العنوان هنا
تقييم حالة 14 نوفمبر ، 2021

المراقبون الدوليون وبعثة الأمم المتحدة في ليبيا: مهمة صعبة أم مستحيلة؟

عائشة البصري

باحثة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. دبلوماسية سابقة في منظمة الأمم المتحدة، وشغلت عدة وظائف إعلامية في إدارة الشؤون الإعلامية في الأمم المتحدة بنيويورك، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في السودان، وبعثة يونامي السياسية في العراق، وبعثة يوناميد لحفظ السلام في دارفور، وصندوق الأمم المتحدة للسكان للدول العربية. تتركز اهتماماتها البحثية على عمليات السلام للأمم المتحدة والدراسات الأفريقية. حاصلة على شهادة الدكتوراه في الأدب الفرنسي، من جامعة سافوي الفرنسية. وحاصلة على جائزة رايدنهاور لكاشفي الحقيقة لسنة 2015، لتبليغها عن مخالفات الأمم المتحدة في دارفور.

أعلنت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، روزماري ديكارلو، عند مخاطبتها "مؤتمر دعم استقرار ليبيا" في 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 في طرابلس، عن وصول المجموعة الأولى من مراقبي الأمم المتحدة خلال اليوم ذاته؛ لدعم آلية مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار بقيادة الليبيين. ومثّل هذا التصريح تضاربًا مع ما تناقلته وسائل الإعلام، عن نص رسالة وجهها يان كوبيش إلى اللجنة العسكرية المشتركة "5+5"، عن وصول أول مجموعة مراقبين وشروعها في العمل في 10 تشرين الأول/ أكتوبر[1]. إضافة إلى تعارض التصريحات الأممية، لم يفصح الطرفان عن عدد المراقبين الذين وصلوا، وخلفياتهم، واكتفى الناطق الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دو جاريك، أيضًا بوصف المجموعة بـأنها "فريق صغير"، رغم أنه وعد المراسلين في نيويورك بتحديد عددهم[2].

ينبغي الرجوع إلى عدد من التقارير التي قدّمها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى مجلس الأمن هذه السنة[3]، للتأكد من أن "المراقبين الدوليين" الذين يدور حولهم الحديث يمثلون "وجودًا متقدمًا"، ويُتوقّع أن تتألف هذه المجموعة الأولى من 10 أفراد تابعين لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا "أونسميل" (UNSMIL). وسيمكث الفريق في طرابلس حتى تستكمل الأطراف الليبية جملة من الشروط الأمنية واللوجستية، تسمح بنشر تدريجي لفريق لن يتجاوز 60 مراقبًا لمباشرة عملية رصد وقف إطلاق النار في سرت، الواقعة على خط التماس. ويعكس عدم كشف مسؤولي الأمم المتحدة، عن هذه التفاصيل وغيرها، معضلات أخرى أعمق تشوب عمل بعثة "أونسميل"، بما فيها تأخّر السلطات الليبية في توفير ظروف بدء عملية رصد اتفاق وقف إطلاق النار في سرت بدعم دولي، وتغيير أولوياتها الأمنية، وضعف قدرات البعثة ذاتها، في ظل انقسام أعضاء مجلس الأمن حول عملها، وتعطيله. 

أولًا: ليبيا لا تريد "قبعات زرقاء"

تتغير مسؤولية رصد وقف إطلاق النار بحسب سياق النزاع، فقد تتولاها الأطراف المتحاربة ذاتها، أو يجري إسنادها إلى الأمم المتحدة أو منظمات أخرى، أو دولة محددة أو مجموعة من الدول، وقد يجري اختيار عملية رصد تمزج بين الخيارات الآنفة الذكر[4]. وحين تضطلع الأمم المتحدة بدور رصد وقف إطلاق النار، فقد تقوم بذلك بمفردها في إطار بعثة حفظ سلام، أو بشراكة مع أطراف أخرى، بما في ذلك الأطراف المتحاربة. وفي ليبيا، قررت السلطات تولّي مهمة تنفيذ هذا الاتفاق، بدعم محدود لبعثة "أونسميل"، وبعدة شروط.

ترعى بعثة "أونسميل" عملية وساطة سياسية منذ مؤتمر برلين الذي عُقد في 19 كانون الثاني/ يناير 2020. وقد عززت الضغوطُ الأميركية على أطراف النزاع جهودَ مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة إلى ليبيا سابقًا، الأميركية ستيفاني ويليامز، فأسفرت عن ثلاثة مسارات لحل الأزمة الليبية: عسكري، وسياسي، واقتصادي. ويسّرت الأمم المتحدة حوارًا بين خمسة ضباط من الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق الوطني وخمسة مرتبطين بقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أو ما يعرف باللجنة العسكرية المشتركة "5+5". وانبثق من الحوار توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2020 في جنيف. ويُعتبر التزام الطرفين بهذا الاتفاق إنجازًا مهمًّا ومؤشّرًا على نجاح أوّلي لعملية بناء الثقة بينهما، رغم اتّسامه بالغموض وافتقار بعض مواده للواقعية، بما في ذلك إمهال "المرتزقة والمقاتلين الأجانب" مدّة أقصاها ثلاثة أشهر لمغادرة ليبيا من دون تحديد هويّاتهم، وظروف مغادرتهم البلاد، والدول التي سيعودون إليها. وهو ما فسّر انتهاء المهلة من دون امتثال المعنيين بالأمر لها، خاصة أن كلًا من روسيا وتركيا طالبت بضرورة انسحاب الطرف الآخر، واشترطت مغادرته أولًا.

وأسفر الاتفاق أيضًا عن تأسيس آلية ليبية لرصد وقف إطلاق النار، ستتكون من وحدتين: فرق مشتركة مسؤولة عن رصد انتهاكات وقف إطلاق النار المبلّغ عنها والتحقق منها، ولجان فرعية مشتركة مسؤولة عن تسوية المنازعات والشكاوى وانتهاكات وقف إطلاق النار. وعند طلبها مساعدة الأمم المتحدة، شدّدت السلطات الليبية على تولّيها مسؤولية تنفيذ الاتفاق، واشترطت بأنه "لا ينبغي أن تُنشر على الأراضي الليبية أي قوات أجنبية من أي نوع، بما في ذلك أفراد الأمم المتحدة النظاميون"[5]. ورغم كِبر حجم المهمات وتعقيدات الوضع الأمني، طلب المسؤولون الليبيون من الأمم المتحدة توفير عدد متواضع من المراقبين التابعين للبعثة، على أن يكونوا غير مسلّحين وغير نظاميين ليعملوا إلى جانب فرق الرّصد المشتركة في المناطق التي سيجري تحديدها. بينما يُفهم حرص السلطات الليبية على عدم الزّج بقوات إضافية في الساحة الليبية قد تزيد المشهد تعقيدًا، يصعب على مراقبين الأُمم المتحدة إحداث فرق في تثبيت السلام بمشاركة متواضعة جدًا ودور ثانوي، تصرّ الأمم المتحدة ذاتها على أن يظل كذلك.

ثانيًا: شروط أممية لم يتمّ استيفاؤها بعد

في قرار مجلس الأمن رقم 2570 الصادر في 16 نيسان/ أبريل 2021[6]، وافق بالإجماع على توسيع صلاحيات بعثة "أونسميل"، لتشمل فريقًا يدعم آلية رصد وقف إطلاق النار التي "تقودها ليبيا وتمسك بزمامها"، وفقًا لما جاء في مقترح أنطونيو غوتيريش. واعتمد الأخير على نتائج فريق تخطيط من الأمم المتحدة أجرى مشاورات مع الأطراف الليبية والدولية خلال زيارته لتونس وليبيا، في آذار/ مارس 2021. إن تحديد مسؤوليات مراقبي البعثة، وتقييدها بعدد من الشروط تتوقف على الطرف الليبي، يبرز رغبة الأمم المتحدة في إدارة توقعات السلطات الليبية، وتفادي تقاذف المسؤوليات والاتهامات بين الطرفين لاحقًا. وترتكز أهم شروط الأمم المتحدة على النقاط التالية:

  • دور ثانوي ومستقلّ لمراقبي البعثة: أكد مقترح غوتيريش أن دور مراقبي البعثة سيقتصر على رصد الانتهاكات التي يُبلّغ عنها المراقبون الليبيون وأطراف أخرى، وأنهم سيشاركون في بعثات الرّصد الميدانية التي يقودها الليبيون للتحقق من صحّة الانتهاكات. بهذا الشرط تُجنِّب الأمم المتحدة مراقبيها مسؤولية التبليغ عن الانتهاكات لتفادي اتهامها بالانحياز إلى طرف ضد آخر. ولتعزيز استقلالية مراقبي البعثة، شدّد المقترح أيضًا على ألاّ يُدمجوا في آلية الرصد الليبية، وأن يرفعوا تقاريرهم للمبعوث الخاص ورئيس البعثة.
  • مراقبون تحت حماية القوات الليبية: إضافةً إلى مراعاة اعتبارات سياسية وأمنية في تحديد جنسيات مراقبي البعثة، أكّد المقترح أن المراقبين سيكونون أفرادًا مدنيين غير مسلحين أو عسكريين/ أفراد شرطة بزي مدني وغير مسلحين أيضًا. وستتكلف السلطات بحمايتهم وأمنهم، بما في ذلك اللجنة العسكرية المشتركة "5+5"، وقوة الشرطة الليبية المشتركة التي يجب تأسيسها.
  • المسؤولية الليبية عن نجاح الاتفاق: اشترط مقترح غوتيريش ضرورة جاهزية مجموعة من "المتطلبات السياسية، والأمنية، واللوجستية والعملياتية، والاحتياجات من الموارد"، قبل إرسال مراقبي البعثة إلى سرت. وتشمل هذه الشروط تطهير الطريق الساحلي من كل المتفجرات وتأمينه، باعتباره أول نقطة لانطلاق عملية رصد وقف إطلاق النار التي قد يجري توسيع نطاقها لاحقًا ليشمل مثلث أبو قرين - بن جواد - سوكنة. وشدّد المقترح على أن السلطات الليبية تتحمل المسؤولية الرئيسة عن نجاح تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وأن نشر مراقبي البعثة مشروط بإنشاء السلطات الليبية قوة الشرطة المشتركة والقوات العسكرية الليبية المشتركة، والتأكد من جاهزيتها للعمل في منطقة الرصد، ومن جاهزية غرفة العمليات المشتركة الليبية، وأن يكون فريق الرصد الليبي منتشرًا في الميدان.

يُفسِّر استحضار أهم مواد هذه الاتفاقية عدم كشف كبار مسؤولي الأمم المتحدة عن تفاصيل وصول المجموعة الأولى من مراقبي البعثة وعملهم في طرابلس، تفاديًا لإحراج الشّركاء اللّيبيين الذين يستعجلون حضور المراقبين إلى ليبيا، رغم عدم استيفاء جلّ الشروط الآنفة الذكر. فباستثناء التزام طرفي النزاع بوقف إطلاق النار، وإعادة فتح الطريق الساحلي، لم تشِر آخر تقارير الأمين العام ومبعوثه الخاص إلى استكمال السلطات الليبية الشروط المتفق عليها لإرسال المراقبين إلى سرت. ويعني وجود مراقبي البعثة حاليًا في طرابلس أن عملية رصد وقف إطلاق النار بدعم من الأمم المتحدة ما زالت في طور التحضير، بعد مرور سنة على توقيع الطرفين الليبيين على الاتفاق، ونصف سنة على موافقة مجلس الأمن على إنشاء آلية الرصد. ومع ذلك بادرت لجنة "5+5" إلى التشديد على وجود مراقبي البعثة في لیبیا، قبل البدء بتنفیذ خطة عمل لإخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من البلاد التي أعلنت عن استكمالها في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2021[7].

ثالثًا: السلطات الليبية تغيّر أولوياتها

الواقع أن بعثة "أونسميل" تعاني مفارقات كبيرة بين توقّعات يساهم مسؤولو الأمم المتحدة في رفعها وبين قدراتها الهزيلة التي لا تخوّل لها مسايرة متطلّبات الوضع الليبي الملحّة. هذا ما خلص إليه "الاستعراض الاستراتيجي المستقل للبعثة"، وهو تقييم لأداء "أونسميل" قام به فريق ترأسّه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة السابق لوسط أفريقيا، السنغالي عبد الله باثيلي، وأحاله غوتيريش إلى مجلس الأمن في 6 آب/ أغسطس 2021.

تغيرت أولويات السلطات الليبية، ولم يعد الرصد والتحقق من الالتزام بوقف إطلاق النار في مقدمتها. هذا ما أشار إليه مبعوث الأمم المتحدة، يان كوبيش، في إحاطة إلى مجلس الأمن يوم 15 تموز/ يوليو 2021؛ إذ أشار إلى أن الحكومة ولجنة "5+5"، يعتبران أن المهمة الرئيسة للأمم المتحدة ينبغي أن تكون مراقبة انسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب، بدلًا من القيام بدوريات للتحقق من احترام اتفاق وقف إطلاق النار[8]. ولأن إخراج القوات الأجنبية من الأراضي الليبية أصبح أولوية للمسارَين العسكري والسياسي، تحت ضغط واشنطن وحلفائها الأوروبيين، احتضنت السّلطات المصرية في القاهرة على مدار يومي 30-31 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 جولة مباحثات قادتها لجنة "5+5"، ويسّرتها البعثة، بحضور كوبيش وممثلين عن حكومات تشاد والنيجر والسودان. وسعت اللجنة إلى وضع خطة تنفيذية عملية وآلية لإخراج "المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية على نحوٍ تدريجي ومتوازن ومتزامن". وأعلنت في بيانها الختامي أن النيجر وتشاد والسودان قد أبدت استعدادها التام للتعاون في إخراج المقاتلين التابعين لها من الأراضي الليبية. وشكّكت تقارير إعلامية في هذا التفاؤل[9]، ونقلت عدم استعداد تشاد والنيجر في الظروف الحالية، وفي غياب اتفاقيات دولية تشارك فيها القوى الكبرى، وتضمن توقيع اتفاقيات مع قادة هذه المجموعات المسلحة الذين ينتمون إلى فصائل معارضة في دولهم، وتتكفل بتمويل نقل المقاتلين، وتجريدهم من السلاح، وتؤمّن لهم فرص عمل في هذه البلدان.

ويسود تفاؤل بعض المسؤولين الدوليين؛ إذ عبّرت المسؤولة الأميركية عن إدارة الشؤون السياسية وبناء السلام في الأمم المتحدة، روزماري ديكارلو، عن استعداد المنظمة لتقديم الدعم اللازم لمراقبة وقف إطلاق النار، والتحقق من انسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب الذين كانت قد قدّرتهم ويليامز بـ 20 ألف فرد. وترفع هذه الوعود سقف توقعات الجهات الليبية تجاه الأمم المتحدة، بينما يُعتبر عدد مراقبي البعثة الـ 60 جدّ ضئيل بالنظر إلى جسامة مهمّاته، وافتقار مجلس الأمن إلى توافق آراء أعضائه بشأن الانسحاب. ويكفي التذكير بأنه لتمكين عملية الأمم المتحدة في موزمبيق (1992-1994) رصد انسحاب القوات الأجنبية التابعة لملاوي وزيمبابوي من موزمبيق وتوفير ممرات آمنة لهم، في إطار رصد وقف إطلاق النار وتعزيز الأمن في البلاد، خصّص لها مجلس الأمن آنذاك قوة تكونت من 6625 جنديًا وأفراد دعم عسكري، و354 مراقبًا عسكريًا، و1144 ضابطًا من الشرطة المدنية، و355 موظفًا دوليًا، و506 موظفين محليين، فضلًا عن 900 مراقب لدعم العملية الانتخابية[10].

الواقع أن بعثة "أونسميل" تعاني مفارقات كبيرة بين توقّعات يساهم مسؤولو الأمم المتحدة في رفعها وبين قدراتها الهزيلة التي لا تخوّل لها مسايرة متطلّبات الوضع الليبي الملحّة. هذا ما خلص إليه "الاستعراض الاستراتيجي المستقل للبعثة"[11]، وهو تقييم لأداء "أونسميل" قام به فريق ترأسّه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة السابق لوسط أفريقيا، السنغالي عبد الله باثيلي، وأحاله غوتيريش إلى مجلس الأمن في 6 آب/ أغسطس 2021.

رابعًا: بعثة "أونسميل" بين الواقع والمأمول

شمل تقييم عبد الله باثيلي لأداء بعثة "أونسميل" التغيير الذي طرأ على هيكلها بموجب قرار مجلس الأمن 2542، الذي استبدل العام 2020 منصب "الممثل الخاص" بـ "مبعوث خاص" يتخذ جنيف مقرًّا له بدلًا من ليبيا ويركّز على جهود الوساطة، بينما يقوم مسؤول آخر بإدارة البعثة. خلُص التقرير إلى أن هذا التغيير قد أضعف قدرات المبعوث على التواصل مع الأطراف الليبية وبذل جهود الوساطة وتنسيق عمل البعثة، وكشف عن وجود "قطيعة" بين "التوقعات العريضة" لدى الجهات الليبية وقدرة البعثة وبقية فريق الأمم المتحدة في ليبيا على الإنجاز.

وذكّر التقرير بالتحدي الذي تمثّله أولويات عمل "أونسميل" في الفترة التي تسبق الانتخابات المرتقب إجراؤها في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021؛ وأولويات حدّدها مجلس الأمن من دون أن يمدّ البعثة بالموارد اللازمة لمسايرة مهمّات جد صعبة تشمل: تقديم الدّعم للعملية الانتخابية، بما في ذلك الدعم التقني للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وتقديم الدعم لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، والإسهام في وضع خطة موحدة لنزع سلاح المقاتلين السابقين وتسريحهم، وإعادة إدماجهم، ودعم السلطات الليبية، بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي، في إعداد وتنفيذ عملية مصالحة وطنية شاملة تقوم على حقوق الإنسان، ودعم المؤسسات الاقتصادية والمالية للإسهام في تحسين الخدمات الأساسية، وإدارة موارد البلاد، وإرساء أسس الحوكمة الرشيدة والتنمية لما بعد المرحلة الانتقالية. ويبدو أنه برنامج عمل غير واقعي وغير مسؤول؛ بالنظر إلى قدرات بعثة لا يفوق عدد موظفيها 314 شخصًا[12]، يشتغل عدد منهم في تونس، نظرًا إلى الظروف الأمنية في ليبيا، ونقص مرافق الإقامة المتاحة لموظفي الأمم المتحدة في طرابلس.

ويقرّ تقييم باثيلي بأن البعثة لا تتوفر على العدد اللازم من الموظفين، وتعاني شحّ الموارد البشرية والمادية؛ إذ تبلغ نسبة الوظائف الشاغرة فيها 40 في المئة؛ نظرًا إلى تجميد التوظيف لدواعي مالية. ويضيف أن 90 في المئة من الموظفين، الذين تم استطلاع آرائهم، يعتبرون أن موارد البعثة تجعلها غير قادرة على الاضطلاع على نحو كامل بجميع المهمات المسندة إليها، ويطغى على موظفيها شعور بـ "الانهاك المهني وتدنّي المعنويات على صعيد البعثة ككل". ونبّه التقرير إلى التطور الذي قد يطرأ على آلية رصد وقف إطلاق النار الليبية، وما قد يترتب عليه من أعباء إضافية بالنسبة إلى قدرات البعثة. رسم تقرير باثيلي صورة قاتمة لوضع "أونسميل"، وسلّط الضوء على عدم وضوح أهدافها، وافتقارها إلى القدرات التحليلية الضرورية للعمل على نحوٍ كامل وفعّال. وقدم عدة توصيات، تتقدمها ضرورة نقل رئيس البعثة إلى طرابلس، وعودة "أونسميل" إلى تشكيلتها السابقة، وإعادة تقييم احتياجاتها. وفي غضون ذلك، شدّد على ضرورة توفير "قدرات احتياطية لتكملة قدرات البعثة"، خلال الفترة الحرجة المرتبطة بالانتخابات المرتقبة.

بعد مفاوضات مكثفة ومطوّلة بشأن الاستجابة لهذا الاستعراض الاستراتيجي، أخفق مجلس الأمن في تنفيذ توصياته لاستقطاب مواقف أعضائه الدائمين تجاه النزاعات التي يتنافسون فيها على المستوى الجيوسياسي، سواء تعلق الأمر بليبيا أو سورية أو أفغانستان. ولمجابهة التمدّد الروسي في ليبيا، طالبت الكتلة الأورو - أميركية بالتعجيل في تطبيق توصيات التقرير لدعم إجراء الانتخابات في موعدها، وسحب كل القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية؛ باعتبارها تهديدًا لاتفاق وقف إطلاق النار. في المقابل، ارتأت روسيا والصين تأجيل إعادة هيكلة البعثة والنظر في بقية التوصيات إلى ما بعد الانتخابات، وفضلتا أن يتم انسحاب القوات الأجنبية بطريقة متوازنة ومنظمة. وسبق لروسيا أن حثت المجلس على انسحاب تدريجي ومتزامن لتفادي "الإخلال بتوازن القوى" على الأرض الذي يحافظ حاليًا على الهدوء في البلاد[13]. نتيجة لهذا الانقسام، اكتفى المجلس بتمديد تقني لولاية بعثة "أونسميل" حتى نهاية كانون الثاني/ يناير 2022[14]، يمكّن موظفيها من الاستمرار في العمل، ويُبقى وضعهم على ما هو عليه خلال أربعة أشهر محفوفة بالتحديات والمخاطر، إلى أن يتفق المجلس على توحيد صفّه حول "أونسميل".

خاتمة

رغم إجماع أعضاء مجلس الأمن على أن الوضع في ليبيا لا يزال يشكّل "تهديدًا للسلم والأمن الدوليين"، وأن الشهور والأسابيع المقبلة تُعتبر منعطفًا حاسمًا بالنسبة إلى ليبيا، وإدراكهم بأن البعثة مُجهدة وتتحمل فوق طاقتها، فإنهم لم يتفقوا على ضرورة مضاعفة عدد موظفي البعثة وزيادة قدراتها، ويطلبون منها أن ترفع بدورها قدرات الفرقاء الليبيين في شتى المجالات، وتسهم في تثبيت الأمن والمصالحة. وفي وقت يحرص المجلس على إجراء الانتخابات في مواعيدها، يتحول عمل "أونسميل" من مهمة صعبة إلى مهمّات شبه مستحيلة، في ظل استقطاب سياسي ليبي ينذر بالانفجار، وتضارب مصالح المجتمع الدولي، واستعصاء مسايرة البعثة مطالب سلطات ليبية تتغير وتتطور ولا تتسم هي الأخرى بالواقعية. إن ما تحتاج إليه ليبيا والبعثة على حد سواء في الفترة الحالية هو الحدّ الأدنى من التوافق الدولي حول إدارة عملية السلام الليبية، والابتعاد عن دبلوماسية المواعيد النهائية الاعتباطية، كالتي تمارسها واشنطن وباريس ولندن، عبر البعثة، لسحب القوات الأجنبية على نحو تعجيلي وارتجالي، وفرض إجراء انتخابات على أسس مثيرة للجدل، تنذر بالعودة إلى الوراء.


[1] Rabia Golden, “First Group of Libya’s Ceasefire Monitors Started Work on October 10,” The Libya Observer, 20/10/2021, accessed on 3/11/2021, at: https://bit.ly/3mPb4Sk

[2] United Nations, “Daily Press Briefing by the Office of the Spokesperson for the Secretary-General,” 22/10/2021, accessed on 3/11/2021, at: https://bit.ly/3054w9y

[3]الأمم المتحدة، "رسالة مؤرخة 6 آب/ أغسطس 2021 موجهة من الأمين العام إلى رئيس مجلس الأمن، S/2021/716"، شوهد في 3/11/2021، في: https://undocs.org/ar/S/2021/716

United Nations, Security Council, “letter dated 6 August 2021 from the Secretary-General addressed to the President of the Security Council,” accessed on 7/11/2021, at: https://undocs.org/en/S/2021/716

 الأمم المتحدة، "رسالة مؤرخة 7 نيسان/ أبريل 2021 موجهة من الأمين العام إلى رئيس مجلس الأمن، S/2021/353"، شوهد في 3/11/2021، في: https://bit.ly/3wmNboh ؛ الأمم المتحدة، "رسالة مؤرخة 19 آذار/ مارس 2021 موجهة من الأمين العام إلى رئيس مجلس الأمن، S/2021/281"، شوهد في 3/11/2021، في: https://bit.ly/3BSk25m

[4] United Nations Institute for Disarmament Research, “Coming to Terms with Security: A Handbook on Verification and Compliance,” The United Nations Institute for Disarmament Research and The Verification Research, Training and Information Centre (2003), pp. 56-57, accessed on 3/11/2021, at: https://bit.ly/3mSk4pD

[5] الأمم المتحدة، "رسالة مؤرخة 29 كانون الأول/ ديسمبر 2020 موجهة من الأمين العام للأمم المتحدة إلى رئيس مجلس الأمن، S/2020/1309"، فقرة 31-32، شوهد في 3/11/2021، في: https://bit.ly/3bOlOdu

[6] الأمم المتحدة، مجلس الأمن "القرار 2570 (2021) الذي اتخذه مجلس الأمن في 16 نيسان/ أبريل 2021"، شوهد في 3/11/2021، في: https://bit.ly/3BWgyii

[7] "لجنة 5+5 تعلن إعداد خطة لإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا"، العربي الجديد، 8/10/2021، شوهد في 3/11/2021، في: https://bit.ly/3qiAOZk

[8] United Nations, Security Council, “8820th meeting”, 15/7/2021, p. 4, accessed on 7/11/2021, at: https://bit.ly/3bOlJGx

[9] "دول الجوار الليبي غير مستعدة لاستقبال المرتزقة"، العربي الجديد، 2/11/2021، شوهد في 3/11/2021، في: https://bit.ly/3qdxAX3

[10] United Nations Peacekeeping, accessed on 7/11/2021, at: https://bit.ly/3qkbrGN

[11] United Nations, Security Council, “Letter Dated 6 August 2021,” S/2021/716, accessed on 7/11/2021, at: https://undocs.org/en/S/2021/716

[12] United Nations Political and Peacekeeping Affairs, “UNSMIL,” accessed on 7/11/2021, at: https://bit.ly/3mPdjVK 

[13] United Nations, Security Council, “Letter Dated 6 August 2021.”

[14] United Nations, Security Council, “Resolution 2599 (2021) Adopted by the Security Council at its 8870th Meeting, on 30 September 2021,” accessed on 7/11/2021, at: https://undocs.org/S/RES/2599(2021)