بدون عنوان

توقعات الخبراء المشاركين في الندوة تفاوتت بشأن أمد تعافي أسعار النفط

نبّه خبراء ومحللون اقتصاديون شاركوا في ندوة نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، إلى الانعكاسات السلبية المحتملة على الدول المصدرة للنفط في حال استمرار تراجع أسعار النفط لفترة تمتد إلى ما بعد عام 2016. وأكد المشاركون، ومن بينهم وزراء نفط سابقون، أنّ أسعار النفط ستظل تعرف دورات ارتفاع وانخفاض، وأنّه يتعين على الدول المصدرة أن تستوعب ذلك وترسي أسس تنويع حقيقي لاقتصاداتها حتى لا تظل مرتهنة لإيرادات النفط التي تمثل حاليًا ما بين 85 و95% من إيرادات موازنات الدول العربية الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك".

وقدّر بعض الخبراء أنّ إصرار منظمة أوبك، تحت قيادة السعودية، على عدم خفض إنتاجها لدفع الأسعار نحو الارتفاع مجددًا، بحجة الضغط على السوق للحفاظ على حصص دول المنظمة وكبح توسع إنتاج النفوط غير التقليدية، وفي مقدمتها النفط الصخري الأميركي، هي محاولة لا جدوى منها؛ لأنّ مفعولها ظرفي وسيعود إنتاج النفط الصخري للارتفاع بعد عودة تزايد الأسعار مباشرة.

وتوقّع محللو أسواق النفط المشاركون في الندوة التي كانت بعنوان "تداعيات انخفاض أسعار النفط على الدول المصدرة"، أن تدفع عوامل العرض والطلب إلى تباطؤ معدّل تراجع أسعار النفط في نهاية العام الحالي، لتعود الأسعار إلى الاستقرار في عام 2016 ثم لترتفع قليلًا.


عوامل متعددة وإستراتيجيات مكلفة

استأثرت محاولة فهم العوامل المتحكّمة في أسعار النفط وتحديدها بقسم كبير من مداخلات الخبراء ووزراء النفط السابقين ومحللي الأسواق المشاركين في الندوة على اعتبار أنّ فهمًا أفضل للعوامل المحددة للأسعار يساهم في تعزيز قدرة الدول المصدرة على المناورة من أجل الحفاظ على مستويات ملائمة للأسعار، وكذلك توقع اتجاهاتها والاستعداد لأي تغيرات فيها.

ممدوح سلامة

وذهب أغلب المشاركين إلى أنّ عوامل العرض والطلب الخالصة ليست وحدها المتحكمة في تحديد الأسعار، كما أنّ مستويات العرض والطلب في حد ذاتها تخضع لعوامل جيوسياسية مثل ضمان تأمين الإمدادات من بعض المناطق التي تشهد اضطرابات.

وأشار الخبراء إلى دور ثورة النفط غير التقليدي، وبخاصة النفط الصخري المنتج في الولايات المتحدة الأميركية، في بداية تراجع أسعار النفط منذ تموز/ يوليو 2014، بعد أن تغلّب العرض على الطلب في السوق. ولكن القرار الذي ساهم في مواصلة انخفاض الأسعار من 110 دولارات للبرميل في أيلول/ سبتمبر 2014 إلى نحو 40 دولارًا بعد سنة، هو إبقاء اجتماع منظمة أوبك في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 على مستويات الإنتاج ووقف العمل بآلية كان الأعضاء قد اتفقوا عليها سابقًا، وتقضي بخفض الإنتاج في حال بلغت الأسعار مستوى معينًا من الانخفاض، ورفعه بعد تجاوز مستويات سعرية عالية.

وجاء قرار أوبك الذي أكده اجتماع حزيران/ يونيو 2015 بذريعة وقف تحمّل المنظمة وحدها أعباء استقرار أسعار السوق عن طريق خفض إنتاجها والتضحية بحصصها لمصلحة المنتجين من خارج المنظمة. ويبرز من بين المنتجين التقليديين روسيا، ومن بين المنتجين للنفط غير التقليدي كندا (النفط الرملي)، والولايات المتحدة (النفط الصخري).

وأوضح الخبير الدولي في الطاقة ممدوح سلامة، وهو استشاري لدى البنك الدولي في واشنطن، أنّ الارتفاع الكبير في أسعار النفط خلال السنوات الماضية جعل الاستثمار المكلف في إنتاج النفوط غير التقليدية مجديًا اقتصاديًا فبدأت فورة حقيقية في التوسع في إنتاجه في الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 2012، ولكن مستويات إنتاجه لم تظهر تأثيراتها في الأسعار إلا في النصف الثاني من عام 2014. ويضيف أن هذا التزايد في إنتاج النفط الصخري جعل الولايات المتحدة تبلغ مستويات غير مسبوقة من الإنتاج في حدود 8.5 ملايين برميل يوميًا مقارنة بـ 6 ملايين برميل في عام 2012، وخفض استيرادها للنفط الخارجي. وقد ترافق تزايد الإنتاج من النفوط غير التقليدية، وحتى التقليدية أيضًا، بزيادات من دول داخل أوبك ومن روسيا، مع تراجع في نمو الطلب العالمي على النفط بسبب تباطؤ بعض الاقتصادات وفي مقدمتها الصين، وكذا سياسات النجاعة الطاقوية وتقليص الاستهلاك في الدول المتقدمة. وأصبحت الحصيلة فائض عرض في السوق النفطية بمعدل مليوني برميل يوميًا، فتراجعت الأسعار ابتداءً من تموز/ يوليو 2014.

وأدى قرار أوبك الحفاظ على مستويات الإنتاج إلى زيادة وتيرة تراجع أسعار النفط لتفقد 57% من مستوياتها إلى حدود 40 دولارًا للبرميل.

ويرى سلامة أن قرار أوبك خاطئ من ناحية أن الهدف الذي يرجوه بتحييد النفوط غير التقليدية وعالية التكلفة لن يتحقق سوى لفترة قصيرة. وأوضح أن السعودية وباقي دول الأوبك تسعى للحفاظ على حصصها السوقية عن طريق دفع النفوط المكلفة إلى الخروج من السوق بعد أن ينخفض سعر النفط إلى مستوى يصبح معه الاستثمار في هذه النفوط غير مجدٍ اقتصاديًا وبهامش ربح ضيق جدًا. لكن هذا الخيار لا جدوى حقيقية منه. وأضاف أن تكنولوجيا استغلال النفط الصخري في تطور مستمر، وقد تمكنت من خفض سعر السوق المجدي (الذي يوفر هامش ربح جيد) من 80-85 دولارًا للبرميل في عام 2012 إلى أقل من 60 دولارًا للبرميل حاليًا، وهي قادرة على خفضه أكثر. كما أن خطة خفض أسعار النفط في انتظار تراجع استثمارات إنتاج النفوط المكلفة غير مجدية لأنه بمجرد عودة الأسعار إلى الارتفاع ستعود هذه الاستثمارات وبنجاعة أفضل في التحكم في التكلفة. والنتيجة أن دول أوبك وفي مقدمتها السعودية تتسبب في أزمة اقتصادية لنفسها من دون أن تجني الثمار المأمولة في السوق النفطية الدولية.


حرب حصص أم سلاح سياسي؟

عبد الله بن حمد العطية

في مقابل رأي الخبير ممدوح سلامة، ساند أغلب المحاضرين قرار دول أوبك بوقف استنزاف حصصها من السوق بتحملها لوحدها خفض الإنتاج حين تتدهور الأسعار، فيما يغتنم المنتجون خارج المنظمة هذه الفرصة لقضم بعض حصصها من السوق. ورأى وزير الطاقة والصناعة القطري السابق عبد الله بن حمد العطية الذي ترأس منظمة أوبك لعدة دورات، أنه من المجحف دعوة المنظمة كل مرة إلى خفض إنتاجها والتنازل عن حصصها فيما لا يبذل المنتجون من خارج المنظمة أي جهد في الحفاظ على مستويات مقبولة من الأسعار، بل يرفضون التنسيق مع أوبك في ذلك. وحمل على بعض الطروحات التي تسوّق لتفسير سياسي بحت لقرار أوبك مدفوعًا بضغط سعودي في سياق خطة أميركية – سعودية من أجل التسبب في خسائر اقتصادية لكل من روسيا وإيران من أجل لجم قدراتها المالية والاقتصادية للمضي قدمًا في سياساتها في أوكرانيا والشرق الأوسط. وأكد المحاضر الذي يرأس مؤسسة "عبد الله بن حمد العطية للطاقة والتنمية المستدامة"، أن هذه الفكرة لا تمت للواقع بصلة "لأننا أمام واقع فعلي في السوق تدفع أوبك وحدها تبعاته منذ سنوات، وهي لم تعد قادرة على ضمان توازن السوق وحدها من دون مساهمة المنتجين من خارج المنظمة في هذا الجهد".

كما ذهب محمد الشطي، الخبير في شؤون النفط ومدير مكتب الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول الكويتية، إلى أن عوامل عديدة تفنّد طرح "العامل السياسي" في دفع أسعار النفط إلى التراجع. وذكر منها أن قرار أوبك اتخذ بإجماع جميع الأعضاء بمن فيهم إيران التي لا يعقل أن تتآمر ضد نفسها، وأنه قرار جاء بعد دراسات وتحليل بعدم جدوى الاستمرار بخفض الإنتاج، كما أن أحد أكبر الخاسرين من القرار هو صناعة النفط الصخري الأميركي.

وأضاف الشطي أن فحصًا لتجارب سابقة لتراجع أسعار النفط يشير إلى أن الوضع الذي بلغته السوق في منتصف 2014 يشابه الوضع الذي ساد في عام 1985، إذ تسببت الأسعار المرتفعة في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات في تشجيع استثمارات كبيرة في إنتاج نفط بحر الشمال عالي التكلفة، فأغرقت السوق وتراجعت الأسعار، وهذا مشابه لحالة النفط الصخري في المرحلة الحالية. وذكّر أن تضحيات أوبك وخصوصًا السعودية بخفض الإنتاج لم تجد نفعًا لوقف التهاوي، وهو ما دفع السعودية إلى اتخاذ قرار متأخر حينها للحفاظ على حصتها من السوق وهي التي كانت المنتج المرجح وتحملت الخفض المتتالي في الإنتاج.


عودة ارتفاع الأسعار سريعًا غير مضمونة

محمد الشطي

تباينت آراء الخبراء المشاركين في الندوة في ما يخص توقعات توجه أسعار النفط في المدى القصير على الرغم من توافقهم بأن المرحلة الحالية هي دورة من دورات الأسعار ارتفاعًا وانخفاضًا. ويرى ممدوح سلامة أن أسعار النفط ستباشر مسار التعافي مع نهاية عام 2015، وستحقق مكاسب في عام 2016 لتصل نحو 70-80 دولارًا للبرميل، قبل أن تسترجع كامل ما خسرته في عام 2017. ويبرر هذا التوقع، بأن الاقتصاد العالمي لن يستطيع تحمل أسعار نفط متراجعة جدًا، إذ ستتلاشى الآثار الإيجابية لذلك في اقتصادات الدول المستهلكة بسرعة؛ لأن ما يترتب على الأسعار المنخفضة من تقليص في استثمارات إنتاج النفط والصناعات المرتبطة به، وكذا سياسات التقشف في الدول المصدرة، سيكون لها تأثير سلبي في معدلات نمو الاقتصاد العالمي. ويضيف أن الوضع الحالي للأسعار قد يزرع بذور أزمة عرض نفطي مستقبلية بسبب تراجع الاستثمارات.

من جانبه، يرى خالد الخاطر، الخبير المالي ومدير إدارة البحوث والسياسة النقدية بمصرف قطر المركزي، أن استمرار الزيادة في العرض والضعف في الطلب سيمنع الأسعار من معاودة الارتفاع لفترة تطول من الزمن. وأوضح أن استمرار ارتفاع العرض يعتمد على عاملين؛ أولهما مدى استعداد أوبك والسعودية للمضي قدمًا في رفض خفض الإنتاج، وثانيهما قدرة النفوط غير التقليدية على استيعاب التراجعات في الأسعار والتوسع في الإنتاج. ويقدر الخاطر أن الأسعار لن تعود للارتفاع جزئيًا إلى مستوى 70-80 دولارًا للبرميل قبل عام 2019. ويرى محمد الشطي أن الأسعار قد تستمر منخفضة لفترة تقارب خمس سنوات.


الدول المصدرة أمام تحدي التنويع الاقتصادي

خالد الخاطر

تشير الأرقام من مصادر متعددة إلى أن خسائر المنتجين كانت 338 مليار دولار في 2014 في حين كانت مكاسب المستهلكين 375 مليارًا، وأن دول أوبك بلغت خسارتها 78 مليارًا في عام 2014 وسيصل 436 مليار دولار في عام 2015. وتتفاوت تداعيات تراجع أسعار النفط بين الدول المصدرة بحسب الاحتياطيات المالية التي تمتلكها ومستويات الإنفاق الاجتماعي التي تتحملها في موازناتها.

ويشير ممدوح سلامة إلى أن دول مجلس التعاون ستظل تحت رحمة أسعار النفط وتتعرض موازناتها للعجز ما دامت مرتهنة إلى إيرادات النفط. وهذا ما يطرح استعجال برامج تنويع الاقتصادات الخليجية. ومن جانبه، يرى عامر التميمي، المستشار الاقتصادي لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي، أن تقديرات إيرادات النفط الكويتية لهذا العام قد لا تزيد على 14 مليار دينار كويتي بما يعني أن هناك إمكانيات تحقيق عجز سنوي يصل إلى 6 مليارات دينار إذا لم تتخذ إجراءات لترشيد الإنفاق وتحسين الإيرادات غير النفطية. ويرى أن على الحكومة الكويتية والحكومات الخليجية عمومًا تقليص الإنفاق الرأسمالي والهدر في الإنفاق الجاري ومراجعة سياسات الدعم والذي تصل قيمته في الكويت مثلًا إلى 6 مليارات دينار سنويًا.

وفي نظر محمد الشطي، فإن على الدول المصدرة التعايش مع ضعف أسعار النفط لسنوات، وهو ما يحتاج إلى خطط وتدابير إصلاحية، بدءًا بترشيد النفقات والمصروفات واتخاذ إجراءات تقشفية، ومراجعة سياسة الدعم بما يسمح بتوجيه الدعم للشرائح المستحقة، ووضع خطة واضحة لتحقيق تنويع مصادر الاقتصاد، إضافة إلى التوسع في استخدام التطبيقات الشمسية في توليد الكهرباء، والاستثمار في قطاع البحث والتطوير.

ويرى الدكتور خالد الخاطر أن إمكانيات الدول الخليجية في المناورة لمواجهة تبعات تراجع أسعار النفط ليست كثيرة، إذ يؤدي الربط الجامد لعملات هذه الدول بالدولار إلى تحييد القدرة على استخدام سياسات سعر الصرف لامتصاص بعض هذه التبعات. كما أن هذه الدول لا تملك سياسة ضريبية تساهم في إيرادات الموازنة. ومن ثم، لم يعد أمام هذه الدول سوى تعديل سياسة الإنفاق لمواجهة تبعات تراجع أسعار النفط، فهي مضطرة إلى ترشيد الإنفاق والبحث عن مواضع الهدر والتبذير لتصحيحها، وكذا كبح إنفاقها الاستثماري وتأجيل بعض المشاريع المبرمجة في البنية التحتية.

وقد تحدث وزير الري الجزائري السابق، عبد المجيد عطار الذي شغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة النفط الوطنية "سونطراك" سابقًا، عن سياسات الحكومة الجزائرية لمواجهة الوضع الحالي. وأشار إلى أن الجزائر كونت في السنوات الماضية احتياطيات مالية في صندوق وضعت فيه فوائض إيرادات النفط والغاز، وهو ما سيمكنها من امتصاص العجز في الموازنة إلى غاية عام 2016، لتلجأ بعدها - في حال استمرار ضعف أسعار النفط – إلى احتياطيات النقد الأجنبي التي تمكنها من تغطية الواردات لفترة 35 شهرًا ولكنها بعد عام 2018 ستعيش عجزًا كبيرًا في موازنتها.

وبالمثل، تحدث وزير النفط العراقي السابق، عصام الجلبي عن تأثيرات الوضع الراهن في الاقتصاد العراقي، مؤكدًا التداعيات السلبية لتراجع الإيرادات النفطية على مشاريع البنية التحتية والاستثمارات الصناعية. ولكنه ركّز كثيرًا على تسرب أموال النفط خارج موازنة الدولة وانتشار الفساد بشكل يعمق من آثار تراجع أسعار النفط.

وخلصت النقاشات التي شهدتها جلسات الندوة إلى أن أهم مسألة بالنسبة إلى الدول المصدرة للنفط، وفي مقدمتها الدول العربية، ليست محاولة التحكم في تقلبات السوق التي سيظل كثير من محدداتها خارج سيطرتهم، ولكن الأهم هو المضي الفعلي نحو تنويع حقيقي لاقتصاداتها والتحرر من الارتباط الحصري بإيرادات النفط.