العنوان هنا
دراسات 14 أكتوبر ، 2020

النقاش حول مسودة التعديل الدستوري في الجزائر: مقاربة من منظور الإعلام والاتصال

مريم ضربان

​باحثة في علوم الإعلام والاتصال، جامعة الجزائر 3

مقدمة

تُقدِّم هذه الدراسة قراءة تحليلية في النقاش الجاري في الجزائر بشأن مسودة تعديل دستور البلاد من خلال منظور علوم الإعلام والاتصال، وتستلهم حزمة من المفاهيم التي تطورت في سياق مقاربة الدولة بوصفها لاعبًا لأدوار اتصالية عديدة ناقشها باستفاضة ميشال لو نات Michel le Net؛ أبرزها الدولة الناصحة L'état conseille، والدولة المُعْلِمة L'état informateur، والدولة المُشهِرة L'état publicitaire، فضلًا عن الدولة المحفِّزة Catalyst State عند مانويل كاستلز، وهي أدوار برزت وأخذت تتطور في إطار بيئة افتراضية متزايدة الانتشار، أفقيًّا وعموديًّا. وما من شك في أنّ تفشِّي جائحة فيروس "كورونا" أدى إلى تعزيز هذا الانتشار. من جهة أخرى، إذ تسعى الدراسة إلى البحث في موقع المواطن من هذا النقاش، فهي تستند، في هذا السياق، إلى التمييز الشائع في أدبيات الاتصال العمومي بين ما إذا كانت الدولة تتعامل مع المواطن بوصفه مواطنًا "فاعلًا"، أو "جمهورًا"، أو مجرد "مستهلك" للقيم التي تصنعها مؤسسات الدولة وتروِّج لها/ أو تفرضها في الفضاء العمومي.

تنطلق الدراسة من الحاجة إلى فهم أنماط التداول (في الاتجاهين) بين المواطن والدولة، سواء تم ذلك عبر "الانتخاب والاستفتاء" أو عبر "قنوات الإعلام والاتصال السياسي"، والتي يُفترض أن تفضي إلى تداول حر للأفكار ناتج من تنشئة سياسية – وفي الوقت نفسه منتِج لها - تعكس الإنجازات التي حققها حراك 22 فيفري (شباط/ فبراير) الشعبي، المتمثلة أساسًا في إقحام المواطن القادر على التعبير عن رأيه في ممارساته اليومية، والمشاركة في القرار العمومي، خاصة حينما يتعلق الأمر بقضايا صياغة الدستور الجديد بوصفه وثيقة تعاقدية، فضلًا عن قضايا السياسات المحلية التي تمسُّ مباشرة الحياة اليومية للفرد، وقضايا الهوية الوطنية التي تمسُّه في قيمه.

تعرف الجزائر نقاشًا حول تعديل الدستور، يمكن وصفه بأنه متعدد الأفضية Spheres والأطراف والرهانات. وتعود بدايات هذا النقاش إلى فترة سابقة لنشر مسودة التعديل في 7 أيار/ مايو 2020، حيث بدأ النقاش بوعودٍ خلال الحملة الانتخابية الرئاسية 12 كانون الأول/ ديسمبر 2019، كما اقترن بدعواتٍ من الرأي العامّ نفسه. وينطوي هذا النقاش على جملة من الأفضية، منها التقليدي والافتراضي، وربما يُعَدُّ انخراطُ مؤسسة رئاسة الجمهورية في هذا النقاش الأخير أحد أبرز تطورات النقاش الراهن.

يكمن الرهان الأساسي، في هذا النقاش العمومي، في تفعيل دور المواطن في العملية السياسية، قبل الاستفتاء الشعبي بشأن التعديل الدستوري لاحقًا. ويُعَدُّ تفعيل هذا الدور جزءًا من تكريس الحق الفردي في الاعتراف بالرأي والتعبير عنه ضمن الحاجة إلى التشاركية المرئية، غير أنّ هذا الحق (الفردي) لن يتجسد إلا بتعزيز فعل الاتصال الحكومي، وقد بادرت رئاسة الجمهورية إلى إرسال برقيات لطلب المشاركة من مختلف الأحزاب السياسية وفواعل المجتمع المدني والفعاليات الأكاديمية. يأتي الإعلان عن مسودة الدستور والترويج لها مع ظروف الحجر الصحي بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا، ما يجعل النقاش العمومي بشأنها غير تقليدي من حيث الأفضية وأنماط التداول العمومي. أمّا سؤال هذه الدراسة فهو متعلّق بأجندة النقاش، وأطرافه، والأفضية التي يجري تداولها.

تنقسم الدراسة أربعة أقسام. يوفر القسم الأول مقدمة مفاهيمية نظرية في التحولات التي يعرفها الفضاء العمومي بفضل الانتشار الواسع للشبكات الافتراضية ووسائل التواصل الجديدة. أما القسم الثاني فيناقش دور المواطن في النقاش العمومي بشأن مسودة تعديل الدستور الجزائري. في حين يسعى القسم الثالث إلى فحص طبيعة هذا النقاش ومضامينه. ثمّ يحاول القسم الرابع الإجابة عن سؤال، هو: هل يسمح الفضاء الافتراضي بنقاش سياسي عمومي بديل في ظل الإفراط في إضفاء الطبيعة الإعلامية على مسارات هذا النقاش؟