بدون عنوان

نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ندوة حول كتاب عن الدولة لعالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو، شارك فيها الباحث في علم اجتماع المعرفة الدكتور فريدريك معتوق، كما شارك مترجم الكتاب وأستاذ الفلسفة نصير مروة، وأدارها مدير التحرير في المركز العربي الدكتور أحمد مفلح، بحضور حشد من المهتمين والمثقفين.

افتتح مفلح مداخلته بالتعريف ببيار بورديو (1930-2002)، ذاكرًا أنه عالم اجتماع فرنسي، وأحد الفاعلين الأساسيين في الحياة الثقافية والفكرية الفرنسية، وأحد أبرز المراجع العالمية في علم الاجتماع المعاصر منذ ستينيات القرن الماضي. قَرَن الرأي بالفعل في حياته البحثية، وكان من المؤمنين بالفعل لا بالآراء، وعاش مجتمع بحثه وشارك في المظاهرات والاحتجاجات. وهو ماركسي، انتقد الماركسية بسبب تغاضيها عن العوامل المؤثرة في المجتمع غير الاقتصاد، مثل المنتجات الثقافية (الذوق الفني) أو الرمزية (سلوك الناس وطريقة عيشهم)، ومن الرمزية اشتق العنف الرمزي الذي يعني عنده قدرة المسيطرين على حجب تعسف هذه المنتجات الرمزية، فتظهر – إذًا – كأنها شرعة.

ذكر مفلح أيضًا أن بورديو يرى أن العلاقات الاجتماعية في المجتمعات الحديثة تقسم حقولًا، أي فضاءات اجتماعية أساسها نشاط معين، يتنافس فيها الفاعلون على احتلال مواقع السيطرة، أي إن علم الاجتماع عنده ذو طبيعة تنازعية.

وأضاف أن لبورديو 36 كتابًا، تُرجم 12 منها إلى العربية، وآخرها كتاب عن الدولة الذي صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وهو موضوع الندوة.

من جهته، رأى معتوق أن الكتاب يجمع تقويم بيار بورديو الفكري لتجربة الدولة الفرنسية التي يعدّها تجربة ناجحة في الجملة؛ فالمؤلف يسعى لشرح فكرتين رئيستين؛ الدولة بوصفها مصدر الشرعيات، في المجالات كلها، والدولة بوصفها فاعلًا اجتماعيًّا أول. وأشار إلى أن الدولة تنشئ وجهة نظرها في رؤية عامة وتفرضها، فتغدو تدريجًا ما يشبه "وجهة نظر جميع وجهات النظر". وبهذا المعنى، فالدولة نوع من التوهّم الاجتماعي غير الوهمي؛ بناءٌ قام على أفكار طوباوية تحقَّق في الواقع، فأضحى بناء من المؤسسات، وبتحققها هذا غدت الدولة مرجعية لشرعية الأفكار والمؤسسات؛ إذ نتجت الدولة، في المثال الفرنسي، من شرعنة شعبية لها إبان الثورة الفرنسية، أتاحت لها لاحقًا أن تصبح مصدرًا حصريًا للشرعيات.

عدّ معتوق كلام بورديو دائرًا في مجمله حول الدولة الحديثة. لذلك نشعر بالاغتراب عندما نطّلع عليه، بينما نعيش نحن العرب دولة خلدونية، دولة للعصبية والملك تتعارض مصالحها مع شرعية الدولة الواحدة والموحدة، كما تتعارض مع تحقيق التكامل الاجتماعي، المفكك لعصبيات الطوائف والأسر المالكة والحاكمة.

أما مروّة، فقال إنه ليس للمترجم - وهـو هنـا عينٌ لا مجاز - أن يفتي في محفلٍ كهذا، في علم اجتماع بورديو، ولا أن يحاول ترسّم الفلسفة التي تبرره أو تمليه. ولئن كان قـد سبق لـه أن حاول ذلك، فقـد بات عليـه الآن أن يلزم حدوده، ويقنع بوضعه؛ فالمترجم هو المترجم ليس إلا.

قال مروة: الدولة هي التي تسمِّي، والأسـماء "توقيفٌ" منها، توقيفٌ يشـبه ذلك الذي ظنه ابن جني في نشأة اللغة العربية حين قال: "فقَويَ في نفسي اعتقادٌ أنهـا توقيف من اللـه سبحانه، وأنها وحي منه". والتنزيل يقول إنـه سبحانه أنشـأ الأسـماء جميعها وعلمها كلها.

تساءل مروة: إذا لم يكن للمترجم الحق في ادعاء منزلة عالم الاجتماع أو الاقتصادي، أو كل من يبيح لـه تقسيم العمل الاجتماعي أن يسـتبطن هيغل، فمـاذا تراه يسـتبطن؟ ومـاذا يسـعه أن يُظهِر؟ ومـا الذي تراه يستطيع أن يفتي فيه؟ ظاهر الأمـر أنـه يسـتطيع أن يفتي في اختيار المصطلح. عنوان الدروس موضوع الكتاب هو (sur l’Etat). فكيف يقول Etat؟ أيقول دولة؟ أم يقول غـير ذلك، أم تراه يعيد رسـم الكلمة الأعجمية بأحرف عربية كما حدث قديمًـا، ولا يزال يحدث حاليًا في مصطلحات كثيرة؟

في نهاية العرض دار نقاش مطوّل في شأن الدولة عمومًا، ومفهومها عند بورديو، وكان هناك ردود مستفيضة من المحاضرين.