مقدمة: ملحمة من الفشل الاستراتيجي
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك: "عندما دخلنا لبنان [...] لم يكن هناك حزب الله. لقد استقبلنا الشيعة في الجنوب بالأرز المعطّر والزهور. إن وجودنا هناك هو الذي خلق حزب الله". وبالفعل، أحدث الانتصار العملياتي الإسرائيلي في لبنان في آب/ أغسطس 1982 تهديدًا استراتيجيًا متمثلًا في "المقاومة الإسلامية" لحزب الله، فقد أظهرت هذه القوة غير الدولتية Nonstate Force، التي تعادل جيشًا قوامه خمس فرق نظامية، مستوياتٍ من الفاعلية العسكرية والقتالية تفوّقت على أغلب القوّات العربية؛ الدولتية وغير الدولتية.
خاض حزب الله حربين مع إسرائيل؛ كانت الأولى حرب مغاوير كثيفة Guerrilla-intensive استمرت خمسة عشر عامًا (1985-2000)، انتصر فيها الحزب، لكن بتكاليف باهظة؛ إذ لم تُستنزف القدرة العسكرية الإسرائيلية بقدر ما استُنزفت إرادتها السياسية. بينما كانت الحرب الثانية أشد إثارة للدهشة، ففي حرب تقليدية استمرّت 34 يومًا (تموز/ يوليو–آب/ أغسطس 2006)، أظهر حزب الله إتقانًا في قتال المشاة الخفيفة، واستخدامات مضادات الدروع، والحرب الإلكترونية، والحرب السيبرانية، وحرب المعلومات. ونجح في تنفيذ عمليات بأسلحة مشتركة في أربعة مجالات على الأقل (المجال البري، والمجالان الإلكتروني والسيبراني، والمجال المعلوماتي/ الاستخباراتي)، وذلك لخدمة أهدافه الاستراتيجية. وتمكّن من الاستمرار في شنّ ضربات مدفعية صاروخية (أغلبيتها غير موجّه) طوال الحرب، في حين كان الطرف الإسرائيلي يتفوق عليه عددًا وعتادًا في كل مجالات العمليات دون استثناء، لتنتهي حرب تموز 2006، بالتعادل مع إسرائيل، بالحد الأدنى، وهي نتيجة عسكرية لم تتمكن أيّ قوة عربية، نظامية أو غير نظامية، بمفردها من تحقيقها منذ عام 1947.