العنوان هنا
دراسات 13 ديسمبر ، 2018

الجامعات العربية وتحديات التغير الاجتماعي

عدنان الأمين

أستاذ العلوم التربوية في الجامعة اللبنانية، ورئيس الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية. عمل أستاذًا محاضرًا للعلوم التربوية في الجامعة الأميركية في بيروت، ومستشارًا للتعليم العالي في مكتب اليونسكو في بيروت. نال شهادة الدكتوراه في علم اجتماع التربية من جامعة السوربون في باريس عام 1997، ودكتوراه الدولة في الآداب من الجامعة نفسها عام 1991.

يعدّ النموذج السياسي النموذج الشائع في حكامة الجامعات العربية. وفي هذا النموذج يُضيّق الخناق على الحريات الأكاديمية والمشاركة، وتوليد الأفكار الجديدة الضرورية للتغير الاجتماعي، ويترافق ذلك مع ضعف الثقافة المدنية في خطاب القيادات الجامعية ومواثيقها الرئيسة في مسائل مثل الديمقراطية، وثقافة القانون، والالتزام المدني، والإنسانيات، وبيداغوجيا التقصِّي والمناقشة. وتتعامل هذه الجامعات مع العلوم والتكنولوجيا باعتبارها اختصاصات النخب، أما البرامج الإنسانية فهي اختصاصات مهمَّشة يُرَحَّل إليها الطلبة ذوو المعدلات الدنيا، علمًا أن خرّيجي هذه الاختصاصات هم الذين يقومون بدور التنشئة الاجتماعية في المجتمع، برصيد معرفي محدود وبنزعة قوية نحو الامتثال الاجتماعي. تخلص الورقة إلى أن التنشئة الاجتماعية الامتثالية في الجامعات الحكومية تطغى على وظيفة التغير الاجتماعي.

مقدمة: المشكلة المطروحة

يشيع القول إن الجامعات العربية تعاني عمومًا رداءة النوعية، وهذا صحيح. والدليل على ذلك أن مكانتها في التصنيفات الدولية بعيدة عن الخمسمئة الأولى.

ومع ذلك، لم يتبيّن أن الجامعات العربية الخمس (أربع في السعودية، وواحدة في مصر) التي تقدمت في تصنيف شانغهاي إلى مراتب ضمن الخمسمئة الأولى (بل المئتين الأولى) ذات نوعية جيدة. نعم، لقد نشر المزيد من أساتذة العلوم البحتة والتطبيقية فيها مزيدًا من الأبحاث في الدوريات المحكَّمة العالمية، واكتسبت مقالاتهم معاملات تأثير عالية، وارتفعت بسببهم رتبة الجامعة في التصنيف، لكن لا شيء آخر تغيّر في الجامعة من حيث طلب الأساتذة عليها، ولا من حيث طلب الطلاب، ولا من حيث نوعية التعليم الحقيقية. ولم يتغير مناخ الجامعة المحافظ، ولم تتحسن الصورة الأكاديمية للجامعة من منظور وطني أو إقليمي. وكذلك لم تتغير مكانة الجامعة في المجتمع من حيث تطوير الاقتصاد أو التكنولوجيا، أو تكوين النخب التي تدير البلاد. وما كان يُستورَد زاد استيراده، ومن ذلك الخبرات العليا، والسلع ذات الكثافة المعرفية. ما حصل أن موارد مالية إضافية ضُخَّت لتشجيع النشر، أو للتعاقد مع باحثين غربيين، فزاد النشر؛ وهو نشر تم في الخارج، وباللغة الإنكليزية، وفي العلوم البحتة والتطبيقية.

كذلك، أنشأت أكثر من 15 دولة عربية هيئات ونظمًا وطنية لضبط الجودة والاعتماد وضمانهما، لكن بعد أكثر من عشرين سنة على ظهور أول هيئة وطنية من هذا النوع (في الأردن)، لا يلمس المتابع أن هذه الهيئات والنظم أحدثت فرقًا ملموسًا في نوعية الجامعات الحكومية والخاصة في البلدان المعنية.

واقع الحال أن السياسات الحكومية المعنية بالتعليم العالي قامت على فكرة "الإضافات" الخارجية على سبيل الدعاية وادّعاء التغيير، لا على فكرة إحداث تغيرات في حكامة الجامعات وفي طريقة عملها وفي الثقافة السائدة فيها. وهذه الأبعاد الثلاثة مترابطة، لذلك لن تستمر هذه الجامعات فقط في تقديم النوعية نفسها، ولكن في نسج العلاقة نفسها مع المجتمع أيضًا، وهذه العلاقة تقوم على إبقاء الأمور على حالها.

تهدف هذه الورقة إلى فحص علاقة الجامعات العربية بمجتمعاتها، والكشف عن مساهمة كل من حكامة الجامعة وثقافتها وهيكلية برامجها في إغلاق الأبواب أمام مساهمتها في التغير الاجتماعي.


* هذه الدراسة منشورة في العدد 26 (خريف 2018) من مجلة "عمران" (الصفحات 61-84)وهي مجلة فصلية محكمة متخصّصة في العلوم الاجتماعيّة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات.

** تجدون في موقع دورية "عمران"  جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.