بدون عنوان

في اليوم الخامس من آب/ أغسطس 2016، وفي مدينة الحمّامات التونسية، تواصلت أعمال مؤتمر "إستراتيجية المقاطعة في النضال ضد الاحتلال ونظام الأبارتهايد الإسرائيلي: الواقع والطموح"، والذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالتعاون مع فرعه بتونس.

وقد قدم الأستاذ عبد اللطيف الحناشي، في الجسلة الصباحية، ورقة حول "مقاطعة الحركة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي: قراءة في الأبعاد التاريخية". فأشار إلى أن المقاطعة، كشكل احتجاجي ضد السياسات الاستعمارية، وُجِدت منذ العصور القديمة، وظهرت، تقريبًا، في كل الحقبات التاريخية، وفي مختلف أنحاء العالم، غير أن الدراسات المقارنة لا تكاد تذكر إلا تلك التي نشأت في العصور الحديثة؛ مثل الهند وجنوب أفريقيا والأرجنتين، مبيِّنًا أن الفلسطينيين اعتمدوا المقاطعة، في البداية، وسيلة ضغط ونضال لمواجهة تمدّد الحركة الصهيونية وتوسعها على أرضهم. وأضاف أن حركة المقاطعة عرفت الكثير من التطورات والمسارات، وأدّت، وفق الكثير من التقييمات والدراسات التحليلية، إلى تحقيق بعض النجاحات، وبخاصة بعد أن انخرطت فيها الأوساط الرسمية العربية، ومنها جامعة الدول العربية، غير أن السنوات الأخيرة، وما حملته في طياتها من متغيرات إقليمية إستراتيجية وسياسية واقتصادية، أدّت إلى حصول بعض الإخفاقات لهذه الحركة، وخصوصًا بعد اعتماد بعض الأوساط الفلسطينية والعربية سياسات التسوية مع الكيان الصهيوني.

والثابت أن المجتمع المدني، الفلسطيني والعربي، واصل حراكه الرافض للتعامل مع إسرائيل على جميع المستويات؛ ذلك أن كل التطورات التي حصلت، إقليميًّا، لم تُنسه مواصلة اعتماد المقاطعة كأسلوب للتصدي لكل أشكال التطرف والتمييز التي ينتهجها الكيان الصهيوني، ونجح هذا الحراك الشعبي في توسيع أشكالها لتشمل مجالات أخرى علمية وأكاديمية وثقافية، وبرز ذلك، بوجه خاص، إثر الاتفاقيات السياسية التي أُبرمت بين العرب والكيان الإسرائيلي. وقال: "أعتقد أن المشروع الصهيوني، في الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة، هو مشروع أوروبي، وليس يهوديًّا". وأفاد أن بعض ما يُحسب لحركة المقاطعة الفلسطينية أنها تفوّقت، نسبيًّا، على تيار التطبيع الذي برز في العديد من الأوساط الرسمية الفلسطينية والعربية.

وفي مشاركة ثانية بعنوان: "المقاطعة ومناهضة التطبيع، التراجع الرسمي العربي والاندفاع المدني الفلسطيني"، أوضح الباحث أحمد قاسم حسين أن المقاطعة كانت أحد الأسلحة التي اعتمدها الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاعتداءات الإسرائيلية، ولأن حركة التحرير الوطني الفلسطيني لم تكن معزولة عن محيطها العربي والاسلامي والإقليمي وحتى الدولي، فإنها أثرت في هذه البيئات، وتأثرت بها، واستفادت من حركات التحرر الوطني فيها، على غرار تلك الحركات التي شهدتها جنوب أفريقيا والهند وكوبا وغيرها. وفى هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى أن تجربة جنوب إفريقيا كانت الملهم الأول بماهيات حركات المقاطعة وآلياتها، والتصدي لسياسات التمييز العنصري التي تنتهجها مؤسسات الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني الأعزل. وأضاف بأن المقاطعة: "اتخذت أشكالًا جديدة ثقافية وأكاديمية ورياضية وعلمية. وعلى الرغم من أن المساندة الرسمية العربية، وكذلك دعم جامعة الدول العربية لهذه الحركة قد تراجع في السنوات الأخيرة، بفعل تغير المواقف الرسمية العربية وتداعيات الأزمة السورية؛ فإن الثابت أن حراك المجتمع المدني والشعبي الفلسطيني ضد كل أشكال التطبيع مع إسرائيل قد أعطى نتائج جد مهمة".

الباحث الفلسطيني أشرف عثمان بدر، قدّم، عبر سكايب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، مشاركة بعنوان: "حركة المقاطعة ومقاومة التطبيع: قراءة في الضغوطات وعوامل النجاح"، أكد فيها أن حركة المقاطعة الفلسطينية وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات التي تدخل اليوم عقدها الثاني، تواجه العديد من التحديات الداخلية والإقليمية، من أسبابها التطورات السياسية في المنطقة، والضغوطات الكبيرة، والأطراف المتعددة التي تعترض هذه الحركة. وفى هذا السياق سعت إسرائيل، إلى إلصاق فكرة معاداة السامية بالفلسطينيين والعرب، محاولةً التأثير في الرأي العام الشعبي والرسمي في أوروبا وأميركا، مشيرًا إلى أن الانقسام الداخلي الفلسطيني أدّى دورًا سلبيًّا في تحقيق الإجماع على برنامج وطني، أو مشروع وطني لمقاطعة إسرائيل.

وشدّد الباحث الأردني عمرو سعد الدين في مشاركة بعنوان: "حركة مقاطعة إسرائيل في محيطها العربي: قراءة في القيم والمسارات"، على أن هذه الحركة أثرت في محيطها العربي والإقليمي والدولي، وتأثرت به، فقد روّجت هذه الحركة قيمًا جديدة، ركزت، في الأساس، على إبراز الأبعاد العنصرية لسياسات الكيان الصهيوني. وخلص إلى أن حركة بي دي أس نجحت، نسبيًّا، في انتزاع تأييد قطاعات مهمة من الرأي العام العالمي، خاصة بعد أن أخذت من بعض التجارب الناجحة، في مقاومة سياسات التمييز والفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وخلال حرب التحرير الوطني الجزائرية.

وتحدث الباحث الكويتي عايد عتيق الجريد عن مبادرات الكويت شعبيًّا ورسميًّا في مقاطعة الكيان الصهيوني، منذ بدايات القرن الماضي، وقال: "لم تدخر الكويت، حكومةً وشعبًا، جهدًا إلا وبذلته لمقاطعة إسرائيل، اقتصاديًّا وعلميًّا وثقافيًّا ومؤسساتيًّا، وإن الكويتيين انحازوا، منذ اللحظات الأولى لبداية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلى جانب الفلسطينيين، ودافعوا عن قضيتهم بكل شراسة في المحافل الإقليمية والدولية". وذكر أن الكويت اتخذت العديد من الخطوات العملية لتفعيل المقاطعة، منها إنشاء مكتب مقاطعة إسرائيل، وتأميم البريد، ورفض التعامل مع الشركات الاقتصادية، وكذلك شركات الطيران والنقل البحري التي تتعامل مع الكيان الصهيوني، ملاحظًا أن هذا الحراك الشعبي والرسمي نجح في زعزعة إسرائيل، وسبب لها، وفق تقديره، مشكلات اقتصادية كبيرة. وأضاف أن هذه المقاطعة شملت، لاحقًا، الأنشطة العلمية والأكاديمية والثقافية والرياضية، وأخذت أشكالًا أخرى ومختلفة، ووجدت كل الدعم، وبخاصّة في الأوساط الشعبية والمدنية.

كما قدمت الباحثة الأردنية منى عوض الله محاضرة بعنوان: "أشكال مقاطعة الكيان الصهيوني وأساليبها في الأردن: دراسة ميدانية"، تناولت فيها بعض أوجه نشاط حملات مقاطعة الكيان الصهيوني التي بدأت في الأردن مباشرة، بعد التوقيع على اتفاقية السلام الأردنية - الإسرائيلية، من خلال تأسيس لجنة وطنية لمقاطعة إسرائيل، والتي حظيت بتأييد شعبي كبير، ومن نشاطاتها تنظيم الاعتصامات الشعبية، وبعضها دام نحو خمس سنوات، وكان من مطالبها، على الخصوص، إلغاء هذه الاتفاقية، وإغلاق السفارات، وردّت عليها السلطات الرسمية باعتقال عدد من الناشطين. كما شملت مقاطعة إسرائيل المجالات العلمية والأكاديمية، ورفض دخول الإسرائيليين الأردن، وتطوّر هذا النهج، لاحقًا، ليتحول إلى جبهة رافضة لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني. وقالت أيضًا: "إن السلطات الرسمية تعاملت مع هذه الحركات ببعض التجاهل أحيانًا، وبعنف أحيانًا أخرى، وإن التحدي الأبرز الذي يواجهه هذا الحراك الشعبي، هو التضييقات العديدة التي واجهت بها السلطات الرسمية الناشطين، ثم إن المتغيرات الإقليمية في المنطقة، والتي قسمت نسبيًّا المجتمع الأردني، ألقت بظلالها على حركة المقاطعة، ومقاومة التطبيع في الأردن:.

أما الباحث والناشط ماكس بلومنثال، فقط تطرّق إلى موضوع الفهم المتبدِّل لمعاداة السامية الذي تزامن مع ضغط اللوبي المؤيد لإسرائيل في هيئات حكومية وجامعية، هادفًا إلى إعادة تعريف المصطلح، وفقًا لمعايير إثنو- قومية صهيونية صريحة، بعيدة كليًا عن معناه الأصلي. وشرح أسباب اهتمام المؤيدين اليهود لحركة المقاطعة أيضًا بمعاداة السامية، وأنّ هذا التكتيك قد عطّل العلاقات اليهودية البينية. وربط هذه المحاولات بالهجمات على حركة التضامن مع فلسطين، بوصفها برنامجًا موجِّهًا لعملية انقضاض أوسع على الحركات الاجتماعية التقدّمية في الغرب، محللًا قوانين الطوارئ القمعية في فرنسا، والحملة ضد زعيم حزب العمال البريطاني جيرمي كوربين، والجهد المبذول لعرقلة تحالف العدالة الاجتماعية في نطاق الجامعات الأميركية.

كما أشار الباحث والأكاديمي نعيم جينا إلى أن التحدي الأبرز أمام حركة المقاطعة هو غياب التنسيق الفاعل بين التجمعات المتنشرة في دول مختلفة من جهة، وغياب التنسيق من منظمات وجمعيات أخرى تتشارك الهدف نفسه من جهة ثانية. موضحًا أن الحملة الجنوب أفريقية لفرض العقوبات التي تشمل حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات في جنوب أفريقيا ومنتجاتها، عملت في أجواء مغايرة تمامًا عن تلك التي تتحرّك فيها الحملة الفلسطينية لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عليها.

وينظر ستيفان فريدمان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جوهانسبرغ في جنوب أفريقيا، إلى نجاح استخدام المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات في هزيمة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا بوصفه نموذجًا للمحاولات الجارية لاستخدام التكتيكات نفسها لإجبار إسرائيل على الاعتراف بالحقوق الفلسطينية. وعلى الرغم من هذا، فإنّ التفسيرات بشأن أسباب نجاح المقاطعة المناهضة للفصل العنصري نادرة. مشيرًا إلى دور مجموعة واضحة من المتطلبات، وتأطير "النضال" بوصفه حملة من أجل حقوق الإنسان، والعلاقة بين المقاومة الداخلية والتضامن الدولي.