مقدمة: جحيم من "الجمود"
"ثمة حركة لأول مرة منذ فترة طويلة ... شعرتُ ثانيةً أنني نمر"، يقول أنجول، الجندي من اللواء 33 مشاة مجنزر في القوات المسلحة الأوكرانية (ZSU)، وهو لواء درّبه حلف شمال الأطلسي "الناتو" ومجهّز بتسليح غربيّ الصنع. عكست مقولة أنجول شعورًا بحيويةٍ جديدة داخل القوات المسلحة الأوكرانية، التي كانت قد تراجعت في الأشهر الماضية.
فمنذ تحرير مدينة خيرسون في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، لم تحقق القوات الأوكرانية أيّ نجاحات عملياتية كبيرة في المجال البري. وسقطت باخموت، البلدة-الحصن التي دافعت عنها أكثر ألويتها خبرةً، في أيار/ مايو 2023، على يد مجموعة فاغنر بمساعدة خليط غريب للغاية من وحدات من المجرمين المدانين المفرج عنهم والجنود المحترفين في وحدات مجوقلة ومدفعية وقوات جوية نظامية.
لم يحقق الهجوم المضاد الأوكراني عام 2023 أهدافه؛ جزئيًا لأنه كان واحدًا من أكثر الهجومات المضادة في التاريخ العسكري التي أُعِلن عنها مسبقًا وحظيت بتغطية إعلامية مكثفة، على نحو أفقده المفاجأة والصدمة. فلم تتمكن أوكرانيا من تحرير أي من البلدات المحتلة مثل توكماك أو بيرديانسك أو مدينة ماريوبول؛ لقطع خطوط الاتصال البرية الاستراتيجية بين الحدود الروسية وشبه جزيرة القرم أو شطر القوات الروسية على الجبهتين الجنوبية والشرقية.
وزاد الأمر سوءًا بالنسبة إلى أوكرانيا، حين استولت القوات الروسية، في شباط/ فبراير 2024، على أفدييفكا واحتلتها، بعد أن كانت هذه البلدة-الحصن الأخرى في منطقة دونباس قد قاومت الهجمات الروسية وتصدّت لها، منذ عام 2014.
وفي آذار/ مارس الماضي، بدت آفاق أوكرانيا قاتمة. فقد حققت عملياتها في المجالَين البحري والجوي، انتصارات لافتة وإبداعات بارعة في الحرب الإلكترونية والسيبرانية والقتال عن بعد، وأظهرت تكتيكات فعالة في المجال البري، وسجّلت معدّلًا للخسائر المتبادلة/ معدلَ استنزاف مطلقًا ما زال لمصلحة القوات الأوكرانية، ورغم ذلك لا تزال هذه القوات المخضرمة والفعالة قتاليًا تخسر الأرض، بوجهٍ عام. من ضمن ذلك قرى ومساحات كانت قد حررتها الهجمات المضادة في خريف عام 2022 وصيف عام 2023.
لماذا فشل الهجوم المضاد الأوكراني عام 2023؟ وما علاقته، من الناحية التكتيكية والاستراتيجية، بأوّل غزو مضاد على الإطلاق للاتحاد الروسي منذ ولادته المتعثرة في كانون الأول/ ديسمبر 1991؟ يهدف هذا التحليل الاستراتيجي إلى الإجابة تحليلًا عن هذين السؤالين.