العنوان هنا
دراسات 02 ديسمبر ، 2014

قـراءة نفسانية في قصة النبي يوسف: عقدة الأخوة أولى من عقدة أوديب

الكلمات المفتاحية

حسن المودن

أستاذ التعليم العالي مساعد بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بمراكش / المغرب، حاصل على دكتوراه الدولة  في الآداب من كلية الآداب، في جامعة  القاضي عياض بمراكش. وقد نشر له العديد من المؤلفات في النقد والتحليل الأدبي منها: مغامرات الكتابة في القصة القصيرة المعاصرة، الرواية والتحليل النصّي: قراءات من منظور التحليل النفسي، العربية: قراءات من منظور التحليل النفسي، لاوعي النص في روايات الطيب صالح: قراءة من منظور التحليل النفسي، كما نشرت له ترجمة كتاب: التحليل النفسي والأدب، لصاحبه جان بيلمان ـ نويل، وساهم في العديد من المؤلفات المشتركة.

مدخل

انطلقت الدراسات النفسانية في النقد العربي الحديث وهي تحاول أن تقرأ الأدب العربي، قديمه وحديثه، انطلاقًا من مركّبات عُـقدية يفترض التحليل النفسي، وخاصة مع سيغموند فرويد، أنها الأقدر على فهم بنية الإنسان النفسية وتفسيرها. وهكذا، وعلى سبيل التمثيل، يمكن أن نستحضر من البدايات الأولى كيف درَس محمود عباس العقاد شخصية أبي نواس وشعره من خلال عقدة النرجسية  في كتابه: أبو نواس الحسن بن هانيء، وكيف جاء محمد النويهي بعده ليدرس عقدة أوديب عند الشاعر نفسه في كتابه: نفسية أبي نواس. ولم تخلُ المراحل اللاحقة من دراسات تسير في الاتجاه نفسه، منها دراسة جورج طرابيشي: عقدة أوديب في الرواية العربية، ودراسة خريستو نجم: النرجسية في أدب نزار قباني.

على الرغم من أهمية هذه الدراسات التي يعود إليها الفضل في تأسيس أو تطوير نقد أدبي يستند إلى التحليل النفسي، ويضيء جوانب أخرى مغايرة في المبدع وإبداعه، فإنها تبقى دراسات تطبق التحليل النفسي على النصوص الأدبية تطبيقًا قابلًا للمساءلة؛ فهي تسعى إلى تطبيق عُقَد نفسانية جاهزة على النصوص وأصحابها. والحال أن الواقع الذي لا بد من استحضاره باستمرار هو أن مؤسسي التحليل النفسي، وخصوصًا فرويد، استوحوا هذه العُـقد من النصوص الأسطورية والأدبية والدينية؛ فعقدة أوديب أو عقدة نرجس مستوحاة من الأساطير الإغريقية، وغيرها من العُقد مستمدة من نصوص أخرى، مسرحية وروائية.. من هنا، فإنه ليس على التحليل النفسي أن يضيء الأدب، بل على الأدب أن يضيء التحليل النفسي باستمرار، ذلك لأن الأدب هو الذي يتجدد  على نحو مستمر، وهو الأقدر على تجديد التحليل النفسي وتطويره، فمن أجل ألّا يبقى التحليل النفسي جهازًا مفهوميًا جامدًا، وألّا يبقى النقد النفسي مجرد تمرين تتكرر من خلاله مفاهيم نفسانية جاهزة وجامدة، لا بد من أن نطرح الأسئلة الآتية: ألا يمكن للنقد النفساني أن يستمد مفاهيم نفسانية جديدة من نصوص أخرى؟ ألا يمكن أن يستوحي عُـقدًا أخرى من نصوص قد تكون قديمة أو حديثة؟ ما الأكثر فائدة بالنسبة إلى الأدب كما بالنسبة إلى التحليل النفسي: أهو العمل على تطبيق مركّبات عُقدية جاهزة على كل النصوص، قديمة كانت أو حديثة، أم السعي إلى استيلاد مركّبات عُقدية أخرى من هذه النصوص، بما يزيد من عمق فهمنا أو تفسيرنا للإنسان ولغته وأدبه؟

أزعم في هذه المحاولة أن من الممكن أن نستمد من  النصوص الأدبية، أو من النصوص الدينية، أو من غيرها من النصوص، مفاهيم وتصورات نفسانية مختلفة ومغايرة لتلك التي صرنا نُسقطها على الكثير من النصوص؛ فبدل أن نُسقط  مفهومًا نفسانيًا ما على نص ما، سيكون من الأفضل أن نتساءل: ألا يمكن لهذا النص أن يسمح لنا بأن نستمد منه مفهومًا نفسانيًا جديدًا، فنسجل للنص الأدبي أصالته وفرادته، ونساهم، انطلاقًا منه، في تطوير معرفتنا بالإنسان، بلغته وأدبه، وخاصة من الناحية النفسانية؟ والنص الذي نقترحه حجة على زعمنا إمكانية استيحاء مفاهيم نفسانية أخرى من النصوص، سواء أكانت أدبية أم دينية أم أسطورية،  هو قصة من قصص القرآن: قصة يوسف؛ فلاشك أن لهذه القصة مكانة خاصة في النفوس، وحضورًا لافتًا في كثير من الدراسات، ولا يمكن للباحث إلّا أن يتساءل: من أين تستمد هذه القصة قوّتها؟ هناك العديد من الدراسات، ولا سيما الحديثة والمعاصرة، التي كشفت النقاب عن الكثير من الجوانب الجمالية الخلاقة التي قد تشكل جانبًا من جوانب القوة في القصة، إلّا أن الملاحَظ هو أن هذه القصة لم تنل حظها من الدراسات النفسانية إلّا في النادر القليل، وغالبًا ما تعمل هذه الدراسات على تطبيق المفاهيم النفسانية الجاهزة من دون أن تتساءل عن إمكانية استيلاد مفاهيم جديدة من النص موضوع الدرس، بحيث يبدو من الصعب، مثلًا، أن نقتنع بأن العقدة المركزية في هذا المحكي الديني هي "عقدة أوديب"، كما تذهب إلى ذلك بعض الدراسات المعاصرة؛ فالقصة لا تركز على علاقة الطفل بأبويه فقط، بل إنها تمنح الأولوية أيضًا لطرف آخر من أطراف العائلة، وهو ما قد يسمح بأن نفترض أن الأمر يتعلق بعقدة مغايرة، قد تكون أولى من عقدة أوديب وأهم.

 لكن قبل الدخول في تفاصيل هذا الافتراض، فنستوحي من النص الديني صورةَ مركَّـب عُـقدي جديد، ونعيِّن له اسمـًا رمزيـًا، نرى من الضروري أن نتوسع قليلًا في افتراضات أولية تمنح هذه المحاولة  صدقيتها ومشروعيتها.


*هذه الورقة منشورة في العدد العاشر (خريف 2014) من مجلة "تبين" (الصفحات: 37-47)، وهي مجلة فصليّة محكّمة متخصّصة في الدراسات الفكريّة والثقافيّة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات.

** تجدون في موقع دورية "تبيّن" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.