مدخلإنّ طبيعة الصّراعات الدّائرة في السّودان لا تنفصل عن طبيعة الصّراعات في أفريقيا بصورةٍ عامّة، وفي دول القرن الأفريقي بصفة خاصّة. وتتجلّى هنا عدّة عوامل مشتركة، منها: غياب الدّيمقراطية، والإخفاق في إدارة التّنوّع الثّقافيّ، وتراكمُ المظالم نتيجة اللّاتوازن في التّنمية بين الأقاليم المختلفة داخل الدّولة. ولقد أدّى هذا الواقع إلى توفّر الشّروط المُعينة على الصّعود السّريع للإثنيّات. يضاف إلى ذلك تمكّنُ الثّقافة الاستعماريّة من عقول القيادات والسّاسة، ومطامع القوى الدّوليّة المستمرّة والمتوسّعة، وأزمة القيادات وتدنّي سقوفها المعرفية، ثمّ التّعويل والمراهنة على الحسّ الدّيني بدلًا عن الحسّ الوطنيّ. وقد مثَّل احتلال منطقة هجليج السّودانية -الّتي تضمّ منشأة نفطيّة تنتج ما يقارب نصف كمّية النّفط المنتجة في السّودان بعد انفصال الجنوب- تطوّرًا غير مسبوق في العلاقة المتوتّرة بين البلدين الجارين. وظلّت الحكومتان في جمهوريّة السّودان وجمهوريّة جنوب السّودان تمارسان مع بعضهما سياسة ليّ الذّراع، ممّا قاد الأمور إلى هذه المرحلة الحرجة.