بدون عنوان

استضاف برنامج السيمنار الأسبوعي الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يوم الأربعاء 14 كانون الأول/ ديسمبر 2016 الدكتور وجيه كوثراني، المؤرخ والأستاذ الباحث والمدير العلمي للإصدارات في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. وقد تناول السيمنار موضوع "الأيديولوجي والمعرفي في نماذج من الكتابة التاريخية العربية: ابن خلدون، قسطنطين زريق، محمد عابد الجابري".


وقد طرح الدكتور كوثراني في هذه المحاضرة أسئلة طبيعة العلاقة بين النظريات العلمية والأيديولوجيا، وإبستمولجية علوم الإنسان والمجتمع، ولا سيما طبيعة العلاقة بين التاريخ كعلم والأيديولوجيا كخطاب تاريخي، أو بين التاريخ وفلسفة التاريخ. وقد رأى الباحث أنّ فرضية بوبر حول تداخل الأيديولوجي والعلمي أمرٌ أكثر مفهومية وربما "أكثر صدقية" إذا ما طبقناها على العلوم الإنسانية والاجتماعية، وبصورة خاصة على الفكر التاريخي وإنجازاته وتجلياته في الخطابات التاريخية المتنوعة التي تنشد العلمية، بوصفها تجارب ومحاولات إنتاج معارف، استخدمت قواعد البحث التاريخي ومنهجيته (المنهج التاريخي).

وكمقدمة لعرضه الثري، استهل المؤرّخ وجيه كوثراني حديثه بمقدمة عن "القبب المعرفية" في الكتابة التاريخية العربية (الكلاسيكية)؛ "قبة الأدب" التي تعبر عن معطيات التاريخ والمجتمع والحياة اليومية الخاصة بالطبقات والفئات والشعوب وأنماط العيش (مثال كتابات الجاحظ والأصفهاني والتوحيدي... )؛ و"قبة معرفية" لمباحث تاريخية عن الملل والنحل والفرق "وعلم" العقائد ومشاهير الحكماء والفلاسفة؛ وقبة "إبستيمة" الفلسفة والحكمة، وعلم الكلام في "زمانها الإسلامي"؛ وأخيرًا "قبة السياسة" التي احتلت مساحة واسعة ظلّلت بدورها حقل معارف التاريخ، في الحروب والمعارك والسياسات وأساليب الحكم وأنماط العلاقة بين الحاكم والمحكوم (الراعي والرعية).

د. وجيه كوثراني

ثمّ عرض الدكتور وجيه كوثراني لثلاثة نماذج عرض من خلالها لمسألة التمييز والفصل بين العلمي والأيديولوجي، وبين الأيديولوجي والمعرفي، بدءً من العلامة عبد الرحمن بن خلدون، طارحًا سؤال هل تفلّت ابن خلدون من وطأة "الأيديولوجيا السائدة" عبر ما يسمى في علم الإبستمولوجيا "التجاوز المعرفي"، وعادًّا أنه على الرغم من ذاك "التجاوز المعرفي" الذي حققه ابن خلدون على مستوى تكاملية معارف علوم الحضارة الإسلامية كما يرى كثيرون اليوم، فإنه يبقى ابن عصره، أي ابن ثقافة ذاك العصر الذي ورث ثقافة الحديث والفقه ذات المرجعيات الإسلامية والفلسفة ذات الينابيع اليونانية، والآداب المتنوعة بمصادرها العالمية (العربية والفارسية والهندية)، ويبقى أيضًا نتاج الخبرات السياسية العملانية التي تذهب من جهة نحو دنيوية ونفعيةٍ تلامس سقف الوضعانية. ثم استحضر الباحث مثالان اختارا هذا الأسلوب من التوصيف النمطي لاتجاهات البحث التاريخي والبحث في تاريخ الأفكار: الأول قسطنطين زريق الذي يميز في الفكر التاريخي بين العلمي وغير العلمي (أي الأيديولوجي)، والثاني محمد عابد الجابري الذي يميز بين المعرفي والأيديولوجي، وأنه يعني بالمعرفي الإبستمولوجي على وجه التحديد.

وفي عقب المحاضرة، قدم الدكتور عبد الحميد الهنية تعقيبًا مُطوّلًا على محاضرة الدكتور كوثراني، تلاه نقاشٌ عام أسهم فيه جمهور الحاضرين.