متناقضة مع كلّ حالة أو قضية. وتُبرز هذه التعقيدات والتناقضات النزعات المتناقضة في السياسة الأميركية التوتّر بين المثاليات والمصالح؛ ففي حالة سورية، جرى الأخذ في الحسبان المثاليات الإنسانية، والجوانب الإستراتيجية، والتفاعل مع السلطات التركية والكردية والعراقية المجاورة، ومع إيران أيضًا. وفي الحالة المصرية، انتقلت السياسة الأميركية من التركيز على مبادئ الديمقراطية في إعلان دعمها الثورة ضدّ مبارك، إلى المصالح الأمنيّة بعد تموز / يوليو 2013.
وفي مقارنة للسياسة الأميركية تجاه التحوّل الديمقراطي بين حالة أوروبا الشرقية في تسعينيات القرن الماضي وحالة العالم العربي منذ 2011، خلص الباحث غسان العزي إلى أنّ واشنطن تعاملت مع الثورات الشعبية العربية ببراغماتية مفرطة، وبطريقة مختلفة من حالةٍ إلى حالة. وتكيّفت مع التغيّرات؛ ففي مصر مثلًا، تكيّفت مع حكم الإخوان المسلمين، ثمّ مع نتائج ما حدث ضدّهم. أي أنّها لم تتعامل مع الموضوع على أساس أنّه تحوّل ديمقراطي ينبغي دعمه ورعايته بغية تعزيزه لاحقًا كما سبق وفعلت مع التحوّل في أوروبا الشرقية السابقة. وأسباب ذلك عديدة؛ منها المصلحة الإسرائيلية، والظروف الدولية والداخلية الأميركية المختلفة ما بين حقبتَي الرئيسين ريغان وأوباما. هناك أيضًا أسبابٌ تعود إلى المجتمعات العربية التي تتصارع فيها النماذج (الإسلامية، والعلمانية، والقومية وغيرها)، في حين أنّ المجتمعات الأوروبية الشرقية كانت تتطلّع إلى النموذج الغربي، ووجدت من يساعدها على انتهاجه.
وفي الجلسة ذاتها، قال الباحث رضوان زيادة متحدّثًا عن تعامل السياسة الأميركية مع الثورة في سورية إنّ الموقف الأميركي الآن يرغب في إنهاء الأسد، لأنّ انتصاره يعني انتصارًا لحزب الله وإيران. ولكنّه في الوقت نفسه لا يريد انتصار المعارضة عسكريًّا؛ فهي ما زالت ترغب في تحقيق الانتقال السياسي من دون الأسد، ومن دون حسمٍ عسكري يمكّنها من الانتصار.
وفي اليوم الثاني تناولت الجلسة الأولى "المقاربات الأميركية تجاه الثورات العربية"، والثانية "إشكاليات التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي والسياسة الأميركية (حالتا تونس ومصر)"، وكان موضوع الجلسة الثالثة " اتجاهات العلاقات الأميركية مع الدول العربية في شمال أفريقيا"، والرابعة " أسئلة في السياسات الأميركية تجاه السودان واليمن". وفي اليوم الأخير، خصّصت الجلسة الأولى لموضوع "علاقات الولايات المتحدة مع القوى الإقليمية والدولية وانعكاساتها على الدول العربية"، والجلسة الثانية لموضوع "القضايا الإشكالية في العلاقات العربية - الأميركية: فلسطين والعراق".