العنوان هنا
تقارير 02 يناير ، 2019

تقرير ندوة من السلاح إلى السلام: التحوّلات من العمل السياسي المسلّح إلى العمل السياسي السلمي

عمر عاشور

أستاذ مشارك في الدراسات الأمنية والاستراتيجية، ومؤسس ورئيس برنامج الماجستير في الدراسات الأمنية النقدية بمعهد الدوحة للدراسات العليا. وهو مؤلف كتاب تحولات الحركات الإسلامية المسلحة (روتلدج، 2009) وكيف يقاتل تنظيم الدولة: التكتيكات العسكرية في العراق وسورية وليبيا ومصر (ادنبره وأكسفورد، 2020). عَمِل أستاذًا في جامعة اكستر (المملكة المتحدة) لعشر سنوات وفي جامعة ماكجيل (كندا) لعامين. وخدم كمستشار أول في الأمم المتحدة لشؤون إصلاح القطاع الأمني ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.

مقدمة

تُعد التحولات من العمل السياسي المسلح إلى العمل السياسي السلمي ظاهرة عالمية لم توفَ حقها من الدراسة والبحث في العالم العربي وفي مناطق أخرى أيضًا[1]. بناء عليه، نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ندوة بعنوان: "من السلاح إلى السلام: التحولات من العمل السياسي المسلح إلى العمل السياسي السلمي"، وذلك يومَي 3 – 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018. وتناولت الندوة من خلال دراسات نوعية عيّنة مؤلفة من 26 حالة في عشرين دولة تحوّلت فيها تنظيمات مسلّحة إلى أحزاب سياسية أو حركات اجتماعية سلمية. وتنتمي هذه الحالات إلى القارات الأربع وتشمل العالم العربي، وغرب أوروبا وجنوبها، وبلدان أفريقيا جنوب الصحراء، وأميركا اللاتينية والكاريبي. وقد ناقش خبراء أكاديميون ومسؤولون حكوميون سابقون وقادة منظمات عمليات التحوّل في الجزائر ومصر والعراق ولبنان وليبيا وفلسطين وسورية وإسبانيا وتركيا والمملكة المتحدة وإثيوبيا وجنوب أفريقيا وأفغانستان والأرجنتين والبرازيل وتشيلي وكولومبيا والأوروغواي ونيكاراغوا وكوبا وبلدان أخرى. وشملت هذه الحالات تنظيمات تتبنّى عقائد دينية أو يسارية أو عرقية-قومية أو وطنية.

وتعتبر هذه الندوة الأولى من نوعها في العالم العربي. وسيصدر أول كتاب أكاديمي عربي يحلّل التحولات من الحركات المسلّحة إلى الحركات السلمية من خلال اعتماد مقاربة علمية تقوم على المقارنة وتتناول التداعيات السياسية وترفع التوصيات بشأنها.

تقع الحالات الست والعشرين التي جرت مناقشتها في عشرين بلدًا، وهي تمثّل عينة مختارة بعناية لظاهرة عالمية[2]. فقد أظهرت دراسة إحصائية أنّ من بين 268 مجموعة مسلحة محدّدة في قاعدة بيانات MIPT مارست نشاطها في الفترة 1968-2006، مُنيَت 20 مجموعة فحسب بالهزيمة بوسائل عسكرية بحتة (7 في المئة)[3]، في حين التحقت 114 جماعة (43 في المئة) بالعمل السياسي السلمي-الدستوري، إما بصفتها أحزابًا سياسية أو حركات اجتماعية سلمية داخل المجتمع المدني الأوسع. وأسفرت أعمال الشرطة والاستخبارات وردّات الفعل الشعبية عن تفكيك 107 من التنظيمات المسلحة المذكورة في قاعدة البيانات (40 في المئة)، أغلبيتها تنظيمات صغيرة (أقل من 200 مسلح)[4]. أما المجموعات الأكبر (ولا سيما التي تتجاوز ألف عضو مسلح)، فاعتمدت المسار الأكثر شيوعًا وهو عملية التحوّل إلى النشاط السياسي أو الاجتماعي السلمي[5]. وقد خلصت دراسات مبنية على قواعد بيانات أصغر إلى نتائج مماثلة. فمن أصل 133 جماعة مسلّحة حاربت ضد أنظمة شتى في الفترة 1990-2009، تحوّل 54.8 في المئة منها إلى أحزاب سياسية في نحو 50 بلدًا في مختلف أنحاء العالم[6]. إلا أن قواعد البيانات المتوافرة في الأدبيات في حاجة إلى تنقيح وتحديث شاملين وذلك كما سنبين في خلاصة هذه الورقة.

كيف تحدث عملية تحوّل من السلاح إلى السلام؟ ولماذا تحدث؟ ما الشروط الضرورية لإطلاق عملية تحوّل من السلاح إلى السلام؟ وما شروط استدامتها؟ وما المسارات المختلفة للنأي عن العمل المسلح؟ وهل يحدث التحوّل بعد تحقيق انتصار عسكري، أم في إثر هزيمة عسكرية، أو لدى إحراز تعادلٍ في نزاع مسلّح بين جماعات متمرّدة وسلطات قائمة؟ تلك هي أسئلة البحث الرئيسة التي تناولتها الندوة وسيتناولها الكتاب المقبل[7] الذي يتضمّن أعمال الندوة، بمزيد من التفصيل والعمق لتفسير عمليات التحوّل من النشاط المسلّح إلى النشاط السلمي وتمحيصها.

يقدّم هذا البحث نظرة تحليلية عامة لهذه الظاهرة، وتعريفًا لمصطلحاتها العلمية، ومتغيراتها السببية، ومساراتها الديناميكية، وملخصًا لحالات تجريبية مختارة، وتداعياتها على السياسات، وبعض التوصيات. وتتعلّق هذه التداعيات والتوصيات أيضًا بعمليات الانتقال الديمقراطي، وبناء السلم، والعلاقات المدنية-العسكرية، ومكافحة التطرّف العنيف والحيلولة دون حدوثه، ومكافحة الإرهاب[8]. وتتكوّن الورقة من أربعة أقسام أخرى، فيعرض القسم التالي بإيجاز إطارًا نظريًا لعمليات التحوّل، ويحدّد المصطلحات والمنهجيات ذات الصلة. في حين يتناول القسم الثالث بعض أبرز دراسات حالات التحوّل الجماعي من العمل السياسي المسلّح إلى العمل السياسي السلمي؛ بينما يعرض القسمان الأخيران بعض الملاحظات العلمية التي قد تفيد البرامج البحثية المستقبلية، إضافةً إلى التداعيات على السياسات والتوصيات.

من السلاح إلى السلام: الإطار النظري

عمليات التحول الجماعية من العمل المسلح إلى النشاط السلمي هي عمليات تغيير نسبي من خلالها يمكن أن تراجع جماعة مسلحة أفكارها وسردياتها وخطابها وسلوكياتها و/أو هيكلها التنظيمي لتبتعد بها عن العمل المسلح، نحو النشاط السياسي و/ أو الاجتماعي السلمي. وتدعو الدراسات الأمنية هذه الظاهرة أحيانًا عمليات "نبذ الراديكالية"(de-radicalisation) . وهي عمليات ينبذ فيها تنظيم مسلّح لتكتيكاته العنيفة بغية تحقيق أهداف سياسية، وترافقها أيضًا عملية انتقال نحو التدرج في قبول تغييرات اقتصادية وسياسية واجتماعية إصلاحية في سياق تعددي. ولكن لم يُجمع الباحثون الأكاديميون قط على مصطلح دقيق واحد لتلك العمليات، كما اختلف المجتمع الأمني بشأن تعريف "نبذ الراديكالية" وأبعادها[9]؛ فمن جهة، يذهب بعض الباحثين في الأدبيات إلى ضرورة ارتكاز هذا المفهوم على تغيير المواقف تجاه العنف السياسي ووتيرة التغيير السياسي-الاجتماعي (من جذرية/ سريعة/ ثورية إلى تدريجية/ بطيئة/ إصلاحية) بدلًا من التركيز على الليبرالية-الدستورية والقبول المطلق لـ "الآخر"[10]. وذلك يعني أن الجماعات ستنبذ العنف السياسي وتقبل بالإصلاح المؤسسي البطيء والتدريجي في سياق وضع راهن يقبل الإصلاح النسبي ويخضع له، ولكن ستبقى متمسّكة بأفكار رجعية أو غير ليبرالية. ويرى باحثون آخرون أن الأفراد والجماعات الذين نبذوا العنف يجب أن يؤيدوا الليبرالية-الدستورية، وأن ذلك يجب أن يكون المعيارَ الحقيقي في عمليات "نبذ العنف والراديكالية."

تنجم عن تأييد أي من هذين التعريفين تكاليف وتداعيات سياسية. إذ إن التعريف الأول (التحول نحو السياسات السلمية عمليًا مع التمسك بوجهات نظر غير ليبرالية أيديولوجيًا وخطابيًا) قد ينذر بتقويض التماسك الاجتماعي، ولا سيما في مجتمعات متعددة الثقافات والأعراق والأديان؛ في حين يمكن إساءة استخدام التعريف الثاني بغية رفض تحول بعض المجموعات من العمل المسلّح إلى العمل السلمي لكونها "أخفقت في نبذ التطرّف والراديكالية"، وبناء عليه، ممارسة الإقصاء السياسي والقانوني تجاهها لأنها لم تغدُ بعد كيانات ديمقراطية ليبرالية، حتى لو كانت البلدان التي تنشط فيها محكومة بديكتاتوريات وحشية. وقد وجد المؤلف في أعمال سابقة مستندة إلى تجارب العالم العربي[11] أنّ من المفيد التمييز بين "نبذ الراديكالية" و"الاعتدال". فالمصطلح الأخير يصف أيضًا عملية تغيير نسبي معنية أساسًا بالمواقف من الديمقراطية-الليبرالية (لا العنف السياسي) ومرتكزة عليها. ومع ذلك، كما أكدت الباحثة الأميركية جيليان شويدلر[12]، لا يوجد إجماع بين الباحثين على تعريف مصطلح "الاعتدال" كذلك[13].

وقد يحدث أحيانًا في الأنظمة الاستبدادية الخلط بين التحول إلى النشاط المعارض السلمي والتدجين وشراء الولاء، فلا يُعد "نابذًا للتطرف" أو "معتدلًا" إلا الجماعات والأفراد الذين يؤيدون نظام الحكم بقوة ويظهرون الولاء للزعيم، سواء أكان رئيسًا سلطويًا أم ملكًا رجعيًا. فإذا غيّرت جماعة ما الوسائل التي تعتمدها لتحقيق التغيير من الوسائل المسلحة إلى الوسائل السلمية ولكنها بقيت في صفوف المعارضة، فإنها لا تزال "راديكالية" أو "متطرفة" بالنسبة إلى هذا النوع من الأنظمة.

وتحدث عمليات التحول من العمل المسلح إلى العمل السلمي في ثلاثة أبعاد: أحدها أيديولوجي، وثانيها سلوكي، وثالثها تنظيمي. وهي بذلك تنقسم ثلاثة أنواع رئيسة. فعندما تتضمن عملية التحول الأبعاد الثلاثة تصبح عملية "شاملة"[14]. وتسمى عملية تحول "براغماتية" إذا تضمنت البعدين السلوكي والتنظيمي فقط (دون البعد الفكري/ العقائدي/ الأيديولوجي)، بمعنى أن التنظيم يتخلى عن العمل المسلح سلوكيًا، ويفكك هياكل أجنحته المسلحة وأطر القيادة والسيطرة ويسلم سلاحه تنظيميًا، ولكنه لا يدين العمل المسلح في أدبياته الفكرية، وربما يمَجّده ويفخر به في خطبه وخطاباته[15]. واصطلح على تسميتها عملية تحوّل "موضوعية" أو "فصائلية" إذا تضمنت البعدين الفكري والسلوكي (من دون البعد التنظيمي)؛ أي إن فصائل من التنظيم (لا التنظيم كله) تتخلى عن العمل المسلح وتنبذه وتتوقف عن شرعنته فكريًا، ولكن أجنحة أخرى من التنظيم نفسه ترفض ذلك، وتتمسك بالعمل المسلح[16]. وبطبيعة الحال، تحدث هذه التحولات على مستوى التنظيمات أو الفصائل والأجنحة داخل التنظيم الواحد (كلاهما تحولات جماعية)، أو على مستوى الأفراد (تحولات فردية).

ويجب توافر أربعة متغيرات رئيسة لازمة لإطلاق عمليات التحوّل الجماعي ونجاحها؛ وهي: القيادة الكاريزمية، وضغط المسار المسلح، والتفاعلات مع الذات والآخر، والمحفزات المختارة. فمزيج القيادة الكاريزمية للتنظيم، وحدوث حالة جمود مؤلم[17] في الصراع المسلح، وحالة تواصل مع "الآخر" الذي يتبنى طرقًا مغايرة في التفكير ونقاشات وتفاعلات بين صفوف التنظيم نفسه، إضافة إلى تقديم الدولة أو أطراف إقليمية ودولية محفزات تختارها[18] ضمن سياق يهدف إلى خفض التصعيد يؤدي عادة إلى بدء عمليات التحول نحو السلمية بنجاح.

ويوجد نمط للتفاعل المتبادل بين هذه العوامل/ المتغيرات على المستويين المتوسّط والجزئي[19]، إذ غالبًا ما يؤثر الجمود العسكري المؤلم والتفاعل مع أطراف تتبنّى طرقًا مغايرة في التفكير، في أفكار قادة التنظيم المسلّح وسلوكياتهم، على نحو يدفعهم على الأرجح إلى إطلاق ثلاث عمليات داخلية: إجراء حسابات إستراتيجية قائمة على تحليل الأرباح والخسائر، والاستفادة من التعلم السياسي الذي اكتسبوه في أثناء التواصل مع آخرين يعتمدون طرقًا مغايرة في التفكير، وتعديل النظرة الأيديولوجية للعالم نتيجة لأزمات حادة وإحباطات وتغيرات كبيرة تطرأ على البيئتين السياسية والعسكرية. وعقب هذه العمليات، تباشر قيادة التنظيم المسلّح عملية تحوّل مدفوعة بحوافز تختارها السلطات المحلية أو القوى الدولية، فضلًا عن التفاعلات الداخلية بين طبقات التنظيم المختلفة (القيادة العليا، والقيادة الوسطى، والأفراد). وغالبًا ما تتواصل أيضًا الجماعات التي خضعت لعملية التحوّل السلمي مع جماعات مسلّحة أخرى وتؤثر فيها أحيانًا في بيئة خاضعة للسيطرة والضغوط (كالسجون، أو المنافي، أو المعاقل الوعرة). وتحدث عمليات مشابهة بنفس المتغيرات الأربع (قيادة كاريزمية مبدعة/ غير تقليدية، ضغط المسار المسلح، التفاعلات مع الذات والآخر، والمحفزات المختارة) داخل المؤسسات المسلّحة للدولة، سواء كانت أمنية أو عسكرية.

 وأخيرًا، تُعد المتغيرات على المستوى الكلي (على صعيد الدولة أو بين الدول) حاسمة في الحفاظ على ديمومة عمليات التحول؛ إذ إن ديمومة عمليات التحول نحو السلمية تختلف عن إطلاق هذه العمليات وبدئها بنجاح. وتحسم الديمومة أربعة متغيرات أخرى وهي مستوى الديمقرطة، مستوى إصلاحات القطاع الأمني وتوازنات العلاقات المدنية-العسكرية، ومستوى عمليات العدالة الانتقالية، ومستويات الدعم الإقليمي والدولي لعمليات التحول.

وفي بداية الندوة، جرى تقديم عدة ملاحظات نقدية مهمة منهجيًا ونظريًا[20]. وتشير الملاحظة الأولى إلى كيفية تأَثُر برامج البحث المتعلّقة بدراسة عمليات التحوّل من العمل المسلح إلى السلمي، بخطاب "الحرب على الإرهاب"، وتعريف الإرهاب وفقًا لهوية الجناة[21] لا الضحايا[22]، وبتعامل وسائل الإعلام ومراكز السياسات مع ذلك كله لاحقًا. فقد حال ذلك السياق دون طرح الأسئلة البحثية المهمة وحوّل موضوع التحول من السلاح إلى السلام لخدمة أجندات سياسية لا علمية[23]. أما الملاحظة الثانية فأوضحت كيف أثر انحياز الباحثين والباحثات (الإيجابي) للسلام وطرق تعزيزه في استنتاجاتهم ونتائجهم، فعرَّضهم لخطر الجدل التليولوجي (Teleological) أو حتى التوتولوجي (Tautological). وأما الملاحظة الثالثة فتتعلّق بالحاجة إلى تصنيفات علمية دقيقة للأشكال المختلفة من النشاطات المسلحة والسلمية، نظرًا إلى التصنيفات غير الدقيقة في كثير من الدراسات الأمنية التقليدية وأدبيات العلوم السياسية. وأشارت الملاحظة الأخيرة إلى أن البيئات السياسية الوحشية ربما تتسبّب في عملية تحوّل معاكسة: أي من النشاط السلمي إلى النشاط المسلح. وقد أثبتت بعض التجارب في العالم العربي في السنوات الأخيرة أن الاستبداد قد لا يترك أي مجال للإصلاح السياسي وعمليات الانتقال السلمي، وإذا اقترن ذلك بسياسة تهميش اجتماعي وإهانات جسدية ونفسية لشرائح واسعة من السكان، يؤسس الاستبداد حتمًا بذلك لبيئة مواتية للعمل المسلح والعنف السياسي النظامي وغير النظامي[24].

البعد التجريبي: دراسة ست وعشرين حالة

عُقد في آذار/ مارس 2010 مؤتمر رسمي في العاصمة الليبية طرابلس بحضور أكاديميين وصحافيين غربيين ومسؤولين. وشهد المؤتمر إطلاق سراح قادة الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة في عملية "مصالحة" بقيادة سيف الإسلام القذافي الذي كان يُعَد وريثًا لديكتاتور ليبيا، معمّر القذافي. وكان "نبذ الراديكالية" مكونًا أساسيًا للعملية. فالجماعة المقاتلة لم تكتفِ بالتخلّي عن العمل المسلح ضد نظام القذافي ودحض فاعليته فحسب، بل وضعت أيضًا 416 صفحة من الحجج الفقهية والأيديولوجية والتاريخية والسياسية التي تدحض الأشكال المختلفة من العمل المسلّح غير النظامي، ومن بينها تكتيكات الإرهاب المحلي والدولي. وكانت تلك الوثيقة مفيدة حينئذٍ واشتهرت بصفتها سردية-مضادة لخطاب الجماعات المتطرفة العنيفة ولأفكارها، ولا سيما تنظيم القاعدة بفروعه المختلفة[25].

في آب/ أغسطس 2011، وفي خضم ثورة مسلحة، شنّ الأمير السابق للجماعة المقاتلة - عبد الحكيم بلحاج - هجومًا على مجمع باب العزيزية مقر العقيد القذافي[26]. وكان ذلك هجومًا مضادًا على قوات النظام أكثر من كونه "نكثًا للصفقة" أو تخلّياً تاماً عن عملية التحوّل. فلم تتح البيئة السياسية السائدة بين شباط/ فبراير وآب/ أغسطس 2011 أيّ مجالٍ لنبذ العمل المسلح أو المصالحة. ولم تُستحدَث في ليبيا بين آذار/ مارس 2010[27] وشباط/ فبراير 2011[28] آليات مؤسسية لتسوية النزاعات من دون عنف. فلم يُسمع عن أي إصلاحات في قطاع الأمن، أو مراجعة لإجراءات العمل المؤسسي الأمني (Standard Operating Procedures, SOPs) في أوقات الأزمات السياسية، ولم يُعرف عن أي عملية عدالة انتقالية ذات صدقية. وبعبارة أخرى، لم يحظ التحول من العمل المسلح إلى السلمي إلا بفرصة ضئيلة أو شبه معدومة للاستمرار، على الرغم من الاستثمارات الكبيرة المكرّسة لبدئه والشروع فيه.

ولم يقتصر هذا السيناريو على ليبيا فحسب؛ فضباط الوحدة الحربية 134 ومجنّدوها وموظفوها – وهي الوحدة الأميركية المسؤولة عن سجون العراق وقت الاحتلال، بما فيها سجن بوكا (الذي اعتقل فيه أبو بكر البغدادي)، يدركون ذلك جيدًا[29]. فقد وضعت الولايات المتحدة الأميركية والحكومة العراقية برنامجًا لـ "إعادة التأهيل" يضم عناصر من برامج "نبذ الراديكالية" في السجون العراقية عام 2007. وكان لهذا البرنامج بعض النتائج الأولية[30]، إذ أُطلق بحلول عام 2008 سراح أكثر من 10 آلاف معتقل في وقت شرعت البلاد فيه في عملية لخفض التصعيد المسلح. وبحلول أواخر عام 2010، تبدد ما تحقق تقريبًا. فبدلًا من التحول نحو نشاطات سياسية سلمية وأقل طائفية ودستورية ومؤسسية، تأسس تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في نيسان/ أبريل 2013 على أنقاض هذا البرنامج وعملية خفض التصعيد في العراق عمومًا.

ولكن، كما أوضحت أدبيات علمية ونقاشات الندوة، لا يعني ذلك أن عمليات التحول نحو النشاط السلمي وبرامج "نبذ الراديكالية" في العالم العربي محكوم عليها بالفشل. فالإخفاق في العالم العربي ما هو إلا تذكير بأهمية الإصلاحات على المستوى الكلي (مستوى الدولة) للمحافظة على عمليات التحول كما تبيّنه بوضوح فيما يلي الحالات الأوروبية والأميركية اللاتينية والأفريقية. ففي نهاية المطاف، تُعد عمليات التحول إلى النشاط السلمي أساسية ضمن سياقات المصالحات الوطنية والتماسك الاجتماعي وعمل مؤسسات الدولة وتحقيق الأمن البشري واحترام حقوق الإنسان. ولذلك فهي جديرة بالاستثمار فيها والنضال من أجل إنجازها.

فعندما حدثت تغييرات مؤيدة للديمقراطية على المستوى الكلي وجرى اكتساب الحريات السياسية الأساسية لفترة وجيزة في أعقاب الانتفاضات العربية في عامَي 2010 و2011، تبنّت مجموعات كبيرة كانت مسلحة عملية التحول من العمل المسلح إلى النشاط السلمي. فلم تتحول تنظيمات مثل الجماعة الإسلامية المصرية وفصائل وأفراد من تنظيم الجهاد المصري والجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة أحزابًا سياسية فحسب، بل شاركت أيضًا في الانتخابات وصياغة الدستور وفي التسويات السياسية. وفي عام 2011، أجرت الجماعة الإسلامية على سبيل المثال انتخابات داخلية، وطلبت من أعضائها ملء استمارات تسجيل حزبية وتوكيلات قانونية للحزب، ونظّمت مسيرات ضد العنف الطائفي، وأصدرت بيانات مشتركة مع الكنيسة القبطية في أسيوط لتعزيز التعايش السلمي. ومع ذلك، لم يتغير الموقف من الليبرالية-الدستورية كثيرًا؛ فمثلًا، لا تزال الجماعة الإسلامية تعارض حق أقليات معينة وحق النساء في الترشح لرئاسة الجمهورية. وعلى العموم، لا تزال بعض الأفكار المستلهمة من الوهابية السعودية تؤثر في وجهات نظر أعضاء الجماعة تأثيرًا جزئيًا. وفي الجزائر، ألقت تنظيمات مثل الجيش الإسلامي للإنقاذ وجماعات أصغر سلاحها منذ أواخر تسعينيات القرن المنصرم. لكن على الرغم من إعادة الدمج الاقتصادي-الاجتماعي الانتقائي (الناجح نسبيًا) لبعض قادة هذه الجماعات وأعضائها، لم يُسمح لهذه التنظيمات بالمشاركة في الانتخابات بوصفها أحزابًا سياسية[31]، كما أن أيّ محاولات بحث في سلوكيات الأجهزة الأمنية وإجراءاتها وسياساتها أثناء "المأساة الوطنية"[32] و/أو بحث في عملية العدالة الانتقالية بعد الحرب تعاقِب عليها القوانين الجزائرية[33].

وفي المقابل، تُظهر حالات (أو حتى محاولات) التحول الأوروبية من العمل المسلح إلى النشاط السلمي اختلافات صارخة على صعيد انطلاق عمليات التحوّل واستدامتها، وكذلك على مستوى النضج المؤسسي ومرونته، ودرجات الصلابة والتسامح لدى الجهات الرسمية والمجتمعية، ووعي النخب والقادة، والقدرة على إعادة الاندماج. وقد ناقشت الندوة بعمق حالة كل من الجيش الجمهوري الإيرلندي المؤقت في المملكة المتحدة، ومنظمة أرض الباسك والحرية (إيتا) في إسبانيا، وحزب العمال الكردستاني في تركيا؛ ففي المملكة المتحدة، أدت عوامل المستويين الكلي والمتوسط إلى بدء عملية السلام المبنية على اتفاق الجمعة العظيمة وديمومتها. وقد شملت هذه العوامل: القيادة الكاريزمية، وإستراتيجية الحكومة البريطانية المبتكرة لمكافحة الإرهاب، وتمويل الاتحاد الأوروبي عملية السلام (الحوافز)، ودور المقاتلين السابقين، ولا سيما على المستوى المجتمعي (التفاعلات الداخلية)[34]. أما في إسبانيا، فقد بيّنت الانشقاقات عن تنظيم إيتا وتحول بعض فصائله وأعضائه إلى العمل السلمي منذ السبعينيات وحتى عام 2017 الأهمية الحاسمة لعوامل المستوى المتوسط (خاصة القيادة الكاريزمية)، حتى عندما تحدث تغييرات على المستوى الكلي (مستوى الدولة/ الدول) كعملية الانتقال الديمقراطي في إسبانيا وسياسة الاتحاد الأوروبي الثابتة في دعم التحول نحو النشاط السياسي السلمي. إذ إن عوامل المستوى الكلي (مثل التحول الديمقراطي وإصلاح القطاع الأمني) تحدّ بالتأكيد من خطر وجود تنظيم قوي للمتمرّدين يحظى بتأييد محلي كبير[35]. لكن، لا يضمن ذلك تحوّل منظمة مسلحة كليًا نحو النشاط السلمي من دون وجود عوامل المستوى المتوسط (مستوى التنظيم) المذكورة سابقًا[36]. أما في تركيا، فيمثل حزب العمال الكردستاني حالة فريدة – خارجة عن النمط العام للتحولات. فقد أخفق الحزب في التحول إلى النشاط السياسي السلمي على الرغم من وجود قيادات كاريزمية لدى كلا الجانبين المتحاربين، وعلى الرغم من الفرص المتاحة والحرية النسبية للمشاركة في السياسات الانتخابية والدستورية[37]. فالتطورات الإقليمية والدعم الخارجي وعدم الثقة المتبادل والمكاسب الإستراتيجية التي يعتقد القادة العسكريين للحزب أنهم سيجنونها من العمل المسلح يفوق جميع المكاسب المتوقعة التي ستنجم عن عملية التحول إلى التنافس في صناديق الاقتراع.

ومقارنةً بالمستوى المرتفع للنضج الديمقراطي والكفاءة المهنية للمؤسسات الأمنية في أوروبا الغربية، يُعد الترسخ الديمقراطي في أميركا اللاتينية وإصلاح قطاع الأمن فيها حديثَي العهد نسبيًا. ولذلك، فإن الدروس المستقاة من حالات التحوّل الناجحة (والفاشلة) في أميركا اللاتينية قد تكون ملائمة ومفيدة للعالم العربي. وقد قدّمت أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي عمليات تحول من خلال مسارات مختلفة. فتشتمل عمليات التحوّل التي انطلقت في إثر هزيمة عسكرية مثال حركة التوباماروز في الأوروغواي، وبصورة عامة التنظيمات اليسارية المسلحة في تشيلي والأرجنتين والبرازيل. ويتناقض ذلك مع مثال القوات المسلحة الثورية الكولومبية (الفارك)، إذ حدثت عملية التحول بعد تحقيق تعادل وجمود مؤلم في الصراع المسلح؛ وينطبق ذلك على جبهة الساندينيستاز للتحرير الوطني في نيكاراغوا، حيث جرت عملية التحول إلى حزب سياسي بعد تحقيق انتصار عسكري حاسم على قوات نظام السوموزا الديكتاتوري. وبيّنت دراسات الحالات والتجارب في أميركا اللاتينية كيف أن مجموعة مركّبة من المتغيرات المذكورة آنفًا على المستويين المتوسّط والكلي (أي مستوى التنظيمات ومستوى الدولة أو فيما بين الدول) يمكنها أن تطلق عمليات تحول للنشاط السلمي وتديمها، على الرغم من محدودية الموارد والثروة مقارنة بالعالم العربي.

وقد نجحت العديد من عمليات التحول للنشاط السلمي في أفريقيا على الرغم من محدودية الموارد فيها أيضًا. فقد أظهرت التطورات في إثيوبيا مسار تحول تنظيمات مسلحة سابقة إلى شركاء في ائتلاف حاكم، وهي تطورات لا تزال جارية مع جماعات مسلحة أخرى. ولكن تبقى عملية التحوّل والانتقال إلى الديمقراطية في جنوب أفريقيا أكثر نجاحًا، وكانت تلك العملية قد انطلقت بعد جمود مؤلم في المسار المسلح. وقد تمكنت القيادة الكاريزمية لنيلسون مانديلا من دفع عملية التحوّل والشروع في مفاوضات سلمية على الرغم من القدرة على استخدام السلاح ووجود مقاومة داخلية أدت لانشقاقات داخل الجناح المسلح لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي (رمح الأمة)، وحتى "لحرب داخلية" خاضها الحزب مع منشقيه ومع حركة زولو إنكاتا الإثنو-قومية[38]. وعلى عكس الحالات العربية (كالجماعة الإسلامية في مصر والجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا) وبعض حالات أميركا اللاتينية (مثل حركة 19 نيسان/ أبريل المعروفة بـ M-19 والفارك في كولومبيا) التي لم تحصل على أغلبية الأصوات في صناديق الاقتراع، نجح حزب المؤتمر الوطني الأفريقي نجاحًا كبيرًا في الانتخابات وتمكن من الفوز عبر الاقتراع لا الرصاص.

الأجندة البحثية المستقبلية: ملاحظات علمية

من خلال العرض أعلاه، نستخلص الملاحظات العلمية التالية:

  • أولاً، تفتقر الأدبيات العربية إلى الدراسات التحليلية الأكاديمية عن التحول من العمل المسلح إلى النشاط السلمي باستثناء عدد محدود من الدراسات الوصفية لحالات واحدة بعينها. وهذا هو الواقع، على الرغم من أن 12 نظامًا من أصل 22 نظامًا عربيًا، هي إما في حالة حرب مع مكونات وشرائح من مجتمعاتها وإما في حالة حرب مع جيرانها العرب، وعلى الرغم من أن المنطقة العربية فيها أعلى معدل في العالم للنزاعات المسلحة[39] وأكبر عدد من ضحايا العنف السياسي بجميع أنواعه؛ من الانقلابات العسكرية إلى قمع الأنظمة الحاكمة وحتى الإرهاب والتطرف العنيف[40].
  • تتعلق الملاحظة الثانية بالأدبيات المتوافرة باللغة الإنكليزية والتي تتناول عمليات التحول الجماعية من العمل المسلح إلى العمل السلمي. فنادرًا ما نعثر فيها على البُعد العابر للقارات الذي يشمل المقارنة النوعية بين مناطق العالم المختلفة. ويتناول عدد كبير من الأدبيات الإنكليزية موضوعات ذات صلة؛ فمثلًا تطرح الدراسات الأمنية التقليدية أجندة بحثية ذات صلة بمسمى "كيف ينتهي الإرهاب؟"، وفيها يستعرض الباحثون سلسلة من الأسباب المحتملة التي قد تجعل تنظيمًا لجأ في السابق إلى تكتيكات الإرهاب، يتراجع وينبذ العنف السياسي[41]. غير أن هذه الأجندة البحثية وأدبياتها لا تدرس ما يحدث عندما يتخطى التنظيم النشاط المسلح ويشارك في نشاطات سلمية، ولا تجيب عن كثير من الأسئلة البحثية المهمة المذكورة أعلاه[42]. وتعاني معظم الدراسات في هذه الأجندة من التمحور حول الدولة (State-centrism) أو التمحور حول النظام القائم (Status-quo-centrism)، وبناء عليه، تعيق الفرضيات التي بُنيت عليها هذه الأجندة إجراء بحوث عميقة تدرس ظاهرة عمليات التحول الجماعي، وهي إشكالية منهجية شائعة في كثير من أدبيات الدراسات الأمنية التقليدية. كما تعاني معظم هذه الأدبيات من اعتمادٍ شبه حصري على المصادر الثانوية.
  • أما الملاحظة الثالثة فتشمل المقاربات والتعاون المحدودين بين الاختصاصات في هذا المجال البحثي على الرغم من المساهمات القيِّمة من قبل التخصّصات والفروع المتنوّعة كالدراسات الأمنية، والعلوم السياسية، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، والتاريخ، واللاهوت والدراسات الدينية، ودراسات السلام، ودراسات النزاع، والدراسات الإستراتيجية، والدراسات العسكرية، ودراسات الإعلام والاتصالات.
  • وتتعلق الملاحظة الرابعة بالتعاون المحدود نسبيًا بين الأكاديميين والمسؤولين الرسميين الحكوميين وقادة هذه التحولات غير الحكوميين. وقد أتاحت ندوة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومخرجاتها البحثية فرصة للتعاون وسيستمر المركز في توفيرها، إذ إنها أثبتت قيمتها بالنسبة إلى الأكاديميين والمسؤولين الحكوميين وقادة التحولات غير الحكوميين. وهي بصورة عامة، قد أثرت إيجابيًا في البرنامج البحثي.
  • أما الملاحظة الخامسة فهي ضرورة إجراء مراجعة نقدية للأدبيات المتوافرة بالفعل، مع تنقيح قواعد البيانات وتحديثها، إذ تعود بعض قواعد البيانات المذكورة أعلاه إلى أكثر من عقد من الزمن، وتحتاج إلى مراجعة بيانات عدة منها أسماء التنظيمات، والتواريخ، وبعض التصنيفات، وبعض المصطلحات المستخدمة؛ وهذا بالإضافة إلى ضرورة مراجعة الأفكار والفرضيات المتمحورة حول الدولة، وتقديم نقد موضوعي للدراسات التي تعزل الأزمات الأمنية عن سياقاتها التاريخية؛ وكلها أمور منهجية مهمة لتطور هذه الأجندة البحثية[43]. ويجب تطبيق النقد نفسه على الاعتماد المفرط على مصادر المعرفة الثانوية أو غير الأصلية. وينبغي للباحثين في هذا المجال البحثي أن يحجموا عن تناول الموضوع بمنهجية "حل المشكلات السطحية" وقصيرة الأجل التي ميزت بعض الأدبيات الموجودة.
  • وتتعلّق الملاحظة الأخيرة ببعض الأسئلة البحثية المولدة لفرضيات علمية جديرة بالبحث والتمحيص. فقد تمحورت أغلبية الأعمال حول كيفية حدوث هذه التحولات وأسبابها، مع التركيز على دراسة حالة واحدة أو على مقاربة مقارنة في منطقة جغرافية معينة. مع العلم أن التفريق بين بدء التحولات واستدامتها، فضلًا عن شروط استدامتها، يقتضي مزيدًا من الدراسة. كما أن المسارات المختلفة التي جرى اعتمادها بعد الابتعاد عن العمل المسلح لم تخضع للدراسة بعد بما فيه الكفاية.

التداعيات السياسية والتوصيات

استُخدمت عمليات التحول وبرامج "نبذ الراديكالية" بوصفها جزءًا لا يتجزأ من إستراتيجيات الأمن ومكافحة الإرهاب في عدة بلدان عربية؛ فمثلًا، أنشأت المملكة العربية السعودية[44] والعراق[45] واليمن[46] برامج منظمة داخل السجون تخضع لسيطرة الدولة أو السلطات، يُستَهدف فيها تغيير سلوكيات الأفراد (لا المجموعات) وأفكارهم؛ ويتواصل فيها السجناء مع زعماء دينيين أو روحيين ومع أعضاء في المجتمع المدني. وجرى استخدام حوافز مختارة تحت سيطرة الدولة لدعم "نبذ الراديكالية " وتخلي أفراد بعينهم عن العمل المسلح. وتَستخدم هذه البرامج نماذج متنوعة وعدة مستويات من الحوافز الاجتماعية والاقتصادية، والعلاج النفسي، والإرشاد الديني والروحي، والنشاطات الرياضية والفنية. ولكن النتائج في العالم العربي كانت هزيلة، إن لم تكن هزلية.

ففي العراق، أنتجت البيئة تنظيم داعش، وفشل البرنامج في الحد من استقطابه الشباب وتوسّعه وخطورته. وفي السعودية، انضم عشرات من خريجي برنامج "المناصحة" السعودي إلى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (في اليمن) وبات بعضهم قادة بارزين فيه[47]. ولم تكن المشكلة في البرامج في حد ذاتها[48]، وإنما في البيئة السياسية-الاجتماعية التي نُفذت فيها هذه البرامج، بما في هذه البيئة من مستويات عالية من التمييز الطائفي والفساد الاقتصادي والقمع السياسي، واستمرارية كل ذلك من دون إصلاح جدي أو مكافحة فعالة. وقد كانت منهجيات قياس معدلات النجاح (والفشل) في هذه البرامج موضع خلاف شديد. فلا يوجد إجماع بشأن كيفية قياس النجاح، خاصة نجاح عمليات تحول الأفراد، إلا أن قياس نجاح عمليات التحوّل الجماعية (تنظيمات كاملة أو فصائل وأجنحة داخل التنظيم الواحد) أو فشلها، لازالت أقل صعوبة وتعقيدًا من قياس نجاح البرامج التي تستهدف تحوّلات الأفراد.

كما أن استدامة هذه البرامج وعمليات التحول عامة من دون عملية شاملة للإصلاح الأمني والسياسي ومن دون منظومة عدالة انتقالية تبقى موضع شك كبير. فبغضّ النظر عن النهج المتبع لتفسير عمليات التحول نحو النشاط السياسي السلمي، يُجمع الأكاديميون والخبراء على أن هذه العمليات حساسة للغاية للسياق السياسي والاجتماعي الذي تجري فيه؛ وبعبارة أخرى، في بيئة سياسية يسودها القمع السلطوي والانقلابات العسكرية والحروب الأهلية وأشكال أخرى من العنف السياسي، وعدم الاستقرار والتهميش والظلم الاجتماعي، ستكون النتيجة المرجحة هي استمرارية العنف السياسي على مستويي التنظيمات والأفراد. ويرجح أن تفشل محاولات التحوّل وبرامجه أو تنهار بعد أن تبدأ في المديين القصير والمتوسط.

وقد قدّم "الربيع العربي" للباحثين والمتخصّصين دروسًا مهمة عن أثر التغييرات في البيئتين السياسية والاجتماعية في عملية الانتقال إلى العمل السلمي؛ فنجاح تكتيكات المقاومة المدنية في إطاحة نظامين استبداديَين في تونس (2010، 2011) ومصر (2011) قوّض مؤقتًا المنطق والأفكار التي تنادي بأن العمل المسلح هو أنجع وسيلة (وفي بعض الأيديولوجيات، الوسيلة الأكثر شرعية) لإحداث تغيير اجتماعي وسياسي. ومع ذلك، فإن التحولات التي طرأت على طبيعة الثورات في ليبيا وسورية منذ عام 2011 وبعده، والتطورات الإقليمية في العراق (في نيسان/ أبريل 2013 وما تلاه)، وفي مصر (تموز/ يوليو 2013 وما بعده) أفضت إلى استنتاجات مختلفة مفادها أن القوة الناعمة وتكتيكات المقاومة المدنية محدودة الإمكانية، ولإحداث تغيير حقيقي لا بد من استخدام القوة الصلبة. ويُرجح في بيئة كهذه نمو التطرّف العنيف والتجنيد الراديكالي والأطر الأيديولوجية الداعمة للعمل المسلح واستمرارها وتفشّيها. ومع ذلك، يمكن عرض بعض التداعيات السياسية والتوصيات للأطراف المعنية.

1.     على المدى القصير (سنة إلى ثلاث سنوات)

‌أ.       تأسيس منتدى يُعنى بدراسة عمليات التحوّل إلى النشاط السلمي

يهدف المنتدى إلى جمع دروس عملية مستفادة ودراسات علمية حديثة عن عمليات التحوّل إلى النشاط السلمي على النطاقين الإقليمي والعالمي. وهو يجمع أكاديميين ومسؤولين حكوميين وقادة لعمليات التحول، بهدف تبادل الخبرات من وجهات نظر مختلفة. ويُعقد المنتدى سنويًا في الدوحة، ويعمل أيضًا بصفته مركزًا لتناول الأفكار وتبادلها بشأن السيناريوهات المستقبلية والمسارات وبدء عمليات التحول إلى النشاط غير المسلح وإدامتها، مع وضع توقعات سنوية وتداعيات وتوصيات سياسية مستندة إلى وجهات نظر عالمية مقارنة ونقدية.

‌ب.   حماية المكاسب الإستراتيجية والحفاظ عليها

أيدت بعض الجماعات المسلّحة الكبيرة في العالم العربي عملية التحول من العمل المسلح إلى النشاط السلمي في أثناء فترة "الربيع العربي" القصيرة[49]. ولا ينبغي أن يؤخذ هذا كأمر مسلم به، بل بصفته مكسبًا إستراتيجيًا يمكن أن يُحْدِث تأثيرات متعاقبة على المستويين الوطني والإقليمي[50]. فكما حصل في كولومبيا مع حركة 19 نيسان/ أبريل وتنظيم الفارك وغيرهما من الحالات في أميركا اللاتينية، ينبغي تعزيز الدروس المستقاة من البحوث والممارسة لتشجيع الاستدامة والاستمرارية وتجنب العودة إلى العنف. ويمكن تنظيم ذلك وترتيبه مؤسسيًا عبر المنتدى المذكور أعلاه.

‌ج.    تعزيز المصالحات الوطنية

يُعد التأييد الشعبي للمصالحة الوطنية والحلول الوسط والتسويات والإدماج ومنع التصعيد أمورًا حاسمة في دعم عمليات التحول إلى النشاط السلمي. وقد عملت السياسة الخارجية القَطرية بالفعل على تعزيز المصالحات الوطنية، وعلى الأخص في السودان واليمن ولبنان وأفغانستان وبقاع أخرى. وينبغي أن يتواصل ذلك، وربما يتوسع إلى بلدان أخرى على أن يأخذ في الحسبان أن الدعم الشعبي للمصالحات الوطنية أمرٌ متغير، إذ قد يضعف بتأثير الغوغائيين والشعبويين وأمراء الحرب الرسميين منهم وغير الرسميين، ووسائل الإعلام الهستيرية والتعليم الرجعي. ولكن يمكن بالتأكيد تعزيزه جزئيًا بالاستثمار في النخب المسؤولة والواعية والتعليم التقدمي ووسائل الإعلام الحرة، وبلورة إستراتيجيات للتعامل مع مخربي عمليات المصالحة[51].

‌د.      دعم الإصلاحات في وسائل الإعلام ومؤسسات التعليم

إن الإعلام الحر الذي يروّج للمصالحات الوطنية وللتسويات والإدماج ومنع التصعيد العام ضروري لدعم عمليات الانتقال إلى النشاط السلمي على النقيض من وسائل الإعلام الهستيرية التي تعزز الاستقطاب الاجتماعي والسياسي والطائفي المتطرّف. وينطبق الأمر نفسه على التعليم، إذ تشتد الحاجة إلى تعزيز أهمية السلم الوطني ووضع المصالحة في المقام الأول في عملية التعليم الابتدائي والثانوي والتعليم العالي. وينبغي أن تشمل العناصر الأساسية للمناهج الإصلاحية تعريف العنف السياسي ووقف تمجيد أشكاله المختلفة (ومنها الانقلابات العسكرية، وقمع الدولة، والحروب الأهلية، والإرهاب على المستوين الحكومي وغير الحكومي)، وتشجيع آليات حل غير عنيفة للنزاعات، واحترام التنوع والتفكير والفكر المختلف، والتأكيد على ضروريات الأمن البشري وأهميته في تحقيق الأمن على مستويات الدولة والمنطقة والعالم[52].

2.     على المديين المتوسط والطويل (خمس إلى عشر سنوات)

‌أ.       إصلاح قطاع الأمن متغير أساسي

تبقى احتمالات استدامة التحول من العمل المسلح إلى النشاط السلمي ضعيفة ما لم تحصل عملية إصلاح شاملة في قطاع الأمن[53]. وينبغي أن يشمل الإصلاح تغيير في إجراءات العمل الأمني، وفي مناهج التدريب والتعليم، ومعايير القيادة والترقية، فضلًا عن الإشراف والمحاسبة من جانب المؤسسات المنتخبة والمؤسسات القضائية، وبصورة جزئية وتعاونية من جانب منظمات المجتمع المدني. فقد ساهمت انتهاكات قطاع الأمن وعدم محاسبة المسؤولين عنها في نشأة التطرف العنيف واستدامته. وبات ذلك خلاصة تجريبية مؤكدة في الدراسات الأمنية التقليدية منها، والنقدية.  

‌ب.   موازنة العلاقات المدنية-العسكرية

تُشتَق هذه التوصية مباشرة من توصية إصلاحات قطاع الأمن المذكور أعلاه. وهو يعني إعادة تشكيل العلاقات المدنية العسكرية وموازنتها بطريقة تجعل مؤسسات الدولة المسلحة عرضةً لمراقبة السلطات المنتخبة والقضائية ومساءلتها[54]. فتفوق المؤسسات المسلحة على المؤسسات المنتخبة والقضائية/ الدستورية شكّل ظرفًا سياسيًا غدا فيه السلاح أهم من صناديق الاقتراع والقوانين، وصار السلاح أهم أداة للاستحواذ على السلطة السياسية والاحتفاظ بها. فمقارنة بالسلاح والانقلابات العسكرية، يُعد التصويت والدساتير والحكم الرشيد والإنجازات الاقتصادية والاجتماعية وسائل ثانوية للاستحواذ على السلطة والاحتفاظ بها، ويهمّش عدد كبير من الدول العربية دورها ويعدها كماليات.

‌ج.    إجراءات التسريح ونزع السلاح وإعادة الإدماج مكلفة، لكنها تستحق التكلفة

تتعلق التوصية النهائية بأهمية إجراءات التسريح ونزع السلاح وإعادة الإدماج رغم تكلفتها. فتسييس هذه العملية وإخفاقها في ليبيا واليمن في أعقاب الثورتين الليبية واليمنية أسفرا عن ظهور عدة كيانات مسلحة (نظامية وغير نظامية) غير مقيدة بأي أطر مهنية أو دستورية أو قانونية أو أخلاقية. وسهلت تلك الظاهرة الموارد واللوجستيات اللازمة لأمراء الحرب، والمتطرفين اللذين يعتمدون العنف، وأصحاب المشاريع الإثنو-قومية والجهوية والانفصالية والطائفية العنيفة. وتُعد إجراءات التسريح وإنهاء مظاهر التسلح وإعادة الإدماج جزءًا لا يتجزأ من أي تحول نحو النشاط السلمي، وهي مرتبطة بطبيعتها بالإصلاح في قطاع الأمن وبالعلاقات المدنية-العسكرية. فبعد انتهاء أي صراع مسلح بتسوية، سترفض أغلبية التنظيمات المسلحة تسليم سلاحها وتسريح مقاتليها من دون توافر ثقة متبادلة بينها وبين المؤسسات المسلحة الرسمية أو وجود ضمانات منها أو ضمانات إقليمية/ دولية. ويتفاقم هذا المناخ حين يكون لدى المؤسسات المسلحة الرسمية تاريخ من الانتهاكات والاستهزاء بالقوانين والدساتير على نحوٍ جعلها تاريخيًا فوق الرقابة والمحاسبة. و رغم هذه المعوقات، فإن إجراءات التسريح ونزع السلاح وإعادة الإدماج تستحق تلك التكلفة الباهظة لأن نجاح التحول نحو النشاط السلمي أو فشله قد يتوقفان عليها.

 

[1] عزمي بشارة، "ملاحظات افتتاحية لندوة من السلاح إلى السلام: التحولات من العمل السياسي المسلح إلى العمل السياسي السلمي"، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، شوهد في 20/12/2018، في:

  https://bit.ly/2SbrpPx

[2] تتسم هذه العينة بطبيعة عالمية عابرة للأقاليم والقارات، إلا أنها غير شاملة. فهي لا تتضمّن عمليات التحوّل التي شهدتها أميركا الشمالية وأستراليا، مثل حالات التحول الفصائلية والفردية لتنظيم الفهود السوداء في الولايات المتحدة (ولا سيما فرع التنظيم في ولاية إيلينوي)، وكذلك جبهة تحرير كيبيك في كندا.

[3] بوسائل عسكرية حصرًا. انظر مثلًا:

Seth G. Jones & Martin C. Libicki, How Terrorist Groups End: Lessons for Countering al Qa’ ida (Santa Monica: RAND Publications, 2008), p. 19.

[4] Ibid., pp. 141-185.

[5] Omar Ashour, The De-Radicalization of Jihadists: Transforming Armed Islamist Movements (London and New York: Routledge, 2009), pp. 12-18.

[6] Carrie Manning and Ian Smith. “Political Party Formation by Former Armed Opposition Groups after Civil War,” Democratization, vol. 23, no. 6 (2016), p. 973.

[7] Omar Ashour (ed.), “Bullets to Ballots: Global Transformations from Armed to Unarmed Activism,” Doha: ACRPS, (forthcoming in 2020).

[8] The United Nations, “Plan of Action for Preventing Violent Extremism: Report of the Secretary-General,” (15 January 2016), accessed on 24/12/2015, at: https://bit.ly/1n0F1wu

[9] Jillian Schwedler, “Can Islamists Become Moderates? Rethinking the Inclusion-Moderation Hypothesis,” World Politics, vol. 63, no. 2, (2011), pp. 347-376.

[10] Thomas Hegghammer, “The De-Radicalization of Jihadists: Transforming Armed Islamist Movements by Omar Ashour,” Perspective in Politics, vol. 9, no. 2, (June 201), pp. 472-474.

[11] Ashour, The De-Radicalization of Jihadists: Transforming Armed Islamist Movements.

[12] Jillian Schwedler, “Why Academics Cannot Get Beyond Moderates and Radicals,” the Washington Post, 12 February 2015.

[13] Ibid; Schwedler, “Can Islamists Become Moderates? Rethinking the Inclusion-Moderation Hypothesis.”

[14] أي تشمل الأبعاد الأيديولوجية والسلوكية والتنظيمية، ومن أبرز أمثلتها حالة الجماعة الإسلامية المصرية.

[15] ومن أبرز الأمثلة على الحالات "البراغماتية" حالتا الجيش الجمهوري الإيرلندي المؤقت (المملكة المتحدة)، والمؤتمر الوطني الأفريقي وجناحه العسكري "رمح الأمة" (جنوب أفريقيا).

[16] لعل أبرز عمليات التحول الفصائلي وربما أطولها هي حالة تنظيم أرض الباسك والحرية (إيتا) في إسبانيا، إذ إن التحولات الفصائلية بدأت منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي إثر بدء عملية التحول الديمقراطي في إسبانيا، ولم تتوقف حتى تحول التنظيم كليًا في عام 2017، ومثال آخر هو حالة تنظيم الجهاد المصري. 

[17] William Zartman, Ripe for Resolution: Conflict and Intervention in Africa (Oxford: Oxford University Press, 1989).

[18] قد تبدأ المحفزات من تحسين الأوضاع في السجون والمعتقلات، وقد تنتهي بالمشاركة في الحكم أو الفوز بالسلطة (بوسائل دستورية سلمية)، وتشمل ما بينهما.

[19] نقصد بالمستوى الجزئي متغيرات على مستوى الأفراد، ونقصد بالمستوى المتوسط متغيرات على مستوى التنظيمات.

[20] بشارة، "ملاحظات افتتاحية لندوة ’من السلاح إلى السلام: التحولات من العمل السياسي المسلح إلى العمل السياسي السلمي‘".

[21] كتنظيمات دون الدولة تمارس العنف.

[22] كمدنيين أبرياء.

[23] بشارة، "ملاحظات افتتاحية لندوة ’من السلاح إلى السلام: التحولات من العمل السياسي المسلح إلى العمل السياسي السلمي‘".

[24] المرجع نفسه.

[25] Omar Ashour, “Post-Jihadism: Libya and the Global Transformations of Armed Islamist Movements,” Terrorism and Political Violence, vol. 23, no. 3, (2011), pp. 377-397.

[26] Omar Ashour, “Fears over Islamists within Libyan rebel ranks,” BBC News, 31 August 2011, accessed on 20/12/2018, at: https://bbc.in/2PnATVL

[27] الشهر الذي أُعلنت فيه "المصالحة" رسميًا.

[28] الشهر الذي اندلعت فيه الثورة الليبية.

[29] مقابلة أجراها عمر عاشور في سنغافورة مع الجنرال دوغلاس ستون قائد الوحدة الحربية 134 بتاريخ 24 شباط/ فبراير 2008.

[30] Babak Dehghanpisheh, “Iraqi Prison Tries to Un-Brainwash Radical Youth,” Newsweek, 8 August 2007, accessed on 23/12/2018, at: https://bit.ly/2rj0eX6

[31] Omar Ashour, “Islamist De-Radicalization in Algeria: Successes and Failures,” Middle East Journal (1 November 2008), accessed on 23/12/2018, at: https://bit.ly/2rlZVLd

[32] مصطلح ذو دلالة سياسية يستخدمه المسؤولون الجزائريون للإشارة إلى الحرب الأهلية الجزائرية في تسعينيات القرن الماضي.

[33] Rachid Tlemçani, “Algeria Under Bouteflika Civil Strife and National Reconciliation,” Carnegie Papers, no. 7 (February 2008), accessed on 23/12/2018, at: https://bit.ly/2EffBs2; Human Rights Watch, “Algeria: New Amnesty Law Will Ensure Atrocities Go Unpunished: Muzzles Discussion of Civil Conflict,” (28 February 2006), accessed on 5/12/2018, at: https://bit.ly/2KXglTc

[34] Gordon Clubb, “A Draw or a Defeat? How the IRA Transitioned from Arms to Peace?” in: Ashour (ed.), “Bullets to Ballots: Global Transformations from Armed to Unarmed Activism.”

[35] Barbara Walter, “Why Bad Governance Lead to Repeated Civil War.” Journal of Conflict Resolution, vol. 59, no. 7 (2015), pp.1-31; Anna Gemtansky, “You Can’t Win If You Don’t Fight.” Journal of Conflict Resolution, vol. 57 no. 4, (2012), p. 710; Philip Keefer, “Insurgency and Credible commitment in Autocracies and Democracies,” The World Bank Economic Review, vol. 22, no. 1, (2008), pp. 33–61.

[36] Nick Hatcheon, “Transformations after Defeats: ETA and the Basque armed struggle, 1959-2018,” in: Ashour (ed.), “Bullets to Ballots: Global Transformations from Armed to Unarmed Activism.”

[37] Murat Yesiltas, “When Politics is not Enough: Explaining the Failure of the Peace Process and the PKK’s Urban Insurgency in Turkey (2015-2016),” in: Ashour (ed.), “Bullets to Ballots: Global Transformations from Armed to Unarmed Activism.”

[38] Thula Simpson, “The Transformation of the ANC and Its Path to Power (1990-1994),” in: Ashour (ed.), “Bullets to Ballots: Global Transformations from Armed to Unarmed Activism.”

[39] منذ عام 1945 أو منذ الاستقلال، انخرطت 90 في المئة من دول الشرق الأوسط والمغرب العربي في صراع عنيف واحد على الأقل، مقارنة بالنسبة العالمية التي تبلغ 64 في المئة. انظر على سبيل المثال:

Frank Pfetsch and Christoph Rohloff, National and International Conflicts, 1945-1995: New Empirical and Theoretical Approaches (London: Routledge, 2000), p. 77.

[40] Gates et al., “Trends in Armed Conflict and Security Crises, 1946-2014,” Peace Research Institute Oslo (PRIO), Conflict Trends (January 2016), p. 4; Kendra Dupuy and Siri Aas Rustand, “Trends in Armed Conflict and Security Crises, 1946-2016,” Peace Research Institute Oslo (PRIO), Conflict Trends (January 2016), p. 4.

[41] Audrey Kurth Cronin, “How Al-Qaida Ends: The Decline and Demise of Terrorist Groups,” International Security, vol. 31, no. 1 (Summer 2006); Audrey Kurth Cronin, “Historical Patterns in Ending Terrorism,” in: Ending Terrorism: Lessons for Defeating al-Qaeda, Adelphi Papers no. 394 (November 2007); United States Institute of Peace, “How Terrorism Ends,” Washington, D.C., Policy Brief (May 25, 1999); Martha Crenshaw, “Why Violence Is Rejected or Renounced: A Case Study of Oppositional Terrorism,” in: Thomas Gregor, ed., A Natural History of Peace (Nashville, Tenn.: Vanderbilt University Press, 1996); Jones. and Martin C. Libicki; Jeffrey Ian Ross and Ted Robert Gurr, “Why Terrorism Subsides: A Comparative Study of Canada and the United States,” Comparative Politics, vol. 21, no. 4 (July 1989).

[42] مثل "ما شروط بدء التحولات؟"، "وما شروط استدامتها؟"، "وما المسارات المتنوعة للعزوف عن العمل المسلح؟" "وهل يحدث هذا التحول بعد انتصار عسكري، أم هزيمة عسكرية، أم تعادل في نزاع مسلح بين جماعة (جماعات) متمردة والسلطات؟

[43] سلَّط الدكتور عزمي بشارة الضوء على قضيتَي "الخروج عن السياق" و"الخروج عن السياق التاريخي" وآثارهما في الدقة التحليلية وفي السياسات: "تنشأ المشاكل عندما يتجاهل تحليل هذه التيارات الفروقات في الظروف التاريخية التي تنشأ فيها الجماعات الإرهابية – سواء أكانت مسلمة أو يهودية أو مسيحية. (مثال، قارِن بين الفرق في نمو حركات شوفينية عرقية-دينية في وسط مجتمع قوةٍ محتلة وبين واقع الحياة تحت الاحتلال)"، انظر: عزمي بشارة، "الإرهاب؟ بموجب هوية الفاعل أم بموجب هوية الضحية؟"، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أوراق بحثية، كانون الأول/ ديسمبر 2017، ص 18.

[44] Christopher Boucek, “Saudi Arabia’s ‘Soft’ Counterterrorism Strategy: Prevention, Rehabilitation and Aftercare,” Carnegie Papers, no. 97 (September 2008).

[45] Jeffrey Azarva, “Is U.S. Detention Policy in Iraq Working?” Middle East Quarterly, vol. 16, no. 1 (Winter 2009); Amit R. Paley, “In Iraq, ‘A Prison Full of Innocent Men,’” the Washington Post, 6 December 2008.

[46] Christopher Boucek at al., “Opening Up the Jihadi Debate: Yemen’s Committee for Dialogue,” in: Tore Bjørgo and John Horgan (eds.), Leaving Terrorism Behind (New York: Routledge, 2009).

[47] Marisa L. Porges, “The Saudi Deradicalization Experiment, Expert Brief,” Council on Foreign Relations, 22 January 2010.

[48] برنامج "المناصحة" السعودي على وجه التحديد كان يعاني عدة إشكاليات منذ البداية، مقارنةً ببرامج أوروبا وأميركا اللاتينية، وذلك رغم توافر الدعم المالي الهائل. ويعود ذلك جزئيًا للخطاب الديني-السياسي المُستَخدم والمعتمد على تفسيرات "وهابية" للنصوص الإسلامية لتأكيد السلطة الدينية للملك، والشرعية الدينية المقدسة للعنف السياسي للدولة المملوكة له، وعدم شرعية العنف السياسي الذي يمارسه الآخرون، وتفسيرات طائفية قد يُفهم منها دونية مكونات مجتمعية وبشر آخرين (ومنهم النساء وغير السنّة وغير المسلمين)؛ مع وجود إشكاليات أخرى في التقييم النفسي، وفي انتقاء "المستفيدين" من البرنامج، وفي عمليات ما يسمى "الرعاية" (التواصل والرقابة والمراقبة) بعد التخرج من البرنامج.

[49] انظر مثالَي "الجماعة الإسلامية" و"الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة" المذكورتين أعلاه.

[50] أي إنه يمكن لتنظيم متحول بنجاح أن يؤثر في تنظيم مسلح آخر يكون أُنموذجًا له ويشجعه على التخلي عن العنف السياسي. وبشأن حدوث تأثيرات من ذلك النوع في العالم العربي وأميركا اللاتينية، انظر:

Omar Ashour, “De-Radicalization of Jihad? The Impact of Egyptian Islamist Revisionists on Al-Qaeda”, Perspectives on Terrorism, vol. 2, no. 5 (2008), accessed on 23/12/2018, at: https://bit.ly/2UkdAiX; Mathew Charles in Santa María de la Loma de Bicordó, “Farc Deal Opens Path for Colombia's Other Rebels: 'The Future has to be about War',” The Guardian, 7/1/2018, accessed on 23/12/2018, at: https://bit.ly/2CFCGzD; Gordon Clubb & Marina Tapley, “Conceptualising De-radicalisation and Former Combatant Re-integration in Nigeria,” Third World Quarterly (2018), accessed on 23/12/2018, at: https://bit.ly/2QQkGOb

[51] Stephen John Stedman, “Spoiler Problems in Peace Processes,” International Security, vol. 22, no. 2 (Autumn 1997), pp. 5-53.

[52] United Nations Development Programme, “Threats to human security impede development in the Arab countries,” United Nations, 21/7/2009, accessed on 23/12/2018, at: https://bit.ly/2ro1Z5h; Simone Young, “Order From Chaos: Why human security is national security for Small Island Developing States,” Brookings,  12/6/2017, accessed on 23/12/2018, at: https://brook.gs/2UhrVNe

[53] Youssef Chaitani, Omar Ashour and Vito Intini, “An Overview of the Arab Security Sector amidst Political Transitions: Reflections on Legacies, Functions and Perceptions,” United Nations’ Economic and Social Commission for West Africa (UN-ESCWA), (2013); Omar Ashour, “Security Sector Reform and the Arab Spring,” SETA (11 November 2014), accessed on 23/12/2018, at: https://bit.ly/2rm9gTl; Ṣāyigh, Yazīd. “Missed Opportunity: The Politics of Police Reform in Egypt and Tunisia,” Carnegie Paper (March 2015).

[54] Azmi Bishara, “The Army and Political Power in the Arab Context: Theoretical Problems,” Arab Centre for Research and Policy Studies, Studies, 9 April 2017; Omar Ashour, “Collusion to Collision: Islamist-Military Relations in Egypt,” Brookings Papers, no. 14 (March 2015), pp. 1-50, accessed on 23/12/2018, at: https://goo.gl/9gxKxt; Zoltan Barany, How Armies Respond to Revolutions and Why (Princeton: Princeton University press, 2016).