اختتمت اليوم، الثلاثاء 25 شباط/ فبراير 2025، أعمال المؤتمر السنوي الخامس لوحدة الدراسات الاستراتيجية بعنوان "استراتيجيات الدفاع للدول الصغيرة والقوى الأصغر: التكيفات التكتيكية والابتكارات العملياتية"، في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وقد تناول فيه 36 باحثًا وأكاديميًا وخبيرًا ممارسًا من 28 دولة، في عشر جلسات، مجموعةً من التحديات الاستراتيجية والأمنية لثلاثين دولة صغيرة وقوات أصغر، دولتية وغير دولتية.
الأمن في شرق آسيا
ترأسَ هاني عوّاد، الباحث في المركز العربي، الجلسة السابعة للمؤتمر، وشارك فيها أربعة باحثين. استهلها فو-كو ليو، الزميل الباحث في معهد العلاقات الدولية IIR في تايوان، بورقة عنوانها "تعزيز قدرة تايوان الدفاعية في مواجهة حرب محتملة في مضيق تايوان"، بحث فيها سُبل تعزيز الأمن الوطني والقوات المسلحة، ما يُملي على تايوان اختيار الأساليب المناسبة لتعزيز القدرات الدفاعية لردع الصراع المحتمل، لا سيما في ظلّ الجهود التي بذلتها في زيادة ميزانية الدفاع وتسريع التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة الأميركية، حيث سعت حكومة الحزب الديمقراطي التقدمي لدفع الأجندة السياسية بعيدًا عن الصين.
وفي ورقة بعنوان "استراتيجية كوريا الجنوبية الدفاعية ومعضلتها: الأولوية للتحالف أم الاعتماد على الذات؟"، تناول إنسو كيم، أستاذ علم الاجتماع في الأكاديمية العسكرية الكورية بكوريا الجنوبية، فوائد وتكاليف الدفاع القائم على التحالف في تحقيق الأمن القومي للدولة الصغيرة، من خلال تحليل الحالة الكورية الجنوبية، باحثًا أولًا التحالف مع الولايات المتحدة من أجل ردع تهديد كوريا الشمالية، وثانيًا السعي لسياسة دفاعية مستقلة.
في حين درس إنبوم تشون، الفريق الأول المتقاعد، في ورقته "القدرات العسكرية لكوريا الشمالية: من شرق آسيا إلى شرق أوروبا"، تدخّل كوريا الشمالية في الصراع الدائر في أوروبا والدعم الموسع لروسيا؛ ما من شأنه أن يعزز القدرات العسكرية لكوريا الشمالية، لا سيما في مجال المسيّرات. وجادل بأنّ هذا التعاون لا يعزز الجهود العسكرية الروسية فحسب، بل يوفّر أيضًا للقوات الكورية الشمالية خبرة عملية في ساحة المعركة.
أمّا الورقة الأخيرة في الجلسة، فكانت بعنوان "الدفاع الشامل في سنغافورة بعد أربعين عامًا: استجابة تطورية للتهديدات الهجينة وغموض المنطقة الرمادية"، قدّمها أونغ ويتشونغ، رئيس برنامج دراسات الأمن القومي في كلية إس راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة، مجادلًا بأهمية التركيز على الاستراتيجيات التي تعزز المرونة الوطنية، كما فعلت سنغافورة من خلال الدفاع الشامل ابتداءً من عام 1984، الذي انتهجته لمعالجة التهديدات الهجينة والخصوم الذين يستغلون غموض المنطقة الرمادية.
الدفاع في البلطيق وإسكندنافيا
اشتملت الجلسة الثامنة، التي ترأسها غسان الكحلوت، مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني، على ثلاث مداخلات، افتتحتها مارغريتا سيسيلجيتي، مديرة معهد العلاقات الدولية والعلوم السياسية في جامعة فيلنيوس في ليتوانيا، بورقة عنوانها "حماية خط المواجهة: سياسة الدفاع الليتوانية في سياق النفوذ الجيوسياسي الروسي"، ناقشت فيها استراتيجيات الأمن والدفاع في ليتوانيا بوصفها دولة صغيرة، مع التركيز على التفاعل بين سياقها الجيوسياسي، والشراكات مع الحلفاء، وتعزيز القدرات الدفاعية الداخلية، لا سيما مع النفوذ المتزايد للسياسة الخارجية الروسية، حيث ركّزت ليتوانيا على الدفاع الجوي والدفاع الشامل وعمليات الشراء السريعة لمعالجة التهديدات الناشئة.
أمّا سينثيا بروك، نائبة المدير ورئيسة برنامج أبحاث الشرق الأوسط في المعهد اللاتفي للشؤون الدولية، فبحثت في ورقة بعنوان "استراتيجيات الدفاع للدول الصغيرة: تحوّل القوات المسلحة اللاتفية"، تطوّر استراتيجيات الدفاع اللاتفية بعد الاستقلال، مع التركيز على مستويَين استراتيجيَين: التحالفات العسكرية العابرة للحدود الوطنية وجاهزية القوة وبسط القوة، وتحديث لاتفيا لقواتها المسلحة مع التركيز على نماذج الدفاع الهجينة التي تجمع بين القوات المهنية والتجنيد وتعزيز الأمن الوطني.
وختم مايكل فايسمان، المحاضر الأول في علوم أنظمة الدفاع والأمن في جامعة الدفاع السويدية، الجلسة بورقةٍ عنوانها "تحولات التحالف والدفاع في السويد: التغيرات الاستراتيجية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا 2022"، تناول فيها تأثير البيئة الأمنية الجديدة في السويد ما بعد الغزو الروسي الكامل لأوكرانيا عام 2022، الذي قاد إلى قرارها التاريخي بالتخلي عن سياسة عدم الانحياز العسكري، التي حافظت عليها بأشكال مختلفة مدة 200 عام، وأن تصبح عضوًا في حلف شمال الأطلسي "ناتو".
من البلقان إلى البحر الكاريبي
ترأس أدهم صولي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا وجامعة سانت أندروز، الجلسة التاسعة، التي جمعت أربعة باحثين. استهلّ الجلسة جوردون أكراب، نائب رئيس جامعة الدكتور فرانجو تودجمان للدفاع والأمن في كرواتيا، بورقة عنوانها "كيف انتصرت كرواتيا في حرب الاستقلال؟ تنظيم القوات المسلحة والمجتمع الاستخباراتي وتحولاتهما"، مستندًا إلى خبرته شاهدًا مباشرًا ومشاركًا في تنظيم القوات المسلحة والمجتمع الاستخباراتي بكرواتيا، لشرحِ عددٍ من العمليات والتحولات التي شهدتها كرواتيا أثناء الصراعات المنخفضة والعالية الكثافة.
وفي ورقة بعنوان "المرونة الدفاعية والاستخباراتية الداخلية للدول الصغيرة: كيف تجنبت مقدونيا الشمالية الحرب الأهلية؟"، تناول زوران إيفانوف، الأستاذ المساعد في جامعة TOBB للاقتصاد والتكنولوجيا بتركيا، مزايا الاستراتيجية المترتبة على تكامل الأطر العسكرية والاستخباراتية التي تجنبت اندلاع حرب أهلية في أثناء تصاعد التوترات الإثنية بين المجتمعَين المقدوني والألباني في مقدونيا، مركّزًا على المرونة بوصفها عنصرًا حاسمًا في إدارة الصراعات الداخلية، ومنع الحرب الأهلية في المجتمعات غير المتجانسة إثنيًا.
أمّا رمضان إلازي، رئيس قسم الأبحاث في مركز كوسوفو للدراسات الأمنية، فقدّم ورقةً بعنوان "بناء القوات العسكرية بعد انتهاء الصراع في غرب البلقان: تحليل مقارن لأداء القوات المسلحة في البوسنة والهرسك وجمهورية كوسوفو"، اعتمد فيها تحليلًا مقارنًا لتطوّر القوات المسلحة في البوسنة والهرسك وكوسوفو وبنيتها وأدائها، وتموقعها في سياق أوسع من ديناميكيات الأمن الإقليمي وبناء الدولة بعد الصراع، حيث نظر نقديًا في التطوّر المؤسسي في كِلا البلدين، بما في ذلك الاستعداد العملياتي، وتخصيص الموارد، والالتزام بمبادئ الرقابة الديمقراطية للقوات المسلحة.
وخُتمت الجلسة بورقةٍ عنوانها "تحولات القوات المسلحة الثورية الكوبية وتطوراتها"، قدّمتها روت ديامينت، الأستاذة في جامعة توركواتو دي تيلا في الأرجنتين، لفتت فيها النظر إلى الحاجة إلى دراسة القوات المسلحة الكوبية وتاريخها وتحولاتها ودورها؛ لأنّها الأقل دراسةً في أميركا اللاتينية من جهة، ولضرورة الاعتماد على دعم بعض قطاعات الجيش إذا كان التحوّل نحو نموذج ديمقراطي في كوبا سيحدث من جهة أخرى.
وفي اختتام المؤتمر، قدّم عمر عاشور، مدير وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي، ملاحظات ختامية، بدأها بشكر الباحثين المشاركين، والحضور، وفريق المركز العربي المساهم في تنظيم المؤتمر. ومن ثمّ أشار إلى أنّ مخرجات المؤتمر ستُنشر في كتاب بعنوان "دفاع الدول الصغيرة: التحولات الاستراتيجية والتكيفات التكتيكية"، يجمع فصولًا مختارة من الأوراق المشاركة، يصدره المركز العربي باللغة العربية، إضافةً إلى نسخة باللغة الإنكليزية ستصدر عن دار نشر جامعية غربية، فضلًا عن عددٍ من الأبحاث التي ستُنشر ضمن سلسلة "أوراق استراتيجية" التي يصدرها المركز العربي.