بدون عنوان

نظّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فرع بيروت، ندوةً فكريةً نقاشيةً عن كتاب "الافتراضي والثورة: مكانة الإنترنت في نشأة مجتمع عربي مدني" للباحث التونسي جوهر الجموسي؛ وذلك في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، في قاعة مكتبة الشبكة العربية للنشر والتوزيع من مبنى المركز في بيروت.

فريدريك معتوق متحدثا في افتتاح الندوة وعن يساره جوهر الجموسي

أدار الندوة الدكتور فريدريك معتوق، العميد السابق لمعهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية والباحث في علم اجتماع المعرفة، وشارك فيها كل من الدكتور نديم منصوري، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية، والدكتور شوكت اشتي، الباحث في علم اجتماع السياسة، بحضور مؤلف الكتاب الباحث جوهر الجموسي.

استهل الدكتور معتوق حديثه بالتعريف بالمؤلِّف وبكتابه الذي عَدّه كتابًا طليعيًا في موضوعه وتصنيفه وثراء معلوماته، ومعالجته قضايا لم يسبقه في أسلوب طرقه موضوعَ المجتمع الافتراضي أحدٌ في عالمنا العربي. كما أشار إلى أنّ ميزة الكتاب تكمن في أنه تطرّق على نحوٍ مباشر إلى علاقة العالم الافتراضي بالشأن السياسي العامّ في العالم العربي المعاصر؛ إذ "دخله من باب الثورات والحراك الشعبي المطلبي في غير قطر من الأقطار". ولفت الدكتور معتوق الانتباه إلى أنّ ارتباط تأثير "الافتراضي" بقيام مجتمعات مدنية عربية فاعلة يبقى موضع تساؤل. وحثّ الباحث على أن يطلعنا، ربما في عمل آخر موسّع، على ما آلت إليه الأمور في هذا المجال، حاضرًا ومستقبلًا.

"إذا أردت أن ألخّص هذا الكتاب في ثلاث كلمات، فهو: جديد، إشكالي، علمي".

بهذه العبارة استهل الدكتور نديم منصوري عرضه الكتاب، ذلك أنّ المؤلف يطرح موضوعًا جديدًا سعى من خلاله لـ "فهم الصراع القائم بين السلطة السياسية والسلطة المدنية في المجتمعات العربية الراهنة"، ولا سيما إشكالية العلاقة بين "مساحة" ما هو مدني وما هو سياسي في الفترات الانتقالية. ورأى أنّ هذا الكتاب، وإن أتى "في اللحظة السوسيولوجية المناسبة"، فإنه يحتمل كثيرًا من الانتقاد، أو حتى الرفض؛ لأنّ "الاعتراف بالافتراضي كقوة صانعة للمدني أو للسياسي" لا يزال موضع نقاش، وأخذٍ وردٍّ.

على الرغم من ذلك يرى الدكتور منصوري – الخبير في الشأن نفسه ومصنّف كتاب "سوسيولوجيا الإنترنت" - أنّ الدكتور الجموسي نجح في رسم أبعاد جديدة للدور الذي أدّاه "العالم الافتراضي" في الثورات العربية، وفي إبراز مساهمة القوى المدنية العربية في إنجاز الثورات العربية باعتماد آليات حراك اجتماعي وسياسي جديدة، أساسها الافتراضي الرقمي ووسائط الاتصال. كما رأى أنّ الباحث تمكّن من الإحاطة في كتابه بـ "تفسير كل ما يتصل بمجتمع المعلومات والجماعات الافتراضية والمجتمع الرقمي والسيبراني والثورة وغيرها"، وأنه وُفّق في شرح كثير من الممارسات الافتراضية التي كان لها سبق إنجاز تحولات كبرى في ثلاثة مجالات، أبرزها "التغيرات الفردية، أي الفرد والمجتمع في الواقع الافتراضي"، و"الصورة المستقبلية للمجتمع الافتراضي"، فضلًا عن مساهمة الوسائط الإلكترونية في "هدم الاحتكار الإعلامي الرسمي". ورأى، أيضًا، أنّ المؤلف تمكّن من إبراز "دور الجمعيات المدنية في الممارسة السياسية"، وهو الدور الذي "أدى إلى انكماش دور الأحزاب السياسية التقليدية لحساب فاعلين سياسيين جُدد" وجدوا في وسائط الاتصال الحديثة سبيلًا يعتمدون عليها في تحركاتهم وفي تحقيق أهدافهم.

على الرغم من أنّ المشهد التونسي كان هو الأبرز في معالجة الجموسي مسألة المجتمع الافتراضي، فإنّ المنصوري سجّل للباحث نجاحه في طرح موضوع مهمٍّ وسجالي، ولا سيما أنّ هذا الموضوع أصبح من أبرز الموضوعات التي تحتاج إلى من يفسرها ويدرسها من منظور سوسيولوجي. وأشار إلى تنبّه العدو الاسرائيلي للمجال السيبراني، من خلال ما يُطلق عليه في "إسرائيل" منذ عام 2012 "اتجاه الرؤية الجديدة لفحص الواقع"؛ إذ يَعُدّ المجال السيبراني "عالمًا سياسيًا جديدًا على الاستخبارات ومراكز الأبحاث الإسرائيلية". لذا، "كان من المفيد فهْم الافتراضي من خلال ما تشاهده عين العدو"؛ وهذا أمر حثّ الباحث على طرقه في أيّ عمل مستقبلي مكمّل قد يعزم على تصنيفه.

أمّا الدكتور شوكت اشتي، فرأى أنّ التسليم بأهمية الإنترنت وضرورتها في الحياة اليومية، يزيد الخلاف حول تداعياتها حضورًا وعمقًا، وهو أمرٌ يجعل هذا الكتاب "على قدر كبير من الأهمية، ويحتاج [تصنيفه] إلى الكثير من الجهد والجرأة العلمية".

ورأى الدكتور اشتي أنّ الكتاب يتحرر، في توصيف الحراك الشعبي العربي ضد الحكام، من النمطية التي تُرجِع "أيّ حركة احتجاج ضد هذا النظام العربي أو ذاك إلى عوامل خارجية". كما رأى أنّ المؤلف نجح في إبراز دور "الإعلام البديل" في متابعته حوادث "الثورة" من خلال ما قدمه عن التجربة التونسية من معطيات.

على الرغم من موافقته المؤلف على أنّ المجتمع الافتراضي "يوفر مجالات غير محددة لإبداء الرأي، وحرية التعبير، والنقد، والمناقشة، والمشاركة"، تساءل الدكتور اشتي إنْ كان "النجاح في الواقع الافتراضي يوفر بالقدر ذاته النجاح في الواقع الملموس؟". وعلى الرغم من تساؤلاته الكثيرة، أكّد موافقته المؤلف أنّ الافتراضي ساهم "في تفعيل حركية المجتمع المدني العربي، وتوسيع نطاق عمله، وقنوات تواصله".

إضافةً إلى ذلك، رأى الدكتور اشتي أنّ الكتاب يتسم بنظرة مفرطة في التفاؤل تجاه الواقع الافتراضي وما سيُحدثه في الواقع العربي؛ على الأقل لجهة متغيرَي "الثورة" و"المجتمع" اللذين يحاول الكتاب "تحديد مدى تأثرهما بالافتراضي ووسائطه من جهة، وبالتطورات أو التحولات التي أحدثها الافتراضي في هذين المتغيرين من جهة أخرى".

في معرض رده على ملاحظات المشاركين، عَدَّ الدكتور جوهر الجموسي كتابه المذكور محاولةً للرد على قضية شائكة أثارت حيرة الكثيرين، و"للوقوف على المجتمع الافتراضي وتأثيره في المجتمع المدني". ولفت الانتباه إلى أنّ "المجتمع الافتراضي مهدد حاليًا من الحكام بما يُسنّ ضده من قوانين في البلدان العربية"، وساق عددًا من الأمثلة، منها قوانين المطبوعات، وقوانين تتعلق بالإنترنت، والنفاذ إلى الإنترنت، ومنها قوانين تَحُدّ من حرية الصحافة، ومنها قوانين أخرى تمسّ النشر. وختم بالقول إنّ دور المجتمع الافتراضي سيكون أكثر أهميةً في السنوات المقبلة.