العنوان هنا
تحليل سياسات 25 سبتمبر ، 2011

تقويم الحالة الدستورية في ليبيا

الكلمات المفتاحية

محمد علي أحداش

أستاذ الدراسات الإسلامية في الأكاديمية الأوروبية والمركز الإسلامي، لندن المملكة المتحدة

هناك سباق محموم بين مشاريع الدساتير التي تُصاغ وفق رؤى حزبية أو فكرية ما، ويصاب المواطن الليبي العادي بالحيرة لكثرة الأصوات واختلافها. وتأسّست الدولة الليبية الحديثة في 24 كانون الأول /ديسمبر1951م، ولها دستور كان شرط استقلالها، لكن جاء انقلابُ القذافي في العام 1969م، ليعطّل الدستور! لقد نشأ منذ الاستقلال جيلٌ أو أكثر مبتور الصلة بماضيه، وعاش -للأسف الشديد - رهين التزييف مشوّه الذاكرة.

من الناحية القانونية والدستورية، مازال دستور الاستقلال قائماً وينبغي تفعيله. وفي ليبيا الآن، فراغٌ سياسي وليس فراغاً دستورياً، ذلك أنّ التمسك بدستور الاستقلال لا يعني بالضرورة عودة الملكية، فلم يكن الدستور منحة من الملك ولا عطيّة من المستعمر. وفي حالة عدم وجود دستور، يكون منطقياً المطالبة بوضع دستور، أمّا في حالة وجوده، فالصحيح هو تفعيله وتعديله، وتعدّ المطالبة بوضع دستور، تجاهلاً وجحوداً لدستور الاستقلال وأبطاله.

أقول، إنّ ليبيا تحتاج إلى نشْر ثقافة احترام الدستور وليس إلى معركة صياغة دساتيرَ جديدة. الدستور يصاغ مرّة واحدة في الدول المتقدمة وليس شيئاً سخيفاً يُصنع ويُرمى، كلّما تغير حاكم، ولا يصاغ دستور جديد كلّما تغيّرت حكومة؛ وإذا عبث الناس بقانون القوانين فإنّ غيره من القوانين سيكون أكثر عرضة للعبث.

مِن مزايا دستور الاستقلال أنه وُضع قبل الملك، عن طريق الشعب ممثّلا بنوّابه الذين قادوا جهاده العسكري، وأشرفت عليه لجنة من الخبراء أشهرهم أدريان بلت المتخصّص في الدساتير، وبموافقة مجموعة من أهل العلم والفضل مثل فضيلة المفتي الشيخ أبي الأسعاد العالم وغيره، فتوافر فيه عنصر الصياغة الحديثة والمراجعة الشرعية، وحاز موافقة الأمم المتحدة، ونصَّ صراحةً على أنّ دين الدولة الإسلام، وعلى الحقوق والحرّيات العامّة، واحترام جميع الأديان والمذاهب، وحرية الفكر والتعبير.

إنّ دستور الاستقلال صِيغ بطريقة تسمح بالتعديل بلا مشاكل، وسبق تعديله فأُلغيت كلمة " المتحدة "، وتغيّر نظام الدولة من اتّحادي إلى مركزي في العام1963م. ولذا، فلا حاجة إلى دستور جديد وإن كان هناك حاجةٌ إلى تعديلات تلغي النصوص المتعلقة بالملكية.

وعليه، فإنّ محاولة صياغة دستور جديد فيها اعترافٌ ضمني بما فعله القذافي من انقلاب، وإلغاء للدستور، وتحقير للاستقلال، وإطالة للمرحلة الانتقالية؛ وتفتح باب النقاش على قضايا حسّاسة وفي أجواء مشحونة بعد حرب ضروس، ممّا يفتح باب اختلاف وفتنة على الناس، في ظلّ مخاطر التدخّل الدولي والإقليمي. إنّ صياغة دستور جديد تحتاج إلى حوارٍ مجتمعي موسّع في أوضاع مستقرّة تماماً، ولذا من الأفضل التمسّك بدستور الاستقلال وتأجيل النظر فيه بالكامل إلى حين استقرار الأوضاع. هناك سباقٌ محموم وسوق مفتوحة لمشاريع الدساتير الآن، وتقوم مجموعات من المثقّفين، وأفراد مختصّون أو غير مختصّين بإعداد مشاريع دستور بدافع النيّات الطيبة، أو رغبةً في الشهرة، أو وفق رؤية حزبية أو فكريّة ما، وتتعدّد المشاريع ويُصاب المواطن الليبي العادي بالحيرة لكثرة الأصوات واختلافها، ويحتاج المراقب إلى تقييم دقيق للحالة الدستورية.