بدون عنوان

اختتم منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية أعماله اليوم (7 كانون الأول/ ديسمبر 2015) بعد ثلاثة أيام من العروض والنقاشات التي انتظمت في محورين رئيسين هما: التعليم في دول مجلس التعاون الخليجي، وتحديات البيئة الخارجية والعلاقات الدولية للخليج.

وشهد اليوم الأخير من المنتدى ثلاث جلسات في محور التعليم، وأربع جلسات في محور البيئة الخارجية والعلاقات الدولية.


سياسات التعليم

خُصّصت جلسات اليوم الأخير من منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية في محور التعليم لمناقشة السياسات التعليمية في دول الخليج وآثارها في مختلف الميادين. وفي جلسة "سياسات التعليم وإستراتيجياته في دول مجلس التعاون"، تحدثت الباحثة عهود العصفور في ورقة عنوانها "سياسات الخصخصة والضغوطات على التعليم العالي في دولة الكويت" عن مبررات توجه الكويت ودول مجلس التعاون الأخرى نحو خصخصة التعليم العالي، وناقشت مدى استجابته للطلب الداخلي المتزايد. وخلصت إلى أنّ تقييم تجربة الخصخصة بعد نحو خمس عشرة سنةً من تطبيقها يشير إلى أنّ مبرراتها الداخلية لم تكن هي الحافز الرئيس؛ إذ إنّ هذا الحل لم يُفد سوى في تأجيل العجز في تلبية الطلب الداخلي للتعليم. وهذا ما جعل الباحثة تذهب إلى احتمالٍ مفاده أنّ الكويت والعديد من دول الخليج الأخرى قد نهجت خصخصة التعليم العالي استجابةً لضغوط خارجية.

ثمّ إنّ الباحثة قالت إنّ إقرار سياسة الخصخصة عام 2000، جاء في المقام الأول استجابةً لضغوطٍ داخلية وخارجية معًا. وعلى الرغم من أنّ الوقائع المحلية للتعليم العالي أثّرت في قرار الحكومة اعتماد الخصخصة خيارًا، فإنّ تحليل مدى نجاح قانون الجامعات الخاصة في معالجة مشكلة العجز في تلبية الطلب الداخلي يقود إلى التشكيك في السبب الفعلي أو الحقيقي الذي جعل الكويت، وكذلك بلدان الخليج الأخرى، تتبع اتجاهًا متماثلًا في خصخصة التعليم العالي في الفترة الزمنية نفسها. وأضافت أنّ خصخصة التعليم العالي في الكويت لم تقُم سوى بتأجيل الطلب الكبير المتزايد بضع سنوات من دون أن تعالج المشكلة معالجةً منظمةً.

أمّا الباحث علام حمدان، فقد حاول وضْع نموذج إحصائي لقياس "العلاقة بين الاستثمار في التعليم والنمو الاقتصادي" في السعودية. وأوضح أنّ المملكة العربية السعودية أولت الاستثمار في التعليم العالي وخلق المعرفة اهتمامًا متزايدًا منذ استقلالها، على أساس أنّه جزء من عملية التنمية المستدامة. وقد مثّل الإنفاق على التعليم العالي جزءًا كبيرًا من ميزانيتها، وصولًا إلى تطوير منظومات التعليم فيها لكي تلبّي متطلبات خططها التنموية. وقال الباحث إنّ الدراسة، استنادًا إلى أدوات الاقتصاد القياسي، لم تُظهر للاستثمار في التعليم العالي دورًا واضحًا في التنمية الاقتصادية في المملكة العربية السعودية، وإنّما على العكس من ذلك؛ تبين أنّ الوفرات النفطية كانت هي المحرك للاستثمار في التعليم العالي.

وفي سياق قريب، تناولت ورقة الباحثين عدنان الجوارين وبشير هادي العلاقة السببية بين سياسات التعليم وسياسات التوظيف. وخلص الباحثان إلى وجود قصور في سياسات التعليم المتَّبعة في دول المجلس أدّى إلى عدم اعتماد سياسات منسّقة بين مخرجات التعليم وحاجة سوق العمل إلى التوظيف، ومن ثَمّ إلى ارتفاع نسبة بطالة المتعلمين من فئة الشباب في هذه الدول.

وقدّم الباحثان في ورقتهما مجموعةً من المقترحات، أهمّها ضرورة تحسين جودة التعليم العالي ونوعيته، والحرص على مواءمته لمتطلبات المجتمع وسوق العمل المحلية من خلال وضع معايير وأسس لاعتماد الجودة وضبطها، تُطبَّق على مؤسسات التعليم العالي كلّها في دول المجلس، وتتطابق مع المعايير الدولية، وبناء خريطة طريق مستقبلية تبيّن متطلبات سوق العمل للكوادر الشابة المتعلمة بحسب التخصص والكفاءة العلمية والعملية من جهة، وبناء نظام تعليمي يحاكي التطورات العلمية والتقنية المتسارعة في مختلف المجالات، على نحوٍ تكون فيه المناهج التعليمية قادرةً على استيعاب المنجزات التكنولوجية الحديثة في مختلف ميادين الإنتاج من جهة أخرى.

ومن زاوية المحتويات والبرامج في السياسات التعليمية، قدّمت الباحثة سامية قسطندي ورقةً بعنوان "إهمال الإنسانيات ومخاطر التدهور الفكري في جامعات الخليج العربية". وقالت إنه بالنظر إلى ازدهار التفكير النقدي في أقسام العلوم الاجتماعية (الإنسانيات)، فإنّ الجامعات في منطقة الخليج، على وضعها الراهن، تواجه تحديًا خطرًا يتمثل بتوليد "معرفة محلية أصيلة" تستند إلى ثقافة المنطقة وتاريخها وجغرافيتها، وتلبّي الحاجات الخاصة لمواطني هذه المنطقة.


انعكاسات سياسات التعليم

خُصصت آخر جلستين في محور التعليم لمناقشة تأثيرات السياسات التعليمية في دول مجلس التعاون وانعكاساتها على التنمية والمجتمع. وشارك الباحث يعقوب الكندري بورقة عنوانها "التعليم والتكوين المعرفي الدستوري والتاريخي ودوره في تعزيز قيم المواطنة". وأوضح أنّ شعور المواطنة ينطلق من خلال مشاعر وانفعالات تستمد من خلال تأكيد الفرد الثوابت التاريخية للوطن الذي ينتمي إليه، والاهتمام بتنمية الوعي السياسي الذي يُفترض أن يكون راسخًا في تكوين الطالب المدرسي ويتلقاه في تعليمه من المدرسة، بوصفه أحد أبرز مؤسسات التنشئة الاجتماعية. ولهذا ركزت دراسته في التكوين المعرفي للطالب الجامعي الخاص بالجوانب التاريخية والدستورية للمجتمع الذي يعيش فيه، وعلاقة ذلك بتعزيز مفاهيم المواطنة لديه، من خلال دراسة ميدانية خاصّة بعيّنة من طلبة جامعة الكويت. وكشفت نتائج الدراسة عن وجود خللٍ واضح في التكوين المعرفي الدستوري والتاريخي لدى عيّنة البحث، وهو خلل يُعزى إلى الدور السلبي للمؤسسات التعليمية في هذا التكوين. ومن ثَمّ، يؤثّر هذا الأمر في مفهوم المواطنة.

وبعنوان مشابه قدّم الباحثان سيف المعمري وزينب الغريبية: ورقة "التعليم الخليجي: من تعزيز الهوية الوطنية إلى بناء المواطنة". وبعد تحليل نُظم التعليم في البحرين والإمارات العربية المتحدة، خلص الباحثان إلى أنّ المواطنة لا تُعدّ المشروع الرئيس بالنسبة إلى المدرسة الخليجية، على الرغم من التطورات السياسية المتنامية الرامية إلى تحقيق مزيد من الشراكة بين المواطنين وحكوماتهم بطريقة تُعزز قيمة المواطنة في بناء الدولة.

واهتمت الباحثة شريفة اليحيائي بدراسة "العلاقة بين التعليم وتمكين المرأة الخليجية". وأوضحت أنّ دول الخليج حققت قفزات متتاليةً في مجال تعليم المرأة، بدايةً من محو الأمّية إلى مستويات مرتفعة من الشهادات العلمية؛ ما جعل هذه الدول تتقدّم على دول عربية وعالمية في مستويات التعليم ومخرجاته. ومن ثمّ، أدّى ذلك إلى دخولها سوق العمل، وخلق التمكين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بالنسبة إليها. إلا أنّ فجواتٍ تظهر جليّةً بين المستوى المتقدّم لتعليم المرأة وحصولها على أعلى الدرجات العلمية من جهة، وتدنّي مستوى مشاركتها الاقتصادية والسياسية كأحد مخرجات ذلك التعليم من جهة أخرى، وهو ما يمثّل حرجًا واضحًا في مسيرة تمكين المرأة الخليجية، ويدعو إلى إعادة التفكير في سياسات التعليم ومفهوم التمكين الحقيقي؛ إذ يشير التقرير العالمي حول الفجوة عام 2014 إلى تدنّي المشاركة السياسية والاقتصادية للمرأة الخليجية، فهي تحتل أدنى الدرجات على مستوى العالم.

وفي السياق نفسه، جاءت ورقة الباحثة كلثم الغانم بعنوان استفهامي: "هل يساهم التعليم في تمكين المرأة في المنطقة العربية؟"، وقالت إنه على الرغم من واقع تعليم المرأة وحريتها في الذهاب إلى العمل في المجتمعات العربية، فهي لا تزال خاضعةً للنظام الأبوي الذي تكون فيه المرأة تابعةً للرجل. وبيّنت في دراستها أنّ تعليم المرأة لا يعني أنّها باتت تحظى بالقدرة على تغيير موقعها. ونتيجةً لذلك، فإنّ عوامل القوة مثل العمل، والاستقلال الاقتصادي، وتمكين المرأة الذي يقتضي غرْس التعليم وتغيير طبيعة القانون، قد لا يؤدي دومًا إلى حصول المرأة على مصادر القوة.


العلاقات بالأطراف الإقليمية والدولية

خصصت ثلاث من بين أربع جلسات شهدها اليوم الأخير من منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية، في محور العلاقات الدولية، لبحث علاقات دول مجلس التعاون الخليجي بالقوى الدولية الكبرى.

وناقش الباحث الروسي مكسيم سوخوف العلاقات السعوديّة – الروسية الراهنة، وقال إنّ الخلافات المريرة القائمة منذ سنوات عديدة، سمَّمت العلاقات الثنائية بين روسيا والسعودية؛ ما جعل من المستحيل عمليًا وضع أجندة بنّاءة. ففي حين كانت موسكو تشعر بالقلق الشديد إزاء ما عدّته دعمًا سعوديًا واسع النطاق للجماعات المتطرفة في القوقاز، كانت الرياض محبطةً من جرّاء ما عدّته مناصرةً روسيةً للمعارضين السياسيين للمملكة والأعداء المتربصين في المنطقة.

وعلى الرغم من ذلك، برزت في السنوات الأخيرة ثلاثة عوامل رئيسة على الأقل أذابت الجليد عن العلاقات؛ هي الربيع العربي، والاضطراب المتزايد في الأزمة السنّية الشيعية في أرجاء الشرق الأوسط، والطبيعة المتغيرة لأنماط السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة. وخلص الباحث إلى أنّ العلاقات السعودية - الروسية لا تزال بعيدةً عن بلوغ نقطة اتزان، وإلى أنها ستستمر بين توتّرٍ وتقاربٍ، ما دامت التناقضات قائمةً بين مصالح الطرفين في قضايا مرتبطةً بالمنطقة.

في الجهة المقابلة، وفي ورقة بعنوان "العلاقات الخليجية – الروسية: فرص وتحديات"، قال الباحث ماجد التركي إنّ الجانب الخليجي يُعوّل كثيرًا على روسيا لسببين، الأول: التراخي الأميركي عن التعاطي الجاد مع ملفات المنطقة و"التماهي" في ذلك مع الإيرانيين، والثاني: علاقات روسيا بإيران، وإدراك روسيا أنّ إيران قد تكون خطرًا على العمق الروسي الجنوبي في المستقبل؛ ما يدفعها إلى العمل على تحييد إيران وإضعاف نفوذها في كلّ من سورية والعراق.

غير أنّ الباحث يرى أنّ الهاجس السياسي في توجهات روسيا في الشرق الأوسط، يظل الجانب المقلق في علاقات الطرفين؛ إذ تحضر الملفات الرئيسة التي تهمّ الجانب الخليجي، وروسيا ضالعة فيه، حضورًا مباشرًا، مع غياب قنوات تواصل مستمرة وفاعلة بين الطرفين. وفي هذا السياق، يظهر أبرز نموذج لذلك في الأزمة السورية.

تناول الباحث هادي مشعان الأبعاد الإستراتيجية للعلاقات الخليجية - اليابانية. وأكد أنّ اليابان من بين أبرز الدول التي بإمكان دول الخليج بناء علاقات أمنية - عسكرية معها، فضلًا عن العلاقات الاقتصادية والتجارية المتنامية. ولكنه أشار إلى جملة من العقبات والتحدّيات التي قد تقف عائقًا أمام تطوير العلاقات الخليجية - اليابانية، غير أنّه في المقابل تتوافر العديد من الفرص التي تمكّن الطرفين - إذا ما جرى استغلالها استغلالًا جيدًا - من بناء علاقات إستراتيجية، ولا سيّما في الجانبين، الاقتصادي، والأمني - العسكري. وعلى دول الخليج العربي، إذا ما أرادت الارتقاء بعلاقاتها مع اليابان، أن تعمل على تحقيق أهمّ شروط الاستثمار لرأس المال الأجنبي، من خلال سعيها لضمان بيئة تتميز بالاستقرار السياسي، سواء من خلال التعاطي مع معطيات الداخل، عبر السعي لإرساء دعائم الاستقرار السياسي وتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتعزيز مؤسسات المجتمع المدني، أو على الصعيد الخارجي؛ وذلك بقيامها بتعزيز علاقاتها الخارجية، من خلال إبرام الاتفاقيات الأمنيّة والعسكرية التي تساهم في تعزيز الأمن والسلم الدوليَين في هذه المنطقة.

وفي جلسة أشرف عليها مركز دراسات الخليج في جامعة قطر، قدّم الباحث سحيم آل ثاني في ورقة بعنوان "التحوّل نحو آسيا ومستقبل التكامل الخليجي" مقترحات أساسيةً لاستفادة دول الخليج من علاقاتها بآسيا من أجل تعزيز تنويع اقتصاداتها وتكاملها في ما بينها. ومن بين هذه المقترحات إمكانية الاستفادة من نموذج الآسيان لبناء منطقة اقتصادية حرّة في الخليج العربي، وبناء سياسة عبر - خليجية لدعم القطاع غير النفطي، وتقديم حوافز اقتصادية للقطاع الخاص، والاستفادة من العلاقات التجارية النفطية في دفع سياسةِ تصديرٍ للمنتوجات غير النفطية، مع التركيز في أسواق كبيرة، منها الصين بوصفها سوقًا ضخمةً، كانت هي السبب في الطفرة النفطية السابقة. واختتم الباحث حديثه بالإشارة إلى ضرورة توافر تحرّكٌ إستراتيجي خليجي موحّد، يُنتج رؤيةً تجمع دوله على هذه السبُل، يتوافق الجميع عليها.

وجاء في ورقة الباحث عماد منصور، وهي بعنوان "أهداف الصين الأمنية تجاه دول مجلس التعاون الخليجي"، أنّ هناك غموضًا كبيرًا يسود العلاقة الأمنية الحالية بين الطرفين. وهو أمرٌ مفهوم بالنظر إلى أنّ كثيرًا من الأبعاد المهمة لتلك العلاقة عملياتٌ لا تزال في طور التشكّل. وتشتمل هذه العمليات على الوضع العالمي للصين و"بزوغها" على صعيد أهداف الأمن العالمي وإستراتيجيته.

وفي جلسة أخرى خُصصت لبحث علاقات دول الخليج بالولايات المتحدة، قدّم غسان العزي ورقةً بعنوان "الولايات المتحدة وحلف الأطلسي وأمن الخليج العربي". وخلص، من خلال عرض تاريخي للعلاقة ومقوماتها، إلى أنّ حوارًا إستراتيجيًا، ضمن شروط معيّنة، وعلى أساس تنازلات متبادلة بين مجلس التعاون والجمهورية الإسلامية الإيرانية، أضحى ضروريًا في هذا الوضع التاريخي الذي ينبغي لأبناء المنطقة أن يضْحوا مسؤولين عنه من أجل التوصل إلى أمنٍ حقيقي فيها.

وبيّنت الباحثة بكا واسر، في تحليلها العلاقة بين الكونغرس الأميركي ودول الخليج العربية، أنّ هناك ازديادًا في نفوذ أعضاء الكونغرس في العلاقات الأميركية - الخليجية. وذكرت أنه على الرغم من النمو الكبير في العلاقة بين صنّاع القرار في الكونغرس ودول الخليج، فإنّ القادة الخليجيين لا يعدّون الكونغرس شريكًا لهم. وتُبين الورقة أنّ ذلك عائدٌ إلى التقاءٍ موقّت في المصالح، ووجود إستراتيجية خليجية واضحة المعالم لدرء المخاطر تركّز في إدارةٍ رئاسية جديدة في عام 2016، وتلاشي قدرة تأثير الكونغرس في السياسة الخارجية لإدارة أوباما، على أنّ مصالح دول الخليج ليست حجرَ زاوية في صناعة قرارات السياسة الخارجية في الكونغرس.

وناقش الباحث أسامة أبو ارشيد واقع العلاقات الأميركية – السعودية ومستقبلها. وقال إنّ المتغيرات التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، قد تشكّل إرهاصات لإعادة صوغ طبيعة الأُسس التي حكمت العلاقات الأميركية - السعودية عدّة عقود، والتي تقوم على أساس "النفط مقابل الأمن"، بالنظر إلى أنّ المملكة أحد أضلاع الإستراتيجية الأميركية في المنطقة. وبيّن وجود توترات بين الحليفين في الوقت الراهن مرتبطة بمقاربتين مختلفتين لمعضلات الإقليم وقضاياه. فمن ناحية، هناك سعي إدارة الرئيس باراك أوباما للتخفّف من التزامات المنطقة وأعبائها للتركيز أكثر فأكثر في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهي تحاول إدماج إيران في المعادلة الأمنية للإقليم، وخلق توازن بين قوى متنافسة فيه تُبقي الكلمة الأخيرة فيه لها، وفي هذا الإطار يأتي الاتفاق النووي مع إيران. وقد تسبب ذلك بتصاعد القلق السعودي، فجنحت السعودية إلى أخذ زمام المبادرة بعيدًا عن الحليف الأميركي، مرتين على الأقل؛ الأولى عندما بادرت إلى التدخّل عسكريًا في البحرين عام 2011، والثانية عندما قادت تدخلًا عربيًا ضدّ الحوثيين المدعومين إيرانيًا في اليمن في آذار/ مارس 2015.

وخلص الباحث إلى أنه على الرغم من اختلاف مقاربة الحليفين السعودي والأميركي، فإنّ أسباب التحالف لا تزال قائمةً ومستمرةً في المستقبل المنظور، مع توقّع حدوث بعض التغيرات في كيفيتها وعمقها ومداها.


الأزمات العربية ودول الخليج

محمد المسفر

ناقشت الجلسة الأخيرة لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية التأثير المتبادل بين دول الخليج والأزمات العربية، بدءًا بانعكاسات الأزمة العراقية على أمن الخليج العربي في ورقة قدمها الباحث ظافر العاني. وقد رأى الباحث أنّ هناك نوعين من التهديدات التي تمثّلها الأزمة العراقية للأمن الخليجي؛ أوّلهما نابع من طبيعة النظام السياسي العراقي القائم على الأسس الطائفية والمرتبط، على نحو أو آخر، بالإستراتيجية الإيرانية، وثانيهما ناتج من عجز بغداد عن منع انتقال التهديدات من الدول الخليجية وإليها.

وقدّم الباحث عبد الوهاب القصاب ورقةً بعنوان "المتغيرات الجيوستراتيجية المصاحبة لعملية عاصفة الحزم: العرب وإيران مثلًا". وقال إنه على الرغم من أنّ عاصفة الحزم كانت فعلًا خليجيًا موجّهًا نحو اليمن بخاصة، وضد قوى الحوثيين المتحالفين مع إيران، والمنفذين لخططها التوسعية المعلنة، فإنّ التحدي الواضح قد كان موجّهًا نحو المسعى الإيراني للهيمنة، ومنعه من إظهار قدراتها، بل إنّ الأمر يصل إلى حدّ شلّها إن استدعى الأمر ذلك. وأضاف أنّ هناك عدة مؤشرات أكّدت تقدمًا نوعيًّا للمملكة العربية السعودية ودول الخليج على الإستراتيجية الإيرانية. ومن أهمّ هذه المؤشرات إخفاق البحرية الإيرانية - أداة الهيمنة الإيرانية الأولى في الخليج العربي - حتى في تنفيذ عملية إمداد صغيرة للحوثيين. ومن ناحيةٍ أخرى، كان منعُ طائرة إيرانية من الهبوط في مطار صنعاء بحمولتها من الأشخاص والمعدّات وإجبارها على العودة، دليلًا آخرَ على إخفاق مساعي الهيمنة الإيرانية.

عبد الوهاب القصاب

وحللت الباحثة نجلاء مرعي علاقة دولة الإمارات العربية المتحدة بـ "ثورات الربيع العربي". وأشارت إلى أنّ الربيع العربي قد غيّر ملامح السياسة الخارجية لدولة الإمارات؛ من ذلك التغيّر الملحوظ في العلاقات بدول الثورات العربية. وهذا التغير أدّى إلى اعتماد دولة الإمارات مواقف متغيرة وغير متماثلة مع الكثير من مواقف الدول الخليجية والعربية عمومًا، إضافةً إلى مدّ الجسور الدبلوماسية مع إيران وأوروبا وأميركا بخاصة.

وناقش الباحث محمد المسفر في ورقة بعنوان عنوان "قوة الدولة في المجال الدولي: دولة قطر والربيع العربي نموذجًا"، استخدام دولة خليجية هي قطر القوةَ الناعمة في العلاقات الدولية. وأوضح أنّ مفهوم القوة الناعمة يرتكز على امتلاك دولةٍ ما أدوات قوة معنوية، كوسائل الإعلام والتكنولوجيا والقوة الاقتصادية؛ للتأثير في القضايا العالمية. وفي هذا الإطار، يمكن القول إنّ دولة قطر في الوطن العربي تحظى بمكانة دولية تستمدّ قوّتها في المجال الدولي من عوامل متعددة ومتشابكة؛ منها الموقع، والموارد الاقتصادية، ووسائل الإعلام. وذلك، على الرغم من عدم امتلاكها مقومات أخرى للقوة الناعمة. فهي قد استطاعت بفضل عامل الإرادة السياسية أن تحظى بمكانة متميزة في العلاقات الدولية، من خلال دخولها وسيطًا في النزاعات الدولية خصوصًا.