اختتمت اليوم، الثلاثاء 22 نيسان/ أبريل 2025، أعمال الدورة الخامسة لندوة "تبيُّن" السنوية بعنوان "النقد والسجالات الفكرية في إيران وتركيا والعالم العربي المعاصر: الثقافة والفلسفة وعلم الكلام والنوع الاجتماعي"، في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وقد تناول فيها 15 من الباحثات والباحثين، في سبع جلسات، الديناميات الفكرية في إيران وتركيا والعالم العربي، مع التركيز على تأثير التحولات السياسية والاجتماعية في تشكيل الخطاب الفلسفي والنقدي، ومسارات تطور الفكر والهوية والحداثة والجندر، مع بحث إمكانيات التفاعل والتلاقح الثقافي بين هذه التجارب.
تحولات الفكر والثقافة في العالمين العربي والإسلامي: مقاربات تاريخية ومقارنة
ترأسَت هبة غانم، الأستاذة في الأدب المقارن في معهد الدوحة للدراسات العليا، الجلسة الرابعة، وشارك فيها ثلاثة باحثين. استهلها جميل أيدين، أستاذ التاريخ العالمي في قسم التاريخ في جامعة نورث كارولينا - تشابل هيل، بورقة عنوانها "هل أُعيد توحيدهم من خلال ’المجال الإشكالي‘ المشترك؟ تحولات التبادل الفكري التركي والإيراني والعربي والمواقف حول "الحضارة" خلال قرن (1870-1970)"، بحث فيها في التحولات الفكرية للعالم العربي والتركي والإيراني في أثناء الهيمنة الإمبريالية، محلّلًا تطور مفاهيم النهضة والأصالة ما بعد الاستعمار، وتأثير التفوق الحضاري الغربي في المجتمعات الإسلامية، مع تسليط الضوء على الفرص الضائعة للحوار والتبادل الفكري بين هذه الفضاءات.
وفي ورقة بعنوان "سجال التصوف والسياسة في تركيا بين عهدين: السلطنة والجمهورية"، تناول محمد نور كابلان، أستاذ علم الاجتماع الصوفي في جامعة كارابوك الحكومية التركية، تحوّل العلاقة بين الصوفية والسلطة في تركيا مع قيام الجمهورية، حيث أبعدت الدولة الجديدة الجماعات الصوفية عن المشهد العام. ومع ذلك، تأقلمت هذه الجماعات مع الواقع السياسي عبر التحالفات الحزبية والمشاركة البرلمانية؛ ما أتاح لها دورًا غير معلن في السياسة، لا سيما مع صعود التيار المحافظ منذ عام 2002.
في حين درس فرات أورتش، أستاذ الأدب المقارن، ودراسات ما بعد الاستعمار، وتاريخ الفكر في جامعة جورجتاون في قطر، في ورقته "الإنسانيات القومية المقارنة في تركيا ومصر وإيران"، مفهوم الإنسانية القومية، بوصفه ترجمة متبادلة بين الهوية الوطنية والكونية، مستعرضًا إسهامات مفكرين من تركيا ومصر وإيران في صياغة خطاب يوازن بين الذات القومية ومسار الحضارة العالمية، مع اعتماد الفلسفة الحيوية إطارًا نظريًّا لهذا الطرح.
الجندر والنسوية: قراءات نقدية في التجربة العربية والإسلامية
اشتملت الجلسة الخامسة، التي ترأستها فرح عريضي، أستاذة الأدب المقارن في معهد الدوحة للدراسات العليا، على مداخلتين، افتتحتها كاتايون أميربور، أستاذة الدراسات الإسلامية في جامعة كولونيا، بورقة بعنوان "النسوية الإسلامية؟ ماذا وراء هذا الاسم؟"، بحثت من خلالها في نشأة النسوية الإسلامية في إيران ردًّا على القيود المفروضة باسم الإسلام، وأبرزت كيف استخدمت النسويات القرآن لتبرير المساواة؛ ما جعل قضايا المرأة جزءًا من النضال العام للتغيير، وأسهم في إقناع معارضي حقوق المرأة بأهميتها بوصفها خطوة أولى نحو تحول أوسع.
وختمت هدى الصدّة، الناشطة النسوية وأستاذة الأدب الإنكليزي والمقارن في جامعة القاهرة، الجلسة بمداخلة قدّمتها عن بعد عبر تطبيق زووم عنوانها: "هكذا تحدثت النساء: مقاربة نسوية في تاريخ الفكر العربي"، تناولت فيها دور النساء في الفكر العربي الحديث، موضحةً كيف اشتبكن مع الخطابات السائدة وانتقدن العلاقة بين قضايا المرأة والهوية، مثل ملك حفني ناصف ودريّة شفيق، وأبرزت الباحثة إسهامات باحثات معاصرات في مراجعة التاريخ الثقافي العربي من منظور نسوي تحرري.
الحرية والفكر في السياقات العربية والإيرانية: سجالات في التاريخ والسياسة
ترأس كريم صادق، أستاذ الفلسفة في معهد الدوحة للدراسات العليا، الجلسة السادسة، التي جمعت ثلاثة باحثين. استهلّ الجلسة حسين دبّاغ، أستاذ الفلسفة في جامعة نورث إيسترن لندن، بورقة عنوانها "من مناهضة الإمبريالية إلى ’الإمبريالية الداخلية‘: إعادة التفكير في العلمانية في إيران ما بعد الثورة"، بحث فيها تحوّل النقاشات الفكرية في إيران من مناهضة الإمبريالية إلى نقد "الإمبريالية الداخلية"، مسلطًا الضوء على التوتر بين العلمانية والحكم الثيوقراطي، خصوصًا في ظل احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية". وناقش الباحث العلاقة بين العلمانية والإمبريالية، وتراجع تأثير الخطابات المناهضة للغرب بعد الحرب الإيرانية - العراقية لصالح نقد الاستبداد الديني. وجادل بأن العلمانية في إيران ليست فرضًا خارجيًّا، بل استجابة محلية للإقصاء الديني؛ ما يجعلها أداة للشمولية والديمقراطية بدلًا من إرث استعماري.
وقدّمت الباحثة زينب ديريك مداخلة ثانية لها في الندوة، وحملت هذه المرة عنوان: "قضايا معاصرة في النسوية التركية"، تطرقت فيها إلى أبرز التحديات الفكرية والاجتماعية والسياسية التي تواجه الحركة النسوية في تركيا اليوم. وقد سلّطت الضوء فيها على التوتر القائم بين الخطابات النسوية العلمانية وتلك المنبثقة من الحركات الإسلامية. وتناولت أثر السياسات الحكومية وتوجهات النظام الحالي في حقوق النساء وموقعهن في المجال العام. واستعرضت الباحثة الجدل الدائر حول قضايا مثل العنف القائم على النوع الاجتماعي، والحريات الفردية، ودور الحركات النسوية في الدفاع عن الديمقراطية، ضمن سياق تركي متغير يشهد استقطابًا ثقافيًّا وسياسيًّا متزايدًا.
وخُتمت الجلسة بورقةٍ عنوانها "الأزمة والإبداع: كيف يعيد إنتاج الفن تشكيل كتابة تاريخه في أوقات الاضطراب؟" قدّمتها باميلا كريمي أستاذة تاريخ الفن والعمارة في جامعة كورنيل (عن بعد عبر زووم)، تناولت فيها ما واجهه الشرق الأوسط من أزمات متعددة في العقود الأخيرة، وعلى الرغم من ذلك استمر الفنانون في الإبداع واستخدام الفن أداةً سياسية لمواجهة القمع والعنف. وسلطت الباحثة الضوء على استجابات الفنانين للأزمات، وناقشت التحديات المنهجية والأخلاقية في توثيق هذه الأعمال، مع تأكيد دور تاريخ الفن في تعزيز رسائل التضامن والإنسانية خلال الصراعات.
المناقشة الختامية
وفي الجلسة الختامية للندوة، التي ترأستها إليزابيث سوزان كساب، منسقة الندوة، وشارك فيها الباحثون المشاركون، ناقشوا في هذه الجلسة ما اظهرته الخطوط الرئيسة للتشابه والاختلاف عبر المناطق الثلاث التي ركزت عليها الندوة لبعض الاتجاهات المشتركة والخصائص الفريدة. فبينما تظهر بعض الاتجاهات الفكرية المشتركة من خلال التحليلات المقدمة، تتفاوت كل منطقة في التعامل مع القضايا والسياقات الرئيسة، ومع ذلك، هناك قواسم فكرية مشتركة مثل التركيز على التحولات الاجتماعية والسياسية والهوية الثقافية. ويمكن ملاحظة وجود تبادلات فكرية بين المناطق؛ ما يعزز الفهم المتبادل للقضايا المشتركة. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات في إقامة تعاون فكري مستمر، وذلك بسبب الاختلافات في المشهدين السياسي والثقافي، إضافة إلى تفاوت الوصول إلى الموارد. ومع ذلك، تشكل هذه التحديات فرصًا لتعميق الحوار والمبادرات المشتركة من أجل تعزيز التعاون الفكري بين المناطق.
وفي ختام الندوة، قدّمت كساب ملاحظات ختامية، بدأتها بشكر الباحثين المشاركين، والحضور، وفريق المركز العربي المساهم في تنظيم الندوة.