العنوان هنا
دراسات 14 أبريل ، 2019

الاتحاد الأوروبي والمشروطية الديمقراطية: اختبار ما بعد الربيع العربي

محمد سعدي

أستاذ حقوق الإنسان والعلوم السياسية بجامعة محمد الأول بالمغرب، وعضو بالمجلس العربي للعلوم الاجتماعية. شارك في العديد من المؤتمرات العلمية، ونشر عدة كتب ودراسات ومقالات بحثية. ينصب اهتمامه على الديناميات السياسية والاجتماعية لما بعد الحراك العربي، وعلى البحوث الاجتماعية الميدانية الخاصة بالفئات الاجتماعية الهشة (النساء، والشباب...).​

ملخص

كشفت السياسات الاشتراطية للاتحاد الأوروبي لدعم التحولات الديمقراطية في بلدان جنوب المتوسط عن كثير من الاختلالات الهيكلية، وذلك على الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلت، طوال سنوات عدة، منذ الشراكة الأورومتوسطية، مرورًا بالسياسة الأوروبية للجوار، وصولًا إلى برامج دعم الإصلاح الديمقراطي في مرحلة ما بعد "الحراك العربي". ولم تحصل الاندفاعة السياسية الديمقراطية المنشودة في هذه البلدان، كما كان عليه الأمر في أوروبا الشرقية. ونما توجه نحو تفضيل الدول الأوروبية الاعتبارات الأمنية على حساب دعم الديمقراطية، خاصة بعد تزايد وتيرة التعاون الأمني لمكافحة التهديدات الإرهابية والهجرة غير النظامية. لهذا، يمثّل الحراك العربي اختبارًا وتحديًا حقيقيًا لصدقية سياسات المشروطية الديمقراطية للاتحاد الأوروبي وفعالياتها. فإلى أي حدّ نجحت السياسات الأوروبية المرتبطة بالمشروطية الديمقراطية في دعم ديناميات الحراك العربي وتفاعلاته؟ وهل غلبة منطق الحفاظ على الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب تفرغ المشروطية الديمقراطية الأوروبية من نواتها الصلبة؟

تقديم عام

تجادل هذه الدراسة بأن المشروطية الديمقراطية للاتحاد الأوروبي أصبحت تحتاج إلى إعادة نظر معمقة، وإلى تفكير جديد في براديغمات دعم الإصلاحات السياسية وآلياتها، في دول العالم العربي، بعد الحراك العربي. فلم يعد مقبولًا أن تكون المشروطية معبرًا لتكريس التسلطية وكبح الحريات وانتهاك الحقوق باسم إطالة أمد الاستقرار وضمان الأمن. ولم يعد مجديًا استمرار التركيز على الأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية على حساب الإصلاحات الديمقراطية. ولكي تكون السياسات الاشتراطية ذات صدقية، فيجب أن تكون الديمقراطية والاستقرار أمرين متلازمين على مستوى الواقع. وعلى المديين المتوسط والبعيد، ترسيخ دمقرطة الأنظمة السياسية في هذه الدول هو الطريق الآمنة نحو الاستقرار والتنمية اللذَين ينشدهما الاتحاد الأوروبي في جواره المتوسطي الجنوبي.

كيف ينظر الاتحاد الأوروبي إلى قضية التحول الديمقراطي في العالم العربي قبل الحراك العربي وبعده؟ إلى أي حدّ نجحت السياسات الأوروبية المرتبطة بالمشروطية الديمقراطية في دعم ديناميات الحراك العربي وتفاعلاته؟ ألا يمكن لغلبة منطق مصالح الحفاظ على الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب أن تفرغ المشروطية من نواتها الصلبة؟ وما الآفاق المتاحة لمنح دعم حقيقي للإصلاحات السياسية الديمقراطية داخلها؟

نحاول في هذه الورقة البحثية، باعتماد المنهج التحليلي الاستقرائي، البحث عن معالم المشروطية الديمقراطية وموقعها في السياسات الأوروبية للجوار والشراكة، وسنحلل مدى تجاوب مختلف السياسات الأوروبية المرتبطة بالمشروطية الديمقراطية لديناميات الحراك العربي وتفاعلاته والكشف عن نقاط القصور التي تعتريها في هذا المجال، ثم استكشاف الآفاق والبدائل المتاحة والممكنة لجعل المشروطية عنصرًا من عناصر دعم التحولات الديمقراطية في العالم العربي.


* هذه الدراسة منشورة في العدد 36 (كانون الثاني/ يناير 2019) من دورية "سياسات عربية" (الصفحات 76-90)وهي مجلة محكّمة للعلوم السياسية والعلاقات الدولية والسياسات العامة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات كل شهرين.

** تجدون في موقع دورية "سياسات عربية" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.