بدون عنوان

أكد الدكتور عزمي بشارة مدير عام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات-معهد الدوحة أن التغيير في سورية أمر لا محالة واقع وأن النظام في سورية حاله كحال كل الأنظمة العربية المستبدة آيل للزوال.

وقال بشارة في افتتاح الندوة التي ينظمها المركز بالدوحة تحت عنوان "سورية بين خيارات ومصالح القوى السياسية والاجتماعية واحتمالات التغيير"، إن النقاش ليس بخصوص إن كانت الثورة في سورية ستنجح في تغيير النظام، ولكنه حول طبيعة التغيير وكيف سيكون.

وأضاف أن سيناريو تونس ومصر بانضمام الجيش إلى المتظاهرين مستبعد في سورية  كما أن النظام يركز على تشتيت الشعب بتغذية الاصطفافات الطائفية والعرقية في ضرب التحرك الشعبي، إلى جانب تشديد القوة القمعية الأمنية. كما استبعد تكرار سيناريو ليبيا أو العراق، لأنه مرفوض على أكثر من صعيد، إذ ترفضه الثورة السورية لأنه سيعزز ادعاءات "المؤامرة الخارجية" التي يروج لها النظام وإعلامه، بالإضافة إلى أن الشعب السوري هو أقرب الشعوب العربية التي وقفت على تجربة سيناريو التغيير المسنود من الخارج في العراق فلن يقبل بأن يتكرر هذا في سورية.

وشدد مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في بداية كلمته على أن الندوة التي تتناول الثورة الشعبية السورية ليست منبرا للمعارضين، ولكنها ندوة فكرية تحاول أن تقدم رؤية وإطارا للنقاش حول طبيعة الثورة الشعبية السلمية في سورية، ولذلك حرص المركز على دعوة نخبة من أصحاب الفكر والباحثين المشهود لهم برصيدهم المعرفي والفكري، من أجل تقديم الرؤى الاستشرافية والأفكار المعمقة من زوايا نظر متعددة ومختلفة حول المشاهد الأساسية الراهنة والمحتملة في سورية.

وأوضح الدكتور عزمي بشارة أن الواقع العربي يفرض التغيير نظرا لطبيعة الحكم الاستبدادي والتركيبة السياسية للنخب الحاكمة ومقدار التركيز الأمني في إدارة دفة الحكم، حيث لم تعد الشعوب العربية تحتمل الاستمرار في العيش في ظل هذه الأنظمة، منوها إلى أن التغيير سيكون بأشكال مختلفة من دول عربية إلى أخرى. ومن هذا المنطلق فإن الحالة السورية هي حالة تندرج ضمن إطار الأنظمة العربية الاستبدادية مع اختلافات معينة أولها أن النظام السوري أحد الأنظمة التي تستند إلى أيديولوجية حزب حاكم له تاريخه وخلفياته وقاعدته الاجتماعية، وكان في السابق يطرح فكرة جلبت إليها الكثير ممن يحملون أمل تحقيقها، غير أن النظام ابتعد عن تحقيق هذه الفكرة وشكل تحالفات مع أصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال مغرقا في الفساد والقمع الأمني.

وأكد بشارة أنه حتى وإن تم تسجيل ردود أفعال عنيفة دفاعا عن النفس.. فإنها تبقى حالات استثنائية ومحدودة ولا يمكن أن تمس بالطابع السلمي للثورة، فهذه الثورة التي تستمر في حشد أعداد هائلة من أبناء الشعب السوري لأزيد من 4 أشهر وتتسع على كل هذا النطاق في البلاد هي ثورة شعبية سلمية غير مسبوقة في سورية. وأردف قائلا بأن ما يحدث اليوم هو أن الشعب مستمر في نضاله وثورته والنظام يضعف ويتآكل باستمرار.

وأشار الدكتور عزمي إلى أن هناك العديد من الإنجازات التي حققتها الثورة في سورية بما فيها تغييرات أحدثها النظام في طريقة تعامله مع المعارضة وفتحه المجال أمامها لتعبر عن نفسها، مشيرا إلى أن إنكار هذه التغييرات سيكون إنكارا لإنجازات الثورة في حد ذاتها.

وفي حديثه عن المثقفين والثورة السورية والثورات العربية عموما، أكد مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن مثقفي الأنظمة قد أسقط في يدهم ولم يعودوا قادرين على تبرير استمرار الأنظمة المستبدة من منطلقات قيمية، فلم يعودا يقولون أن الأنظمة جيدة وصالحة ولكنهم صاروا يتعاملون مع الوضع الجديد من منطق ميكافيلي يقول إن هذه الأنظمة قوية ومستعصية على التغيير. وفي المقابل فإن المثقفين الذين ظلوا طيلة عقود ينادون إلى التغيير قد أصيبوا بارتباك شديد بعد أن اكتشفوا أن الثورة ليست كما في الكتب وأن الشارع يتحرك بشكل لا يطابق الشكل الذي كانوا يتحدثون عنه.

ودعا الدكتور عزمي المثقفين والقوى السياسية إلى عدم التيهان بالإسراع إلى طرح مختلف أيديولوجياتهم ليُحمّلوها للثورات العربية، لأن الحقيقة أن الشعوب العربية تسعى إلى التغيير وخرجت للاحتجاج والتظاهر ضد الاستبداد، والجواب على هذا الواقع هو الديمقراطية، لذلك فالأولوية هي لتحقيق الديمقراطية بديلا عن الحكم الاستبدادي.


الخلفيات الطبقية والاجتماعية التي انتشر فيها التحرك الشعبي

وشهد اليوم الأول من ندوة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات حول سوريا أربع جلسات بمشاركة نخبة من الباحثين والخبراء من سورية وخارجها، حيث سجل حضور الدكتور هيثم مناع والدكتور عارف دليلة والدكتور الطيب تيزيني والدكتور سلام الكواكبي والدكتور برهان غليون والدكتور محمد مخلوف والدكتور حسان الشلبي والدكتور سمير التقي وسمير العودات، وغيرهم.

وقد تناولت الجلسة الأولى من الندوة طبيعة القوى الاجتماعية المشاركة في التحرك الشعبي في سورية، من خلال إبراز الخلفيات الطبقية والاقتصادية والاجتماعية الأهلية للمناطق والفئات التي انتشر فيها التحرك الشعبي. وبقدر ما أبرز المتدخلون في هذه الجلسة دور العوامل الاجتماعية والاقتصادية في إشعال شرارة الاحتجاجات والثورة الشعبية في سوريا بسبب اتساع دائرة شظف العيش وطحن الطبقات الوسطى والأقل حظا في الاستفادة من توزيع الثروة الذي حصره النظام في دائرة الموالين والمتحالفين معه من أصحاب الأموال ورجال الأعمال بعلاقات قوامها الفساد والزبائنية.

كما تطرقت الجلسة الأولى التي ترأسها الدكتور عزمي بشارة إلى تقييم وزن المطالب الاجتماعية في حركة التغيير، حيث وإن كانت هي الشرارة فإنها لم تعد في المراحل التالية للثورة بوزن المطالب السياسية بتغيير النظام.

وقد أوضح الدكتور هيثم مناع في مداخلته إلى أن الشعب السوري يصر على مواجهة الطائفية رغم كل التحريض والجهد الذي تقوم به السلطة الآن لإشعال الفتنة الطائفية، وأكد أن الثورة الشعبية في سورية رفعت شعار لاءات ثلاث: لا للعنف، لا للطائفية، لا للتدخل الخارجي، مؤكدا أن إستراتيجية النظام في مواجهة التحرك الشعبي ترتكز على محاولة كسر هذه اللاءات الثلاث من خلال إذكاء النعرة الطائفية وإلصاق تهمتها بالثورة والترويج لأن ما يحدث هو صنيعة مجموعات مسلحة تروع المواطنين، وكذا إلصاق تهمة الخيانة والمؤامرة الأجنبية بالتحرك الشعبي.

ومن جانبه، أبرز الدكتور جمال باروت الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي صنعه النظام السوري كنتيجة  لسياساته طيلة 40 سنة مشددا على أن توزيع الدخل في سورية يفتقد إلى العدالة الاجتماعية كما ارتفع معدل الفقر في السنوات العشر الأخيرة من 11.5% إلى 34.3%.


طبيعة النظام السوري ومدى قابليته للإصلاح والتغيير

وبعد تحليل التحرك الشعبي ومكوناته ومطالبه، تناولت الجلسة الثانية من الندوة بالتحليل والنقاش طبيعة النظام في سورية وقابليته للإصلاح والتغيير من خلال محاولة تحديد بنية النظام وركائزه الاقتصادية وتحديد طريقة تعامله مع التحرك الشعبي، بالإضافة إلى تناول دور حزب البعث والأمن والجيش.

وخلصت الجلسة التي ترأسها الدكتور وجيه كوثراني إلى أن طبيعة النظام السوري الحالي تشير إلى أن أي تغيير يحدث وهو ما يزال قائما فإنه لن يخرج عن هيمنة الحزب الواحد وأن تغيير النظام وتحقيق ديمقراطية تعددية حتمية يفرضها الإصرار الشعبي على إنهاء ما بدأه باقتلاع هذا النظام الذي لم يعد ممكننا الاستمرار في العيش تحت سلطته.


أي دور للمعارضة السورية

وقد تناولت الجلسة الثالثة من اليوم الأول دور المعارضة وتقييم أدائها لغاية اليوم في ظل التحرك الشعبي ومدى توافر رؤى سياسية لديها لمستقبل سورية. وفي الجلسة الرابعة والأخيرة من اليوم الأول من ندوة سورية، تطرقت المداخلات إلى احتمالات التغيير ودور القوى الدولية، حيث تناولت الجلسة عدة محاور من بينها أدوار كل من أميركا وفرنسا والغرب عموما خلال الانتفاضة الشعبية

وكذا الدور التركي وردود الفعل العربية، مثلما تناولت الجلسة السياسة الخارجية للنظام والمواجهة مع إسرائيل وتأثيرهما على مسار الأحداث، وكذا ايران وحزب الله وعلاقة النظام السوري بحركات المقاومة وتأثير ذلك بالأحداث.

وتختتم أعمال ندوة "سورية بين خيارات ومصالح القوى السياسية والاجتماعية واحتمالات التغيير" غدا الأحد بتنظيم جلسة نقاشية يترأسها مدير عام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتور عزمي بشارة.