العنوان هنا
تقييم حالة 23 يناير ، 2014

مصير الأغوار بين المقترح الأميركي والأمر الواقع الإسرائيلي

الكلمات المفتاحية

خالد وليد محمود

يشغل خالد وليد محمود وظيفة باحث مساعد في المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات. وكان قد عمل محرّرًا ومشرفًا في قسم الأخبار في "ياهو – مكتوب". وتركّز أبحاثه على دراسة النّشاط السياسي عبر الإعلام الرقميّ والمواقع الاجتماعية. عمل خالد محمود أيضًا باحثًا في عدّة مشاريع أكاديميّة، مثل برنامج "سيفيتاس" لقياس الرّأي العامّ لدى فلسطينيّي المهجر؛ كما اشتغل باحثًا مع البروفيسور ناثان براون، في دراسة المشاركة السياسيّة لحركة الإخوان المسلمين في الأردن. ونُشرت له عدّة مقالات في دوريّات محكّمة وفي الصّحف الإلكترونية والمطبوعة. وله عدد من المؤلفات: شبكات التّواصل الاجتماعي وديناميكية التّغيير في العالم العربيّ (2011)، آفاق الأمن الإسرائيلي: الواقع والمستقبل (2007)، مراكز البحوث في الوطن العربي (2013)، قلاع اللغة العربية ورياح الثورة الإعلامية (2013). وهو حاصل على البكالوريوس في العلوم السّياسية ودرجة الماجستير في العلاقات الدّولية من الجامعة الأردنيّة.

مقدمة

عاد الحديث مجددًا عن مسألة السيطرة الإسرائيلية على منطقة غور وداي الأردن إثر المساعي التي يقودها وزير الخارجية الأميركي جون كيري للتوصل إلى تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ ما أثار جدلًا ونقاشًا واسعين في المؤسسات الأمنيّة والسياسيّة والإعلامية داخل إسرائيل بشأن أهمية منطقة الأغوار الإستراتيجية والأمنية والاستيطانية، إلى أن وصل الأمر حدّ طرحه في الكنيست كمشروعِ قانونٍ لفرض السيادة الإسرائيلية عليها من خلال ضمّ المستوطنات الموجودة فيها. وقد أقرّت اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون سنّ القوانين في 29 كانون الأول/ ديسمبر 2013 مشروع قانون يقضي بضم المستوطنات في الأغوار من خلال فرض القانون الإسرائيلي عليها على غرار شرق القدس وهضبة الجولان المحتلتين. وفي حال إقرار هذا المشروع، فإنّ جميع المستوطنات المقامة في غور الأردن ستكون جزءًا من أراضي دولة إسرائيل، ما يمنع على الحكومة من التنازل عنها.

وكانت عضو الكنيست ميري ريجب، من حزب الليكود، قد قدّمت الاقتراح، مشيرةً إلى أنه في حال الإعلان عن إقامة الدولة الفلسطينية والاعتراف بها دوليًا فإنّ إسرائيل يجب ألا تتخلى عن المستوطنات في الأغوار، وعليها ضمّها مع الشوارع والطرقات المؤدّية إليها.

تسلّط هذه الورقة الضوء على مغزى طرح مشروع القانون وتوقيته، في ظل النقاش السياسي والإعلامي المحتدم حول المقترحات الأميركية التي قدمت بشأن منطقة الأغوار. وتهتم أساسًا برصد الأسباب التي تسوقها إسرائيل لتبقي سيطرتها على تلك المنطقة، من دون التطرق إلى خلفيات مشروع القرار والأهداف التكتيكية أو الحزبيّة لمقدميه في ضوء التنافس بين حزبيّ الليكود وإسرائيل بيتنا، أو مدى نجاح إقراره في الكنيست.


توقيت طرح مشروع قانون ضم الأغوار ومبرراته

سواء جرت الموافقة على مشروع قانون ضم مستوطنات منطقة الأغوار وإقراره في الكنيست ليصبح ساري المفعول أو لا، فإنّ التوقيت الذي جاء التصديق[1] فيه على المشروع يعطيه أهمية خاصةً ومعنى مختلفًا. ويمكن قراءته وفهمه في سياق عددٍ من الاعتبارات - فضلًا عن ارتباطه بمصالح إسرائيل الإستراتيجية والعسكرية والاقتصادية - وهي:

أولًا: يأتي مشروع قرار ضم الأغوار في ظل استئناف المفاوضات للتوصل إلى تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية الولايات المتحدة ووساطتها، ومن ثمّ، جاء تحريك هذا المشروع كخطوة استباقية في ظل ما يرشح من معلومات بأنّ واشنطن جهّزت "اتفاق إطار" للتسوية النهائية عرضها وزير الخارجية الأميركي جون كيري على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وتم رفضها. ويمكن ملاحظة أنّ ثمة إصرارًا إسرائيليًا على أن يبقى غور الأردن تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية، بينما تضغط الإدارة الأميركية في اتجاه اقتراح قوات أميركية أو دوليّة[2] تساعد في الحفاظ على الأمن في تلك المنطقة، أو إبقاء تل أبيب سيطرتها على بضع نقاط إستراتيجية وبوجود رقابة قوة دولية[3]. وتنص خطة كيري على "إخلاء كافة المستوطنين في منطقة الأغوار وتواجد جنود أميركيين على طول الحدود مع الأردن، ومن ثمّ، إنشاء معابر حدودية بين الأردن وفلسطين يكون فيها تواجد أمني أميركي"[4]. وقد تم رفض هذه المقترحات من قبل الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني[5].

ثانيًا: سعي الحكومة الإسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لدفع الفلسطينيين نحو تقديم مزيدٍ من التنازلات، مما سيعطيها مكاسب مستقبلية في مسيرة المفاوضات النهائية ويعزز "شعبيتها" انتخابيًا لدى أنصار حزب الليكود والشارع الإسرائيلي بصفة عامة.

ثالثًا: فرض واقعٍ جديدٍ على الأرض بحيث تصبح معه العودة إلى حدود 1967 مستحيلة. ومن ثمّ، فإنّ عودة الحديث عن السيطرة الإسرائيلية على الأغوار، وإعادة طرح فرضيات أمنية كانت قد طرحت مباشرة بعد حرب عام 1967، تنسجمان مع جوهر الإستراتيجية الاستيطانية الإسرائيلية والفكر الصهيوني لإحكام السيطرة على الأرض الفلسطينية، ومنع التواصل الجغرافي بين المدن والقرى الفلسطينية، ومنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة. ويشكّل هذا الوضع مخرجًا ومبررًا للحكومة الإسرائيلية لعدم التوقيع على أي حل نهائي مع الفلسطينيين، وقد يؤدي ذلك إلى تفجير مسار المفاوضات[6]. كما أنّ ثمة اقتناعًا راسخًا لدى معسكر اليمين الإسرائيلي بضرورة فرض خطوات أحادية الجانب بما يجنبهم الضغوطات الأميركية، وفي الوقت نفسه يقوّض أي فرصة للتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة.

 


[1] يرى الاقتراح أنّ "منطقة الأغوار هي خط الدفاع الأول عن أمن إسرائيل على حدودها الشرقية، وأنه لا بد من ضم المستوطنات والشوارع التي تربطها". انظر: "لجنة وزارية إسرائيلية تقر ضم غور الأردن"، الجزيرة نت، 29/12/2013، في:

[2] تقضي الخطة الأميركية بنشر أنظمة متطورة للدفاع والمراقبة في غور الأردن على طول الحدود بين الضفة الغربية والأردن في حال انسحاب إسرائيلي من هذه المنطقة. انظر: "إسرائيل ترفض مقترحات أميركية بشأن غور الأردن"، الرأي الأردنية، 5/1/2014، في:

 http://www.alrai.com/article/625213.html

[3] صرّح وزير العلاقات الدولية في حكومة بنيامين نتنياهو في 5/1/2013 أنّ إسرائيل ترفض مقترحات الولايات المتحدة بشأن ضمان أمن وادي الأردن، قائلًا إنّ "الأمن يجب أن يبقى بأيدينا"، معتبرًا أنّ "كل الذين يقترحون حلًا يقضي بنشر قوة دولية أو شرطيين فلسطينيين أو وسائل تقنية لا يفقهون شيئًا في الشرق الأوسط". انظر: "إسرائيل ترفض مقترحات واشنطن حول أمن غور الأردنية"، الوطن العربي، 5/1/2013، في:

 http://www.alwatanalarabi.com/article/42672

[4]"النقاط التسع بعد تعديلها في خطة كيري"، الحياة الجديدة، 1/1/2014، انظر:

http://www.alhayat-j.com/newsite/details.php?opt=2&id=224495&cid=3168

[5] اعتبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنّ "المصلحة الإسرائيلية في غور الأردن ليست أمنية بل اقتصادية"، وقال إنّ المداخيل الإسرائيلية من التمور والتماسيح والطيور في الغور تصل إلى 620 مليون دولار في السنة. وقد رفض عباس وجود أيّ قوات إسرائيلية في غور الأردن، مؤكدًا "تمسكه بسيادة دولة فلسطين على كامل أرضها ومياهها وثرواتها وسمائها وهوائها وحدودها ومعابرها". انظر: "السهل الخصيب الذي قد يفجر المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية"، القدس العربي، 12/11/2013، في:

http://www.alquds.co.uk/?p=102816

[6] تشير مصادر بأنّ نتنياهو يسعى لكسب الوقت كي يتمكن من إنهاء مشروع بناء 50 ألف وحدة سكنية استيطانية أقرتها حكومته في وقت سابق حتى نهاية عام 2014. انظر: "كواليس كيري: الإقامة للاجئين لا يحملون جنسيات أخرى"، القدس العربي، 5/1/2014، في:

 http://www.alquds.co.uk/?p=120124