بدون عنوان

مساهمة الإسلاميّين أحد مكوّنات التحوّل الديمقراطي لكنّهم مطالبون بتطوير رؤاهم وبرامجهم

اختتم مؤتمر "الإسلاميّون ونظام الحكم الديمقراطيّ.. تجارب واتّجاهات" - الذي نظّمه المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات في الدوحة - أعماله بعد ثلاثة أيام من المحاضرات والنقاشات بين عشرات من الباحثين والمختصّين والمهتمّين، وبمشاركة زعماء للحركات السياسيّة الإسلاميّة وممثّلين لها في معظم الدول العربية. وعلى امتداد 12 جلسة في الأيام الثلاثة التي استغرقها المؤتمر، فحص باحثون وأساتذة جامعيون الجوانب المختلفة لمشاركة الإسلاميين في الحياة السياسية في الدول العربية، وقدّموا قراءاتهم التحليليّة عن المسار التاريخي الذي مرّت به الحركات الإسلاميّة في السودان والأردن ومصر وتونس والمغرب والعراق وفلسطين واليمن والجزائر ولبنان وليبيا وموريتانيا، كما عدّدوا التحدّيات التي تواجهها حركات الإسلام السياسي في ظلّ ثورات الربيع العربيّ وما ينتظر منها في ما بعدها. وتطرّقت أوراق المؤتمر إلى مكونات تيّار الإسلام السياسي كافّةً، إذ شملت حركة "الإخوان المسلمون"واسعة الانتشار والتنوّع، وكذا التوجه السلفي ذا الانتشار الكبير في عدد من الدول العربية مثل مصر والمغرب، وأيضا المكون الإسلامي الشيعي. وإلى جانب مداخلات وأوراق الباحثين التي تناولت موضوعات المؤتمر من زاوية التحليل الأكاديمي، قدّم السياسيون المشاركون في المؤتمر من زعماء للحركات الإسلامية وممثّلين عنها إضافة نوعية من خلال مداخلاتهم التي عرضوا فيها تجاربهم، وهو ما أثرى النقاش وفتح جسورًا للتواصل والحوار بين المجتمع الأكاديمي ومجتمع الممارسين السياسيين من تيّار الإسلام السياسي.

وتضمّن برنامج المؤتمر أيضًا محاضرات عامّة ألقاها بعض من أبرز قيادات الحركات الإسلامية السياسيّة من أمثال زعيم حركة النهضة في
تونس راشد الغنّوشي، والمفكّر الإسلامي وزعيم حزب المؤتمر الشعبي السوداني حسن الترابي، ورئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلاميّة (حماس) خالد مشعل.


تكيّف مع التحوّل

وقد برزت من خلال نقاشات المؤتمر العديد من الأفكار والرؤى بشأن ما يتطلّبه الواقع الجديد للحركات الإسلامية في ظلّ التحوّل الديمقراطي المأمول في أعقاب ثورات الربيع العربي من "نفض" لغبار العديد من  الأفكار والسلوكيات التي ارتبطت بمنعكسات فترة الصراع مع السلطة، ومع اعتلاء الإسلاميّين السلطة في عددٍ من الدول ومشاركتهم فيها في دولٍ أخرى أصبحت الحركات الإسلامية السياسية أمام تحدّي ممارسة السلطة والمشاركة فيها والتخلّص من منعكسات الفترة السابقة. وفي هذا السياق، أكّد العديد من الباحثين على ضرورة أن ترتقي الحركات الإسلامية بمستوى فكرها وممارسته ولا تكتفي بالإقرار بآليات التحوّل الديمقراطي من تنافسٍ سياسيّ نزيه وتداول للسلطة واحترام للدساتير والتنوّع والاختلاف، وهي ما وصفه أحد الباحثين بأنه الفهم الأداتي للديمقراطية. والمطلوب في المرحلة الآنية ومرحلة التحوّل الديمقراطي هو أن تنتقل الحركات الإسلاميّة إلى استيعاب التعريف والماهيّة الفلسفيّين للديمقراطية ومركزية مسألتي الحرّية والمساواة بمعناهما الفلسفي أيضا. وكان الدكتور عزمي بشارة المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات قد لخّص هذه الفكرة في المحاضرة الافتتاحيّة بالتشديد على أنّ الديمقراطية ليست لها هويّة دينية، ولذلك فإنّ الإسلاميّين مؤهّلون مثل غيرهم للمساهمة في التحوّل الديمقراطي في الدول العربية شريطة أن يستوعبوا في فكرهم وممارساتهم المقتضيات الفكرية والعملية للديمقراطية.

واحتلّت مسائل المواطنة والتحول الديمقراطي حيّزا مهمًّا من نقاشات جلسات المؤتمر، وتحقّق شبه إجماع لدى المشاركين - بمن فيهم ممثّلو الحركات الإسلامية - أنّ التحوّل الديمقراطي في الدول العربية يجب أن يتّجه إلى إقامة دولة ديمقراطية (أو دولة مدنيّة كما سمّاها البعض) حتّى ولو كان الإسلاميون على رأس السلطة، مركّزين على مبادئ الحرّية والعدل والمساواة كأسسٍ لهذه الدولة.


نقاشات عميقة

خصّص برنامج اليوم الثالث والأخير (الاثنين 8 تشرين الأول / أكتوبر) من مؤتمر "الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي.. تجارب واتّجاهات" لجلسات نقاشية محورها "الإسلاميون والتحوّل الديمقراطي"، وشمل أيضًا محاضرتين لكلٍّ من راشد الغنّوشي وخالد مشعل. وقد شهد اليوم الثاني للمؤتمر أولى جلسات النقاش المفتوح التي قدّم فيها أوراقا كلّ من حارث الضاري أمين عام هيئة علماء المسلمين في العراق، وعبد الله جاب الله رئيس حزب جبهة العدالة والتنمية في الجزائر، وياسر براهامي نائب رئيس "الدعوة السلفيّة" في مصر، وغازي صلاح الدين المستشار السابق للرئيس السوداني لشؤون السلام، والزعيم الحالي لكتلة الأغلبية في البرلمان السودان، وفُتح بعدها نقاش بين الأكاديميّين والباحثين وهؤلاء السياسيّين. واستكمالا للنقاش حول محور "الإسلاميون والتحوّل الديمقراطي"، شهد اليوم الثالث جلستين نقاشيّتين. وتحدّث في أولاهما كلّ من السنوسي بسيكري مدير المركز الليبي للبحوث والتنمية، وسالم الفلاحات المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وعبد الوهاب الأنسي البرلماني اليمني عن حزب التجمّع اليمني للإصلاح، وإسلام لطفي عضو المكتب التنفيذي لائتلاف شباب الثورة في مصر. وتحدّث في الجلسة النقاشيّة الثانية لليوم الثالث، وهي الثالثة في سلسلة جلسات النّقاش، كلّ من يحيى ولد الوقف رئيس الوزراء الموريتاني الأسبق، وعلي صدر الدين البيانوني المراقب العامّ السابق لجماعة الإخوان المسلمين في سورية، ومحمد جميل منصور وهو سياسي موريتاني وكان أوّل إسلاميّ يترشّح لرئاسة موريتانيا.

وقد تناول النقاش خلال الجلسات التي خصّصت لمحور "الإسلاميون والتحوّل الديمقراطي" قضايا التزام الإسلاميين بمبادئ الديمقراطية وموقع الفكر الإسلامي في السّجال السياسي، وتطرّق أيضًا إلى برامج الأحزاب الإسلامية ومدى استيعابها لمتطلبات مرحلة التحول الديمقراطي التي تمرّ بها الدول العربية. ولم يخل النقاش من جانب من النقد لأفكار الحركات الإسلامية وبرامجها وممارساتها. وأشار الباحثون إلى أن الإسلاميين لا يزالون -إلى حدٍّ ما- مرهوبي الجانب لدى شريحة واسعة من الرأي العام العربي وخاصة لدى النخبة المثقفة، مؤكّدين على أن الحركات الإسلامية مطالبة بالانفتاح داخل صفوفها على التيّارات الأخرى زيادة على فتح أبواب الحوار مع من يختلفون معهم ممّن تصفهم هذه الحركات بالعلمانيّين أو اللائكيين كما تسمّيهم حركات الإسلام السياسي في بلدان المغرب العربي.


الغنّوشي: التيّار الإسلامي مقتنع ببناء "دولة مدنيّة"

أكّد الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة في تونس في المحاضرة التي ألقاها ضمن برنامج اليوم الأخير من المؤتمر أنّ التيار الإسلامي ليس كلًّا واحدا، بل هو مجموعة من المدارس والأفكار. وأضاف أنه لا تزال هناك أصوات إسلامية تكفّر الديمقراطية وأخرى تعدّها بدعة، لكن المؤكد هو أنّ الطيف الأوسع من الإسلاميّين مقتنع بالديمقراطية، وأن التيار الإسلامي تتزايد قناعته ببناء دولة مدنية تستمدّ شرعيّتها من الشعب الذي تستحقّ كلّ مكوّناته حقوقا متساوية كما عليها واجبات متساوية.

وأوضح الغنوشي أن حركة النهضة في تونس اقتنعت بضرورة الحفاظ على حرّية واختيار قسم من المواطنين الذين لا يطمئنّون لجعل الشريعة مصدرا للتشريع، ووافقت على عدم نصّ الدستور الجاري صوغه على أن تكون الشريعة مصدر التشريع. فالديمقراطية ليست فقط ضمان حقّ الأغلبية، بل هي أيضا احترام لرأي الأقلّية.

وأضاف رئيس حركة النهضة أنه ليس في الإسلام ما يمنع الاقتباس من حكمة الشعوب الأخرى، ومن حكمة الشعوب الأخرى الحديث عن الدولة الديمقراطيّة والمدنيّة والمساواة والتعدديّة الحزبية. وأقرّ أنّ فكرة التعددية السياسية لا تزال في التنظير الإسلامي في حاجة إلى المزيد من الاهتمام والتوسيع عند المفكرين الإسلاميين. والأمر نفسه ينطبق على فكرة المساواة في المواطنة، والتي تقتنع بها غالبية التيار الإسلامي.

ويرى الغنوشي أن الوثيقة التي أصدرها الأزهر وسمّاها وثيقة مؤسسة للديمقراطية والمساواة والتعدديّة، هي وثيقة شبيهة بوثيقة الصحيفة التي وضعها الإسلام في فجر الإسلام.

ولكن المحاضر يرى أنّ البعض يريد استيراد العلمانية باعتبارها فلسفة ويفرضها على البيئة الإسلامية، بينما نحن لسنا في حاجة إلى هذه الفلسفة، لكن يمكننا الاستفادة منها كآلية إجرائية تنظّم تداول السلطة والحكم.

وأشار الغنوشي إلى أّن حركة النهضة استفادت من المكتسبات الحقوقية التي نالتها المرأة عبر التاريخ النضالي الطويل في تونس.

وتحدّث زعيم حركة النهضة عن تجربة شراكة الحركة مع القوى العلمانية قائلا: "دخلت الحركة الإسلامية السياسة في تونس من باب مواجهة الاستبداد، لذلك ظلّت الحركة تدور مع الحرّية وتحالفت مع كلّ أنصار الحرّية. وقد أسّسنا مع العلمانيّين المعتدلين وثيقة ثقافية ديمقراطية، سهّلت علينا التحالف مع القوى الديمقراطية العلمانية".

وأشار إلى أن حركة النهضة تساهم بحكم حصولها على الأغلبية مع حلفائها في المجلس التأسيسي في صوغ مسودة دستور ديمقراطي، موضّحًا أنّ النصّ الآن جاهز، وسيطرح للتداول والنقاش، لكن هناك مشكلة لا تزال معلقة وهي الخلاف بشأن طبيعة النظام، هل يكون برلمانيًّا أم رئاسيًّا. وأكّد أنّ حركة النهضة تساند النظام البرلماني لأنها ترى أنّ الاستبداد دخل تونس من باب النظام الرئاسي.


خالد مشعل: على الإسلاميّين أن يعترفوا أنّ الحكم أعقد ممّا كانوا يتصوّرون

شدّد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في بداية محاضرته على ضرورة أخذ الحالة الفلسطينية في سياقها الخاصّ وعدم مقارنتها بحالات الإسلام السياسي في دول عربية أخرى. وقال في هذا الصدد إن حماس حركة تحرّر وطني أوّلًا وليست حركة إسلام سياسي فحسب، فإطارها الفكري والعملي ورؤيتها وبرنامجها هو التحرّر الوطني أولا.

وفي توصيفه للسياق الفلسطيني، رأى مشعل أن السلطة في الحالة الفلسطينية ليست الحالة الاعتيادية إذ هي منقوصة السيادة بل ومعدومة السيادة أصلا. كما أنّ عناصر الدولة ليست موجودة، وشعب مجزّأ ومشتت وتراب محتلّ وسلطة لا تملك السلطة.

ويرى مشعل في ظلّ هذا الوضع أنه لا يمكن أخذ حالة حماس في إطار تناول الإسلام السياسي العام، ولا حتّى في الإطار العام للمؤتمر الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بعنوان "الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي". وأضاف أنّ ما زاد الطين بلّة هو الانقسام الذي حدث بين الضفّة الغربية وغزّة. وتابع يقول: "لم تعد هناك حالة يمكن أن تسمّى تجربة حكم إسلاميين في غزة. لكنّنا في حماس نشير إلى أننا خضنا التجربة ونتعلّم منها وقد أخطأنا في أشياء ونتعلّم من ذلك".

وشدّد مشعل على أنّ حماس من منطلق إطارها الفكري ورؤيتها وبعد أن اضطرّت إلى دخول الانتخابات والحكومة للحدّ من سلبيات مسار أوسلو، فقد حاولت الجمع بين المقاومة والسلطة، وهذا أمر صعب ولكن حماس بقيت مقاومة ومع المقاومة.

أمّا عن تجربة الإسلاميين والديمقراطية، فقد قال مشعل إنّ حماس ترى أن تجربة الأمّة العربية الإسلامية قصيرة في الديمقراطية أو الشورى، لأنه بعد الخلفاء الراشدين صرنا في ظل الحكم العضود الذي وازنته قوّة المجتمع حينها وكانت قادرة على التقليل من سلبيات السلطة. أمّا اليوم، فإنّ على القوى السياسية العربية ومن ضمنها حركات الإسلام السياسي أن تؤسّس لنموذج معاصر للديمقراطية لأنّ تجربة التاريخ قصيرة ولا يمكن الاستنباط منها.

وأوضح مشعل أنّ الإسلاميّين مقتنعون بالديمقراطية ومطمئنون إلى أن الانتخابات التي تجري بتكافؤ في الفرص فإنهم مستعدّون لدخولها حتى وإن خسروها حتّى يتعلموا أنّ الشعب ليس مضمونًا لأحدٍ على الدوام، أي أنها يجب أن ترضي أوّلا صاحب السلطة الوحيد وهو الشعب.

ونبّه إلى أنّ هناك فرقًا بين موقع المعارضة والحكم، بين التخيّل والافتراض والمعايشة والمعاناة، وفرق بين الناقد والممارس. وقال: "على الإسلاميين أن يعترفوا أنّ الحكم أعقد ممّا كانوا يتصوّرون وهذا ينطبق علينا في حماس".

وأكّد رئيس حماس أنّ النموذج الأوروبي الذي يتحول فيه صاحب الأغلبية إلى السلطة وصاحب الأقلّية إلى المعارضة (أو حكومة الظلّ) لا يصلح للحالة العربية، ولا بدّ من عدم التفرّد في الحكم مهما حاز الفائز على أغلبية مريحة. وقال: "يجب أن نذهب إلى الانتخابات ومهما كانت النتائج يجب أن تنشأ حكومات شراكة. وعلى صاحب الأقلّية أن يسلم لتجربة صاحب الأغلبية"، مردفًا بالقول: "الإسلاميون مهما عظمت قوّتهم لا يمكنهم إلغاء الآخرين ولهذا لا داعي للقوميين والليبراليين أن ينذروا أنفسهم لقطع الطريق أمامهم".

وأوصى مشعل الأنظمة الديمقراطية التي تنشأ عن ثورات الربيع العربي بالتوازن بين الهمّ الوطني الداخلي وأولويات الهمّ العربي والإقليمي، فدولة بأهمية مصر مثلا لا يمكن أن تنكفئ على نفسها، وتبقى في منأى عن قضية فلسطين أو التوازن الإقليمي أو الصراع العربي الإسرائيلي، والملفات الكبرى. وهذا هو الدور المطلوب من نظم ما بعد الثورات العربية.

ودعا إلى انفتاح بين تجارب الإقليم في مصر وتونس واليمن وغيرها، للاستفادة من التفكير بعقل جماعي، فلا أحد ينكفئ على نفسه حتى لو كان بحجم مصر، فهي في حاجة إلى غيرها وغيرها في حاجة إليها.

كما دعا أيضا إلى إعادة توزيع خريطة التوازنات الإقليمية وتفادي التدافع بين الاتجاهات الفكرية المتعددة في البلد الواحد. وقال "يجب أن نعرف كيف نقود هذه التجربة بين هذا الخليط (إسلاميين ليبراليين، وداخل كل تيار خطوط). وذلك لا يتم إلا بالانحياز للمصلحة العامّة والشجاعة في التعبير عن الخيارات التي تتطلبها". وشدّد على ضرورة نبذ الاستقطاب الطائفي الشيعي السنّي لأنه خطر على الأمّة ولا يصحّ على الإطلاق.

وتوجّه إلى الحركات السياسية الإسلامية وغيرها على السواء بضرورة التواضع في الوعود للناس وفي ادّعاء امتلاك الحقيقة.