العنوان هنا
دراسات 21 يناير ، 2019

مواطنون أم ذميون؟ موقف جماعة الإخوان المسلمين من الحقوق السياسية للأقباط في مصر

خليل العناني

باحث ومحاضر في قسم العلوم السياسية بجامعة "دورهام" بإنجلترا. عمل باحثاً زائراً في جامعة "بيرمنجهام" البريطانية وباحثاً زائراً في معهد "بروكينجز" للأبحاث بالعاصمة الأمريكية واشنطن، وحصل علي زمالة بحثية من مؤسسة "فولبرايت" الأمريكية. يعمل مساعداً لرئيس تحرير مجلة "السياسة الدولية" الصادرة عن مؤسسة الأهرام بالقاهرة، وباحثاً غير متفرغ بمعهد الدراسات السوسيولوجية والاقتصادية الفرنسي (السيداج) بالقاهرة. ترتكز أبحاثه ودراساته حول الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط، سوسيولوجيا الأديان، سياسات الهوية، التحول الديمقراطي في العالم العربي، السياسة المصرية، والحركات الاجتماعية الاحتجاجية. لديه العديد من الكتب والمؤلفات منها "الانتخابات والتحول الديمقراطي في الشرق الأوسط" عن دار "بالجراف ماكميلان" الأمريكية (تحت الطبع)، و"أسطورة إقصاء الإسلاميين العرب" (2010)، "الإخوان المسلمون في مصر: شيخوخة تصارع الزمن"، (2008)، و"حماس: من المعارضة إلي السلطة" (2007)، و"الإسلام السياسي: الظاهرة والمفهوم" (2006) "العرب والامبراطورية الأمريكية" (2004). تُنشر أبحاثه ودراساته في العديد من المجلات الأكاديمية مثل مجلة "فورين بولسي" ومجلة "شؤون عربية" وكذلك في المراكز البحثية الغربية مثل معهد "بروكينجز" ومركز "كارنيجي" للأبحاث بواشنطن. وله مقالات دورية في عدد من الصحف والجرائد العربية منها جريدة "الحياة" وجريدة "المصري اليوم" وجريدة "العرب" القطرية وجريدة "الأهرام ويكلي" المصرية. حاصل علي درجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، والدكتوراه من جامعة "دورهام" البريطانية.

تسعى هذه الدراسة لتفكيك تصورات جماعة الإخوان المسلمين للحقوق السياسية للأقباط في مصر. تجادل الورقة بأن ثمّة فهمًا ملتبسًا لدى الجماعة لمفهوم المواطنة عمومًا، وهو ما ينعكس، بدوره، على تصوراتها لمسألة الحقوق السياسية والمدنية للأقليات الدينية والسياسية والمذهبية. تطرح الدراسة مقاربة سوسيوسياسية، بهدف فهم هذا الموقف الملتبس لدى جماعة الإخوان من حقوق الأقليات الدينية، كالموقف من الحقوق المدنية والسياسية للأقباط في مصر. تجادل هذه الدراسة بأن موقف الإخوان الملتبس من حقوق الأقباط يمكن تفسيره بعدة اعتبارات أهمها: الالتزام الأيديولوجي، والحفاظ على التماسك التنظيمي، وإكراهات القبول الاجتماعي، والمنافسة مع القوى الدينية المحافظة. وسوف تقوم الدراسة بتفكيك هذه العوامل من أجل شرح موقف الإخوان من الأقباط في مصر وتفسيره. تستند الدراسة إلى منهجية تحليل الخطاب، وذلك من خلال تحليل وتفكيك لبيانات وتصريحات لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين وقياداتها عن الأقباط خلال الفترة 1981-2013.

مقدمة

المواطنة: خلفية نظرية ومفاهيمية

شهدت المواطنة، بوصفها مفهومًا وحقلًا معرفيًا، تطورًا كبيرًا على مدى العقود القليلة الماضية، وذلك منذ العمل الرائد الذي أنجزه توماس همفري مارشال (1950) حول "المواطنة الاجتماعية"، فقد ظهرت مجموعة كبيرة من الدراسات والنماذج التي عزّزت فهمنا لمفهوم المواطنة. تركّز الأدبيات المتاحة في مجال دراسات المواطنة على تطور دراسات المواطنة من النماذج القائمة على العلاقة بين الدولة والمواطن إلى أطر أشمل تعترف بالمجموعات المهمشة تاريخيًا، مثل المرأة وكذلك المحرومين اجتماعيًا واقتصاديًا.

إن الجدل حول المواطنة متأصل في روايات تاريخية مثل "الثقافات السياسية في اليونان القديمة وروما"، أو معاهدة ويستفاليا عام 1648، التي تُتخذ عادة للاحتفال بظهور نظام أوروبي جديد من الدول المستقلة ذات السيادة". ومع ذلك، تطورت دراسات المواطنة الحديثة إلى حد كبير، وذلك ردًا على مفهوم المواطنة الاجتماعية لدى توماس مارشال في أوائل القرن العشرين. يقوم مفهوم مارشال للمواطنة على "أن دور السياسة الاجتماعية للدولة هو ضمان عدم استبعاد المواطنين من المشاركة في رسم سياسة مجتمعهم بسبب الفقر أو سوء الصحة أو نقص التعليم". في هذا السياق، يعدّ جيرارد ديلانتي إطار مارشال "نموذجًا لحقوق المواطنة التي لا يجب أن تكون مجالًا للتفاوض مع الدولة وإنما هي حقوق رسمية للمواطنين". وهنا يتفق باري هيندس مع هذا المفهوم، ويجادل بأنه نتيجة للطبيعة الرسمية للحقوق في هذا النموذج، من المفهوم أن الدولة تتحمل مسؤولية ضمان هذه الحقوق للمواطنين جميعًا.

مع ذلك، يجب أن نفهم إطار مارشال في سياق الحقوق القائمة على المساهمات. و يقدم بريان تيرنر سياقًا تاريخيًا لهذا النموذج من خلال شرح تأسيس بريطانيا دولةَ الرفاه خلال الفترة 1945-1949، وذلك على أساس حقوق المساهمة التي تدفع الجميع إلى المشاركة في إقامة نظام تأمين وطني تدعمه الدولة وأصحاب العمل والعمال. هذه الحقوق المساهمة هي أسس حقوق مارشال الاجتماعية للمواطنة، والجمع بين الواجبات والاستحقاقات. أضاف أينجن أيزن وتيرنر مزيدًا من التوضيح لـ "نموذج الحقوق والواجبات المساهمة، المتعلقة بالعمل والضرائب والخدمة العسكرية والأبوة، وتعريف المواطنة المارشالية".

يضع ديلانتي هذه المناقشة فيما يسميه "المواطنة المدنية" التي تضمن "إحساسًا قويًا بحقوق المواطنة وتنطوي أيضًا على درجة عالية من مشاركة المواطنين في إدارة الدولة". غير أن هينديس يعدها "نظرة دخيلة على المواطنة" Internalist View، ويطرح بدلًا من ذلك مفهوم "المواطنة النيوليبرالية" التي تُدخل "ترتيبات السوق وشبه السوق في مجالات الحياة الاجتماعية: التهيئة والخصخصة وتشجيع المنافسة والاختيار الفردي في مجال الصحة والتعليم [...] واستخدام الأسواق المالية لتنظيم سلوك الدول". هذا المفهوم الموجه نحو السوق للمواطنة يجري تناوله في الأدبيات باسم "الحق الجديد". يحدد أيزن وتيرنر ظهور الليبراليين الجدد مع "ثورة المحافظين الجدد الأنجلو - أميركية في عام 1970، التي خلقت إطارًا سياسيًا جديدًا لم تعد فيه الحكومات ملتزمة المبادئ العالمية للحقوق الاجتماعية ودولة الرفاه الشاملة، والتوظيف الكامل".


* هذه الدراسة منشورة في العدد 35 (تشرين الثاني/ نوفمبر 2018) من دورية "سياسات عربية" (الصفحات 14-25)وهي مجلة محكّمة للعلوم السياسية والعلاقات الدولية والسياسات العامة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات كل شهرين.

** تجدون في موقع دورية "سياسات عربية" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.