مقدمة
يصف المحرّرون في الدورية المحكّمة المرموقة دراسات نقدية في الإرهاب Critical Studies on Terrorism، دراسات الإرهاب النقدية Critical Terrorism Studies, CTS بأنها، أولًا، "توجّهٌ بحثيٌ يسعى لمعارضة المعرفة وأوجه الفهم السائدة بشأن الإرهاب، ويراعي
سياسات التصنيفات الخاصة بالإرهاب، ويعتمد الشفافية في ما يتعلّق بالقيم ووجهات النظر السياسية التي يحملها. ويلتزم هذا التوجّه البحثي أيضًا بمجموعة من أخلاقيات البحث المسؤولة، ويتمسّك بمفهوم التحرّر بمعناه الواسع". قد لا يكون من المبالغة في شيء القول إنّ مساهمة دراسات الإرهاب النقدية الرئيسة تكمن في تذكير الجميع بأنّ "الباحث الأكاديمي في موضوع الإرهاب قد يحاول أن يكون مستقلًّا قدر الإمكان، ويختبر مدى أهمية النتائج، بناءً على تعريفات مختلفة للبيانات، لكن المشكلة الأساسية هي أنّ دراسات الإرهاب تبقى سياسية لا محالة". لذلك يجب الاعتراف بدايةً، أنّ دراسات الإرهاب النقدية قد عزّزت، من دون شكّ، مستويات الوعي الأكاديمي بأهمية فهم الأسئلة الآتية وتفكيكها: كيف يعرّف الباحثون الأكاديميون في دراسات الإرهاب السائدة Mainstream Terrorism Studies, MTS مصطلحاتٍ مهمّةً، مثل "الإرهاب" و"التطرّف"؟ وإلى أيّ مدى يعتمدون التشدّد العلمي عند استعمالهم مثل هذه المفاهيم؟ وإلى أيّ مدى يستطيعون إجراء أبحاثهم بموضوعية؛ أي من دون تدخّل غير مبرّر للدولة على سبيل المثال؟
تستطيع دراسات الإرهاب النقدية بسبب التزاماتها المعياريّة المُحكَمة أن تساهم في الحفاظ على "نزاهة" دراسات الإرهاب السائدة، إذا جاز التعبير؛ إذ تقدّم سلسلة من "التسميات والسرديات" التي قد توفّر بديلًا أكثر مرونة، ويتمتع بمسؤولية أخلاقية أكبر تجاه خطاب "الإرهاب الإسلامي" الذي سيطر على الكتابات الأكاديمية في مجال دراسات الإرهاب السائدة أكثر من عقدين، وذلك بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأميركية وما تلاها من حرب عالمية على الإرهاب.
تسعى هذه الدراسة لاعتماد نهج دراسات الإرهاب النقدية إلى حدٍّ ما، لتفكيك تلك الدراسات، ومن خلال مراجعة الخطوط العريضة الرئيسة لها بوصفها حقل تخصّص علمي، تطرح السؤالَ الأساسي، ألا وهو: هل تقدّم هذه الدراسات أنموذجًا بديلًا من دراسات الإرهاب السائدة؟ تعتمد هذه الدراسة على ثلاث خطواتٍ أساسية؛ أولًا، تبحث في التجذّر العميق لدراسات الإرهاب النقدية في حقل الدراسات الأمنية النقدية بشكلٍ أوسع، قبل تتبّع الاتجاهات التي يُقال إنّ دراسات الإرهاب النقدية تعتمدها لتقدّم منظورًا بديلًا من دراسات الإرهاب السائدة. وثانيًا، تبحث في مدى صحّة هذه الفرضية، قبل أن تختتم، ثالثًا، بإجراء تقييم لأفضل طريقة يمكن اتّباعها للنظر في حقل دراسات الإرهاب النقدية في ما يتعلّق بدراسات الإرهاب السائدة. لكن أولًا، وبحسب ما تمّ ذكره سابقًا، من المهمّ دراسة كيفية تشكيل دراسات الإرهاب النقدية نتاجًا لا مفرّ منه للدراسات الأمنية النقدية على نطاقٍ أوسع.