بدون عنوان

أصدر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب "مصر الثورة وشعارات شبابها: دراسة لسانية في عفوية التعبير" للدكتور نادر سراج. ويطمح الكتاب إلى مقاربة الشعار السياسي مهتوفا ومكتوبا أو متناقلا عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة ليس بوصفه تلفظ لغوي ناقل لرسالة معينة فحسب، وإنما بوصفه فعلا سياسيا تغييريا مكّن الفاعلين الاجتماعيين من إنجاز أفعال ملموسة على أرض الواقع. وتكمن أهمية دراسة الشعارات السياسية من وجهة نظر لسانية وظيفية في إبراز دور المناهج التحليلية البنيوية والأدوات اللسانية في مقاربة دراسة لغوية تطبيقية، إن على مستوى آليات جمع المادة أو تصنيفها، أو على مستوى تفكيك بنى الخطاب الشعاراتي، أو على مستوى دراسة المكوّنات وتحليل المضامين وإبراز الدلالات، في ضوء التبدّلات الحاصلة لجهة منشئي الشعار.

ويتوخى الكتاب حسب مؤلفه مقاربة موضوع شعارات ثورة 25 يناير 2011 في مصر من وجهة نظر لسانية. فمنظومة الشعارات والهتافات التي ابتدعها شباب الثورة ورددوها في ميادين القاهرة وغيرها من المدن المصرية وما استتبعها من كتابات جدارية ورسوم غرافيتية وتعليقات ونكات، تشكّل مدوّنة قابلة للفرز والتصنيف والدرس والتحليل في ضوء المبادئ اللسانية. واعتمد الفريق المُعدّ للمدونة والمكون من باحثين لبنانيين ومصريين على 1700 شعار تشكل قاعدة بيانات.

وتنقسم هذه الدراسة إلى ثلاثة أقسام، فيتناول القسم الأول التراكيب واستخدام الضمائر، ويعالج الثاني قضايا البلاغة من خبر وإنشاء وخروج اللفظ عن مقتضى الظاهر، ويتطرق الثالث إلى الدراسة السيميائية لرموز المظهر والملبس والمأكل وغيرها.

يتكون القسم الأول من الكتاب من خمسة فصول، يتناول أولها اللغة الشعاراتية التي لا تختلف وظائفها عن وظائف اللغة عمومًا كونها استجابية ومعرفية وتواصلية وتعبيرية وتمثيلية واجتماعية. فيما تناول الفصل الثاني منتجي هذه الشعارات والهتافات ومروجيها: مواطنين ونشطاء ومناضلين. أما الفصل الثالث، فقد تناول وظيفية الشعار التجميعية الحاثّة على المشاركة في الفعل السياسي، إضافة إلى وظيفة التنبيه أو التحريض التي استعمل لأجلها الشعار. وفي الفصل الرابع، تناولت الدراسة إصرار الثوّار على توضيح مواقفهم ولو عنى ذلك استعمال لغة أجنبية، أو لغة لاذعة حيث أن المطلوب هو إيصال الرسالة بوضوح ويسر ومباشرة. ويتناول الفصل الخامس موضوع الضمائر المستعملة في الشعارات حيث احتل ضمير المتكلم المرتبة الأولى فيما حل ضمير الغائب ثانيا، ليحل ضمير المخاطَب ثالثا، الأمر الذي يدل على رغبة مطلقي هذه الشعارات في إيصال رسالة سياسية بلغة مباشرة.

في القسم الثاني الذي تناول بلاغة الواقع، تمحور الفصل السادس حول الجملة الخبرية والجملة الإنشائية في خدمة الشعارات، مستعرضا وجهتي نظر العالمين الكبيرين كلود حجاج وأندريه مارتينه، بينما تناول الفصل السابع التناص بين الشعار والفنون المرئية، فأعادت الدراسة الكثير من الشعارات إلى النصوص التي أخذت منها سواء أكانت مسرحيات أو أفلاما أو أغاني. أما الفصل الثامن فتم تخصيصه لدراسة شعار "ارحل" بوصفه أنموذجا لخطاب الاعتراض.

تناول الفصل التاسع من القسم الثالث المخصص للدراسة السيميائية للشعارات، رموز التلاقي بين الأديان والجماعات ومن بينها الصليب والهلال الذين ارتسما على الخدود والجباه بألوان العلم المصري مؤكدين على الحضور القوي للدين في الخطابين السياسي الاحتجاجي والاجتماعي المطلبي. في الفصل العاشر، تلاحظ الدراسة أن الحصيلة اللغوية لهذا الحراك الشاب قد حفلت بنماذج حيوانات أليفة تم استحضارها، وخصوصا بعد ما اصطلح على تسميته بموقعة الجمل فحضرت الجمال والبعير والكلاب كما النسر الذهبيّ. وفي الفصل الحادي عشر المعنون بسيميائية المأكل وكلماته في الشعار السياسي تم الحديث عن حضور أصناف الطعام المختلفة في الشعارات الثورية التي رفعت، إذ كان شعار "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" واحدا من أشهر الشعارات التي رفعت خلال الثورة. وفي ذات الإطار السيميائي، حضرت أسماء وسائل النقل ورمزيتها السياسية، وذاك موضوع الفصل الثاني عشر؛ فحضرت الطائرة وتذكير مبارك بها وهو الذي كان طيارا. وسعى الفصل الثالث عشر إلى تحليل ثقافة الملبس، فلاحظ أنّ الاستعارات السياسية المستمدة من عالم الملبوسات لم تنشأ من فراغ تعبيري، فأطراف الصراع السياسي على اطلاع كافٍ عليها وعلى مدلولاتها والتداعيات التي تعكسها دلالاتها السيميائية في أذهان مستخدميها.

يحسب لهذا الكتاب أنه يمكّن الباحث اللساني من دراسة كيفية وآليات التفاعل الحاصل بين المتكلمين من جهة وقضايا الواقع التي يعيشونها من جهة أخرى، كما أنه يثبت قدرة الدراسات اللسانية المتوجهة نحو البحث الاستقصائي الميداني على إفساح المجال أمام الباحثين اللسانيين كي يولوا لغاتهم الأم ووظائفها التعبيرية والبلاغية في الخطاب السياسي أهمية متزايدة.


يمكنك شراء نسخة مطبوعة من كتب المركز ومعرفة أقرب موزع بالضغط هنا.