العنوان هنا
تقارير 14 سبتمبر ، 2011

تقرير ندوة أيلول الفلسطيني

الكلمات المفتاحية

عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ندوة علمية بعنوان "أيلول الفلسطيني: بين مسار أوسلو والعودة إلى المؤسسات الدولية، الخطوة وجدواها وأبعادها القانونية والسياسية"، في العاصمة القطرية الدوحة يوم السبت 10 أيلول / سبتمبر 2011، وذلك بالتزامن مع الذكرى الثامنة عشرة لتوقيع إعلان المبادئ (اتفاقية أوسلو) بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، وقبل عشرة أيام فقط من توجّه السلطة الوطنية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة لتقديم طلب العضوية لدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

حاضر في الندوة سبعة من الأكاديميين والباحثين المتخصّصين. وجرى تناول الموضوع من زاوية اختصاصات مختلفة. وحضر الندوة عددٌ من الشخصيات السياسية والدبلوماسية. وتضمّنت الندوة جلستين، بحثت أولاهما في أهمية الخطوة الفلسطينية من زاوية وجهة النظر القانونية والمواقف العربية والدولية ذات العلاقة؛ أمّا الثانية، فبحثت في الأبعاد الاستراتيجية والسياسية للخطوة الفلسطينية وتوقيتها. وعالجت الندوة ما يطرح من حاجة إلى العودة إلى المؤسّسات الدولية وجبهات التضامن الدولية، وتآكل مسار المفاوضات الثنائية برعاية الولايات المتحدة الأميركية، والتي لم تقدم أفقا واضحًا بشأن إقامة دولة فلسطينية؛ وموقف السلطة الفلسطينية بتأكيدها أنّ خطوة التوجّه إلى الأمم المتحدة تأتي في إطار التزامها بالحلّ التفاوضي.


د. عزمي بشارة: العودة إلى المؤسسات الدولية

شرح الدكتور عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، خلال افتتاحه أعمال الندوة وبعد ترحيبه بالمشاركين والحضور، أهمية عقد الندوة معتبرًا أنّ توقيتها كان ضرورياً في ظلّ تراجع القضية الفلسطينية على سلّم الأولويات الرسمية والشعبية والإعلامية، إثر نشوب ثورات الحرية العربية، إلاّ أنه نبّه إلى أنّ القضية الفلسطينية ستبقى قضية العرب القوميّة وستعزّز مكانتها المركزية إذا ما قدِّر للثورات العربية أن تنجح في تحقيق التحوّل الديمقراطي.

وأكّد بشارة أنّ انعتاق الشعوب العربية من نير الاستبداد سيسمح لها بممارسة حريتها في التعبير عن قضاياها الوجدانية، وهو ما سيعزّز المكانة المركزية للقضية العربية الأولى؛ مذكّراً بأنّ القضية الفلسطينية ستبقى إحدى النقاط المشتركة للشعوب العربية التي ثارت ضد أنظمة بلدانها الاستبدادية، وبالذات تلك الأنظمة التي سعت للحفاظ على علاقة متقدمة مع الولايات المتحدة وإسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية المشروعة.

وأكّد أنّ أهمية هذه الندوة تأتي في إطار انفراد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات على مستوى مراكز الفكر والأبحاث في الوطن العربي بتقديم عرضٍ تحليلي للخطوة الفلسطينية؛ بعد أن كان الموضوع محصوراً في الإعلام فقط؛  وتناولها من زوايا مختلفة  وارتباطها بالتحوّلات الجارية في ضوء الثورات العربية. والهدف من ذلك هو بحث السيناريوهات المحتملة الناجمة عن تقديم طلب العضوية في المنظمة الدولية من جهة تقوية الموقف التفاوضي الفلسطيني أو إضعافه، وارتباط ذلك بتطبيق قرارات الشّرعية الدولية والقرار 194 الخاص بحقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين.

واعتبر الدكتور عزمي بشارة أنه ومهْما كانت النتائج التي ستترتب على تقدّم السلطة الفلسطينية بطلب الحصول على عضوية كاملة أو ناقصة في الأمم المتحدة، فإنّ هذه الخطوة تشير إلى أنّ المفاوضات الثنائية بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية في إطار مسار أوسلو، الذي مرّت على انطلاقته 18 سنة، وصلت إلى وضع انسداد؛ ما جعل الطرف الفلسطيني يقرر العودة إلى المؤسسات الدولية؛ مشيرًا إلى أنّ هذا المسار المتجدّد يستدعي فحصاً وتمحيصًا من جوانبه وتبعاته القانونية والسياسية وهذا ما تركّز عليه الندوة. 

ويطرح التساؤل حالياً حول الجهة التي يجب أن تتّجه إليها السلطة الفلسطينية بطلب الاعتراف بدولة فلسطين، هل الأفضل التوجّه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة أم إلى مجلس الأمن أم كليهما؟ مثلما يطرح هذا المسار أسئلة متعلقة بحقّ العودة. وتساءل الدكتور بشارة عن طبيعة المواقف السياسية التي يجب اتّخاذها من الولايات المتحدة الأميركية إذا ما أجهضت التحرّك الفلسطيني.


د. أنيس فوزي القاسم: السلطة الفلسطينية استهلكت أدواتها

حلّل الدكتور أنيس فوزي القاسم (المستشار القانوني للوفد الفلسطيني لمفاوضات مدريد وواشنطن بين عام 1990 وعام 1993)  أبعاد توجّه السلطة الوطنية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة لنيل العضوية والاعتراف بفلسطين دولةً عضواً. وحذّر من "دبلوماسية الصفقة"، وهو يعني بذلك تجيير أيّ خطوة قانونية قد تساعد في تمكين الجانب الفلسطيني وتدفعه إلى الأمام نحو تحصيل بعض حقوقه، وتجييرها تحديداً باتجاه مساوماتٍ سياسية عبثيةٍ قصيرة المدى، وذلك بسبب ضغوط إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.

ورجّح القاسم أن يكون تشديد إسرائيل على محاربة الخطوة الفلسطينية هو مقدمةٌ لإجراء "صفقة" مع القيادة الفلسطينية قبل الوصول إلى العشرين من أيلول/سبتمبر 2011 (التاريخ المقرر لإيداع طلب الاعتراف لدى الأمين العام للأمم المتحدة)، مشيراً إلى أنّ السلطة صاحبة سوابق في هذا المضمار، كان من آخرها عدم استثمار الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في 9 تموز/ يوليو 2004 في شأن عدم شرعية مسار جدار العزل الإسرائيلي، عندما أقرّت المحكمة أنّ الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية هي أراضٍ محتلّة، وأكّدت على وصف إسرائيل بأنها دولة احتلال، وإلزامها بالقيود التي تفرضها قواعد القانون الدولي العرفي والاتفاقي. وعلى الرغم من ذلك لم تقم القيادة الفلسطينية بأيّ خطوة تالية لاستغلال المكاسب القانونية لهذا الإنجاز.

وحذّر القاسم من أنّ إسرائيل سوف تتجه إلى أن تجني في صفقتها المقبلة اعترافاً بها كدولة للشعب اليهودي. وأشار إلى أنّ سلوك القيادة الفلسطينية في مسعاها للحصول على عضوية هيئة الأمم المتحدة لم يقصد منه سوى الضغط على إسرائيل للعودة إلى طاولة المفاوضات الثنائية والوصول إلى حلّ الدولتين؛ وأن القيادة الحاليّة، وقد استهلكت كلّ أدواتها واستراتيجيتها، انتقلت إلى هذه الخطوة الجديدة. وهي برأيه، إن نجحت لن تحقّق إلاّ نصراً معنوياً لن يزيد القضية الوطنية شيئاً، وإن فشلت فسوف تكون الآثار السلبية بعيدة المدى، ليس أقلّها تأكيد المدّعي العام لمحكمة الجنايات الدولية بأنّ "فلسطين" ليست دولة مؤهّلة لتوقيع ميثاق روما.

وختم القاسم بالتأكيد على أنّ القيادة الفلسطينية وهي تصرّ على المفاوضات بوصفها أداةً وحيدة للوصول إلى أهدافها مع الإسرائيليين، تغفل عنصراً هاماً في هذه المفاوضات، ألا وهو العنصر القانوني، وهو العنصر الأكثر وضوحاً والأشدّ مضاءً في معركة المفاوضات. وفوق ذلك، فهو الحافظ الأمين للمفاوض الفلسطيني من الانزلاق في تنازلات لا يحقّ له تقديمها.


د. داوود خير الله: خطوة غير كافية

أكّد الدكتور داوود خير الله (أستاذ القانون الدولي في جامعة جونز هوبنكنز الأميركية) أنّ توجّه القيادة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة للحصول على أيّ نوع من العضوية لن يكون كافياً إلاّ إذا ما استثمر سياسياً وتحوّل إلى ضغطٍ على إسرائيل من أجل الالتزام بالانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، وبالتالي بطْلان جميع الأفعال على الأرض والتي قام بها الاحتلال منذ ذلك الوقت من استيطان وتهويد واستنزاف موارد.

وقدّم خير الله تفصيلاً عن أهلية الجهة التي تتقدم بطلب عضوية إلى الأمم المتحدة، بحيث يجب أن تتوفر فيها العناصر الكافية لتوصيف كيان ما على أنه دولة، وهي وجود جماعة سكانية محدّدة، وحكومة لها سلطة، ومنطقة جغرافية، والقدرة على إقامة علاقات مع دول أخرى. وقد قام خير الله بناءً على ذلك بفحص الحالة الفلسطينية، فمن ناحية الجماعة السكانية، أشار إلى أنّ الشعب الفلسطيني شعب مشتّت بفعل النكبات المتتالية التي أصابته منذ عام 1948، الأمر الذي جعل الغالبية العظمى منه تقطن خارج بلادها الأصلية. وحذّر من أنّ ثمّة خطراً بأن تفهم الخطوة الفلسطينية بالاتجاه إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بها كدولة، على أنها تخلّ بحقّ عودة اللاجئين إلى أراضيهم التي هجّروا منها عام 1948.

واعتبر خير الله أنّ القانون الدولي مرنٌ من ناحية نظرته إلى شكل الحكومة المفترض توافرها لاعترافه بالدولة، ولكنه يفترض أن يكون هناك شكلٌ من أشكال السلطة تمارس وظائفَ حكومية وقادرة على تمثيل الكيان في العلاقات الدولية، مشيراً إلى أنّ السلطة الفلسطينية تقوم بهذه الخطوة فيما لا تزال هناك حكومتان واحدة في الضفة الغربية والأخرى في غزة ،فضلاً عن انتهاء الولاية الشرعية للرئيس الفلسطيني والمجلس التشريعي منذ عام تقريباً.


د. كمال الأسطل: طلب العضوية لن يؤثّر في حقّ العودة

قدّم الدكتور كمال الأسطل (أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الإسلامية في غزة) رؤية مختلفة عن سابقيه، ورأى أنّ الاعتراف القانوني والأممي بحدود دولة فلسطين ضمن ح
دود الرابع من حزيران/يونيو 1967 سوف يدعم فتوى محكمة العدل الدولية في لاهاي عام 2004 بعدم شرعية جدار الفصل العنصري في الضفّة الفلسطينية.

وتعني الخطوة الفلسطينية للأسطل الانتقال إلى مرحلة سياسية مختلفة تتغيّر فيها قواعد اللعبة السياسية، وهذا من شأنه تعزيز الأمن القومي العربي وذلك بإقامة كيانٍ عربي فلسطيني يشكّل رافعة للأمّة العربية، وحاجزًا جغرافيا ومنطقةً عازلة بين إسرائيل وأجزاء من أراضي مصر والأردن.

ورأى الدكتور الأسطل أنّ توجّه السلطة الفلسطينية ومنظّمة التحرير الفلسطينية إلى الأمم المتحدة لطلب الاعتراف بدولة فلسطين، والتقدم بطلب العضوية له دلالات قانونية وسياسية بعيدة المدى، وأنّ تدويل قضية فلسطين وعرضها على الأمم المتحدة هو نوع من الهندسة السياسية والقانونية الجديدين.

وشدّد على ضرورة التمييز بين قضية طرح الاعتراف بدولة فلسطين على الأمم المتحدة وبين القضايا الأخرى مثل قضية اللاجئين، وغيرها من القضايا التي ستعالَج وفقا للمرجعيات القانونية الدولية وفي ضوء قرارات الشرعية الدولية. وختم الأسطل بالتحذير من أنّ دولة فلسطين قد تواجه عدة إشكالات وقضايا سياسية وقانونية ودستورية، لا بدّ لأطياف الشعب الفلسطيني أن توحّد صفوفها وراء القيادة السياسية، وأنَّ حالة الانقسام الفلسطيني- إذا ما استمرّت- هي التي قد تعرقل إنجاز الشعب الفلسطيني لاستقلاله الوطني.


ألان غريش: أزمة في حركة التحرر الوطني

قدّم الصحفي ألان غريش (محرر سابق لصحيفة "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية وله عدة كتب حول القضية الفلسطينية) في مداخلة بعنوان "الأزمات الاستراتيجية للحركة الوطنية الفلسطينية، وخطوة التوجّه إلى الأمم المتحدة"، تقييما نقديا استعرض فيه مسار منظمة التحرير الفلسطينية منذ بداية استراتيجية الكفاح المسلّح، والتي قال إنّ النجاح لم يكتب لها نظراً لاختلال ميزان القوّة بين المنظمة وإسرائيل، ممّا فرض على الفلسطينيين تغيير هذه الاستراتيجية، والدخول في مسار مفاوضات انطلق منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، لكنه تعرّض بدوره للفشل.

وأرجع غريش أسباب هذا الفشل إلى: التأييد الأميركي للإسرائيليين أوّلا؛ وثانياً للموقف العربي المتخاذل، خاصّة المصري؛ وثالثاً لتبنّي مبدأ "مفاوضات إلى الأبد"، وعدم اهتمام إسرائيل بمسألة السلام؛ ورابعاً لدخول القيادة الفلسطينية إلى المفاوضات وهي تعتقد أنّ الحلّ موجود في واشنطن وأنّ المفاوضات لا تجري في إطار التوازن والضغط المتبادل بين طرفين.

وتحدّث غريش في كشْفه لأزمات الحركة الوطنية الفلسطينية، عن موقف كلٍّ من السلطة الفلسطينية وحكومة حركة "حماس" من الحراك الشعبي العربي، مشيرا إلى عدم تفاعلهما مع هذا التطور الإقليمي الجديد، ومؤكدا أن كلا الطرفين يتوجس من هذا الحراك الشعبي، وهو ما أدّى به إلى التساؤل عن حقيقة إدراكهما لمشكلة الفلسطينيين الأساسية. واعتبر أنّ من شأن هذا الحراك الشعبي العربي أن يشكّل ضغطًا كبيراً على الحكومات العربية لتقدّم ما يلزم من دعم ومساندة للقضية الفلسطينية. وفي ختام مداخلته، أوضح ألان غريش أنّ القيادة الفلسطينية ليست لديها أية نيّة لتغيير استراتيجية المفاوضات مع إسرائيل.


د. ساري حنفي:  التأكيد على وحدة الشعب الفلسطيني


قدّم الدكتور ساري حنفي (أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في بيروت) مداخلته بشأن المعنى السياسي للخطوة الفلسطينية بارتباطها بمكانة منظمة التحرير الفلسطينية، وموقف الشتات الفلسطيني، وحق العودة. وأشار إلى التهميش الذي تعرّضت له منظمة التحرير الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو،  متحدّثًا عن دائرة شؤون اللاجئين في المنظمة، التي أُنشئت في العام 1996، والتي تتعرّض للتهميش من قبل  الدول العربية المضيفة، التي لا تسمح لمنظمة التحرير الفلسطينية بأداء دور رئيس؛ كما تجد نفسها مهمّشة بسب الصراع على النفوذ بين مختلف الأطراف الفاعلة داخل المخيمات الفلسطينية.

ووضع الدكتور ساري توقعين لما سيترتب على خطوة التوجّه إلى الأمم المتحدة. يتمثل الأول في استغلال "استحقاق أيلول" وتدعيم مأسسة منظمة التحرير، عن طريق جعل الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية بمثابة الأنياب والمخالب التي تدافع بها في وجه احتلال إسرائيل للضفّة الغربية وقطاع غزة وعن حقوق اللاجئين الفلسطينيين. وبفضل الاستحقاق والتضامن العربي الديمقراطي الجديد؛ يمكن لمنظمة التحرير أن تضع مسألة حق العودة بقوة على طاولة أي مفاوضات مستقبلية، وأن تقوم بالدفاع عن الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية للّاجئين في الدول العربية.

أمّا التوقعُ  الثاني فهو أن تقوم النخبة الفلسطينية في السلطة الوطنية الفلسطينية، باعتبار "استحقاق أيلول" فرصةً للانقضاض على ما تبقّى من مؤسسات لمنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها ممثلة لجميع أبناء الشعب الفلسطيني، لا لقاطني الضفة الغربية وقطاع غزة فقط. وسيؤدّي ذلك إلى تعميق الفصل بين أطراف الشعب الفلسطيني والإجهاز على علاقته مع المركز، أي إلغاء  منظمة التحرير الفلسطينية  لنفسها، وهي التي كانت تعتبر حكومة المنفى بالنسبة إلى الشّعب الفلسطيني في الشّتات.

حدّد حنفي ثلاثة مواقف لفلسطينيّي الشتات من قرار الذهاب إلى الأمم المتحدة، وذلك استنادًا إلى مقابلات أجراها في لبنان وسوريا. يمثّل الموقف الأوّل أصحاب الرأي القائل بأنّ الاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية، خطوة في الاتّجاه الصحيح، وأنها إن لم تكن مفيدة في إنهاء الاحتلال، فهي على الأقل غير ضارة. وينتظر هؤلاء أن يكون لذلك تبعات على وضعهم القانوني واليومي كلاجئين في الدول المضيفة. أمّا الموقفُ الثاني فيعّبر عنه "اللاّمبالون" الذين يروْن أنّ عملية أوسلو قد خلقت شرخاً كبيراً بين فلسطين الضفة الغربية وغزة من جهة، وفلسطين الشتات من جهة أخرى.

وأنّ مشروع الدولة الفلسطينية بشكله الحالي، ليس إلاّ تكريساً وتعميقاً لهذا الشرخ، فالموارد المالية لمنظّمة التحرير قد جفّت في الشتات، وتركّزت في دعم فلسطينيّي الأراضي المحتلة، وقلّ الدعم كذلك من قِبَل المانحين. أمّا الموقفُ الثالث فهو معارض للخطوة، ويعتبر أنها ستعطي شرعية لقيادة فلسطينية فاسدة ودكتاتورية. وتقوده مجموعة شبابية نشطت منذ بدء الثورات العربية، وهي تناضل من أجل فضْح ضعف وفساد سياسات الفصائل الفلسطينية كلها، من منظمة التحرير إلى التحالف.

واعتبر الباحث أنّ انعكاسات خطوة طلب عضوية الأمم المتحدة تعتمد على مكانة منظمة التحرير والعلاقة مع الشتات وحق العودة، وبحسب الطريقة التي تفهم بها القيادة الفلسطينية هذا الاستحقاق. فإذا اعتبرته استراتيجية لإنشاء الدولة القومية الفلسطينية بالمعنى الكلاسيكي لهذه الدولة، فهذا سيؤدّي سياسياً إلى إضعاف المطالبة بحقّ عودة اللاجئين.

وإذا اعتبرته تكتيكًا من أجل تقوية أوراقها للعودة فقط للمفاوضات، فقد يشكّل ذلك وبالاً على القضية الفلسطينية. وإذا اعتبرته تكتيكا من أجل بدء مرحلة جديدة مبنيّة على عودة المقاربة الحقوقية ومقاربة القانون الدّولي لحلّ الصراع العربي - الإسرائيلي وإعادة الوجه العربي للقضية ورفض اختزال العمل السياسي على المفاوضات ذات الوساطة الحصرية الأميركية، فإنّ هذا الاستحقاق سيكون مبشّرًا بآفاقٍ جديدة.


د. محمود محارب: ضغوط إسرائيلية لتآكل الموقف الفلسطيني


قدّم الدكتور محمود محارب (محاضر في جامعة القدس ومختص في الشؤون الإسرائيلية) عرضاً وتحليلا للمواقف الإسرائيلية القائمة والمحتملة تجاه خطوة السلطة الفلسطينية للتقدم بطلب عضوية في الأمم المتحدة في ورقة بعنوان: "إسرائيل والتوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة".

ويعتبر الباحث أنّ حكومة نتنياهو، تماماً كما الحكومات الإسرائيلية السابقة، تسعى إلى اقتطاع أكبر مساحة ممكنة من الضفة الفلسطينية المحتلة وضمّها إلى إسرائيل في أي حلّ مستقبلي، سواء كان ذلك مفروضاً من قبل إسرائيل بفعل الأمر الواقع والتقادم، أو متّفقاً عليه مع القيادة الفلسطينية.  ويلخّص سياسة حكومة نتنياهو في استمرار الاستيطان في الضفة الفلسطينية المحتلة، وفي مقدّمتها القدس الشرقية المحتلة؛ واستمرار الضغط المتعدد الجوانب على الشعب الفلسطيني وقيادته من أجل إحداث تآكل في الموقف الفلسطيني من جميع قضايا الصراع الأساسية؛ واستمرار حصار الشعب الفلسطيني في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة أطول فترة ممكنة؛ وإشغال جهد حكومة حماس في إدارة قطاع غزة وفي السعي والانشغال الدائم بتوفير المقوّمات الأساسية لحياة الناس؛ وتعميق الانشقاق في الحركة الوطنية الفلسطينية بين فتح وحماس؛ وتعميق الانفصال السياسي والجغرافي بين الضفة والقطاع وضرب المناعة الوطنية الفلسطينية.

أوضح الدكتور محارب أنّ تل أبيب واجهت القرار الفلسطيني بالتهديد والوعيد منذ البداية، لأنّ الخطوة تتعارض في نظر المسؤولين الإسرائيليين مع اتفاقية أوسلو وتنسف العملية السياسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، المعطلة على أيّ حال. وهدّدت الحكومة الإسرائيلية السلطة الفلسطينية مبكراً بأن إسرائيل ستتّخذ خطوات "أحادية الجانب" إذا ما تمسّكت بقرارها وأصرّت على الذهاب إلى الأمم المتحدة. وإلى جانب تهديداتها للسلطة الفلسطينية، نشطت إسرائيل في الوقت نفسه على الصعيد الدولي بغرض إفشال الخطوة الفلسطينية أو التقليل من أضرارها على إسرائيل.

وبموازاة ذلك، يتمسّك نتنياهو بموقفه الرافض لتجميد الاستيطان في الضفّة الفلسطينية المحتلة، والرافض أيضا تقديم مبادرة سياسية قد تؤثّر في السلطة الفلسطينية وتُثنيها عن التوجّه إلى الأمم المتحدة. وسعى نتنياهو إلى تعزيز تماسك ائتلافه الحكومي المتطرف، وحرص على عدم تعريضه لأيّ اهتزاز،  وتحرّك للحصول على دعم الكونغرس الأميركي الكاسح له ولسياساته للحصول على دعم الإدارة الأميركية وتأييدها له في التصدّي للخطوة الفلسطينية في الأمم المتّحدة.

ويختصر محارب المخاوف الإسرائيلية من الخطوة الفلسطينية في الخشية من أن تتحرّر السلطة الفلسطينية من أسر المفاوضات الثنائية العبثية بينها وبين إسرائيل، والتي استغلّتها هذه الأخيرة  لتعزيز مشروعها الاستيطاني في الضفّة الفلسطينية المحتلة. بمعنى آخر، أن تؤدّي هذه الخطوة إلى زيادة استقلالية القرار الفلسطيني عن السلطات الإسرائيلية.

وتخشى أيضا أن تنجح الخطوة الفلسطينية في الحصول على اعتراف الجمعية العامّة للأمم المتحدة -رغم الفيتو الأميركي في مجلس الأمن- بفلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة وفق حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وهذا الأمر يعّزز من مكانة القضية الفلسطينية ويدخلها في طور جديد ومكانة جديدة، هي مكانة دولة تحت الاحتلال وتحت غزو دولة عضو في الأمم المتحدة، وليس كما تطرحها إسرائيل على أنها قضية مناطق متنازع عليها. وهناك خشية إسرائيلية من أن تلجأ دولة فلسطين إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة استنادا إلى القرار رقم 377 الصادر تحت عنوان "الاتحاد من أجل السلام"، وتطالب بفرض عقوبات على إسرائيل. ونجاح هذه الخطوة  سيجعل وضع إسرائيل مثل وضع دولة جنوب أفريقيا في زمن "الأبرتايد".

وعدّد الباحث مجموعةً من ردود الفعل التي يحتمل أن يلجأ إليها الإسرائيليون في حال توجَّه الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة، وخصوصا إذا نجحوا في ذلك؛ منها: وقف تحويل أموال الضرائب الفلسطينية المستحقة للسلطة، أو التضييق على حرية قيادة السلطة الفلسطينية وحركتها، أو حصار السلطة الفلسطينية ومقاطعتها مقاطعة شاملة، كما تملك إسرائيل من الناحية النظرية إمكانية أن تضم إليها رسميا مناطق من الضفة الفلسطينية المحتلة. ويسجّل هنا أنه من الصعب أن تُقدم إسرائيل على أيّ من هذه الخطوات من دون الحصول سلفًا على الضوء الأخضر من الإدارة الأميركية. ومن المستبعد أن تحصل إسرائيل على هذا الضّوء الأخضر من الإدارة الأميركية في الزمن المرئي. 


د. علاء بيومي: اللوبي الإسرائيلي في واشنطن يخشى من ضغوط دولية

قدّم الكاتب والباحث المهتم بالشؤون الأميركية علاء بيومي في ورقته "لوبي إسرائيل ومساعي الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية" صورة مقربة عن مواقف اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأميركية، مع عدم إغفال المواقف الليبرالية واليسارية الداعمة للحقوق الفلسطينية. واعتبر أنّ هناك شبه إجماع في أوساط لوبي إسرائيل في الولايات المتحدة والدوائر المحيطة به، على أنّ إسرائيل تتعرّض لضغوط متزايدة في الفترة الحالية وفي المستقبل المنظور.

ويقول هؤلاء إنّ أوباما لم يعد ينسّق بالشكل الكافي مع الحكومة الإسرائيلية، وإنه لا يتورّع في الضغط على إسرائيل ونتنياهو علنًا وإحراجهما، وإن أوباما لا يمارس الجهد الكافي لدعم إسرائيل دولياً. ويقولون أيضا إنّ أوباما يدعم الموقف الفلسطيني الرافض للتفاوض، ويناصر العرب على حساب إسرائيل ويخشى سخط الثورات العربية، التي ستؤدّي إلى صعود "الإسلاميين" - كما يرى بعضهم- على حساب حليفته إسرائيل .

وأشار بيومي إلى مخاوف اللوبي الإسرائيلي على المدى القريب المتمثلة في الخشية من أن تتمكّن السلطة الوطنية الفلسطينية من بناء حملة جماهيرية ناجحة في أوساط الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وخارجها، تزيد من الضغط على الرأي العام العربي والأميركي والدولي ضد إسرائيل. كما تخشى دوائر لوبي إسرائيل من تحوّل تلك المظاهرات إلى العنف بما ينذر بانتفاضة ثالثة يحذّر منها البعض. وتخشى من تبعات استخدام أميركا للفيتو على نظرة الشعوب العربية - وخصوصاً الثائرة منها - لأميركا، وتأثيرها في شعور إدارة أوباما بضغوط سياسية، فتمارس بدورها ضغوطا سياسية على إسرائيل كثمن للفيتو.

يبدو للباحث أنّ هناك انقساماً في لوبي إسرائيل وأنصارها حاليا. فإذا نجحت المساعي - ولو جزئيا - من خلال ترقية وضع فلسطيني في الأمم المتحدة - سواء إلى العضوية الكاملة أو إلى مستوى العضو "غير دولة" - فإن ذلك قد يعدّ نجاحًا في حشد الدعم الدولي، وقد يشجع الفلسطينيين على تكرار المحاولة في أعوام مقبلة، وقد يعني أيضا قدرة فلسطينية أكبر على استخدام المنظمة الدولية والقانون الدولي للضغط على الإسرائيليين.

لكن  هناك من يرى أن تلك المساعي التي يعارضها لوبي إسرائيل والمسؤولون الإسرائيليون بقوة، سوف تصبّ في النهاية في صالح إسرائيل لأنها تقود إلى "حلّ الدولتين": دولة إسرائيلية، وأخرى فلسطينية على حدود العام 1967. وهو حلّ من شأنه حماية إسرائيل من خيار "الدولة الواحدة ثنائية القومية" الذي يحذّر منه بعض أنصار إسرائيل، لذا ينصح بعض أصحاب هذا الاتجاه إسرائيل بدعم المسعى الفلسطيني الدولي .

ويوصِّف بيومي انقسام لوبي إسرائيل ضدّ مساعي الفلسطينيين الأممية في ثلاثة توجّهات أساسية. التوجّه الأوّل هو أقصى يمين لوبي إسرائيل، ويعبّر عنه بوضوح بعض ممثّلي المحافظين الجدد في عهد جورج والكر بوش، مثل إليوت أبرامز أحد صقور المحافظين الجدد والمسؤولين عن ملفّ الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي في إدارة جورج بوش الابن. إذ يرى أبرامز أنّ أوباما أخطأ في إدارته لعملية السلام منذ البداية، وأنّ سياسة أوباما لم تقدِّر حاجة إسرائيل إلى الأمن وقادت إلى سقف رفع توقّعات الفلسطينيين، وفي النهاية فشل أوباما في إرضاء الفلسطينيين والإسرائيليين على حدٍّ سواء.

يرى أصحاب التوجّه الثاني أنّ من مصلحة إسرائيل إحياء عملية السلام الآن قبل أيّ وقتٍ مضى. ومن هؤلاء ديفيد ماكسوفكي، ومارتن إنديك، وروبرت وكسلر، وجميعهم من كبار أنصار إسرائيل في دوائر السياسة ومراكز الأبحاث في واشنطن، ويتّفق هؤلاء - بدرجة أو بأخرى - مع وجهة النظر القائلة إنّ الوقت لا يصبّ في صالح إسرائيل، فالسكان الفلسطينيون في تزايد والمستوطنات تأكل الضفّة الغربية؛ وقد يجد الفلسطينيون أنفسهم سريعا في موقفٍ يستحيل معه بناء دولة فلسطينية مستقلة، ويفضّلون المطالبة بدولة "ثنائية القومية"؛ وساعتها سوف تجد إسرائيل صعوبة بالغة في أن تكون دولة يهودية وديمقراطية في آنٍ واحد.

أمّا التوجّهُ الثالث فيعبّر عنه موقف منظمات لوبي إسرائيل التي تتبنّى موقفا حركيا في الأساس. ويقوم موقف تلك المنظمات، الفاعلة والمؤثّرة، على مبدأ يمكن وصفه بأنه مبدأ الحشد لإسرائيل ومواقف حكومتها الآنية بغضّ النظر عن تبعاتها. وفي هذا السياق تندرج جهود منظمة تابعة لـ "إيباك" - وهي المؤسّسة الأميركية الإسرائيلية التعليمية -، إذ نظّمت رحلات لأعضاء الكونغرس إلى إسرائيل صيف هذا العام (2011) لدعم تحرّكات إسرائيل ضد المسعى الأممي. كما تنظّم منظمة "مشروع إسرائيل" رحلات لسفراء دول أجنبية إلى إسرائيل لحثّ بلادهم على التصويت ضد أيّ قرار أممي يدعم الدولة الفلسطينية .

وأشار علاء بيومي في الأخير إلى أنّ إدارة أوباما قد أعلنت بالفعل عزمها استخدام الفيتو ضدّ أيّ قرار في مجلس الأمن لقبول عضوية دولة فلسطين - وكذلك معارضتها للمسعى الأممي من أساسه، إلاّ أن إدارة أوباما حمّلت إسرائيل بعض الثمن السياسي لموقفها السابق، فعلى سبيل المثال يرى البعض أنّ بنيامين نتنياهو دفع ثمناً لأميركا نظير فيتو شباط/فبراير 2011 ضدّ الاستيطان، وتمثَّل هذا الثمن في إصدار نتنياهو لبيان بعد الفيتو الأميركي يشكر فيه إدارة أوباما ويعبّر عن دعمه حقّ الفلسطينيين في بناء "دولة" خاصة بهم، وهو أمر غير مسبوق في خطاب نتنياهو.