العنوان هنا
تقييم حالة 03 أبريل ، 2011

إيران والثورتان التونسية والمصرية

الكلمات المفتاحية

رشيد يلوح

الدكتور رشيد يلوح باحث في العلاقات العربيّة - الإيرانيّة والسياسة الدّاخليّة الإيرانيّة. عمل باحثا في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وقبلها صحافيًّا متخصِّصًا في الشؤون الإيرانيّة. له عدّة بحوث وترجمات بين اللّغتين الفارسيّة والعربيّة، ودراسات في الثّقافة والإعلام والدراسات الإيرانيّة. وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في موضوع "التّداخل الثّقافيّ العربيّ - الفارسيّ"، من جامعة محمد الخامس في الرّباط. وعلى درجة الماجستير في اللّغة والأدب الفارسيّين من جامعة "تربيت مدرس" في طهران. وكان قد حاز شهادة الليسانس (البكالوريوس) في الأدب العربيّ من جامعة ابن زهر في أغادير - المغرب. وهو عضو بالجمعية المغربية للدراسات الشرقية.

تعرض هذه الورقة الموقف الإيراني بكلّ أطيافه من الثورتين التونسية والمصرية ، وهي مواقف تحكمها صورة الشعب العربي السني المترسّبة في الذهنية الإيرانية الشيعية عبر قرون من الزمن.

يرى التيار المحافظ الحاكم في إيران أنّ الثورتين التونسية والمصرية تعبيرٌ عن رفض شعبي إسلامي للاستبداد والتبعية لأميركا وإسرائيل، وبذلك فهما امتداد للثورة الإسلامية الإيرانية، وانعكاس لمبادئها وأساليبها.

ويعتقد الإصلاحيون بدورهم أنّ حركتهم الاحتجاجيّة قبل حوالي عام ونصف، هي التي ألهمت الثّائرين العرب مواجهة الاستبداد.

وتستنتج الورقة أنّ المحافظين في إيران يعبّرون في مواقفهم من الثّورتين العربيّتين عن رؤيتهم الدّينية للتحوّلات التي يعرفها العالم العربي، في حين تَشي تصريحات الإصلاحيّين بموقفهم المبدئي من تجربة نظام الجمهورية الإسلامية، وقراءاتهم المختلفة لبعض المفردات الدينية الشّيعية.

مقدمة

تكتسي الثورتان التونسية والمصرية أهميّة تاريخية وجيوستراتيجية بالغة، إذ تمثّلان من جهة حدثاً تجاوز حدود شعبيْ البلدين إلى بقيّة العالم، ومن جهة أخرى تشكّلان مجالا خصبًا لاشتغال الدّارسين والباحثين في كلّ ميادين العلوم الإنسانية.

ويفيد رصْد ما استقطبته الثّورتان العربيتان من مواقف وتحرّكات الأطراف الدولية المؤثرة في السياسات الإقليمية والعربية، في فهم جزء من التوجّهات المستقبلية التي ستحيط بالتأسيس لمرحلة جديدة في هذيْن البلدين، وبالتالي توفير بعض شروط التوقّع السياسي الدولي.

وتحت هذا المغزى والهدف ينضوي تتبّعِ المواقف وردود الفعل الإيرانية تجاه الثورتين، تَتَبعٍ يتجاوز حدود الدائرة الرسمية إلى ما يقابلها من تيارات معارضة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. 


صورة العرب في الذهنية الإيرانية

ظلّت نظرة الذهنية الإيرانية بكلّ ألوانها إلى الشعوب العربية مبوتقة في صورة التكتّل البشري العاجز عن الفعل، المستسلم للحاكم، ثنائية طبعت بقوّة نظرة الضفّة الفارسية إلى جارها العربي، واستمدّت جذورها من ثلاثة موجّهات أساسيّة: الطبيعة، التاريخ، السّياسة والمذهب.

ولن يحتاج المتتبّع إلى كثير عناء كي يصادف في الثقافة الإيرانية، خاصّة المعاصرة منها، ما يدلّ على الموجّه الأوّل لصورة الإنسان العربي في الذّهنية الإيرانية، حيث يظهر كائنا صحراويّا كسولا ومستسلما لغرائزه. هذه الصّورة، التي يحكمها الموجّه الطبيعي، روّجت لها التيّارات القوميّة الإيرانية بقوّة في العهد الملكي، وظلّت مسيطرة بشكل أو بآخر على أذهان قطاع واسع من المثقّفين في عهد الثّورة الإسلامية.

أمّا الموجّه الثّاني لصورة العرب في الذّهنية الإيرانية، فيتقاطع إلى حدّ ما مع سابقه، وهو الموجّه التاريخي السّياسي. في هذا المستوى، يرى فقهاء ومراجع الشّيعة الإمامية المرتبطين بنظرية ولاية الفقيه[1] أنّ الشعوب العربيّة السنّية جماعات بشريّة ميّتة بين أيدي الحكّام المستبدّين، فالسنّة في اعتقادهم يُشَرّعون ظلم الحاكم واستبداده، مستدلّين بأدبيّات المذهب السلطانية التي تجعل من مسألة الخروج على الحاكم أمراً مخالفاً للشّرع، في حين يجيزه بعض الفقهاء بشروط متشدّدة، بغرض الحفاظ على استمرار الجماعة وسلامة الأمّة.

وقد عرف التاريخ السّياسي السنّي بعض السّوابق في هذا الباب، فقد كانت جبهة الفقهاء المرتبطة بالسّلطان دائما بالمرصاد لأيّ محاولة ثوريّة تهدف إلى المساس بالحاكم واستقرار نظامه، وهذا لا ينفي وجود تجارب لعلماء مُستقلّين قادوا حركات ثوريّة مناهضة للاستبداد في الديار السنّية.

أمّا الموجّه الثالث، أي المذهبي، فيظهر بالخصوص في موقف المذهب الشيعي الاثني عشري، برؤياه الصّفوية، من مسائل فقهيّة وعقدية عند السّنة، تجد جذورها في الاختلاف بين الطّرفين حول القضايا والأحداث التاريخية والسّياسية التي شهدها مطلع التّاريخ الإسلامي، إضافة إلى ما أحدثه الصفويون[2] في ما بعد من تراكمات عمّقت من الخلاف بين الطّرفين على هذا المستوى.

وبناءً عليه كان للمذهب الشّيعي الاثني عشري دورٌ هام في رسم صورة العرب السنّة في الذّهنيّة الإيرانيّة، على الأقلّ بما يقوّي المُوجّهيْن الأوّل والثاني.

إنّ تداخل هذه العناصر الثلاثة (الطبيعة، التاريخ والسّياسة، المذهب) في توجيه صورة الشّعوب العربية في الذّهنية الإيرانية الشيعية الاثني عشرية، أدّى إلى ترسيخ قناعة ثابتة عند معظم الإيرانيّين، مفادها أنّ "العرب شعوب ميّتة أبعد ما تكون عن النّهوض ومواجهة الاستبداد، ولابدّ أن تكون الثّورة الإسلاميّة الإيرانيّة هي أمل وملاذ هذه الشّعوب التي وقعت بين سندان حكّامها المستبدّين ومطرقة العدوّ الغربي المستعمر".

وقد عرفت هذه القناعة هزّة عنيفة أخرجتها من دائرة المطلق إلى النّسبي منذ أن نجح أوّل شعب عربي في تحقيق إرادته عبر ثورة سلمية على حاكمه المستبدّ، وذلك في 14 من يناير 2011 في العاصمة التونسية. إرادة شعبية أرغمت الرّئيس التونسي زين العابدين بن علي على الهروب من البلاد بعد 23 سنة من الحكم الفردي.

وما زاد الفاعل الإيراني دهشة، هو امتداد هذه اليقظة شرقا نحو مصر، فكانت ثمانية عشر يوما من الصّمود الشّعبي كافية لتُسقِط أحد أكثر الأنظمة العربيّة فسادا، ويعلن حسني مبارك تنحّيه بعد 31 عاما من الحكم يوم 11 فبراير 2011.

تردّد صدى هذيْن الإنجازين بقوّة في الداخل الإيراني بكلّ أطيافه وتشكيلاته، ونتج عن ذلك مواقف وقراءات متعدّدة تسعى إلى استيعاب المفاجأة التاريخية العربية، وبالتالي الانسجام مع التحوّل الذي يستقبله العالم في القادم من الأيّام.


الثّورة التونسية في المواقف الرسمية الإيرانية

ثَمَّنَ المسؤولون الإيرانيون ثورة الشّعب التونسي، مؤكّدين على ضرورة احترام إرادته، كما دعوْا التونسيّين إلى الحذر من التدخّلات الأميركية والإسرائيلية، وأبرز معظم المسؤولين قناعتهم بكون الثورة التونسية من نتائج الثورة الإسلامية الإيرانية وآثارها.

مباشرة بعد مغادرة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي بلاده، صرّح الناطق الرّسمي باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمانبرست قائلا: "ما يهمّنا جميعا هو تحقّق إرادة الشعب التونسي في أحسن الظروف، على اعتبار أنّ تونس يمكنها أن تؤدّي دورا هاما في العالم الإسلامي"[3].

وبعد تأكيد انتصار الثورة، قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إنّ الشّعب التونسي أسقط الديكتاتورية بشعارات إسلامية مطالبة بالعدالة. ودعا الغرب، خاصّة أميركا وإسرائيل، إلى عدم التدخّل في الشّؤون التونسية، مؤكّدا أنّ الشّعب التونسي يسعى إلى إقامة الأحكام الإسلامية ولن يستسلم مرّةً أخرى للغرب. وأوصى في الختام التونسيين بالتوكّل على الله والإخلاص، وعدم نسيان الأحكام الإلهية والتفريط في المبادئ الإسلامية، لأنها سبب النصر[4].

بينما أعلن 228 نائبا من أعضاء البرلمان الإيراني دعمهم للثورة التونسية، وأصدروا بيانا ذكَّروا فيه بالتاريخ التونسي العريق في مواجهة الاستبداد والاستعمار، ودعوا باقي الأنظمة العربية إلى الاعتبار[5].

وفي الرابع من فبراير 2011، قال مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية سيد علي الخامنئي، في خطبة الجمعة، إن المحرك الأساس للثورة التونسية هو إحساس الناس الشديد بالإهانة، وليس ما يروّجه البعض من الأسباب الاقتصادية أو غيرها، وهي عوامل مؤثّرة بالطبع. وأشار إلى أنّ ما حدث ليس إلاّ بداية لتحقّق توقّعات الإمام الخميني التي أعلنها قبل سنوات طويلة.

وأوضح مرشد الثورة الإيرانية أنّ لديه تقاريرَ تثبت أنّ الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي كان عميلا لجهاز المخابرات الأميركية، وقال: "إنّ الدافع الأساسي لهذه الثورة هو الإسلام، والدليل أنه مباشرة بعد هروب الخائن من البلاد، ذهبت الطالبات بحجابهنّ إلى الجامعات، وهو ما تتكتّم عليه وسائل الإعلام الغربية". وأضاف الخامنئي قائلا: "الدافع الآخر هو ارتباط البلاد بأميركا، والأميركيون لا يريدون ذِكر هذا الأمر"[6].

ومن جهته، علّق وزير الخارجيّة الإيراني علي أكبر صالحي على الثورة التونسية وما تشهده المنطقة العربية من تحوّلات بقوله إنّ عصر تحكّم الإدارة الأميركية في المنطقة وهندستها قد انتهى، وأضاف أن ذلك يعني أيضا نهاية الأنظمة العربية غير الشعبية[7].

بينما أكّد رئيس مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون سيد عزت الله ضرغامي أنّ توجّهات ومطالب الشعوب الثائرة في شمال أفريقيا والشّرق الأوسط متأثّرة كلّها بالثّورة الإسلامية[8].


الثورة المصرية في مواقف طهران الرسمية

لم تختلف مواقف الجمهورية الإسلامية بخصوص الثورة المصرية عن مثيلتها التونسية، فقد وصف مرشد الثورة علي الخامنئي مصر بالنموذج الفريد في التاريخ الإسلامي، بما له من تراكمات تاريخية وإسلامية وثقافية. وأضاف في خطبة الجمعة أن في مصر شخصيّات كبيرة سياسيا وثقافيا، وهي التي تقود العالم العربي فكريّا وسياسيّا.

وقال الخامنئي إنّ المصريّين ثاروا على نظام مبارك لأنه عميل لإسرائيل ومطيع لأميركا، وأنّ حركة الشعب بدأت من المساجد، بشعارات الله أكبر، والغربيون يحجبون هذه الحقائق عن أنظار العالم، ويروّجون التحليل القائل بأنّ أسباب الثورة اقتصادية محضة.

وأوضح أنّ ثورات الشعوب ترتبط بالخصائص الجغرافية والتاريخية والسياسية والثقافية لكل بلد، ولا يمكن بتاتا أن يتكرّر في مصر أو في أيّ بلد إسلامي آخر ما حصل في إيران قبل أكثر من ثلاثين عاما، ولكن تجارب أيّ شعب يمكن أن تفيد شعبا آخر.

وفي الختام، قدّم علي الخامنئي مجموعة من النصائح للشعب والجيش المصريّيْن، وقال إنّ من شأن العمل بها أن يحافظ على مكتسبات الثورة واستقلالها. ثم دعا المصريين إلى الحذر من الدّعاية الإعلامية الغربية التي تقول إنّ إيران تريد تشييع مصر أو تصدير ولاية الفقيه إليها[9].

وفي السابع من يناير 2011، أكّد رئيس مجلس الخبراء[10] أكبر هاشمي رفسنجاني على أنّ أي ديكتاتور لن يستطيع الوقوف أمام حركة الشعب، وأضاف أنّ التعامل البشع والقاسي للأنظمة مع مطالب الشعوب هو الذي جعلها تحدّد هذا السّقف المرتفع من المطالب الشعبية، حيث لن يرضى الشعب فقط بفرار الحاكم، بل سيطالب بمحاكمته أيضا. وأضاف أنّ حركة الشعوب ضدّ الاستبداد لن تتوقّف هنا، بل ستطال الكثير من الأنظمة المستبدة[11].

وعن نموذجية الثورة الإيرانية، قال رئيس اللجنة الثقافية بالبرلمان الإيراني غلام علي حداد عادل: "الثورة الإسلامية الإيرانية تمثّل نموذجا للشعوب العربية الثائرة"، وأضاف قائلا: "عبّرت الشّعوب العربية عن غضبها وسخطها على سلاطينها ورؤسائها وشيوخها المستبدّين والعملاء وأعداء الإسلام"[12].

بينما تحدّث رئيس أركان القوّات المسلّحة الإيرانية سيد حسن فيروز آبادي عن البعد الروحي للثورة قائلا: "حركة الشّعبين التونسي والمصري كانت بسبب حبّهم وشوقهم للصّلاة، ودليل ذلك أنهم منذ الأيام الأولى لثورتهم وهم يقيمون صلاة الجمعة، لأنّ شوقهم للصّلاة ظلّ محبوسا في قلوبهم لعقود طويلة"[13].

وقال رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني عن علماء الأزهر إنّ حركتهم الثورية كانت متأخّرة عن حركة الشّعب المصري، وأرجع سبب ذلك إلى عدم استقلالهم[14].

وبخصوص نتائج التحوّلات العربية في المنطقة، نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرّسمية (ايرنا) عن وزير الداخلية الإيراني مصطفى محمد نجار قوله: إنّ الشّرق الأوسط الذي تحدّثت عنه الولايات المتحدة الأميركية يشبه الجنين الذي ولد ميتا[15].


نظرة المحافظين
[16] إلى الثورتين التونسية والمصرية

تأتي تصريحات بعض المَرَاجع الدينية وخطباء الجمعة والشخصيات السياسية والفكرية المحسوبة على التيار المحافظ في إيران لتؤكّد على المواقف الرسمية، فقد أشار البعض إلى أنّ الثورتين التونسية والمصرية من بركات الثورة الإيرانية، وأنهما تَحَققٌ تاريخي لموعود الإمام الخميني مؤسّس نظام الجمهورية الإسلامية. بينما رأى آخرون أنّ هذه الأحداث علامات بارزة على قرب ظهور الإمام المهدي[17].

أصدر المرجع الديني آیة الله العظمی صافي الگلبایگاني بيانا بارك فيه للشعب التونسي انتصاره على الاستبداد، وقال: "لقد استطاع الشعب التونسي الغيور أن يبرز للعالم أجمع شجاعته وهويته الإسلامية، تماما كما فعل الشّعب الإيراني قبل 33 عاما في ثورته الإسلامية الكبرى"[18].

ووصف المرجع آیة الله نوري‌ الهمداني حركة الشعب التونسي بأنها اقتفاء لأثر الثورة الإسلامية في إيران، وأوضح أنّ هذا الشعب ملّ من عشرين عاما من الحكم الفردي التابع لأميركا[19].
وفي ذات الاتجاه اتّهم عضو مجلس الخبراء حجّة الإسلام والمسلمين عباس الكعبي واشنطن بتقديم الثورة التونسية للفتانين[20] داخل إيران نموذجا قابلا للاستنساخ. وأضاف الكعبي أنّ الكثير من التحاليل تتناول الثورة التونسية، لكن الواقع هو أنّ الشعب التونسي واجه الاستبداد من أجل إقامة عدالة على أسس إسلامية. وأوضح أنّ التونسيين استطاعوا سماع الآذان ومتابعة صلاة الجمعة على شاشة التلفزيون التونسي بعد نصف قرن من المنع. وقال إنّ وسائل الإعلام العالمية مثل: السي ان ان، وفوكس نيوز، والجزيرة، والعربية، لم تستطع إظهار هذه الحقائق الدينية التي نراها فقط في التلفزيون الإيراني. والسبب أنهم يرتعبون من نشْر مثل هذه الأخبار[21].

المعنى نفسه أكّد عليه الأمين العام لمجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية آیة الله محمد علي التسخیري، حين قال: "الشعب التونسي لم يقم من أجل الخبز والعمل، لكنه ثار على حاكمه الذي كان معاديا للدين"[22].

 وقال حجّة الإسلام شيخ مصطفي باقري إمام جمعة بناب[23] إن الثورة التونسية هي من بركات الثورة الإسلامية (الإيرانية)، وأضاف أنها تَحقُّقٌ لموعود الإمام الراحل روح الله الخميني، مشيرا إلى أنّ هذا التحوّل التاريخي من مقدّمات ظهور الإمام المهدي[24].

وقال إمام جمعة مدينة قم حجّة الإسلام والمسلمين سيد محمد سعيدي: "نظرا لافتقار الشعبين التونسي والمصري إلى مرشد مقتدر مثل مرشد الثّورة العظيم، فيجب عليهم إطاعته (الخامنائي)، لأنّ الإمام الخامنئي مرشد كلّ مسلمي العالم"[25].

ووصف وزير الخارجية الإيراني السّابق منوجهر متكي مصر بخيط سبحة الشرق الأوسط، وقال: "إن الشباب المصري نجحوا في إدارة ميدان التحرير بشكل جيد، كما نجحوا في إدارة القيادات الحزبية والسياسية"[26].


 التيار الإصلاحي[27] والثورتان التونسية والمصرية

تفاعل التيار الإصلاحي الإيراني بدوره مع الثورتين العربيتين، لكن من زاوية نظر مختلفة عمّا بدر عن التيار المحافظ. وبرز هذا التفاعل من خلال مجموعة من المواقف والتحليلات التي صدرت عن زعماء التيار ورموزه الثقافية والسياسية.

أصدر الزعيم الإصلاحي مير حسين موسوي بيانا نشره موقع (كلمة) الإخباري، وقال فيه: "إنّ احتجاجات الشعب الإيراني على نتائج الانتخابات قبل حوالي سنة ونصف هي التي ألهمت الشعوب العربية". وأضاف أنّ أوجه الشبه بين الحدثين كثيرة جدا، وتكفي المقارنة بين الانتخابات الأخيرة في مصر وإيران للوقوف على أهمها، في إشارة إلى تزوير نتائجهما. وأوضح موسوي بالقول: "التشابه بين الحالتين موجود أيضا في أساليب قطع الانترنت والاتصالات اللاسلكية والقنوات الفضائية وغير ذلك..".

وتعليقا على ما ردّده أئمّة الجمعة في إيران بكون تحركات الشعوب الإسلامية كانت بدوافع دينية، قال موسوي: "للأسف الأئمة المنفّذون للأوامر لم ينظروا إلى إفساد فرعون مصر، من اعتقالات وتعذيب وتلفيق التهم واستخدام البلطجية وإعدام الخصوم السياسيّين، ومحاربة الحريات، وانتشار الرّشوة والفساد المالي"[28].

أمّا الزعيم مهدي كروبي فقد أعلن في بيان له عن تضامن الحركة الخضراء[29] مع الشّعبيْن التونسي والمصري، وأدان في الوقت ذاته هجمة قوّات الأمن الإيرانية على المتظاهرين المسالمين وسط طهران[30].

وأورد موقع المرجع الديني الإصلاحي آية الله العظمى يوسف صانعي بيانا له تحدّث فيه عن أوضاع المنطقة، محذّرا الظالمين من سوء العاقبة، ومؤكّدا أنّ أيّ دم يسال بغير حقّ سيكون حتما سببا في سقوط قلاع الطغيان[31].

أمّا حفيد روح الله الخميني حسن الخميني، والمقرّب من التيّار الإصلاحي، فقد اعتبر الثورة المصرية امتدادا للثورة الإيرانية التي قادها الإمام الخميني، وأشار إلى أنّ ادّعاء الألوهية ليس مشكلة فرعون وحده، بل هي مشكلة كلّ صاحب مسؤولية[32].

وذكر المفكّر الإصلاحي محسن كديفر، في مقال له، مجموعة من الإجراءات القمعية التي قام بها النظام الإيراني ضدّ التيار الإصلاحي ورموزه، في الوقت الذي تلقّت فيه الأنظمة العربية المستبدّة ضربات من شعوبها.

وقال كديفر متحسّرا: "لقد تقدّمت المؤسّسة الدينية الشّيعيّة بخطوة أخرى نحو الارتماء الكامل في حضن النظام الحاكم، إنها المصيبة التي ظلّ فقهاء الشّيعة لقرون يستنكرونها في نظرائهم السنّة"[33].

أمّا عضو منظّمة مجاهدي الثورة الإسلامية[34] المعتقل في إيران سيد مصطفى تاج زادة، فقد اعتبر أنّ المشترك الأساسي بين الحركة الخضراء وحركات شعوب المنطقة العربية هو مواجهة الاستبداد، كما أنّ هذه الحركات لا تنفي التزام الشعوب بالإسلام، لكنها لا تسعى إلى تطبيق النموذج الإيراني، لأنها تريد نظاما ديموقراطيا عادلا وكريما. وقال: "حتّى هذه اللحظة لم يقبل أيّ بلد عربي بالنموذج الذي يروّجه المحافظون، بل حتى الشّعوب القريبة منّا والتي لنا معها مشتركات كثيرة لم تقبل بهذا النموذج، وأوضح أنّ الحركات الشعبية العربية تشبه كثيرا حركة الشّعب الإيراني قبل سنة ونصف، لكن الإعلام الرسمي لم يجرؤ على ذكر هذه الحقيقة".

وختم تاج زادة بالتأكيد على أنّ المكاسب التي تحصل في الدول العربية هي بلاشكّ في صالح الشّعب الإيراني، وتعزّز المدّ الديمقراطي في المنطقة[35].

وتساءل الكاتب الإصلاحي محمد برقعي عن أسباب فشل الإيرانيّين في إسقاط النظام، بينما نجح التونسيّون والمصريّون في ذلك، فقال: فشلت حركة الشّعب الإيراني رغم توفّر كلّ ظروف نجاحها عندما خرجنا في مظاهرات مليونيّة إلى شوارع طهران، بينما نجح التونسيون والمصريون في إسقاط نظاميْن مستبدّين عبْر حركة ثوريّة تلقائيّة وغير منظّمة و دون قيادة أو بالأحرى عمياء.

ثم يصف الثورة الإسلامية بأنها لم تعد نموذجا لأحد، ويقول: "لقد فشلت الثورة في تحقيق أكبر أهدافها وهو الجمع بين الدين والمعاصرة، مقارنة حتى مع الدول العلمانية". وأضاف قائلا: "وأكبر دليل على سقوط رسالة الثورة هي لجوء النظام إلى الاستعانة بالرموز القومية الفارسية مثل كوروش وداريوش لاستقطاب الدعم الشعبي، بعد أن كان يعتبر نفسه داعيا عالميا للإسلام"[36].

وفي سياق المقارنة بين الثورتين التونسية والإيرانية يرى أبو الحسن بني صدر[37] أن الحركة التونسية أكثر اكتمالا وانسجاما مع شروط الحركة الثورية الناجحة، ومن أهم هذه الشروط عمل هذه الحركة من خارج بنية النظام الحاكم، واعتمادها على قدراتها الذاتية. ويضيف أنّ جمود بن علي وعدم تفاعله مع مطالب الحركة كان معجّلا بالنّجاح أيضا.

بينما يعتقد بني صدر أنّ الحركة الشّعبية الإيرانيّة أخطأت عندما فهمت أنّ صمود النّظام وعدم استجابته للشّارع دليل على قوّته، ممّا دفعها إلى التّراجع، وأظهرها في موقف المستسلم للأساليب القمعيّة التي استخدمها النظام[38].

أمّا الكاتب عبد العالي بازركان فيقدّم قراءة تاريخية يحاول من خلالها أن يثبت فضل وسبْق الحسّ الثوري الإيراني على نظيره العربي، إذ يستدعي لحظة استقلال تونس عام 1956 تحت قيادة الحبيب بورقيبة الذي قال حينئذ: "إننا مدينون بهذا الاستقلال لمحمد مصدق[39] ومقاومة الشّعب الإيراني". ويضيف الكاتب قائلا: "القصّة نفسها حدثت قبل ذلك بسنوات في مصر بعيْد انتصار ثورة عام 1952 بقيادة جمال عبد الناصر".

ليخلص في النهاية إلى أنّ طبيعة الاستبداد الإيراني تختلف تماما عن كلّ ما يعرفه العالم من أنواع الاستبداد، لأنه برأيه استبدادٌ ديني عميق الجذور، وعلاجه في غاية الصعوبة[40].

بينما أشار الدّيبلوماسي الإصلاحي السّابق محمد صدر إلى تناقض الحكومة الإيرانية في التعامل مع المطالب الشّعبية، وذلك حين دعمت الثّورات العربية، بينما كان لها أسلوب آخر مع الشعب الإيراني عندما خرج للاحتجاج. وأضاف قائلا: "عندما يدعم الرئيس أحمدي نجاد مطالب الشعب الليبي ويدين وصف القذافي لخصومه بالجرذان والحشّاشين، لا ينبغي له في المقابل أن يصف خصومه بالحثالة"[41].


استنتاج

تتفاعل إيران مع الحدث العربي بكلّ تفاصيله واتّجاهاته، وتحرص على مواكبة تحوّلاته واستشراف مساراته المستقبلية، وبغضّ النظر عن التداخل العربي الفارسي الجغرافي والتاريخي والثقافي، فإنّ نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية يقوم أساسا على مبدأ ديني حاسم هو الإعداد للحظة ظهور الإمام المهدي في آخر الزمان[42]، حدث يرتبط زمنيا بحسب الرواية الشّيعية الاثني عشرية بأحداث تاريخية سابقة ستنطلق من إيران وتحقّق أهدافها في أجزاء من العالم العربي، تبدأ بظهور قادة عسكريّين إيرانيين[43] مفوّضين من الإمام المهدي، مرورا بتحرير القدس وصولا إلى ظهور الإمام المهدي وشروعه في تطهير الأرض من الشّر.

داخل هذا الإطار الدّيني المذهبي المستقبلي ذي البعد الاستراتيجي يمكن فهم خطاب التيار المحافظ الحاكم في إيران عندما يتناول الثّورتين التّونسية والمصرية، أو غيرها من التحوّلات الكبرى في العالم العربي، وهو ما يتيح أيضا فهم أسلوب تعامل هذا التيّار مع الاحتجاجات الشعبيّة التي عرفتها إيران بالتّزامن مع الثّورتين العربيّتين، واتّهامه خصومه السّياسيّين بالخيانة والعمالة لإسرائيل وأميركا.

في حين يضع الإصلاحيّون أنفسهم ضمن السّياق العام لمطالب الحركة الشعبية العربية، ويعتبر هؤلاء أنّ القاسم المشترك بينهم وبين التّجربتين التونسية والمصريّة هو تجاوز واقع الأنظمة الاستبداديّة من أجل تأسيس حالة ديمقراطيّة تحقّق لدول المنطقة قدرا كبيرا من الاستقرار والتّعاون المتبادل، وهو ما يترجم الفهم الجديد عند هذا التّيار لبعض أدبيّات المذهب الشّيعي، والتي قضى وقتا طويلا في إعادة قراءتها وترتيب عناصرها بعيدا عن سلطة التاريخ الشّيعي السّياسي والفقهي[44].

 


[1] ولاية وحاكمية الفقيه الجامع للشرائط في عصر غيبة الإمام المهدي، حيث ينوب الولي الفقيه عن الإمام في قيادة الأمة وإقامة حكم اللّه على الأرض.

[2] حكموا إيران في الفترة 1501-1785 م، ووطدوا فيها ركائز المذهب الشيعي الاثني عشري، وكانت لهم صراعات وحروب مع العثمانيين.

[3] http://irna.ir/NewsShow.aspx?NID=30187229

[4] http://www.donya-e-eqtesad.com/Default_view.asp?@=240884

[5] http://www.inn.ir/newsdetail.aspx?id=66020

[6] http://farsi.khamenei.ir/speech-content?id=10955

[7] http://www.presstv.ir/detail.fa/163029.html

[8] http://www.irna.ir/NewsShow.aspx?NID=30265056&SRCH=1

[9] - http://farsi.khamenei.ir/speech-content?id=10955

[10] بعد ضغوط متوالية من المتشددين، تنحى رفسنجاني عن هذا المنصب في الثامن من آذار/ مارس 2011 لصالح آية الله مهدوي كني.

[11] http://www.fardanews.com/fa/news/136422

[12] http://www.irna.ir/NewsShow.aspx?NID=30261572&SRCH=1

[13] http://www.hamshahrionline.ir/news-129838.aspx

[14] http://www.irna.ir/NewsShow.aspx?NID=30263429

[15] http://www.irna.ir/NewsShow.aspx?NID=30289383

[16] يجمع التيار المحافظ داخله: "المحافظون المتشددون"، ويضم سلفيين وفقهاء وبعض الناشطين الراديكاليين، و"المحافظون التقليديون أو المعتدلون"، وينتمي إليهم رئيس البرلمان علي لاريجاني، و"المحافظون الجدد" وهو التيار الذي يقود حاليا حكومة أحمدي نجاد.

[17] هو الإمام الثاني عشر، اختفى عن الأنظار منذ حوالي ألف ومائة عام، وسيظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلا، بحسب الرواية الشيعية الاثني عشرية.

[18] http://www.fardanews.com/fa/news/134055

[19] http://parset.com/News/ShowNews.aspx?Code=266342

[20] يقصد التيار الإصلاحي الذي خرج في طهران للاحتفال بانتصار الثورتين التونسية والمصرية.

[21] http://www.irna.ir/NewsShow.aspx?NID=30200992

[22] http://www.mehrnews.com/fa/newsdetail.aspx?NewsID=1235246

[23] تقع مدينة بناب في محافظة أذربيجان الشرقية شمال إيران.

[24] http://www.farsnews.net/newstext.php?nn=8911030890

[25] http://www.farsnews.com/newstext.php?nn=8911130263

[26] http://www.mehrnews.com/fa/NewsDetail.aspx?NewsID=1268533

[27] أقصد هنا بالتيار الإصلاحي كل أطياف المعارضة الإيرانية في داخل وخارج إيران، وتجمع تشكيلات المعارضة السياسية بزعامة مير حسين موسوي ومهدي كروبي داخل إيران، والليبراليين واليساريين والملكيين خارج إيران. وسمي هذا التيار في إيران بعد الانتخابات الأخيرة بالحركة الخضراء، (جنبش سبز)، واتخذت اللون الأخضر شعارا للحركة.

[28] http://www.daneshjoonews.com/news/politics/5497-1389-11-09-14-21-33.html

[29] تيار شعبي واسع تشكل عقب الانتخابات الأخيرة، ويجمع كل أطياف المعارضة الإيرانية في الداخل والخارج.

[30] http://www.kaleme.com/1389/11/27/klm-47795/

[31] http://saanei2.org/?view=01,00,00,00,0#01,01,01,85,0

[32] http://www.jamaran.ir/fa/NewsContent-id_16704.aspx

[33] http://www.rahesabz.net/story/33898/

[34] تأسست هذه المنظمة قبل الثورة، على يد شباب إيرانيين، كان لهم دور كبير في انتصار الثورة ودعم حركة المرشد روح الله الخميني، وشارك بعض أعضائها في حكومات متتالية، ليصبحوا فيما بعد زعماء التيار الإصلاحي في إيران.

[35] http://www.kaleme.com/1389/12/12/klm-50285/

[36] http://www.rahesabz.net/story/33941/

[37] هو أول رئيس منتخب بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران. ولد عام 1933، اتهم بالخيانة بعد هروبه إلى فرنسا.

[38] - http://www.banisadr.com.fr/Articles/html/ass768.html

[39] - محمد مصدق (1880-1967)، رئيس الوزراء الإيراني الأسبق شغل المنصب بين عامي 1951 و1953، يعتبره الإيرانيون بطلاً قومياً لرفضه الإمبريالية الغربية و تأميم النفط إبان تسلمه الرئاسة، كما خلع الشاه، غير أن الشاه سرعان ما عاد بعملية أمريكية بريطانية مشتركة سميت بعملية أجاكس، واعتقل مصدق وسجن مدة ثلاث سنوات وأطلق سراحه بعدها، إلا أنه استمر رهن الإقامة الجبرية حتى وفاته في العام 1967.

[40] http://www.bazargan.com/Abdolali/PDF/Tounestan.pdf

[41] http://www.kaleme.com/1389/12/19/klm-51191/

[42] مصادر أهل السنة تؤكد أيضا هذا الحدث، وتتفق مع المصادر الشيعية في بعض عناصره.

[43] تقول الرواية الشيعية الاثني عشرية إنه عند قرب ظهور الإمام المهدي سيظهر القائد شعيب بن صالح في إيران، وهو من أكبر قادة سيد خرساني الذي يعتبر بدوره من أصحاب الإمام المهدي ومن العلامات الكبرى على قرب ظهوره.

[44] يعتمد معظم المثقفين والمفكرين الإصلاحيين في قراءتهم للمذهب الشيعي على رؤى المفكر الإيراني علي شريعتي الذي فرق بين الإسلام التاريخي والإسلام النبوي.