بدون عنوان

قدّم الدكتور حسين السوداني الخبير اللغوي في معجم الدوحة التاريخي للغة العربية يوم 31 آذار / مارس 2016 محاضرة بعنوان "العرب واللسانيات: قراءة في قنوات هجرة المعرفة"، ضمن اللقاء الدوري "سمنار المركز العربي".


أقام الدكتور السوداني محاضرته على مقابلة بين إطارين معرفيين هما النظريات اللسانية الحديثة في منشئها الغربيّ من جهة وتطوّر البحوث اللغوية العربية من جهة ثانية، وصاغ ذلك على نحوٍ يهدف إلى رسم خريطة زمنية لتطوّر الدراسات العربية المواكبة لصعود النظريات اللسانية الحديثة، وذلك وفق تتبع كرونولوجيّ دقيق ييسر على المتابع استنتاج درجة المواكبة أو التأخر العربي عن ركب الدراسات اللسانية الحديثة.

وفي سير المحاضرة أشار الدكتور السوداني منذ البداية إلى أن هدفه هو ضبط الخطوط العامة لخريطة زمنية ترصد تطوُّرَ البحوث اللغوية العربية المعاصرة، وذلك باقتفاء ملامح التجديد في مقاربة الظواهر اللغوية منذ مطلع القرن التاسع عشر، أي منذ المنعرج المهمّ في الدراسات اللغوية في ألمانيا. واتخذ هذا المنعرج نقطة انطلاقٍ لتتبّع ملابسات تطور الدراسات اللغوية العربية خلال القرن التاسع عشر، ثمّ القرن العشرين.

فجعل غايتَه في البحث تتبّعَ قنوات هجرة المعرفة اللسانية؛ وذلك من خلال ثلاثة أمور: أولها البحث في السياق التاريخي للاطلاع، وأما الأمر الثاني فيتمثّل في استقراء القنوات التي عبْرها تَحقَّق النفاذ إلى المعرفة اللسانية، ويتمثل الأمر الثالث في تتبّع أثر قنوات هجرة المعرفة في متن المعرفة المتلقاة نفسها، فواقع الأمر أنّ المعرفة اللسانية متلبسة بالتاريخ بالضرورة، كما أنّ كيفية تمثُّل المعرفة تؤثّر في متنها وامتدادها عبر الزمان والمكان.

وفي ضوء ذلك وزع الدكتور السوداني بحثه على ثلاثة محاور كبرى؛ أما المحور الأول فجعله لاستقراء بوادر التجديد في البحث اللغوي العربي في القرن التاسع عشر. وركّز البحث في هذا الجانب على غايتين، تتمثّل أولاهما في توصيف بوادر التجديد نفسها، وتتعلق ثانيتهما باستقراء خلفيات تحقق هذا التجديد.

وفي المحور الثاني من الورقة، نظر الدكتور السوداني في ملابسات التجديد في مطلع القرن العشرين؛ فركز نظره في هذا القسم على ملابسات التجديد في الدراسات اللغوية في المشرق العربي بدرجة أساسية، ومنطلقه في ذلك أنّه قد استقرت في المشرق بعض المؤسسات والاتجاهات البحثية التي ترعى البحث اللغويّ على نحوٍ ما. وهو ما مثّل سياقا لتعاقدٍ مع فضاءات بحثية وجامعية أوربية مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.

ويتعلق المحور الثالث من الورقة بظروف نشأة بحث لساني في المغرب العربي، وهو الحدث الذي يرتبط باستقلال دول المغرب العربيّ وتأسيس الجامعات فيها في أواسط القرن العشرين. وقد يسرت المقارنة بين المشرق والمغرب العربييْن تبيّن أثر الخلفيات اللغوية والثقافية في توجيه الباحثين والمؤسسات الرسمية نحو اتجاهات محددة في المعرفة اللسانية.

وختم الدكتور حسين السوداني ورقته برصد الملامح العامة التي تَسِم البحث اللغويّ في أواخر القرن العشرين؛ ومن ذلك أمران: أولهما ظهور كتب يسعى أصحابها إلى تقديمِ نظرياتٍ واتجاهاتٍ لسانيةٍ بعينها، والثاني هو نشأة اتجاهٍ بحثيٍّ يروم مراجعة الرصيد العربي من المعرفة اللسانية الحديثة.

وتلا محاضرة الدكتور السوداني تعقيب للدكتور حيدر سعيد الباحث في المركز العربي، ثم تفاعل المحاضر مع أسئلة الحاضرين وتعليقاتهم من الباحثين في المركز ومن المعجم التاريخي للغة العربية ومن أساتذة معهد الدوحة وطلبته ومن جامعة قطر وجامعة جورج تاون.