بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد الخامس والأربعون (صيف 2023) من دورية عمران للعلوم الاجتماعية، وتضمّن دراسات متنوعة المواضيع، تتعلق بتمثلات الهوية الدينية الرقمية عبر فيسبوك، وخطاب الإهانة والشتيمة في الثقافة السياسية التونسية، والحراك الاجتماعي للحراطين في موريتانيا، ومعضلة التنمية في ظل الاستعمار الاستيطاني في فلسطين، وردود فعل اللاجئين الفلسطينيين على أنظمة القمع في مخيم برج البراجنة في لبنان، إضافة إلى دراسة مترجمة عن النسبية الثقافية، ومراجعتَي كتابين.

استُهِلّ العدد بدراسة لنادية العالية، عنوانها "تيبولوجيا الهوية الدينية الرقمية: دراسة سوسيولوجية لتعبيرات الشباب الدينية عبر فيسبوك"، تسعى لفهم الحسابات الشخصية لمتديّنين على موقع فيسبوك، باعتبارها تجسيدًا للهوية الدينية في بُعدها الرقمي، وذلك من أجل الوصول إلى وضع تيبولوجيا لهذه الهوية. واعتمادًا على الملاحظة النتنوغرافية لأربعين حسابًا فيسبوكيًا، حاولت الدراسة بحث الكيفية التي تُبنى بها الهوية من خلال هذه الحسابات، واستنتجت أن بناء الهوية الدينية من خلال الحساب الشخصي لا يخضع لمحددات النسق وحده، بل يتحدّد باختيارات صاحب الحساب باعتباره فاعلًا.

أما دراسة عبد الله جنوف، وعنوانها "النبز في الثقافة السياسية التونسية"، فركزت على فهم خطاب الإهانة السياسية في تونس، والتي تستخدم كلمات كثيرة لوصفه، منها "الوصم" و"الشتيمة" و"التراشق". وتقترح الدراسة مصطلح "النبز" لتسمية الإهانة السياسية، وتعرّفه بأنه "لقب مهين يخترعه المتكلم في سياق خاص ويسمي به خصمه لتشويهه". ثم تحلل كلمات وعبارات كثيرة من الخطاب السياسي التونسي في فيسبوك، وتحاول أن تستدل على فكرة أساسية مفادها أن النبز ليس خطاب سخرية فقط، ولا أداة خصومة أيديولوجية، بل هو خطاب ثقافة سياسية تشكلت في دولة التسلط، ثم كانت من أسباب فشل انتقال الديمقراطية في تونس.

وانشغلت دراسة محمد يحيى حسني "’حراطين موريتانيا‘: إلى أي مدى يتحكّم الأصل الاجتماعي في فرص الحراك وتغيير المكانة؟"، بجلب شريحة اجتماعية هامشية هي "شريحة الحراطين في موريتانيا" إلى نطاق البحث الاجتماعي، عبر مدخل الحراك الاجتماعي، بعدما بقيت هذه الشريحة عقودًا طويلة موضوع تناولات سياسية وحقوقية غير معرفية بالجملة. وسلطت الدراسة الضوء على المتغيرات المتحكّمة في التراتبية الاجتماعية داخل المجتمع الموريتاني، التي جعلت بنية الماضي تحافظ على صلابتها في الحاضر، راصدةً المتغيرات التي ساهمت إلى حدٍ ما في خلخلة تلك البنية وفتحت المجال لتحوّلات في المكانة. لتؤكد الدراسة صلابة الدور الذي يقوم به الأصل الاجتماعي والمحدِّدات الأوّلية السابقة على الدولة الوطنية، بمدرستها الجمهورية ومواطنتها المساواتية، في التحكّم في الحراك الاجتماعي.

وانطلقت دراسة حسن أيوب وعليان صوافطة "التنمية وشرط الاستعمار الاستيطاني: إدامة للسيطرة النيوكولونيالية والفصل العنصري"، من مشكلة التأطير المفاهيمي لوجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وعلاقة فهمها بواقع تجارب التنمية. لتبين الدراسة أنّ الاستعمار الاستيطاني قد ابتكر أدوات قوّته المادية والإكراهية ووظّفها من أجل خلق وهم التنمية، في حين أنّ الوهم ذاته قد وفّر بيئة غير تنموية بالمعنى الفلسطيني، ومواتية لإعادة إنتاج علاقات القوة في سياقها الاستعماري الاستيطاني ضمن إطار منظومة الفصل العنصري. ولتبيّن أيضًا أنّ المشهد التنموي الفلسطيني الشامل أصبح اليوم جملة من التناقضات في ظل استعمار استيطاني يستخدم كلّ أدوات السيطرة للمضي قدمًا نحو احتلال مزيد من الأرض والسيطرة على العمل وإبقاء الاقتصاد الفلسطيني هامشًا صغيرًا على جسم الرأسمالية الاستيطانية الهائل، وفي ظلّ سلطة فلسطينية تتمتّع بحكم ذاتي مشوّه وتظل تصرّ على إمكانية الانعتاق من شروط أمن ذلك الاستعمار عن طريق البناء والمأسسة.

ويُختم باب "دراسات" في هذا العدد بدراسة لرامي رميلة بعنوان "صمود عابر للمناطق: ردود اللاجئين على أنظمة القمع المتعدّدة في مخيم برج البراجنة"، التي تقدم إطارًا مفاهيميًا يستكشف أهمية "الصمود" بوصفه جانبًا أساسيًا في حياة الفلسطينيين، يتحدى نظريات المرونة والصدمة الأورو–أميركية، من خلال التركيز على الصمود باعتباره أداة تحليلية. وتستكشف الدراسة الإمكانات التحويلية للصمود في مواجهة الظروف القمعية التي يواجهها الفلسطينيون خارج الأراضي المحتلة، وتركز على الفلسطينيين المقيمين في مخيم برج البراجنة، في سياق الاستعمار الاستيطاني والدولة اللبنانية، وتحلل مدى صلة الصمود في سياقات زمنية ومكانية محددة، كاشفةً عن تجارب واستجابات منوعة للقمع. وتستند الدراسة إلى مقابلات شبه منظمة وملاحظات ميدانية واستبيانات أجريت بين عامي 2019 و2022، وتكشف أيضًا عن التنوع في استجابات الفلسطينيين للقمع، وتؤكد أهمية السرد والعمل الجماعي في تحدي العنف الاستعماري الاستيطاني، وكذلك أهمية جوهر الصمود التحرري.

وفي باب "ترجمة"، نقرأ ترجمة عومرية سلطاني لنص كليفورد غيرتز "محاضرة فارقة: مناهضةُ مناهضةِ النسبية"، التي يناقش فيها مناهضة مناهضةِ النسبية، وغرضه ليس الدفاع عن النسبية بل نقد مناهضة النسبية بوصفها خطابًا. ثمّ يلحظ كيفية تصوّر الأنثروبولوجيا على أنها مصدر كل الشرور لارتباطها بالنسبية الثقافية. فيتساءل عن أسباب ظهور هذا الخطاب، ويحاجّ بأن الأنثروبولوجيا، تاريخيًا، لم تكن حقلًا نسبيًا، ولم تكن النظرية الأنثروبولوجية، بوصفها كذلك، هي التي جعلت الحقل يبدو كأنه حجة ضخمة ضد الإطلاقية في الأحكام الإدراكية والجمالية والأخلاقية، بل كانت البيانات الأنثروبولوجية. وفي هذا الصدد، تستكشف الدراسة ردتَي فعل رئيستَين تسمان مناهضة النسبية: محاولة العودة إلى مفهوم مستقل عن السياق عن "الطبيعة البشرية"، مع التركيز على مفهوم الانحراف الاجتماعي، ومحاولة العودة إلى مفهوم آخر ذي صلة، هو "العقل البشري".

وأخيرًا اشتمل باب "مراجعات الكتب" على مراجعة عثمان عثمانية لكتاب تاريخ مختصر للمساواة لتوماس بيكتي، ومراجعة أحمد إدريس لكتاب في معنى الأرض: استعادة الذات الفلسطينية لبلال عوض سلامة.

جاءت لوحة غلاف العدد واللوحات ضمن صفحاته من أعمال الفنان التشكيلي اللبناني سعيد بعلبكي.

* جميع محتويات أعداد دورية عمران مفتوحة ومتاحة للتنزيل المجاني في موقع الدورية.