بدون عنوان

اختتمت اليوم (الاثنين 5 كانون الأول/ ديسمبر 2016) أعمال منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية الذي نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات على مدى ثلاثة أيام. وأحاط الباحثون المشاركون في المنتدى من دول خليجية، ودول عربية، ودول أجنبية أخرى بأبرز القضايا المتعلقة بالتنويع الاقتصادي في الخليج. وهو الموضوع الذي اختاره المنتدى محورًا متخصصًا لدورته الثالثة، فيما اكتست الأوراق المقدمة في المحور الثابت المتعلق بتحديات البيئة الإقليمية والدولية أهمية خاصة بالنظر إلى التحولات التي حصلت في المنطقة منذ عقد المنتدى دورته الثانية العام الماضي.
وقد شمل برنامج اليوم الثالث والأخير ثلاث جلسات في كل واحد من محوري المنتدى، جرت في قاعتين بالتوازي. خصصت الجلسة الأولى في محور التنويع الاقتصادي لمحاولة حصر الرؤى والاحتياجات الخاصة بتنويع دول الخليج اقتصاداتها، والجلسة الثانية لدراسة أثر التحولات الاقتصادية الدولية في السياسات الاقتصادية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، فيما تناولت الجلسة الثالثة شروط التحول الاقتصادي ودوره في التنويع في هذه الدول. وفي محور تحديات البيئة الإقليمية والدولية، ناقشت الجلسة الأولى تعامل دول مجلس التعاون مع التحدي الإيراني، وتناولت الجلسة الثانية علاقات هذه الدول مع القوى الكبرى، وخصصت الجلسة الثالثة لمناقشة العلاقات الخليجية مع أميركا الجنوبية.


تراجع إيرادات النفط فرصة لدفع التنويع، والتوجه شرقا قد يكون الحل

أثارت الأوراق البحثية المقدمة في الجلسة الثانية من المحور المتعلق بتنويع الاقتصاد نقاشًا كبيرًا بين المشاركين في المنتدى، بالنظر إلى طرحها أهم الإشكاليات المتعلقة بما بعد عصر النفط والتحولات الاقتصادية الدولية وما تفرضه من تحديات على اقتصادات دول الخليج.

أكد الخبير النفطي ناجي أبي عاد في ورقته التي طرح فيها سؤال "كيف سيتكيف الخليج مع عصر ما بعد النفط؟" أنّ منتجات النفط التي تسيطر على صادرات دول الخليج وتمثّل نسبة ساحقة في ناتجها الخام باتت تشتري واردات أقلّ كثيرًا ممّا كانت تشتري في السابق بسبب انخفاض أسعار النفط والغاز. وأصبحت المشكلة، في الحقيقية، متمثّلة بأنّ موارد النفط والغاز في المنطقة بدأت تفقد أهميتها الإستراتيجية. وأضاف أنّ دول الخليج تخطئ إن افترضت أنّ الأسعار سترتفع من جديد لتبلغ مستوياتها العالية السابقة. فالانخفاض الذي شهدته أسعار النفط والغاز مؤخرًا يشير إلى تغيّر هيكلي غير مسبوق طرأ على قطاع الطاقة، وهو تغيّر سيترك في البلدان المنتجة للنفط آثارًا اقتصادية وسياسية مهمة. ويفسر هذا المنحى بأنّ قطاع الطاقة شهد اختراقات تكنولوجية، نشأت إمّا عن الصناعة نفسها تمامًا، على غرار ثورة النفط والغاز الصخريّين في الولايات المتحدة، وإمّا من خارجها، وهي تأتي في صورة طاقة رخيصة قابلة للتجدّد. وتبقى وفرة مصادر الطاقة الرخيصة خير دليل على أفول عصر هيمنة النفط.

وأمام هذا الواقع الجديد، أصبح الإصلاح ملحًّا على دول مجلس التعاون. ويرى أبي عابد أنّ على هذه الدول أن تستفيد من وضع تراجع أسعار النفط وإيراداته وتعدّه فرصة لتفعيل جدي لكل السياسات التنويعية التي أطلقتها ولم تطبّق على النحو الكامل إلى حد الآن، إضافة إلى اعتماد برامج جديدة تتوافق مع التحولات في الاقتصادات العالمية. وذكر في هذا الشأن عددًا من السياسات، من أهمها زيادة نسبة المواد النفطية المصنعة والمحولة ذات القيمة المضافة في إجمالي الصادرات النفطية، وتعزيز دور القطاع الخاص في المجالات الصناعية والخدمة، واللجوء إلى وضع نظام ضريبي وخفض الدعم، وإصلاح سوق العمل، وتنويع القطاعات الرئيسة للاقتصاد والاهتمام أساسًا باقتصاد المعرفة والموارد البحرية وتكنولوجيا تحلية المياه، وكذا الطاقات المتجددة والنظيفة.

شددت ورقة أخرى قدمت في الجلسة نفسها على أنّ تعزيز دول مجلس التعاون توجيه تبادلها الاقتصادي والتجاري نحو دول شرق آسيا قد يمكنها من الاستفادة من التحولات الجارية في النظام الاقتصادي العالمي وتنامي الكتلة الأسيوية فيه. وأكد تيموثي نيبلوك، أستاذ سياسات الشرق الأوسط بجامعة إكستر في المملكة المتحدة، أنّ أمام دول الخليج اليوم فرصًا سياسية إستراتيجية، وهي مرتبطة بعلاقاتها التجارية والاستثمارية بآسيا، وهي علاقات متنامية باطّراد. وأوضح عبر إحصائيات وأرقام عن التبادل التجاري والاستثماري لدول الخليج العربية كيف حدث التحول بين عام 1990، إذ كان للصين والهند موقع هامشي في هذه المبادلات، وعام 2013 وقد اعتلت الصين قمة الشركاء التجاريين لدول مجلس التعاون، وعززت في السنوات التي تلتها هذا الموقع، وقد زادت تبادلات الخليج مع الصين بنسبة 400% بين عامي 2005 و2013، وبنسبة 760% مع الهند في الفترة نفسها.

وأشار الباحث إلى أنّ دول الخليج إن قرّرت استغلال الفرص المتاحة لها لتعزيز شراكتها شرقًا، فهي ستتمكّن من أن تضطلع بدور جديد ومستقلّ في النظام العالمي السياسي الآخذ في التبلور.


اقتصاد المعرفة ومساهمة المرأة في التنويع

ركّز كل من فهد الفضالة المستشار في الجهاز الفني للمعهد العربي للتخطيط في دولة الكويت، وعبير الأرياني من مكتب البحوث المدعومة في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بالسعودية، في ضرورة استفادة دول الخليج العربية من الفرص المتاحة لأخذ موقع ريادي في اقتصاد المعرفة الذي يهيمن على مسار التحولات الاقتصادية الدولية.

وأوضح الفضالة أنّ على دول المجلس الوصول إلى تصميم نموذج جديد ورؤى ذكية تعتمد على الاستثمار في العناصر الأساسية لاقتصاد المعرفة والمتمثلة بالتعليم والتدريب، والإبداع والابتكار، والحوافز الاقتصادية والنظم المؤسسية وتكنولوجيا المعلومات والاتصال؛ بهدف خلق جيل متعلم ومؤهل وذي كفاءة عالية تسهم في تحقيق ليس التنويع الاقتصادي في دول المجلس فحسب، بل وتسهم أيضًا في تحقيق تنمية شاملة ومستدامة تلبي تطلعات شعوب دول المنطقة، مستغلة في تحقيق ذلك الإمكانيات المتاحة لعوائد القطاع النفطي وخصائص اقتصاداتها ومتانتها التي تمتلك كل مقومات النمو والتطور، فضلًا عن مكانتها على الساحة الاقتصادية الدولية. وأكد ضرورة التنسيق والتكامل بين دول المجلس في تصميم إستراتيجيات تنموية تنصب في سرعة التحول من الاقتصاد الريعي القائم إلى اقتصاد يعتمد على المعرفة في نموها وتطورها.

وناقشت الباحثة عبير الأرياني ركيزتين اثنتين من ركائز التحول إلى الاقتصاد القائم على المعرفة في مجلس التعاون، وهما التعليم والتدريب من ناحية، والنظام المؤسسي ونظم الابتكار من ناحية أخرى. وخلصت إلى أنّ الاختلال الذي يميز سوق العمل في دول الخليج العربية بغلبة العمالة الوافدة نظرًا للعوامل الجاذبة لهذه الدول، يجب أن يمثّل فرصة لها من أجل استقطاب الطاقات البشرية خاصة من الشباب العربي ذوي المستوى التعليمي العالي ليكونوا ركيزة في بناء اقتصاد قائم على المعرفة.

وتحدثت هند المفتاح، نائب رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا للشؤون الإدارية والمالية، عن المرأة القطرية في ريادة الأعمال ودورها في تعزيز التنويع الاقتصادي. وأكدت التزايد المطرد لدخول المرأة القطرية قطاع الأعمال والاستثمار ومساهمتها الفعالة في القطاعات الإنتاجية والخدمية، وذلك بفضل السياسة الوطنية لدولة قطر في تعزيز تمكين المرأة والاهتمام الكبير بهذه النقطة في الإستراتيجية الوطنية "رؤية قطر الوطنية 2030".


إيران: التحدي والسيناريوهات

خصصت إحدى جلسات اليوم الأخير من المنتدى في محور تحدّيات البيئة الإقليمية والدولية لمناقشة التحدي الإيراني. وأكد عبد الله العساف، رئيس قسم الإعلام المتخصص في جامعة الإمام - الرياض في ورقة طرحت أبرز التحديات التي تمثّلها إيران بالنسبة إلى دول الخليج وهو التحدي الأمني، أنّ إيران نظرت إلى الاتفاق النووي مع مجموعة (5+1) على أنه ضوء أخضر للتمدد في محيطها العربي، وتحقيق حلمها الفارسي بمحاصرة الجزيرة العربية من الجهات كافة، وهو ما أثار فزع الدول الخليجية التي صحت على أصوات تلمّح بانسحاب الأسطول الأميركي الخامس من المنطقة وتراجع الدور الأميركي فيها، وتغيّر أولوياته الإستراتيجية بالتركيز في آسيا ومحاولة حصار الصعود الاقتصادي الصيني.

وأوضح المتحدث أنّ التوتر في العلاقات الخليجية - الإيرانية هو سياسي وإستراتيجي، ولا يمكن فصله عن الإرث التاريخي للعلاقات بين الجانبين التي شهدت تقدمًا حقيقيًا على مستوى التصريحات الإيرانية المعسولة فقط.

وخلص عساف إلى أنّ المشروع الإيراني في منطقة الخليج تحديدًا يستهدف كل دولة من الدول الست سواء منفردة، أو بصفة ثنائية؛ في تركيبتها الاجتماعية والأمنية والسياسية والاقتصادية، ومحاربة قيام سوق نفطية خليجية مشتركة، ويسعى من خلال هذه العملية لعدة أمور أهمها العمل على تفتيت مجلس التعاون والقضاء على هذا الاتحاد، وإن كان لا يمثّل تهديدًا حقيقيًا لإيران لكنها تسعى لأن تكون مظلة لهذه الدول من خلال ربطها اقتصاديًا وسياسيًا بإيران.

وقدّم أربعة سيناريوهات ممكنة لتطور العلاقة بين الدول الخليجية وإيران، فإمّا أن تؤول الأمور إلى حرب بالوكالة ومحاولة كل طرف استنزاف الطرف الأخر، وجره إلى مستنقعات تنهك قواه، وتقضي على طموحه، بعيدًا عن السيناريو الثاني للمواجهة المباشرة، وهو احتمال بعيد فإيران جربت حرب الثماني سنوات مع العراق، وخرجت منها بتجربة فريدة، وهي اعتماد الحرب خارج حدودها؛ ويطرح السيناريو الثالث إمكانية التقارب والانفتاح، وهو على الرغم من صعوبة تحقيقه نظريًا، فإنه الخيار الأفضل للطرفين؛ أمّا السيناريو الرابع فهو سيناريو "المد والجزر"، كما سماه الباحث، وهو الأقرب في الوقت الراهن، نتيجة عدم التوصل إلى حل عدد من الخلافات والملفات الساخنة بين الطرفين، شريطة أن يبقى محصورًا داخل الحدود لا يتجاوز تصريحات كلامية.