بدون عنوان

أكّد المتحدثون في ندوة أكاديمية نظّمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات اليوم (السبت 25 نيسان / أبريل 2015) أنّ التحرك العربي الذي بدأ بعاصفة الحزم لن يحقّق الاستقرار لليمن في ظل استمرار غياب عنصرين أساسيين: أولهما، أن يضع التحالف الذي تقوده السعودية أهدافًا إستراتيجية محدَّدة للعمليات العسكرية تكون هي الموجّه لتطورات العمليات. وثانيهما، التحوّل إلى تحرّك يتجاوز محدودية تأثير القصف الجوي عبر عمليات برية، على أن يخدم ذلك كله الوصول إلى حلٍ سياسي شاملٍ عبر الحوار بين مكونات الأزمة اليمنية، مع ضرورة أن تحقّق عاصفة الحزم هدفها في قطع الطريق أمام التدخل الإيراني ووقف تمدّده.

 
جانب من للندوة

نظّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ندوة أكاديمية بعنوان: "اليمن بعد العاصفة" بمشاركة عددٍ من الباحثين المتخصصين في القضايا العربية والشأن اليمني.

من الجلسة الأولى للندوة

وتركّزت الأوراق التي قدمها المتحدثون في جلسات الندوة الثلاث على التطورات المحتملة للأزمة اليمنية من خلال تحليل المشهد المحلي اليمني وتعقيداته، وكذا السياقات الإقليمية والدولية المرتبطة بها.

وتوافق كل من الدكتور خالد الدخيل والدكتور أندرياس كريغ في الجلسة الأولى من الندوة على أنّ عملية "عاصفة الحزم" جاءت متأخرة بالنظر إلى أنّ التمدّد الحوثي بدأ منذ عام 2013 وقد تحكم في مفاصل الدولة اليمنية بعد السيطرة على العاصمة صنعاء. كما اتفقت تحليلاتهما على أنّ التحرّك العربي الذي تقوده السعودية سيضطر في الأخير إلى تدخلٍ عسكري بري من أجل فرض العودة إلى الحوار على أطراف الأزمة وإيجاد حلٍ توافقي بينها ، على الرغم من اختلافهما بشأن طبيعة التدخل البري.


العمليات الجوية لن تحقق أهداف التحالف

د. أندرياس كريغ

وقال الدكتور أندرياس كريغ الخبير والمستشار في الإستراتيجيات العسكرية إنّ عاصفة الحزم جاءت متأخرة لأنّ جماعة الحوثي لم تجد من يردعها طوال أكثر من عام على التمدّد وإحكام السيطرة على اليمن كله، لكنه يرى أنها عملية ضرورية؛ إذ كان هناك حاجة لوقف التمدد الحوثي.

وفي تحليله للإستراتيجية العسكرية للحملة الجوية في اليمن، رأى كريغ أنّ العمليات الجوية لن تحقق أهداف التدخل في اليمن، وبخاصة في ما يتعلق بنزع سلاح ميلشيات الحوثي أو إنهاء تهديدها. وأوضح أنّ الضربات الجوية تحقّق أهدافًا محدودة وهي بحاجة إلى معلومات استخبارية كثيفة من أجل إصابة أهداف مؤثرة. ويؤكد أنّ التحالف الذي تقوده السعودية يحتاج إلى وضع إستراتيجية موحدة يتفق عليها جميع المشاركين فيه، وتكون لديهم رؤية واضحة بشأن الأهداف الواجب تحقيقها في اليمن مع التأكيد على أنّ التدخل العسكري يجب أن يخدم الوصول إلى حلٍ سياسي اجتماعي عبر حوار شامل بين أطراف الأزمة اليمنية.

وأوضح أنّ التحالف مضطر، من أجل تحقيق أهدافه، إلى حسم الأمور بريًا في ظل تعنّت جماعة الحوثي والموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح، وبخاصة أنّ استمرار القصف الجوي لوقت أطول يصبّ في مصلحتهم من دون أن يكسر شوكتهم. ولكنه أوضح أنّ التدخل برًا ينطوي على صعوبات من بينها أنّ الشعب اليمني أو جزءًا منه سينظر إلى القوات المتدخلة بوصفها غازيًا أجنبيًا، إضافة إلى أنّ التحالف الذي تقوده السعودية ليس لديه حبرة سابقة بحرب العصابات، وما تنطوي عليه الحرب البرية أيضًا من فوضى وأضرار جانبية. وحلل كريغ الخيار الثاني للتدخل البري أو ما أسماه الحرب بالوكالة عبر دعم قبائل وتشكيلات يمنية لدحر الحوثيين؛ وهو الخيار الذي سيطيل أمد النزاع، كما أنّ بعض مكونات التحالف مثل الإمارات ومصر لن توافق على دعم قبائل مقربة من الإخوان المسلمين وحزب الإصلاح اليمني أو الإسلاميين عمومًا. وأوضح أنّ هذا الخيار ينطوي دائمًا على مخاطر دعم الطرف الخطأ.


حتى لا تصبح القاعدة من يدافع عن السنة

د. خالد الدخيل

ورأى خالد الدخيل الباحث في علم الاجتماع السياسي أنّ تأخر التحرك العسكري العربي بقيادة السعودية قد يكون مرتبطًا بسياسة الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله؛ فالسعودية لم تحرك في حياته ساكنًا وهي ترى الحوثيين يتمددون ويسيطرون على العاصمة صنعاء، بل إنها قبلت اتفاق السلم والشراكة الذي فرضه الحوثيون على القوى السياسية اليمنية. وأوضح أنّ الأمر يبدو مختلفًا تمامًا مع الملك سلمان بن عبد العزيز، فلم يمرّ شهر على توليه حكم المملكة العربية السعودية حتى أطلق "عاصفة الحزم" التي تشير بعض التقديرات إلى أنّ التخطيط لها سابق على توليه الحكم، ولكنّ سلفه لم يتّخذ قرار التنفيذ.

وشدّد الدخيل في الورقة التي قدّمها بعنوان: "الأبعاد الإقليمية والدولية للصراع اليمني" على أهمية تحالف "عاصفة الحزم" كونها أول مرة منذ عام 1973 يقرر العرب أن يشكلوا تحالفًا بأنفسهم ويخوضوا حربًا. وأوضح أنّ العاصفة إن كانت موجّهة عسكريًا ضد الحوثيين، فإنها موجّهة سياسيًا وإستراتيجيًا نحو إيران وتمددها الإقليمي بعد أن كانت صنعاء رابع عاصمة عربية تمسك طهران بزمامها عبر أذرعها المحلية بعد كل من بيروت ودمشق وبغداد.

وتوقع الدخيل أنّ هذه الحرب غير المباشرة التي تخوضها السعودية ومن ورائها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ضد إيران، تنذر بأنّ المواجهة المباشرة ممكنة مستقبلًا في ميدان ما من ميادين المنطقة العربية. ومن هذا المنظور، يرى الدخيل أنّ على المملكة العربية السعودية أن تعزّز قدراتها الاقتصادية والإستراتيجية بما يتوافق مع المكانة التي وضعتها فيها مبادرتها بقيادة التحالف في توازنات القوة بالمنطقة لوقف الزحف الحوثي والإيراني. وشدّد على أنّ ذلك أيضًا يستدعي أن تكون السعودية جاهزة لأي مواجهة عسكرية مع القوى الأخرى في المنطقة. ورأى أنّ المشكلة مع إيران لا تكمن فقط في سعيها لدور ونفوذ إقليميين، وإنما في رغبتها أيضًا في أن يكون لها دور في الصراعات الداخلية في الدول العربية نفسها.

وعبّر الدكتور خالد الدخيل عن اقتناعه أنّ "عاصفة الحزم" ستليها في النهاية عمليات برية من أجل تحقيق أهداف التدخل، وفي مقدمتها نزع سلاح جماعة الحوثي الذي لن تستقر أوضاع اليمن مع بقائه في أيديها، وكذلك قطع الطريق أمام تحوّل القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية إلى المدافع عن أغلبية اليمنيين السنة مثلما حدث ذلك في سورية والعراق. ويرى أنّ من أسوأ ما تسبب فيه التمدد الإيراني الطائفي بدعمها ميلشيات شيعية، هو ظهور تنظيمات متطرفة وأخرى إرهابية بوصفها مدافعًا وحيدًا عن السنة، لذا على السعودية وباقي الدول العربية أن توصدّ هذا الباب وتقف هي في مواجهة مخططات إيران.

وقد تحدث في الجلسة الأولى من الندوة كل من فهد العرابي الحارثي رئيس مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام وعضو مجلس الشورى السعودي، وأنور الرواس الأستاذ بجامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان. وقدّم الحارثي نظرة عن الموقف السعودي من الأزمة في اليمن، مؤكدًا أنّ السعودية لم تتدخل عسكريًا في اليمن إلا عندما كان هناك طرف خارجي يتدخل فيه، وقد حدث ذلك في تدخل عبد الناصر في اليمن، ثم الآن مع التدخل الإيراني عبر ذراعها الحوثي. من جانبه، أوضح الرواس أنّ الموقف العماني من الأزمة اليمنية ينطلق من مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وإعطاء أبناء الوطن الواحد الفرصة للتوافق والتوصل إلى حل مشاكلهم وحدهم.


مسؤولية القوى اليمنية

جانب من الحضور في الندوة

وتحدث الدكتور فؤاد الصلاحي أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء في الجلسة الثانية للندوة التي كانت بعنوان "ديناميات الصراع الداخلي في اليمن"، وأكّد أنّ الخطر الأكبر على أي حوار وطني مستقبلي في اليمن هو أن ينحصر في القوى السياسية نفسها التي أخفقت في الحوار السابق وشاركت في صناعة الأزمة الحالية. وأوضح أنّ القوى السياسية اليمنية التقليدية تستند إلى تحالفات خارجية لرسم أجنداتها. وقال إنّ الثورة الشعبية اليمنية شهدت حراكًا شعبيًّا مدنيًّا منقطع النظير، في حين سيطرت على القوى السياسية اليمنية التقليدية حسابات ضيقة ولم تفكر ببناء دولة وطنية، وهو ما تسبب في العثرات المتتالية التي عوقت الحوار الوطني وخريطة طريق المبادرة الخليجية، ومكّن القوى المضادة ممثلة في جماعة الحوثي والموالين لعلي عبد الله صالح التمدد وإمساك زمام الأمور.

وقال عبد الله بن هذال، عضو مؤتمر الحوار الوطني والقيادي في الثورة الشبابية اليمنية، إنّ المؤسسة العسكرية اليمنية بتركيبتها الحالية لن تنفع اليمن في تحقيق استقراره لأنّ علي عبد الله صالح بنى الجيش اليمني على أسس مناطقية وعشائرية؛ إذ هيمنت عائلته على مفاصل صنع القرار في المؤسسة العسكرية، كما يعد أكثر من 70% من قيادات الجيش موالية له. وقد تحوّل الجيش إلى أداة انتقام علي عبد الله صالح من الشعب اليمني، ولذلك تحالف مع الحوثيين للاستمرار في الهيمنة على صناعة القرار في اليمن.

وقد خصصت الجلسة الثالثة في الندوة لمناقشة واقع انهيار الدولة وصعود دور الجماعات المسلحة في اليمن، وتأثير هذا الواقع في تصور الحلول المستقبلية الممكنة للأزمة اليمنية. واختتمت الندوة بجلسة نقاشية عامة حول سيناريوهات تطور الأزمة وآفاق الحل.