بدون عنوان

الدكتور النور حمد

في إطار السمنار الأسبوعي الذي ينظّمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قدّم الدكتور النور حمد يوم الخميس 26 شباط / فبراير 2015 محاضرةً تحت عنوان "النقلة البرادايمية في نهج التجديد لدى محمود محمد طه" (1909-1985)، تناول فيها الباحث مفهوم "النقلة البرادايمية"، والمنهج الذي اتّبعه المفكّر السوداني محمود محمد طه، في دعوته لتجديد الفكر الديني الإسلامي.

قدّم الباحث تعريفًا لكلمة "بارادايم" موضحًا أصلها. ثمّ عرّفها في سياق المحاضرة بـ "الإطار المفهومي"؛ فسيادة إطار مفهومي، فكري وتطبيقي، تحكمه رؤية عامة، تصدّت لإشكالات فترةٍ بعينها، بمحصّلة معارف زمنٍ بعينه، ولفترةٍ بعينها، تُسمّى "بارادايم". وأضاف الباحث أنّ مفهوم "النقلة البرادايمية" paradigm shift، يعود إلى الأميركي توماس كن Thomas Kuhn، الفيلسوف ومؤرخ العلوم الطبيعية. ويعني المصطلح، بصورة مجملة، أنّ التراكمات التي تحدث داخل إطار مفهومي، في حقبةٍ تاريخية معيّنة، وفي إطار ظروف معيّنة، تقود في نهاية الفترة التي يسودها ذلك الإطار المفهومي إلى ظهور إشكالات. ثم لا تلبث تلك الإشكالات أن تتحوّل إلى تحدّيات كبيرة، سرعان ما تتحوّل إلى نقيضٍ، للإطار النظري القائم. فكلّ "بارادايم"، أو "إطار مفهومي"، تنتج منه عادةً، قبل انتهاء فترة سيطرته على التصورات السائدة، "أزمة" تفتح الطريق للتفكير في البحث عن "إطار مفهومي جديد"، ومن ثمّ يجري التحوّل إلى البارادايم الجديد.

تناول العرض المقدَّم في السمنار المنهج الذي اتّبعه المفكّر السوداني، محمود محمد طه، في دعوته لتجديد الفكر الديني الإسلامي. وحاول إيضاح أنّ ما قام به من اجتهادٍ مثّل نقلةً برادايمية في تاريخ الفكر الإسلامي؛ فقد قامت اجتهادات السلف، منذ نشأة الفقه، إلى يومنا هذا، على أنّ الاجتهاد إنّما يكون في ما ليس فيه نصّ؛ وذلك بناءً على الحديث المعروف الذي رواه جابر بن عبد الله. ولكن، على خلاف ما قام عليه الفقه الإسلامي الذي اعتمد في الأمور التي لم يرد فيها نصّ قطعي الثبوت والدلالة، على الإجماع والقياس والمصالح المرسلة والأعراف، وغيرها، يرى محمود محمد طه أنّ المشكلة تتمثّل، في أحيان كثيرة، في نصوص قطعية الثبوت والدلالة؛ فقتال غير المسلمين، وحقوق أهل الذمة غير المساوية للمسلمين، والرقّ، وحقوق المرأة في الشريعة غير المساوية لحقوق الرجال، وغير ذلك، قد قامت جميعها، على نصوص ثابتة، قطعية الدلالة.

وأوضح الباحث أنّ محمود محمد طه استعرض طائفةً واسعة من النصوص القرآنية التي رأى أنّها لم تعد تلائم المجتمعات الحديثة، ولا فكرة الدولة الحديثة، وحقوق المواطنين فيها. وللخروج من هذا المأزق، نقّب محمود محمد طه في القرآن، وفي مبحث الناسخ والمنسوخ. وأتى بفكرة أنّ القرآن المكّي يمثّل أصول القرآن، وأنّ القرآن المدني يمثّل فروع القرآن؛ فالرسالة الإنسانية الشاملة للإسلام، متضمنة في القرآن المكّي، وليست في القرآن المدني الذي تأسّس عليه التشريع، منذ القرن السابع الميلادي. والقرآن المكّي هو الذي ينصّ على الإسماح، وعلى الديمقراطية، وعلى المساواة التامة، في الحقوق والواجبات؛ بين المسلمين، وغير المسلمين، وبين الرجال والنساء. أوضح الباحث أنّ محمود محمد طه يرى أنّ أحكام الفروع (الآيات المدنية)، ليست سوى وضع انتقالي نحو تطبيق الأصول (الآيات المكّية)، حين يحين وقتها؛ أي حين تصبح الديمقراطية والاشتراكية والمساواة ممكنةً، بتقدّم الحياة وتطوّر المجتمعات؛ فالتناقضات الحادة بين أحكام آيات الفروع، ومتطلبات الحياة الحديثة، هي ما يشير، وبقوة، إلى أنّ الاحتكام إلى القرآن، ينبغي أن يكون اليوم إلى أصوله لا إلى فروعه. وخلص الباحث إلى أنّ هذا النمط من الاجتهاد يمثّل نقلةً برادايمية، خرجت من نمط الاجتهادات القديمة، وواجهت الإشكاليات في أصلها.

ودار نقاشٌ طويل وشائق بين المحاضر والحضور، أثار فيه المناقشون ملاحظات مختلفة بخصوص الفقه الإسلامي الموروث، مشيرين إلى أنّه أظهر في كثير من جوانبه، انفتاحًا على التجديد والتطوير. وأشار بعض المناقشين إلى صعوبة قبول طرح محمود محمد طه.