العنوان هنا
مراجعات 28 مايو ، 2018

"دولة الخلافة": تفكيك البنية الأيديولوجية والرمزية والسياسية لـ "داعش"

خليل العناني

باحث ومحاضر في قسم العلوم السياسية بجامعة "دورهام" بإنجلترا. عمل باحثاً زائراً في جامعة "بيرمنجهام" البريطانية وباحثاً زائراً في معهد "بروكينجز" للأبحاث بالعاصمة الأمريكية واشنطن، وحصل علي زمالة بحثية من مؤسسة "فولبرايت" الأمريكية. يعمل مساعداً لرئيس تحرير مجلة "السياسة الدولية" الصادرة عن مؤسسة الأهرام بالقاهرة، وباحثاً غير متفرغ بمعهد الدراسات السوسيولوجية والاقتصادية الفرنسي (السيداج) بالقاهرة. ترتكز أبحاثه ودراساته حول الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط، سوسيولوجيا الأديان، سياسات الهوية، التحول الديمقراطي في العالم العربي، السياسة المصرية، والحركات الاجتماعية الاحتجاجية. لديه العديد من الكتب والمؤلفات منها "الانتخابات والتحول الديمقراطي في الشرق الأوسط" عن دار "بالجراف ماكميلان" الأمريكية (تحت الطبع)، و"أسطورة إقصاء الإسلاميين العرب" (2010)، "الإخوان المسلمون في مصر: شيخوخة تصارع الزمن"، (2008)، و"حماس: من المعارضة إلي السلطة" (2007)، و"الإسلام السياسي: الظاهرة والمفهوم" (2006) "العرب والامبراطورية الأمريكية" (2004). تُنشر أبحاثه ودراساته في العديد من المجلات الأكاديمية مثل مجلة "فورين بولسي" ومجلة "شؤون عربية" وكذلك في المراكز البحثية الغربية مثل معهد "بروكينجز" ومركز "كارنيجي" للأبحاث بواشنطن. وله مقالات دورية في عدد من الصحف والجرائد العربية منها جريدة "الحياة" وجريدة "المصري اليوم" وجريدة "العرب" القطرية وجريدة "الأهرام ويكلي" المصرية. حاصل علي درجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، والدكتوراه من جامعة "دورهام" البريطانية.

عنوان الكتاب: دولة الخلافة التقدم إلى الماضي ("داعش" والمجتمع المحلي في العراق).

المؤلف: فالح عبد الجبار. 

الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة/ بيروت.

تاريخ النشر: 2017.

عدد الصفحات: 463.


على الرغم من أهمية الكتابات السابقة عن داعش، فالكتابات التي تقوم بعملية تفكيك سوسيولوجي وحفر جينيولوجي لظاهرة داعش وتبيئتها في سياقاتها المحلية والتاريخية والثقافية قليلة. وهو ما يقوم به الباحث العراقي الراحل فالح عبد الجبار في كتابه

دولة الخلافة التقدم إلى الماضي («داعش» والمجتمع المحلي في العراق) الصادر عن المركز العربي (2017)، والذي يتناول فيه ظاهرة داعش في العراق عبر قراءة معمّقة وجادة تعتمد على طرائق بحث منهجية ورصينة.

يعد كتاب فالح عبد الجبار محاولة جادة ورصينة لفهم ظاهرة داعش وتفكيك سياقاتها المحلية وبنيتها الأيديولوجية والرمزية. وهو، مقارنةً بغيره من الكتابات عن الظاهرة نفسها، يعد مرجعًا توثيقيًا مهمًا. لكن، لا يخلو الكتاب من بعض المسائل والقضايا الإشكالية التي لا يمكن إغفالها. ولعل أولى هذه القضايا ما يتعلق بالتناقض المنهجي في إحدى أطروحات الكتاب الرئيسة وهي المتعلقة بسردية المجتمع المحلي أو «الحاضنة الاجتماعية» لداعش؛ ففي حين سعى عبد الجبار لنفي هذه السردية أو الفرضية ودحضها، فقد أثبتها من خلال شهادات بعض المستجيبين، ومن خلال التحليل نفسه أيضًا؛ إذ يعترف عبد الجبار بأن ثمة مظالم سياسية واجتماعية وطائفية قد تبلورت لدى ما يمكن أن نسميه المجتمع السني في العراق منذ غزوه عام 2003، وهي المظالم التي هيّأت الأجواء لتنظيم داعش كي يتوطن في المناطق السنية ثم يسيطر عليها بعد ذلك. صحيح أن ذلك كان بدافع انتقامي من الحكومة المركزية في بغداد، وليس عن قناعة أيديولوجية أو دينية، لكنه يظل في النهاية من العوامل الرئيسة التي ساعدت داعش على البقاء والتمدد ولو فترة وجيزة؛ أي ثمة نوع من «زواج المصلحة» قد حدث بين بعض الأهالي في مناطق الأنبار وصلاح الدين ونينوى، وداعش.

ومن جهة ثانية، يخلط عبد الجبار، بين داعش وغيره من الحركات الإسلامية، كجماعة «الإخوان المسلمين» و«تنظيم القاعدة» وبقية الحركات الجهادية العنيفة ويعتبر أهدافها جميعًا واحدة. وفي هذا السياق، ربما طغى البعد الأيديولوجي على تحليل عبد الجبار؛ وذلك بوصفه مثقفًا علمانيًا. فمن المعروف أن هذه التنظيمات المختلفة يكفّر بعضها بعضًا، وأنها ليست على وئام، وإن اشتركت في بعض الأهداف الكبرى مثل أسلمة المجتمع. وغني عن الذكر ما تصف به هذه التنظيمات بعضها بعضًا، بل إنها تقاتلت وتناحرت، كما هي الحال في العراق وسورية، وفي مناطق أخرى.

ومن جهة ثالثة، فإن عبد الجبار لا يعتبر داعش ظاهرة مؤقتة، ستزول بزوال أسبابها وأهمها المظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك على نحو ما يؤكد هو في نفيه مقولة «الحاضنة الاجتماعية»، وإنما ستظل معنا؛ كونها تعبّر عن تيار أيديولوجي يمكن أن نسميه «تيار الخلافة». والمقصود هو وجود جماعات وحركات وتنظيمات تتخذ من مسألة الخلافة بعدًا أيديولوجيًا ترتكز عليه. وهذه نظرة جوهرانية محضة تعتبر «الخلافة» مسألة ساكنة في مخيال الإسلاميين ولا يمكنها أن تتغير؛ فهناك كثير من الحركات والتنظيمات والأحزاب الإسلامية التي تخلت فكريًا وعمليًا عن مسألة الخلافة بمعنيَيها التاريخي والديني، ليست فقط بوصفها أمرًا تكتيكيًا وإنما عن قناعة وتفكير. وعلى الرغم من هذه الملاحظات، فإن كتاب عبد الجبار يعد إسهامًا معرفيًا وجهدًا بحثيًا مميزًا في مجال تفسير البنية الفكرية والأيديولوجية والسوسيولوجية لتنظيم داعش وتفكيكها، لا يمكن الاستغناء عنه.



* نشرت هذه المراجعة في العدد 24 (ربيع 2018) من دورية "عمران" (الصفحات 117-124)وهي مجلة فصلية محكمة متخصّصة في العلوم الاجتماعيّة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات.

** تجدون في موقع دورية "عمران"  جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.