بدون عنوان

انطلقت في الدوحة يوم السبت، 28 كانون الثاني/ يناير 2023، أعمال الدورة الأولى للمنتدى السنوي لفلسطين التي ينظّمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالتعاون مع مؤسسة الدراسات الفلسطينية خلال الفترة 28–30 كانون الثاني/ يناير 2023، بمحاضرةٍ افتتاحية قدّمها الدكتور عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي.

تطرقت المحاضرة إلى العلاقة بين الخطاب الأكاديمي بشأن فلسطين والتأثير في صنع القرار، وضرورة وجود إطار عام يجمع الفلسطينيين من شتّى أماكن وجودهم، بهدف فتح سبل التواصل بين الفلسطينيين، وبينهم وبين باحثين وناشطين عرب وأجانب، ما يؤسس لحوار عقلاني منتظم ومسؤول، عن فلسطين وتاريخها، والقضية الفلسطينية، ونظام الأبارتهايد والاستعمار الاستيطاني، وفلسطين في العلاقات العربية والعلاقات الدولية، وغيرها من القضايا ذات الصلة. كما تناولت المحاضرة أزمة المشروع الوطني الفلسطيني، والاستراتيجية المأمول أن ينخرط الفلسطينيون فيها، وذلك من خلال الإجابة عن الأسئلة الرئيسة التالية: ما اعتبارات عقد منتدى سنوي لفلسطين؟ وما مدى الحضور الفعلي لقضية فلسطين على جدول الأعمال الرسمي العربي والدولي؟ وهل تغيّرت اتجاهات الرأي العامّ العربي بخصوص الصراع العربي – الإسرائيلي، والقضية الفلسطينية؟ وكيف يمكن فهم أزمة حركة التحرر الوطني الفلسطيني في ظل تغيّر الوضع الإقليمي والانشقاق السياسي – الجغرافي للشعب الفلسطيني؟ وما العمل وما البديل للخروج من هذا المأزق؟

استهلَّ بشارة محاضرته بالتركيز على الحاجة إلى عقد منتدى سنوي لفلسطين، وذلك من خلال الإشارة إلى ثلاثة اعتبارات أساسية: أولًا، إمكانية عقده بوجود غزارة في البحوث المتعلقة بفلسطين التي لم تعد تقتصر على مؤسسات بحثية وجامعية فلسطينية، ونظرًا إلى ازدياد أعداد الأكاديميين الفلسطينيين المتخصصين في العلوم الاجتماعية والإنسانية، والذين انتشروا في المؤسسات الأكاديمية وفي العديد من الجامعات في مختلف أنحاء العالم. ثانيًا، وجود فراغ مؤسسي على مستوى الشعب الفلسطيني عامةً، يستدعي الحاجة إلى أطر تجمع فلسطينيين من أماكن وجودهم كافة، وإطلاق هذا المنتدى السنوي سيساهم في توفير مساحة يتحاور فيها الباحثون ليس بتقديم الدراسات فقط، وإنما أيضًا بالتشاور في الأروقة، وبالتواصل مع المعنيين والباحثين والناشطين عربًا وأجانب. ثالثًا، ضرورة تضافر جهود الباحثين الفلسطينيين والعرب لمواجهة المحاولات المتواترة لتسلل أفكار صهيونية إلى مقاربة عامة الناس لتاريخ فلسطين عمومًا، وتاريخ الصراع على أرضها، وتشويه قيم التحرر ومقاومة الاستعمار في الثقافة العربية.

ثم انتقل بشارة إلى مسألة حضور فلسطين على مستويَي الفعل السياسي الرسمي والرأي العام العربيَين، مشيرًا إلى أنّ سبب تهميش قضية فلسطين على جدول الأعمال الرسمي العربي، يتمثل في أنه بات لكلّ نظام عربي أجندة خاصة به في القضايا الإقليمية، وقد تلتقي مع أنظمة أخرى في محاور مؤقتة، منذ تراجُع الأقطاب العربية الرئيسة بعد حرب 1967 وسلسلة الأزمات التي بدأت بغزو الكويت ولم تنته بغزو العراق، وانحسار المقاربة القومية العربية تجاه فلسطين. وفي هذا السياق، شدّد بشارة على أن التهميش يتجاوز عدم الاهتمام بالموضوع، ويعني تحولًا فعليًا في المواقف، إذ شهدنا في السنوات الأخيرة زيادة عدد الحكومات العربية المُتَخَلّية عن قضية فلسطين، ليس بسبب فلسطين ذاتها، وإنّما بسبب تطوير مصالح مشتركة مع النظام الإسرائيلي، وذلك بقدر ما تتوسع الفجوة بينها وبين الرأي العام العربي.

وفي الجزء الثاني من المحاضرة، تحدّث بشارة عن أزمة المشروع الوطني الفلسطيني، مشيرًا إلى أنّ مأزق حركة التحرر الوطني الفلسطيني يتمثّل في أمرين مترابطين: أولًا، التخلي عن إطار حركة التحرر وأهدافها ومؤسساتها وخطابها منذ منتصف التسعينيات، وخصوصًا بعد الانتفاضة الثانية، مقابل الاعتراف الإسرائيلي وبدء عملية سلام لا تجري بناءً على قواعد ومبادئ، وليس لها أهداف متَّفق عليها؛ وما تمخض عن ذلك من تحويل قضية فلسطين إلى خلاف بين طرفين يخوضان مفاوضات بإشرافٍ أميركي، ومن ثم تحييد أيّ تضامن نضالي شعبي دولي مع قضية فلسطين بوصفه متطفّلًا على اللعبة الأساسية من خارجها. ثانيًا، الانشقاق السياسي – الجغرافي للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة في عام 1967، الذي ينحصر في صراعٍ على سلطة من دون دولة ومن دون سيادة، والذي أثّر سلبيًا لا على مستوى المشهد السياسي الفلسطيني فقط، بل على المستوى السياسي في الساحات الدولية والإقليمية ذات الشأن.

واختتم بشارة المحاضرة بإبراز أهمية وجود مؤسسة فلسطينية جامعة للشعب الفلسطيني؛ مؤسسة تضع استراتيجيات نضالية في مواجهة النظام الإسرائيلي الاستعماري الاستيطاني، وقادرة على أن تستغل في صراعها ضد هذا النظام، الوجود المتواصل للشعب الفلسطيني في فلسطين وخارجها وحفاظه على هويته الوطنية، والاستعداد غير المحدود للتضحية في مقاومة الاحتلال، والصدام المتواصل مع الاحتلال والضفة الغربية (وهو انتفاضة في ظل الظروف الجديدة)، والرأي العام العربي المتضامن مع فلسطين، والتحولات في الرأي العام الغربي، والصعود الحتمي للصهيونية الدينية واكتساحها فئات أوسع وأوسع في المجتمع الإسرائيلي.