أصدرت أربع جمعيات لدراسات الشرق الأوسط في العالم DAVO، BRISMES، SeSaMO، MESA رسالة مشتركة عاجلة إلى الرئيس الفرنسي ووزارة التعليم ورئاسة كوليج دو فرانس، دعت فيها إلى حماية الحرية الأكاديمية عقب إلغاء تنظيم مؤتمر "فلسطين وأوروبا" في كوليج دو فرانس Collège de France، وتقديم اعتذار رسمي لمنظمي المؤتمر والسماح بعقده.
النص الكامل للرسالة (مترجما من الإنكليزية):
الرئيس إيمانويل جان ميشيل فريدريك ماكرون
رئيس الجمهورية الفرنسية
سعادة السيد فيليب بابتيست
وزير التعليم العالي والبحث العلمي، فرنسا
البروفسور س. س. توماس رومر،
رئيس كوليج دو فرانس
نكتب إليكم للإعراب عن قلقنا العميق إزاء إلغاء ندوة "فلسطين وأوروبا: ثقل الماضي والديناميات المعاصرة" التي نظمها كرسي التاريخ المعاصر للعالم العربي في كوليج دو فرانس والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس CAREP.
إننا في الجمعية الألمانية لدراسات الشرق الأوسط "دافو" DAVO، والجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط "بريسمس" BRISMES، والجمعية الإيطالية لدراسات الشرق الأوسط "سيسمو" SeSaMO وجمعية دراسات الشرق الأوسط في أميركا الشمالية "ميسا" MESA – والتي تأسست في 1993 و1973 و1995 و1966 على التوالي، وتعمل على تعزيز الأبحاث والتعليم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وزيادة الوعي بهذه المنطقة وارتباطها بمناطق أخرى من العالم - ملتزمون بدعم الحرية الأكاديمية وحرية التعبير، داخل المنطقة، وما يتصل بدراستها في بلداننا، وعلى الصعيد العالمي.
تجمع الندوة، المقرر عقدها في الفترة 13-14 تشرين الثاني/ نوفمبر، متخصصين أكاديميين بارزين من مؤسسات مرموقة في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك مؤسساتنا الأربع، وتهدف إلى دراسة موضع قضية فلسطين بالنسبة إلى الديناميات السياسية والأكاديمية الأوروبية المعاصرة، وهو موضوع مشروع، ويأتي في الوقت المناسب لبحثه علميًا.
نشعر بالقلق إزاء إلغاء الندوة بعد تعليقات مضللة على وسائل التواصل الاجتماعي وضغوط سياسية من وزارة التعليم العالي الفرنسية. فالتصريحات العامة التي تصف الندوة بأنها "نشاط سياسي" وتشكك في شرعيتها الأكاديمية تمثل اعتداءً غير مبرر على نزاهة الباحثين المشاركين في الندوة والمدعوين لحضورها. إن تشويه العمل الأكاديمي الصارم باعتباره حزبيًا يقوّض مبادئ البحث العلمي التاريخي والاجتماعي. فالنقاش العلمي يتعيّن أن يقيّمه المجتمع الأكاديمي، لا تقييده بالتدخل السياسي.
إن التزام فرنسا باحترام الحرية الأكاديمية منصوص عليه بوضوح في القوانين الوطنية والأوروبية والدولية. فالمادة L952-2 من قانون التعليم الفرنسي تضمن حرية التعبير واستقلاله لموظفي التعليم والبحث؛ وهو استحقاق عزّزه قرار مجلس الدولة رقم 329056 في 9 حزيران/ يونيو 2010، الذي أقر مبدأ استقلال مدرّسي التعليم العالي بوصفه مبدأً أساسيًا من مبادئ القانون الفرنسي. وتحمي المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي وقعتها فرنسا وصدقتها، حرية التعبير، والتي فسّرتها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ولا سيما في قضية مصطفى أردوغان وآخرون ضد تركيا (27 أيار/ مايو 2014)، على أنها تشمل الحرية الأكاديمية. وتعترف المادة 13 من ميثاق الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية صراحة بحرية الفنون والعلوم، بما في ذلك التدريس والبحث والنشر، وفرض الميثاق واجب الحفاظ على الحريات الأكاديمية على الدول الأعضاء. وتضمن المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية حرية التعبير، التي فسّرتها منظمة الأمم المتحدة ونصوصها بأنها تمتد إلى الحرية الأكاديمية؛ ما يفرض التزامات واضحة، من ثمّ، على فرنسا لحماية حرية الباحثين وتمكينهم من البحث والتعليم والتعبير عن الأفكار من دون تدخّل غير مُبرَّر.
يمثل إلغاء هذه الندوة انتهاكًا جسيمًا لهذه الالتزامات؛ فهي تشكل سابقة خطيرة تتيح للإعلام وضغوطه أو للتدخل الحكومي تحديد أي المواضيع التي يمكن بحثها ومناقشتها في المجالات الأكاديمية. إن هذا التدخل يهدد التعددية، ويربك البحث النقدي، ويشجع على هجمات أوسع نطاقًا على الحرية الأكاديمية في فرنسا وخارجها.
ينتابنا القلق، على نحو خاص، إزاء الطرق التي تُستخدم فيها مصطلحات مثل "العلمية" و"الدقة العلمية" لقمع الأنشطة العلمية المشروعة. وقد استخدمت اتهامات مماثلة ومتكررة (بعضها من جهات فاعلة تابعة للدولة) لنزع الشرعية عن الباحثين وتقييد النقاش الأكاديمي التعددي، من خلال استغلال اتهامات دعم الإسلام السياسي والإرهاب ومعاداة السامية في كثير من الأحيان. وقد غذّا مثل هذا الاستخدام لـ "العلمية" الخطابات المعادية للإسلام والعرب، وساهم في الهجمات على الأبحاث الأكاديمية (مثل دراسات ما بعد الاستعمار). إننا نشعر بالقلق من أنً إلغاء ندوة أكاديمية في مؤسسة مرموقة مثل كوليج دو فرانس سوف يشجع مزيدًا من الهجمات على الحريات الأكاديمية التي تشكل عنصرًا أساسيًا في المجتمع الديمقراطي.
تدعو مؤسساتنا (دافو، وبريسمس، وسيسمو، وميسا)، وزارة التعليم الفرنسية وكوليج دو فرانس إلى ضمان الحرية الأكاديمية والدفاع عنها من خلال اتخاذ الخطوات التالية:
- إصدار اعتذار رسمي لمنظمي الندوة والمشاركين فيها بسبب إلغائها، والسماح بمباشرة أعمال الندوة في مقر كوليج دو فرانس.
- تأكيد الالتزام بالنقاش العلمي الصريح والنقدي القائم على الأدلة.
- حماية الطلاب والموظفين حمايةً جديةً من الضغوط السياسية والتخويف والهجمات الإعلامية التي تهدد حريتهم الأكاديمية و/ أو سلامتهم الشخصية.
- الامتناع عن اعتماد أو دعم إجراءات تقيّد دور الجامعة بوصفها حيزًا للتعددية والبحث العلمي المستقل.
نشكركم على اهتمامكم بهذه القضية العاجلة، ونتطلع إلى ردكم.
ووفقًا لسياستنا الموحّدة، سوف تنشر هذه الرسالة على مواقعنا على شبكة الإنترنت.
بكل إخلاص
الموقعون على الرسالة:
الدكتور سفيل شاكر – المتحدثة باسم لجنة "دافو" DAVO للحرية الأكاديمية
الدكتور نيلس ريكن - المتحدث باسم لجنة "دافو" DAVO للحرية الأكاديمية
البروفيسور نيكولا برات – رئيسة "بريسمس" BRISMES
الدكتور لويس تورنر – رئيس لجنة الحرية الأكاديمية في "بريسمس" BRISMES
البروفيسور روزيتا دي بيري – رئيسة "سيسمو" SeSaMO
الدكتور ماريا شيارا ريولي – رئيسة لجنة الحرية الأكاديمية في "سيسمو" SeSaMO
البروفيسور أسلي بالي – رئيسة "ميسا" MESA
البروفيسور لوري براند – رئيسة لجنة الحرية الأكاديمية في "ميسا" MESA