بدون عنوان

انطلقت صباح اليوم الخميس 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، بأحد نزل مدينة الحمامات، أعمال الندوة الدولية التي ينظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات-فرع تونس، تحت عنوان "المجتمع المدني والانتقال الديمقراطي: تجارب مقارنة"، بمشاركة عدد من الخبراء والباحثين والأكاديميين من تونس والمغرب والجزائر والصومال وليبيا ومصر والسينغال والكاميرون ولبنان وسورية واليمن والكوت ديفوار.

وتهدف هذه الندوة، التي تتواصل إلى يوم 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، إلى تعميق الحوار والنقاش حول دور المجتمع المدني بعدد من الدول العربية في دينامية الانتقال الديمقراطي التي تشهدها هذه البلدان، ومساهمة هذا المجتمع المدني في كسر الطوق والحصار الذي فرضته الأحزاب التقليدية على الحياة السياسية، والدفع نحو إعادة تشكيل واقع سياسي جديد يأخذ في الحسبان جملة المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تتشكل في هذه البلدان.

وتطرح هذه الندوة العلمية أسئلة، يمكن بالإجابة عنها الحديث عن فتح منفذٍ مهمٍّ لفهم جملة التحولات الاجتماعية التي تمر بها مجتمعاتنا العربية. وهو ما يفترض، منهجيًا، مقاربات متعددة الاختصاصات تتخذ من المجتمع المدني والانتقال الديمقراطي موضوعًا للدراسة الميدانية والبحث والتحليل.

وفى كلمة متعلقة بهذه المناسبة، أشار الدكتور مهدي مبروك، مدير المركز بفرع تونس، إلى أنّ التحولات الديمقراطية الجارية في عدد من البلدان العربية أتاحت لنا فرصة ثمينة لمساءلة المجتمع المدني وإعادة اكتشافه والتعرف إلى فاعلين جدد وفدوا إليه من مسالك ومسارات مختلفة، موضحًا أنه على الرغم من الاختلاف في تعريف المجتمع المدني وتقييم منزلته وأدائه، وتباين وجهات النظر حول وظائفه وأدواره، والمناهج التي يتبناها ومدى انسجامها مع مقتضيات التحول الديمقراطي، فقد تمكن هذا المجتمع من ابتكار أشكال مستحدثة من الاحتجاج والضغط والمشاركة في صناعة القرار السياسي إلى حد أنه فرض خياراته في أكثر من حالة على المجتمع السياسي.

وأضاف أنّ النخبة العلمية وصناع القرار في حاجة، اليوم، إلى تحديد تحولات المجتمع المدني وخصوصياته وديناميته الدلالية في علاقته بالتحولات التي تشهدها البلدان العربية، خاصة إذا عددناه ركنًا محوريًا سيحدد مصائر الانتقال الديمقراطي، مؤكدًا أنه من دواعي تجديد البحث في دور المجتمع المدني وإشكاليات استعماله وقدراته الإجرائية تجاوز ثنائية "المجتمع المدني – الدولة".

وبين أنّ انفتاح المجتمع المدني في السنوات الأخيرة تجاه مسائل مفهومية متفرعة منه؛ كالفضاء العام والرأي العام والحوكمة ودولة القانون وقضايا الفساد والرقابة وإدارة الصراعات ونشأة مجموعات الضغط وأشكال جديدة للفعل المواطني، أدّى إلى بروز صعوبات في ضبط أدوار المجتمع المدني ووظائفه، خصوصًا مع أزمة تكلّس الخيال السياسي لدى بعض النخب وكيفية انخراطه في وظائف ثقافية واجتماعية وتنموية جديدة، وهو أمر يبدو كأنه "افتكاك" للوظائف التقليدية للدولة، أو تقليص منها لمصلحة الجمعيات والمنظمات غير الحكومية ولوبيات المصالح المتنفذة. فهذه المنظمات بصدد فرض نفسها كفاعل سياسي شرعي، يؤثر حتى في السياسات العمومية، وله قدرات تعبويه كبيرة جدًا وشبكات تضامن معولمة، ولا سيما أثناء إدارة الانتقال السياسي وترسيخ مقتضيات الانتقال الديمقراطي.

وفى مداخلة بعنوان "مفهوم المجتمع المدني بين الاستخدام الوصفي والاستخدام المعياري النقدي"، بحث الأستاذ منير الكشو في تطور مفهوم المجتمع المدني على امتداد الحقبات التاريخية والحضارية المختلفة، فأشار إلى تنامي استخدام عبارة "المجتمع المدني" في الخطاب العمومي وتطور دوره في إدارة الشأن العام إلى درجة أنه فرض نفسه بوصفه شريكًا فعليًا وأساسيًا للمجتمع السياسي. وبين أنّ تنامي هذا الدور يعكس وجود نوع من التخبط في المجتمع السياسي، وهو ما مهد الطريق للمجتمع المدني لتعزيزه موقعه في المشهد العام ومقارعة الدولة وفرض مشروعية التعامل معه، مشددًا على أهمية التعامل مع المنظمات المدنية بروح نقدية. وبين، كذلك، أنّ مفهوم المجتمع المدني في العصر الحديث لم يسلم من التباين والاختلاف بين من يعدّه فاعلًا خصوصيًا لا يرتبط بوصاية الدولة، إلا في ما يتعلق بإنفاذ القانون، وبين من يختزله في أنه امتداد لمفهوم قديم يعدّه كيانًا يدافع عن مصالح فردية وذاتية، مشيرًا إلى أنّ المقاربة الليبرالية الكلاسيكية ترى أنه نظام تلقائي قادر على التطور من دون حاجة إلى الدولة.

وفى مداخلة تحت عنوان "مفهوم المجتمع المدني في عصر العولمة مقاربة إبستيمو- نظرية"، حلل الباحث الجزائري بلقاسم بن ضيف الله مفهوم المجتمع المدني، متسائلًا عن ماهية المجتمع المدني، وعن أبرز الفلسفات الحديثة والمعاصرة التي بحثت في مفهوم المجتمع المدني وعن موقعه في عصر العولمة. وقال: "إنّ المجتمع المدني ظاهرة اجتماعية غربية بامتياز ارتبطت بظهور الدولة القومية الحديثة وبروز فلسفة العقد الاجتماعي على أنقاض فلسفة الإقطاع التي سادت أوروبا خلال القرون الوسطى وساهمت في دحض مشروعية السلطة المطلقة التي كانت تستند إليها الكنيسة بدعوى الحق الإلهي في إدارة شؤون المجتمع الأوروبي خلال مرحلة الاقطاع، لتفسح المجال لبروز مجتمعات حديثة قائمة على قاعدة الحقوق الفردية وسيادة القانون؛ ومن ثم ظهر المجتمع المدني بوصفه وسيطًا تنظيميًا ومن أجل مراقبة عمل السلطة".

أمّا الباحث الليبي حسين سالم مرجين، فقد أشار في مداخلة بعنوان "آفاق سوسيولوجية على متن مؤسسات المجتمع المدني" إلى أنه بعد انهيار هياكل النظام السابق سنة 2011، بلغ عدد مؤسسات المجتمع المدني وجمعياته نحو 4000 مؤسسة تنشط في مجالات متنوعة. ولاحظ أنّ هذه المؤسسات أدّت دورًا كبيرًا في إخماد العديد من النزاعات القبلية، ولكن بعد انقسامات سنة 2014، أصبح مستوى التضامن في هذه المؤسسات ضعيفًا جدًا، وأصبحت تحتاج إلى خطط لمواجهة التحديات، وإلى تبنّي رؤية جديدة لدورها.

ورأى الباحث المصري هاني خميس عبدة، في مداخلة بعنوان "المجتمع المدني والعدالة الانتقالية في مراحل التحول الديمقراطي بين السياق والأدوار: رؤى نظرية وتجارب عملية"، ضرورة النظر إلى الدور التعاوني بين الدولة والمجتمع المدني؛ ذلك أنّ المجتمع المدني لا يستطيع أن يقوم بمفرده بالعمل على تطبيق العدالة الانتقالية، من دون وجود إرادة سياسية من جانب الدولة ومؤسساتها تدعم آليات العدالة الانتقالية داخل المجتمعات الإنسانية في مراحل التحول الديمقراطي.