بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا كتاب "استشراف" السنوي السادس، الذي خُصص لتناول موضوع تحولات العلوم والتكنولوجيا بوصفها بوابة العرب للمستقبل. وقد ضمّ هذا العدد، بأقسامه الثلاثة، مواد مختلفة في مواضيعها وإشكالياتها البحثية.

اشتمل القسم الأول من هذا العدد، "دراسات"، على عشر دراسات بحثية، كان أولها دارسة موزة بنت محمد الربان، وهي بعنوان "منظومة العلم والتقنية في الوطن العربي: الواقع والمستقبل". وقد تناولت هذه الدراسة التحديات التي تواجه منظومة البحث العلمي العربي في محاولتها لبناء قدرات العلم والتكنولوجيا والابتكار، مُبيِّنةً الأسباب والعوامل التكوينية لهذه التحديات، ومؤكدةً على ضرورة توافر التفكير الجاد والإرادة الحقيقية في سبيل تجاوز هذه التحديات في المستقبل؛ من خلال خلق بيئة علمية تُمكّن الإنتاج الجاد للمعرفة، وتستدمج العلم والتقنية في عملية بناء المجتمع. أما دارسة عز الدين البوشيخي، "نحو استشراف مستقبلات البحث في العلوم والتكنولوجيا العربية في ضوء تجارب دولية رائدة"، فقد جاءت لترصد واقع البحث في العلوم والتكنولوجيا العربية عبر منظور مقارن مع بعض التجارب الدولية الرائدة في دول أميركا الشمالية والاتحاد الأوروبي وشرق وجنوب شرق آسيا. وانبنت عناصر المقارنة على أهم المؤشرات في هذا المجال؛ وهي متمثلة في مستوى الإنفاق على البحث العلمي، وعدد الباحثين، وعدد المنشورات العلمية، وبراءات الاختراع، ليختتم الباحث دراسته برسم ثلاثة مسارات مستقبلية للبحث في حقول العلوم والتكنولوجيا في السياق العربي.

أمّا الدراسة الثالثة في هذا العدد، فهي "تكنولوجيا النانو في العالم العربي: الماضي والحاضر وآفاق المستقبل"، التي أعدّها خالد مسعود، أستاذ الفيزياء في جامعة فيرجينيا كومنولث في قطر، وقد عرضت لمسألة تكنولوجيا النانو والمواد النانوية، وحلّلت الكيفية التي من الممكن أن تسهم من خلالها تطبيقات هذه التكنولوجيا في ابتكار حلول لمواجهة التحديات الحياتية التي يشهدها العالم العربي. ثمّ تأتي دراسة رشيد البزيم، "تحولات العلوم والتكنولوجيا في البلدان العربية: دراسة حالة الطاقات المتجددة في المغرب ومصر والأردن"، وفيها سلّط الضوء على أهمية دور التطور العلمي والتكنولوجي لقطاع الطاقات المتجددة في بلدان العالم العربي. وبناءً على دراسته وتحليله لهذه التجارب العربية الثلاث، عرض الباحث للمظاهر والآفاق المستقبلية المتعلقة بالانتقال الطاقي في بلدان العالم العربي، والآليات الداعمة لهذا الانتقال، وأثر ذلك في دعم التنمية المستدامة في العالم العربي، وخصوصًا في فترة ما بعد جائحة كورونا.

وأمّا الدراسة الخامسة من هذا العدد، فهي "’الكوفي-سياسي‘ وأثره في رسم معالم مستقبل العالم والمنطقة العربية"، لأسامة أبو الرب، وقد أسست دراسته لمصطلح "الكوفي-سياسي" من أجل الإشارة إلى دراسة آثار وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في رسم السياسات الخارجية والداخلية للدول، والأهمية التي يتخذها البحث العلمي الطبي العربي في خلق إمكانية بناء "النفوذ الكوفي-سياسي" عبر الاستثمار في تطوير لقاحات هذا الفيروس، وما يتصل بذلك في مجالات التكنولوجيا الحديثة؛ مثل الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، وتكنولوجيا النانو، وعلم الجينوم.

اشتمل العدد، أيضًا، على دراسة مشتركة بعنوان "من الإدمان الرقمي إلى الرفاهة الرقمية: رقمنة المستقبل وتحدياتها عربيًّا" أنجزها ريان علي، ودينا آل ثاني، وريم صالح المنصوري، ودنيز سيميلوغلو. وقد ركزت هذه الدراسة على مسألة الاستخدام المفرط للتكنولوجيا، ومدى المشابهة بين أعراض هذا الإفراط، في بعض الحالات، والأعراض الموجودة في حالات الإدمان السلوكي المختلفة. وبحثت الدراسة كذلك في مؤشرات السلوك والاستخدام الشائعة التي يمكن من خلالها تحديد الإدمان الرقمي، وعرضت لأساليب مكافحته من جهة، وبناء علاقة صحية وإيجابية بالتكنولوجيا من جهة أخرى؛ وذلك عبر مفهوم "الرفاهة الرقمية"، وأهمية تعزيزها، لا سيما بعد التأثيرات التي خلّفتها جائحة فيروس كورونا في علاقتنا بالتكنولوجيا واستخدامنا لها.

من ناحية أخرى، قدّمت فاطمة القرقوري، في دراستها "مستقبل الطب وعلم الوراثة والجينوميّات"، عرضًا وتحليلًا لتوظيف التكنولوجيات الحديثة في مجال الطب الحيوي، وما تحمله من رهانات ومخاطر مستقبلية؛ إذ عرضت الباحثة الجدل القائم بين العوائد الإيجابية لمواكبة الاختراعات التكنولوجية في المجال الطبي بالنسبة إلى حياة الإنسان من جهة، ومخاطر التوظيف السلبي لها من جهة أخرى، لتقترح بعد ذلك سُبلًا للترشيد في التعامل مع هذه التكنولوجيات من أجل كسب رهان المستقبل.

وفي دراسته "التحول الرقمي ومستقبل العلوم الاجتماعية والإنسانية"، سلط غسان مراد الضوء على تأثيرات الثورة الرقمية في العلوم الاجتماعية والإنسانية، ودورها في توسيع آفاق الرؤى الإبستيمولوجية لهذه العلوم. وبيّنت دراسته الأهمية المستقبلية لإبداع مفاهيم وآليات في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية تمكّنها من التأقلم مع عملية التغيير الرقمي المستمرة؛ وذلك في سبيل الانتقال إلى ما يمكن تسميته "الإنسانيات الرقمية".

أما الدراسة التاسعة في هذا العدد، "الخيال العلمي والتفكير في المستقبل عربيًّا وعالميًّا"، فأعدّها مازن الرمضاني، وقد انطلقت دراسته من إشكالية العلاقة بين الخيال العلمي ودراسة المستقبلات، لتحاجّ عن إمكانية الاستفادة المتبادلة بين هذه الحقلين. وتنتهي هذه الدراسة بربط موضوع الخيال العلمي بالسياقات العربية ومستقبل العلوم والتكنولوجيا فيها، وخصوصًا في ضوء المستجدات والتحديات التي جاءت بها جائحة كورونا.

اختُتم قسم "دراسات"، من هذا العدد، بدراسة محمد أبطوي "تاريخ العلوم مدخلًا إلى نهضة العلوم العربية"، وقد جاءت هذه الدراسة لتركز على أهمية استحضار البعد التاريخي للمعارف العلمية في خدمة البحث العلمي، والنهوض بالإنتاج العلمي في العالم العربي في المستقبل.

تضمّن هذا العدد في قسمه الثاني "ترجمات"، ترجمة لورقة بحثية بعنوان "كيف نتخيّل المستحيل؟ الدور المتحول للفكر الطوباوي في التخطيط المدني والخيال العلمي ودراسات المستقبل" لبول غراهام رافن Paul Graham Raven، أنجزتها عومرية سلطاني. وأخيرًا تضمّن العدد في قسمه الثالث مراجعات لثلاثة كتب؛ إذ أنجزت هيئة تحرير "استشراف" مراجعة نقدية لكتاب "الثورة الصناعية الرابعة" لكلاوس شواب Klaus Schwab، وأنجزت آمنة مصطفى دلة مراجعة لكتاب "جيش بلا آمر: الأسلحة المسيرة ذاتيًّا ومستقبل الحرب" لبول شار Paul Scharre، وأنجز عمر المغربي مراجعة لكتاب "وعد الالتحاق: التكنولوجيا، واللامساواة، والاقتصاد السياسي للأمل" لدانيال غرين Daniel Greene، مناقشًا في مراجعته إشكالية تكنولوجيا المستقبل في ظل سيادة النيوليبرالية، ومستقبل الفقر واللامساواة.


** تجدون في موقع دورية "استشراف" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.