بدون عنوان

جون ميرشايمر

أكد المفكر الأميركي جون ميرشايمر في محاضرة، ضمن أعمال اليوم الثاني لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية، أنّ هواجس الخليجيين المتمثّلة بهيمنة إيرانية على المنطقة ليست واقعية، فإيران لا تملك القدرة على الهيمنة، فضلًا عن أنّ الولايات المتحدة الأميركية لن تسمح بذلك. وقال إنّ حلّ الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني لن يتحقق، وإنّ ما حدث للشعب الفلسطيني، وما يحدث له، أكبر جريمة تُرتكب في العصر الحديث.

وألقى ميرشايمر محاضرةً بعنوان: "سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ أحداث سبتمبر 2001: من كارثة إلى أخرى" أمام جمع كبير من الباحثين والمتخصّصين الخليجيين والعرب والأجانب المشاركين في منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات على مدى ثلاثة أيام في الدوحة.

وقال المحاضر إنّ علاقات الولايات المتحدة بغيرها من الأطراف تتحدد بالنظر إلى الأهمية الإستراتيجية لكل منطقة، وعمومًا يمكن إحصاء ثلاث مناطق رئيسة ذات أهمية إستراتيجية للولايات المتحدة منذ بداية القرن الماضي، مع تغيّر ترتيب كل واحدة منها في سلّم الأهمية الإستراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وهي: أوروبا، وآسيا - أو شمال شرق آسيا-، ومنطقة الخليج.

واستعرض تطور الأهمية الإستراتيجية للمناطق الثلاث الرئيسة بالنسبة إلى الولايات المتحدة خارج الكتلة الغربية التي تسيطر عليها على نحو كامل. فخلال الفترة 1900 – 2000، وبغضّ النظر عن فترة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، كانت أوروبا في مقدّمة المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية، بالنظر إلى القوى العظمى التي يمكن أن تشكّل نِدًّا للولايات المتحدة وفي صدارتها ألمانيا، وتأتي بعدها منطقة شمال شرق آسيا وتحديدًا اليابان التي شكّلت تهديدًا مباشرًا للولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية. وفي المنزلة الثالثة، تأتي منطقة الخليج في ترتيب أكثر المناطق أهميةً إستراتيجيةً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وليس ذلك بسبب وجود قوًى عظمى فيها، وإنما لكونها المنبع الرئيس للنفط.

ويرى ميرشايمر أنّ فترة ما بعد عام 2000 تشهد تحولًا في سُلّم الأهمية الإستراتيجية للمناطق الثلاث بالنسبة إلى الولايات المتحدة، إذ غدت آسيا في أعلى سلّم الأهمية مع صعود الصين السريع كقوة عظمى يمكن أن تهدد مكانة أميركا، ومع هذا التركيز في الصين تخفّ أهمية أوروبا وتتراجع إلى المرتبة الثالثة، بعد أن تراجع وجود القوى العظمى فيها. في حين تظل منطقة الخليج ذات أهمية كبيرة بسبب ارتباطها بالصين وآسيا؛ فالصين تستورد نصف وارداتها النفطية من منطقة الخليج. وعلى هذا الأساس يرى ميرشايمر أنّ الولايات المتحدة ستظل تعُدّ منطقة الخليج منطقةَ أهميةٍ إستراتيجيةٍ، ولو لم يكن من سبب لذلك سوى ارتباط الصين بنفطها لكان ذلك سببًا كافيًا لتصنيف المنطقة في المرتبة الثانية في سلّم الأهمية الإستراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة.

ويرى ميرشايمر أنّ الولايات المتحدة ظلّ لها وجود مستمر في منطقة الخليج منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية مع اختلاف في شكل الحضور فعليًّا مباشرًا، أو بالوكالة وغير مباشر. ففي الفترة 1945 - 1968 عوّلت على الوجود العسكري البريطاني في تحقيق أهدافها الإستراتيجية في المنطقة، وبعد سحب بريطانيا آخر جنودها من المنطقة التجأت إلى الاستعانة بنظام شاه إيران في المنطقة (1968 - 1979)، وبعد الثورة الإيرانية عمدت إلى إنشاء قوة للتدخل السريع في منطقتي البحر المتوسط والبحر الأحمر اعتمدت عليها خلال الفترة 1979 - 1991، واعتمدت في الفترة 1991 - 2001 إستراتيجية الاحتواء للقوتين الكبريين في المنطقة (العراق وإيران)، ولكنها قررت بعد عام 2001 أن تنهج سياسة "تغيير النظام" تجاه منطقة الشرق الأوسط، بناءً على تقييمها بأنها الحل الأمثل لوقف التهديدات التي تتسبب بها الأنظمة التي تدعم الإرهاب أو تغذّيه بسبب سياساتها.

وقال ميرشايمر إنّ الولايات المتحدة حاولت تنفيذ سياسة "تغيير النظام" في خمس دول رئيسة منذ عام 2001 مع وجود اختلافٍ في الأدوات؛ وهي أفغانستان، والعراق، وسورية، وليبيا، ومصر، وإنها قد لقيت الإخفاق فيها كلّها. وكانت أولى الدول التي استُهدفت بالسياسة الأميركية الجديدة أفغانستان، ولكنّ النتيجة اليوم أنّ تهديد طالبان باستعادة كل ما انتزعه التدخل الأميركي منها لا يزال قائمًا، على الرغم من أنّ حرب أفغانستان أطول حرب خاضتها أميركا في تاريخها الحديث، إذ كانت بتكلفة مالية ضخمة، مع خسائر بشرية كبيرة، خصوصًا في صفوف المدنيين الأفغان. وبالمثل، شكّل العراق حالة إخفاق شامل لسياسة "تغيير النظام"، فقد كانت النتيجة بلدًا مقسمًا طائفيًّا وعرقيًّا ومئات الآلاف من الضحايا المدنيين، كما أنّ الغزو الأميركي ساعد في نشوء تنظيم الدولة الإسلامية. وعدّ المحاضر حالة ليبيا كارثةً أخرى للسياسة الأميركية. فقد أصبحت تعيش حربًا أهليةً لا بارقة أمل فعلية لخروجها منها. وفي حالة مصر، ساندت الولايات المتحدة عزل مبارك، ورحّبت بمجيء الإخوان لأنّ الشعب انتخبهم وهي الطريقة الديمقراطية التي تدافع عنها أميركا، ولكنها بعد عام من حكمهم تراجعت عن مبادئها ودعمت الانقلاب ضدهم.

أمّا بشأن الحالة السورية، فقد قال ميرشايمر إنّه لا حلول جيدة في الأزمة السورية إنما هناك فقط "الأسوأ" و"الأقل سوءًا". وأوضح أنّ سورية لا تشكّل أهميةً إستراتيجيةً بالنسبة إلى الولايات المتحدة لأنها، أساسًا، لا تمثّل ثقلًا نفطيًّا في المنطقة.

وأكد المحاضر أنّ سياسة "تغيير النظام" التي اعتمدتها الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط منذ عام 2001، ترتّبت عليها العديد من الكوارث، أجملها في أربعة مظاهر: أنّ مشكلة الإرهاب أصبحت أسوأ، وقد تعمّق الشرخ السني - الشيعي، وتسببت هذه السياسة بمعاناة كبيرة وبالعديد من الضحايا المدنيين، وأخيرًا مشكلة اللاجئين التي تشهد واحدةً من أسوأ موجاتها في التاريخ الحديث.

وفي آخر جزء من محاضرته، تناول ميرشايمر آفاق تطور علاقات الولايات المتحدة الأميركية مع الفاعلين الرئيسين في المنطقة. وقال إنّ الولايات المتحدة لن تحقق شيئًا في معالجة الملف الفلسطيني الإسرائيلي، فقد دفعت سياستها تجاه تحقيق حلّ الدولتين في السنوات الماضية، ولكن النتيجة ماثلة أمامنا، فلم يعُد هذا الحل ممكن التحقيق، ولم تُخفق إدارة أوباما في ذلك فحسب، بل أخفقت في منع ارتكاب مجازر متكررة ضد الفلسطينيين في غزة خلال الفترة 2008 – 2009، و2012 و2014. وأكد أنّ ما حدث للشعب الفلسطيني، وما يحدث له، أكبر جريمة تُرتكب في العصر الحديث.

وفي ما يخص إيران، أكد المحاضر أنه لا يعتقد أنّ إيران تشكّل تهديدًا فعليًّا في ما يتعلّق بالهيمنة على المنطقة، إذ إنها - في حقيقية الأمر - لا تملك قوةً عسكريةً كبرى في حقيقة الأمر. ثمّ إنّ الولايات المتحدة لن تسمح لها بذلك، فعلى الرغم من تخلّي واشنطن عن الوجود العسكري في المنطقة، فإنها تبقى حاميةً لمنطقة الخليج. وأضاف أنه يعُدّ الاتفاق النووي للقوى الغربية مع إيران اتفاقًا جيدًا؛ ذلك أنه يمنع إيران من التوجه نحو امتلاك سلاح نووي تقلب به موازين القوة في المنطقة طوال خمس عشرة سنةً مقبلةً. ولكنه تساءل: ماذا بعد خمس عشرة سنةً؟ وقال إنّ دول الخليج هي التي ينبغي أن تجيب عن هذا السؤال، وقال كذلك إنّ مصلحتها هي في تقارب بين الولايات المتحدة وإيران، وتقارب هذه الدول أيضًا معها؛ لأنّ توجه إيران نحو السلاح النووي يتوقف على مدى أهمية المحفزات نحو ذلك، فكلما اطمأنت إلى علاقات أفضل مع جيرانها قلّت محفزاتها نحو امتلاك السلاح النووي.

أثارت أفكار جون ميرشايمر نقاشا ثريا من المشاركين الذين لم يتفق كثير منهم مع ما طرح