بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العددُ التاسع والستّون من الدورية العلمية المحكّمة "سياسات عربية"، التي تُعنى بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتصدر كلّ شهرين. تضمّن العدد دراسات حول قضايا سياسية متنوّعة، من بينها الثقافة السياسية في تونس، والعسكر والسلطة في السودان، والتنظيمات السياسية في المغرب، فضلًا عن موضوعات في نظريات العلاقات الدولية، وتنافس القوى الكبرى على أميركا اللاتينية. واشتمل على توثيق لأهم محطات الصراع العربي – الإسرائيلي، وأبرز مراحل التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي ووثائقه، إلى جانب مراجعة كتاب.

تناقش لورد حبش، في دراستها "العنف الإبستيمي للنظريات الوضعية في العلاقات الدولية: التحرر من القصة الواحدة"، علاقة حقل العلاقات الدولية بالمركزية الغربية وانعكاسات ذلك على نظريات العلاقات الدولية، بما في ذلك تهميش الأصوات والنظريات القادمة من دول الجنوب العالمي. وتجادل في أن المركزية الغربية في حقل العلاقات الدولية لم تؤثر فقط في إنتاج المعرفة وفرض منظور واحد لفهم قضايا العلاقات الدولية، بل اقترنت بالقوة، ما أدى إلى تشكيل أطر نظرية وتفسيرية منحازة تعيد إنتاج الهيمنة. وتخلص الدراسة إلى أنّ النظريات الوضعية قدّمت نفسها على أنها عالمية، لكنها في الواقع حصرت العلاقات الدولية بين الدول الغربية القوية، مستبعِدةً غالبية دول العالم من حساباتها؛ إذ إنّها اعتبرتها دولًا مفعولًا بها وليست فاعلة في العلاقات الدولية.

ويجادل شاكر الحوكي، في دراسته "الثقافة السياسية والانتقال الديمقراطي في تونس"، في ضرورة التفكير في دور متغيّر الثقافة السياسية في تفسير كل ما جرى منذ الثورة التونسية حتى إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيّد حالة الاستثناء، في 25 تموز/ يوليو 2021. ويرى أنّ غياب الحد الأدنى من الثقافة السياسية عزز هشاشة المسار الانتقالي في تونس، ما جعل الديمقراطية عرضةً للتعثّر وإعادة إنتاج الأنماط السلطوية. ويؤكد أنّ هذا الواقع نبّه إلى أنّ أيّ بناء ديمقراطي سليم لا ينبغي له أن يتمّ بطريقة مجتزأة ومزاجية، بل يجب أن يستند إلى رؤية شمولية للديمقراطية، تركّز على المقاربة النخبوية والمؤسسية، من دون إغفال أهمية الثقافة السياسية لدى المجتمع بوصفها عنصرًا جوهريًا في ترسيخ الممارسة الديمقراطية.

أمّا هاني موسى، في دراسته "العسكر والدولة السودانية: المتلازمة المتكررة في الحكم"، فيناقش تدخّل التكوينات والنخب العسكرية في السلطة السياسية وتأثير ذلك في غياب استقرار الحكم السياسي في السودان. ويجادل في أن تعدد التكوينات الجهوية والعرقية والعسكرية في السودان انعكس سلبيًا على وحدته واستقراره السياسي والأمني، بدلًا من أن يكون عامل بناء وتكامل للدولة والأمة السودانية. ويرى أنّ الصراع بين المكوّنات العسكرية السودانية في الآونة الأخيرة كشف عن أزمة مزمنة في العلاقات المدنية - العسكرية، حيث تعاني الدولة السودانية، منذ استقلالها عام 1956، التعثّر وعدم الاستقرار في مسارها السياسي والأمني. ويظهر ذلك في تكرار ظاهرة الانقلابات العسكرية على السلطة السياسية، ومحدودية فترات الحكم المدني مقارنة بالحكم العسكري، وما رافق ذلك من أزمات متعددة، سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية، لم تبرأ منها الدولة السودانية حتى اليوم.

ويبحث رشيد جرموني، في دراسته "التنظيمات السياسية تعبيرات اجتماعية: فقراء الحضر ونشأة الإسلام الاجتماعي، حالتا جماعة العدل والإحسان وحركة التوحيد والإصلاح المغربيتَين"، في بروز الإسلام الاجتماعي في المغرب، بما يعنيه من تقديم التنظيمات السياسية مساعدات مالية وعينية، وخدمات صحية وتعليمية ورياضية وفنية وتربوية لمختلف الفئات والشرائح الاجتماعية، لا سيما الفئات المتوسطة الدنيا والفقيرة. ويرى أنّ هذه الظاهرة لا يمكن إرجاعها فقط إلى الأزمة الاقتصادية والتنموية التي شهدها المغرب منذ ثمانينيات القرن الماضي، بل تعود أيضًا إلى الفراغ والتراجع في مؤسسات الاحتضان الاجتماعي، مثل الأسرة والقبيلة والمدرسة والأحزاب السياسية الوطنية والجمعيات التنموية. ويرى أن الحركتين محور البحث عملتا على تقديم إجابة عن هذا الفراغ من خلال إنشاء مؤسسات وأشكال جديدة/ قديمة للتضامن، لتعويض الأشكال التضامنية التقليدية التي كانت سابقًا تحتضن الفئات المتوسطة والفقيرة.

ويوضح عطوة مطير، في دراسته "تنافس الولايات المتحدة وروسيا والصين على أميركا اللاتينية"، طبيعة التنافس بين القوى الكبرى في أميركا اللاتينية، بوصفها إحدى المناطق المهمة التي حاولت روسيا والصين منافسة الولايات المتحدة الأميركية فيها، وبدأت الأخيرة في فرض هيمنتها عليها منذ عشرينيات القرن التاسع عشر. وتجادل الدراسة في أنّ هذه الهيمنة الأميركية بدأت في التراجع، مع تعزيز روسيا والصين وجودهما اقتصاديًا وعسكريًا. فكلما زاد تدخّل الدولتين، تضاءل التفرّد الأميركي في هذه القارة. وتكشف عن الأدوات الاقتصادية والعسكرية والقوة الناعمة التي تستخدمها موسكو وبيجين لمنافسة النفوذ الأميركي. وتبحث في قدرتهما على تحدّي الولايات المتحدة، التي لها تاريخ طويل من السيطرة على شؤون هذه القارة.

وفي باب "التوثيق"، اشتمل العدد على توثيق لأهمّ "محطات التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي"، و"الوقائع الفلسطينية"، في المدة 1 أيار/ مايو-30 حزيران/ يونيو 2024. وفي باب "مراجعات الكتب"، قدّم منير الكشو مراجعة لكتاب "دكتاتوريون مناورون" لسيرجي غيرايف ودانييل تريسمان.

** تجدون في موقع دورية "سياسات عربية" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.