صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد الحادي والخمسون (شتاء 2025) من دورية عمران للعلوم الاجتماعية. وتضمّن ملفًا خاصًا عنوانه "دراسات حول المدينة الخليجية"، اشتمل على أربع دراسات عن المدينة في الخليج. وتضمّن العدد أيضًا دراسة عن أوضاع النساء النازحات في إقليم دارفور بالسودان، ودراسة مترجمة عن النظرية الاجتماعية، وتقريرًا عن الدين العام في الأردن وسياسة ضبط أسعار الفائدة، ومراجعتين لكتابين، فضلًا عن عروض لخمسة كتب صادرة حديثًا.
في أولى دراسات الملف، تناقش أولريكة فريتاغ في دراستها "المدن إطارًا للانتماء: بعض الملاحظات" الطرائق المختلفة التي يؤسس الناس بها روابط عاطفية مع المدن، وما تقدمه لهم المدن لتأسيس هذه الروابط وكيفية تقديمه لهم، وذلك انطلاقًا من مدينة جِدَّة القديمة. وتجادل بأنه على الرغم من التحولات العديدة التي شهدتها المدينة القديمة، فإن الإشارة إليها لا تزال أساسية بالنسبة إلى الهوية الحضرية للكثير من المنتمين إليها في الأصل. في المقابل، تتمثل جاذبية كثير من مظاهر التطوير الحضرية الجديدة في المعمار المبهر والوعود بنمط حياة مختلف وبمنافع بيئية مرتبطة بتخطيط حضري جديد، لتقلّد نموذج مدينة دبي أو تتجاوزه، بوصفه نمطًا معيّنًا من التطوير الرأسمالي الشديد الحداثة، ويظهر بذلك نموذجًا للمدن في شبه الجزيرة العربية وما وراءها.
في حين تستكشف دراسة أرشاد محمود، "استراتيجيات المرونة في المدن الخليجية الذكية: معالجة تحديات التغيّر المناخي والسياسة الحضرية"، استراتيجيات المدن الخليجية الذكية لمواجهة تحديات التغيّر المناخي، بالتركيز على آثار التخطيط والسياسات الحضرية، في كل من المملكة العربية السعودية وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة. واعتمادًا على مقابلات مع أكاديميّي التخطيط الحضري وخبرائه، تكشف الدراسة عن جملة من التحديات التي تعوق السياسات الشاملة والفاعلة، تتمثل في ثلاثة مخاوف رئيسة: هشاشة البنية التحتية، والقيود المرتبطة بالتكنولوجيا والموارد لتوسع الاعتماد على مصادر الطاقة غير المتجددة، والتحديات السوسيو-اقتصادية والسياسية المتعلقة بمحدودية المشاركة الشعبية في صناعة القرار الحضري. وفي هذا السياق، تقترح الدراسة مجموعة من الاستراتيجيات لزيادة مرونة المدن الخليجية الذكية إزاء التغير المناخي.
وتجادل دراسة روفاي لي، "دور التحول الحضري في عمليات بناء الأمة في السعودية: المدينة التاريخية القديمة في جِدَّة ’البلد‘ نموذجًا"، استنادًا إلى بحث ميداني وسبر للأدبيات السابقة، بأنّ عملية التحوّل الحضري لجِدَّة التاريخية، المعروفة أيضًا باسم "البلد" هي نتاج عمليتَي بناء الدولة وبناء الأمّة، التي أثّرت، إلى حدّ بعيد، في دور البلد في عملية بناء الأمّة في السعودية. وتبّين أنّ عملية التحديث والتحضر سريعة الوتيرة، على الرغم من إهمالها الجهود الجادة للحفاظ على منطقة جِدَّة التاريخية - ما أدّى تغييرات عميقة في المنطقة - فإنّ الحاجة إلى هوية وطنية ونشأة ثقافة "سعودية" أهلية في القرن الجديد حوّلت المنطقة من متلقية للتغييرات الاجتماعية والاقتصادية إلى مانحة للرموز الثقافية.
في السياق ذاته، فإن دراسة سيمونا أزالي، "المدينة الخليجية والتحولات الحضرية المتسارعة والعولمة: تحليل نقدي لمنطقة القرهود في دبي"، تسلط، عبر اتخاذها مدينة دبي دراسة حالة، الضوء على كيفية دفع العولمة المسوّقة برأس المال مدن الخليج العربي إلى منافسة استثمارية غير مستدامة، غاضّةً الطرف عن احتياجات المهاجرين من ذوي الدخل المتوسط والمنخفض، الذين يمثّلون عماد الاقتصاد في المنطقة. وتبيّن الدراسة أنّ عمليات التخطيط الحضري الراهنة تخفق في دمج مجتمعات متباينة، وخلق هويات حضرية مشتركة، وإنتاج تحضّر عادل اجتماعيًا وبيئيًا. وتدافع عن تحوّل في النموذج نحو "مدينة للجميع"، يجابه تحديات تدهور البيئة، وعدم المساواة، والبؤس، من خلال تغييرات شاملة في تخطيط المدينة وتصميمها.
وتضمّن باب "دراسات" في هذا العدد دراسة لفردوس عبد ربه العيسى وفيصل أحمد محمد الزين عنوانها "أوضاع النساء النازحات في إقليم دارفور من منظور الممارسات المناهضة للاضطهاد في العمل الاجتماعي"، تهدف إلى فهم ممارسات الاضطهاد ضد النساء النازحات في دارفور، وما ينتجنه من أشكال مقاومة، استنادًا إلى عمل ميداني - استقصائي في ثلاث معسكرات نزوح: أبو شوك، وزمزم، والسلام. تبيّن الدراسة أن ممارسات الاضطهاد تُنتج فقرًا متعدد الأبعاد، ولامساواة في الوصول إلى الخدمات الضرورية، إضافةً إلى العنف المركّب؛ ما يؤدّي إلى تغيّر الأدوار داخل الأسرة، وتدمير العلاقات الأسرية وأنظمة الدعم والحماية. وفي المقابل، تلجأ النساء إلى المقاومة اليومية عبر التعاون، والتضامن، والمبادرات الشبابية، والتعليم.
وفي باب "ترجمة"، نقرأ ترجمة حسن احجيج لدراسة هيربرت بلومر "ما خطب النظرية الاجتماعية؟"، التي قُدِّمَت في آب/ أغسطس 1953 في الاجتماع السنوي للجمعية الأميركية لعلم الاجتماع. وهي تعالج العلاقة بين النظريات (المفاهيم) والبيانات (الواقع الإمبريقي)، وتشرح مشكلة "الطبيعة الغامضة للمفاهيم" في النظرية الاجتماعية، وتقدم اقتراحات للتغلب عليها. من بين هذه الاقتراحات الاعتماد على المفاهيم التحسيسية بدلًا من المفاهيم النهائية؛ نظرًا إلى أن المفاهيم التحسيسية تكتسب فائدتها وأهميتها من العلاقات النمطية وليس من الارتباطات القابلة للقياس الكمي.
وأعدّ رشيد علي لباب "تقارير"، ورقة بعنوان "تضخّم الدين العام في الأردن وسياسة ضبط أسعار الفائدة"، تستطلع أبرز معالم ملف الدين العام في الأردن، وما يمثله من مشكلة اقتصادية وتنموية جدية، استنادًا إلى بيانات من البنك الدولي والجهاز المصرفي الأردني منذ نهاية ثمانينيات القرن العشرين. وذلك من خلال استعراض أبرز المحطات التاريخية الرئيسة للقرارات السياسية النقدية وأثرها في المالية العامة. وقد ركّز الباحث على أثرها الاجتماعي، وتسببها في تعاظم الدين العام، وطغيان بنود خدمته على البنود الأخرى المندرجة تحت عنوان الإنفاق العام.
أخيرًا، اشتمل باب "مراجعات الكتب" على مراجعة حبيب النهدي لكتاب الموت بين المجتمع والثقافة لأحمد زين الدين، ومراجعة عثمان لكعشمي لكتاب المقدَّس بين الرمز والسيف لنور الدين الزاهي. وخُتم العدد بعروضٍ لخمسة كتب صدرت حديثًا أعدّتها هيئة تحرير الدورية، وهي تتناول مواضيع مختلفة عن القومية العربية في تونس، وبناء الهوية في الأردن والكويت، والدولة والشعب في عُمان، وسرديات العيش والموت من زمن كوفيد-19، والدمار وإعادة البناء في غزة.
أمّا لوحات العدد، فجاءت من أعمال الفنان التشكيلي الفلسطيني أمجد غنام.
** تجدون في موقع دورية "عمران" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.