المقدّمة
إنّ الديمقراطية الحقيقيّة هي حراك اجتماعيّ وسياسيّ وثقافيّ مستمرّ من أجل تحقيق المصلحة العامّة، وصيانتها، والدّفاع عنها في مواجهة المصالح الذّاتية الضيّقة للماسكين بالسّلطة.
ويُعدّ الصّراع السّلمي بين القوى السّياسية من أجل الوصول إلى السّلطة -بحسب قواعد سلميّة عامّة ومثبتة- الآليّةَ الأنسبَ لتحقيق ذلك الهدف، ولُبَّ الحراك الاجتماعي والسّياسي والثّقافي، وجوهره. ممّا يعني أنّ صراع الأحزاب والقوى السّياسية -في الأنظمة الدّيمقراطية- من أجل الفوز بالسّلطة والبقاء فيها عن طريق كسب رضا المواطنين؛ هو مؤدٍّ في النّهاية إلى تحقيق المصلحة العامّة وضمان استمراريّتها. وهذه العمليّة كلّها تفترض وجود قوّة/ قوى سياسيّة في السّلطة، تحاول تحقيق برامجها؛ مع الحرص على تحقيق المصلحة العامّة خشية من فقدان رضا المواطنين عليها، وقبولهم بها. فإذا ما لم تحظ بذلك القبول الجماعي؛ فإنّها قد تخسر السّلطة. ذلك أنّه يُفترض -في ظلّ الأنظمة الديمقراطيّة- وجود طرف آخر في العمليّة السّياسية؛ وهو المعارضة. فهي تهيّئ نفسها لاستلام السّلطة؛ بوضعها برامجَ ومشاريع تكسب بها رضا المواطنين، مع السّعي -في الوقت ذاته- إلى كشف مكامن الخلل في عمل الماسكين بالسلطة، وإثارة الرّأي العامّ ضدّهم.
والعمليّة السياسية في إقليم كردستان/ العراق لا تخرج عن هذا السّياق، لاسيّما في الآونة الأخيرة؛ فهي تشهد تغيّراتٍ جذريّة، من المأمول أن تؤدّي إلى تصحيح مسارها، وتجعلها أكثر انسجامًا مع روح الدّيمقراطية وجوهرها. وتتمثّل هذه التّغيرات في ولادة معارضة سياسيّة قويّة نسبيًّا؛ استطاعت أن تحرز ما يقارب ثلث مقاعد البرلمان في الانتخابات البرلمانيّة والرّئاسية في تمّوز / يوليو 2009.
إنّ هذه الظّاهرة جديرة بالاهتمام والفحص والمتابعة؛ وذلك من أجل فهم المتغيّرات التي أدّت إلى هذا التحوّل، واكتشاف طبيعة هذه المعارضة، وتوضيح مكامن الخلل والضّعف فيها. هذا فضلًا عن تبيّن نقاط قوّتها وفرص نجاحها، وكيفيّة تعامل السّلطة السّياسية معها.
وتبعاً لما تقدّم؛ سنحاول في هذا البحث تقديم إجابات لمجموعة من التّساؤلات منها: كيف نشأ النّظام السّياسي في الإقليم وتطوّر؟ وهل رافقت تلك النّشأةَ عمليّةٌ ديمقراطيّةٌ سليمةٌ، وما تعليل ذلك؟ كيف بدأت مظاهر الاعتراض على الحكم وإرهاصات المعارضة في الإقليم، وما سببها؟ وكيف برزت المعارضة السّياسية الحقيقيّة في الإقليم، وما هي دواعي بروزها، وأهمّ روافدها؟ كيف هو أداء المعارضة السّياسية الآن، وما طبيعة تعامل السّلطة معها ومدى تكيّف تلك السّلطة مع الواقع الجديد في الإقليم؟ ماهي أهمّ المتغيّرات الكابحة لنشاط المعارضة السّياسية في الإقليم، وماهي أهمّ المتغيّرات المشجّعة لها، والدّاعمة إيّاها؟ وأخيرًا كيف يبدو مستقبل هذه المعارضة وما آفاقها؟
تحاول هذه الدّراسة الإجابة عن هذه الأسئلة الرّئيسة -وعن أخرى غيرها فرعيّة- من خلال فرضيّة أنّ: "تفاعل جملة من المتغيِّرات مع بعضها البعض؛ هو ما أفرز تأخّر ظهور المعارضة السّياسية في الإقليم، وأدّى إلى بُطء مسارها. وأنّ ظهورها -إثر الانتخابات البرلمانيّة والرّئاسية في تمّوز / يوليو2009 بالخصوص- وبروز دورها في المشهد السّياسي؛ سيؤدّي إلى إغناء تجربة الحكم في الإقليم".
وقد أملت علينا طبيعة بحثنا استخدام المنهج التّاريخي ومنهج التّحليل النّظمي؛ لكي نتمكّن من الكشف عن جذور العمليّة السّياسية في الإقليم، ونعرف أهمّ مدخلاتها ومخرجاتها (Input- Output)؛ وذلك بغية تبيُّن دور المعارضة فيها، وتحديد آليّة عملها.
وبناءً على ما تقدّم؛ فقد تمّ تقسيم البحث إلى الأقسام التّالية:
الفصل الأوّل: المعارضة ابتداءً من تأسيس حكومة إقليم كردستان - العراق (1992 إلى 2005).
المبحث الأوّل: المعارضة منذ تأسيس المجلس الوطنيّ إلى أحداث 31 آب / أغسطس 1996.
المبحث الثّاني: المعارضة منذ أحداث 31 آب / أغسطس 1996 إلى كانون الثاني / يناير 2005.
الفصل الثّاني: إرهاصات تشكيل المعارضة- الدّورة الثّانية لبرلمان إقليم كردستان2005-2009
المبحث الأوّل: المعارضة الشّعبية والمدنيّة.
المبحث الثّاني: المعارضة من داخل الحكومة.
الفصل الثّالث: بروز دور المعارضة- الدّورة الثّالثة لبرلمان إقليم كردستان.
المبحث الأوّل: الأحزاب المعارضة في الإقليم.
المبحث الثّاني: المعارضة السّياسية بعد أحداث 17 شباط / فبراير2011.
الفصل الرّابع: إنجازات المعارضة السّياسية في إقليم كردستان، ومعوقاتها ومستقبلها.
المبحث الأوّل: إنجازات المعارضة السّياسية في إقليم كردستان.
المبحث الثّاني: معوقات المعارضة في إقليم كردستان.
المبحث الثّالث: مستقبل المعارضة في إقليم كردستان.