
العنوان: Life as politics: How Ordinary People
Change the Middle East?
(الحياة اليومية كسياسة: كيف يغير الناس العاديون الشرق الأوسط؟)
المؤلف: آصف بيات Asef Bayat
الناشر: دار نشر جامعة أمستردام Amsterdam University Press, Amsterdam
سنة النشر: 2010.
عدد الصفحات: 304 صفحات.
الإشكاليات والقضايا
في محاولةٍ لتنزيل السياسة من عليائها وربطها برجل الشارع، يناقش الكاتب في بابين، وثلاثة عشر جزءًا، خصوصية التغيير السياسي والمجتمعي في الشرق الأوسط، وإستراتيجيات إبداع الجماهير العربية للبقاء على الساحة السياسية، وتعاملها مع النظم السلطوية. ويطرح الكاتب عدة قضايا مهمة تتعلق بخصوصية عملية التغيير السياسي وفواعل التغيير في العالم العربي.
لقد نُشر الكتاب في طبعته الأولى في العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين. وتناول إحدى الإشكاليات المهمة التي تشغل بال المواطن العربي في الآونة الحالية، وهي إشكالية التغيير السياسي والمجتمعي في دول العالم العربي، ومنطقة الشرق الأوسط. ويشير الكاتب بدايةً إلى أنّ التغيرات التي حدثت في منطقة الشرق الأوسط تاريخيًا - وبخاصة في المجتمعات التي يقوم فيها الدين بدور كبير، مع التركيز على التحولات الاجتماعية السياسية - قامت بها قوى اجتماعية، وليست قوى سياسية، وجرى ذلك بصورة فردية أو جماعية. ويرصد الكتاب دور كلّ فئة من فئات المجتمع في التغيير والتحول الديمقراطي وسعي تلك الفئات الاجتماعية الحثيث في الحصول على دور أكبر ومركزٍ أفضل في هيكل القوة.
ويشير الكاتب إلى أنّ تلك الفئات العادية من الجماهير أعادت النظر في مفهوم الحركات الاجتماعية ودورها في التغيير؛ إذ رفضت هذه الجماهير الخروج من المسرح السياسي أو تركه للنخبة الحاكمة، سواء كانت نخبة سياسية أو دينية أو ثقافية. بل عملت تلك الفئات الاجتماعية على خلق مساحات سياسية جديدة تستطيع من خلالها رفع أصواتها والتعبير عن احتياجاتها ومطالبها. ولا تكتفي تلك الفئات بالشعارات والاحتجاجات للتعبير عن مطالبها ولكنّها تطوّع ما يمكن تسميته "اللاحركات" الاجتماعية المرتبطة بوسائل رجل الشارع لتغيير هيكل القوة في مجتمعه. وهو ما عدّه الكاتب وسيلة مهمة وجديدة من وسائل التعرّف إلى "فنّ الوجود" على الساحة السياسية، وتخطّي كلاسيكية وجوب إفراز المجتمع حركات اجتماعية قادرة على قيادة التغيير. ويندهش قارئ هذا الكتاب من قدرة الكاتب على تحليل الأوضاع في العالم العربي؛ إذ تنبّأ الكاتب بالتغيير الذي يشهده العالم العربي حاليًا والنقلة النوعية والمنهجية في أساليب التغيير السياسي والاجتماعي.
ويمثّل كلّ جزء من الكتاب جوهر إرهاصات التغيير المرتبطة بأحداث العقد العشرين، والتي تتعلق بالحركات الاجتماعية والمفهوم الجديد الذي أبدعه الكاتب في شرح التغيير في مجتمعات الشرق الأوسط المسلمة، وهو متغير "اللاحركات". ولا يهدف الكتاب إلى التعرّف إلى التغيرات الاجتماعية التي شهدتها تلك المنطقة المعقدة من العالم فقط، ولكن يهدف إلى التوصّل إلى تحليلٍ رصين وشامل للنظريات الاجتماعية المفسّرة للتغيير في العالم، والإضافة إليها علميًا وإمبريقيًا من واقع النموذج العربي.
ومن خلال تأكيده خصوصية منطقة الشرق الأوسط، يوضح الكاتب أنّه لا يختلف اثنان على أنّ المنطقة قد وقعت في حالةٍ من الفوضى خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين. ومن المتغير الأوّل الذي جرت مناقشته، وهو المتغير الاقتصادى، استنتج الكاتب أنّ الشعوب العربية تعاني اللاعدالة التوزيعية في الدخل، والتي اتضحت في تدنّي هيكل الدخول، فضلًا عن الفجوة النوعية في هذا الهيكل مقارنةً مع غيرها من شعوب العالم على الرغم من الأرباح التي تحقّقها عائدات البترول والثروات المعدنية وغيرها من المصادر الاقتصادية في العالم العربي. ولكن تضافرت من وجهة نظر الكاتب، عدة عوامل ساهمت في تدنّي الأوضاع الاقتصادية في هذا العالم؛ منها انخفاض معدل الإنتاج، وفقر البحث العلمي، وعدم انخراط العديد من الأطفال في التعليم، وارتفاع نسبة الأمية، وضعف مستوى الرعاية الصحية. ويطرح الكتاب قضية في غاية الأهمية وسؤالًا ليس من السهل الإجابة عنه، وهو: لماذا تبدو الدول العربية وكأنّها "على درجة من الثراء تفوق درجة التنمية بها"؟ مشيرًا إلى ضعف الهياكل والمنظومة الاجتماعية، وتدنّي مستوى التمكين السياسي الذي يعرقل محاولات التنمية السياسية والاقتصادية.
ويكشف الكاتب الستار عن دور النظم السياسية في العالم العربي في مقاومة التغيير في تناوله المتغير الثاني، وهو المتغير النظمي، مشيرًا إلى أنّ الأنظمة الشمولية في إيران والأردن ومصر والمغرب وشيوخ الخليج، وبخاصة في المملكة العربية السعودية (ممّن لهم علاقات قوية مع الغرب)، يعملون دومًا على إضعاف المطالبات الشعبية بالديمقراطية وحماية القانون ودعم المعارضة، بل يلجأ بعض القوى إلى تبنّي بعض السياسات والإجراءات التي قد تجنح إلى العنف في بعض الأوقات. وليس من المستغرب أن تؤدّي تلك الأوضاع من وجهة نظر الكاتب إلى شعور الغرب بالخوف من أن يتأثّر السلم والاستقرار العالميان في حالة هبوب رياح التغيير على تلك المنطقة.
وتاريخيًا يبين الكاتب أنّ منطقة الشرق الأوسط لم تشهد تلك الدعوة العارمة للتغيير السياسي؛ إذ شهدت كلّ مناطق العالم تغييرًا فيما عدا منطقة الشرق الأوسط، ما أدّى إلى الكثير من التساؤلات الملحّة عن إمكانية حدوث هذا التغيير من عدمه. ولقد رغبت بعض الدوائر العربية وغير العربية في حدوث تغيير ثوري من خلال تحفيز الطاقة الشعبية بهدف تغيير النظم غير العادلة والمطالبة بالتنمية والديمقراطية؛ إذ استطاعت الثورة الإيرانية مثلًا أن تغيّر الديكتاتورية التي استمرت في الحكم لمدة طويلة في فترةٍ لا تتعدّى عامين. ولكن هذا لم يكن من السهولة بمكان. ومع ذلك تنبّأ الكاتب بأنّ تكرار السيناريو الإيراني في المنطقة العربية ممكن.
ويشير الكاتب عمومًا إلى أنّه يصعب التنبّؤ بالثورات وخصوصًا في المنطقة العربية؛ معلّلًا ذلك بأنّ الثورات، أوّلًا: لا تعتمد على تخطيط وإعداد مسبقين، بل قد تتحرك وتتغيّر أحداثها طبقًا للظروف التي تمرّ بها. وثانيًا: عادةً ما تكون ظروف قيام الثورات مزيجًا من العوامل الدولية والداخلية والشعبية النفسية المعقّدة التي يصعب تحييدها بوصفها متغيرًا لفهم الثورات. وثالثًا: يقوم الأكاديميون بتحليل الثورات بأسلوب واحد، بل نادرًا ما يعتمدون على أساليب كمية يمكن التنبّؤ بها أو بنتائجها، حتى أضحى الحديث في عالمنا العربي عن الثورات أمرًا لا يمكن توقّعه. ورابعًا: لا يرغب الكثير في العالم العربي في الانخراط في ثورات دموية، ولا يمكنهم توقّع نتائجها، بل يفضّلون الثورة بالإنابة؛ وهو أن يكونوا أحرارًا بشرط أن يقوم الآخرون بتحمّل تبعات التغيير.
ويتساءل الكاتب: هل هناك رغبة حقيقية في حدوث مثل تلك الثورات؟ ويردّ الكاتب أنّ من عاصر الثورات الدموية يرى أنّها دائمًا ما تكون مصحوبة بالدمار وعدم الاستقرار، فضلًا عن أنّه ليس هناك ضمانة حقيقية في أن يعقبها تدشين نظام اجتماعي جديد وعادل. وحتى في حالة تمكّننا من التنبّؤ بهذه الثورات، يبقى السؤال المطروح هو: هل سيقف من عاش واكتسب الكثير من مخرجات هذه الأنظمة الدكتاتورية مكتوف اليدين ويواصل حياته مع النظم البديلة؟ أم أنّه سيقاوم التغيير ويسرق الثورات؟
وبناءً على ما سبق، يطرح الكاتب إشكاليةً ثانية، وهي: كيف للتغيير الحتمي أن يجري بصورة سلسة من دون اللجوء إلى العنف؟ يؤكد الكاتب أنّ الأمر يحتاج إلى وجود حركات اجتماعية قوية (تضمّ العمال، والفقراء، والنساء، والطلاب، والحركات الديمقراطية الكبرى)، أو أحزاب سياسية حقيقية يمكنها معارضة النظام السياسي وإصلاحه. وبالطبع، انخرط العديد من النشطاء والجمعيات غير الحكومية في هذه الحركات في منطقة الشرق الأوسط، بهدف إحداث تغيير. وعلى الرغم من إمكانية عدّها إستراتيجية جيدة للتغيير، فتلك الحركات لم تصل إلى فرصٍ سياسية حقيقية تستطيع من خلالها التطوير واكتساب قاعدة شعبية تجذّرها على الأرض. فلا يمكن أن تعمل تلك القوى في ظلّ أنظمة دكتاتورية لا تسمح بوجودها. ومن هنا تظهر الإشكالية الثالثة، وهي: كيف يمكن تحفيز من يرزح تحت حكم الديكتاتوريات على أن يتخلّى عن خموله وتتحرك رغبته في التغيير؟
يستمرّ الكاتب في إقرار أنّه من غير المتوقّع أن يكون هناك تخطيط للثورات، مشيرًا إلى أنّ أغلب التظاهرات التي شهدتها البلدان العربية يشعلها الإسلاميون، وتكون في الغالب ضدّ الصهيونية والهيمنة الأميركية، وليس ضدّ الحكومات الديكتاتورية التي يعيشون تحت سلطتها. وبسبب تلك الحقيقة، تؤكّد الدوائر العلمية العربية كما يقول الكاتب، أنّ هناك اعتقادًا في أنّ التغيير يجب أن يحدث من الخارج عن طريق الضغوط الاقتصادية، أو حتى عن طريق التدخل العسكري؛ فإحدى الدوريات المهمة، وهي "التقرير العربي للتنمية البشرية"، أشارت إلى أهمية وجود "حلّ عملي" في التغيير في العالم العربي عن طريق تدخّل الغرب. ويؤيّد تلك الرؤية الدوائر السياسية العالمية التي ترى أنّ الشرق الأوسط لن يتغير. وهي رؤية ليست بالجديدة؛ إذ إنّه منذ القرن الثامن عشر لا يحدث أيّ تغير في المنطقة إلّا من خلال تدخّل الغرب بصورة أو بأخرى. وقد ينطبق الأمر نفسه حتى قبل القرن الثامن عشر؛ فنظرة الغرب دائمًا للعالم الإسلامي والعربي ومنطقة الشرق الأوسط، هي نظرة محافظة تتجاهل أكاديميًا العديد من الحركات السياسية وحركات الإصلاح الاجتماعي، وتستند إلى الاقتراب التاريخي وديمومة تقاليد العرب وعقائدهم. ومن ثمّ لا ترتبط تلك النظرة بالتغيير. وعلى الرغم من تلك الحقيقة نسبيًا، يمكن - في رأي الكاتب - للتغيير أن يحدث، ولكن عن طريق النخبة والجيش أو عن طريق الحروب وتدخّل القوى الخارجية. وتعدّ الحرب التي قادها جورج بوش الابن ضدّ العراق – في ما سمّاه "تغيير النظام" - مثالًا واضحًا على ذلك.
ويدعو الكاتب إلى إعادة النظر في تحليل التغيير في الشرق الأوسط مؤكدًا أنّه بمزيد من التعمق وتبنّي أدوات منهجية جديدة لتحليل إشكالية التغيير في الشرق الأوسط، نرى أنّ منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق التي شهدت ثورات مقارنةً بمثيلاتها حول العالم؛ إذ تكوّن فيها عدد من الحركات الاجتماعية مثل حركات "الأسلمة"، ولكن لم تحظ تلك الحركات بالاهتمام الكافي لكونها وفقًا للأدبيات الغربية "لاحركات اجتماعية". ولكي يشرح هذا المفهوم، ألقى الكاتب الضوء على مفهوم الأسلمة من خلال بعض الأسئلة المنهجية والنظريات التي تتعلق بكيفية النظر إلى مفهوم القدرة على التغيير في منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة في الخبرة الإسلامية. ورأى أنّ البعض حاول استثناء تلك المنطقة من المفاهيم المعاصرة لعلم الاجتماع؛ إذ يرى الكثيرون أنّ الأسلمة - على سبيل المثال – ما هي إلا حركة إحياء أو نوع من التعبير عن الولاء أو ما شابه ذلك من المفاهيم. ولكن أعاد الغرب النظر إلى أسلمة الشرق الأوسط، ولم تستثن الأبحاث التي أُجريت في الغرب مؤخرًا مفهوم الأسلمة. بل رأى عدد غير قليل من الباحثين الغربيين الأسلمة جزءًا من نظرية "الحركات الاجتماعية".
ويربط الكاتب التغيرات والتحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها المنطقة بالعمل الجماهيري الدؤوب الهادف للتغيير مثل التظاهر وتنظيم الحركات الاجتماعية والثورات الكبرى. ويذكر العديد من الأمثلة كالذي حدث في إيران عام 1905 و1906، وما حدث في مصر عام 1952، وفي العراق عام 1958، وفي الجزائر عام 1962؛ مؤكدًا أنّه لا يمكن تجاهل دور الإسلاميين في الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 حيث جرت إزاحة نظام حكم الشاه، وظهر عصر جديد ليس فقط في إيران، ولكن في المنطقة كلّها. وإضافةً إلى الأشكال المنظّمة من التظاهر، لا يمكن أن نتجاهل تلك الفئة التي لا تجد لديها سوى الشارع للتعبير عن رأيها، مثل العاطلين عن العمل والنساء؛ فباللجوء إلى الشوارع تستطيع تلك الفئات إخفاء هويّتها وتوسيع حركتها وتوسّع رقعة التعاطف معها ومع هدفها، بل تستطيع توسيع نطاق أهدافها إلى درجةٍ لم تكن تتصوّرها أو تخطّط لها. فالشوارع في المدن التي تزجّ بالمطالبات السياسية والاجتماعية تمثّل وجدان من يرتبطون بتلك المطالبات وتتحكّم في السياسات المستجيبة أو حتى غير المستجيبة لهم. وتحدّد أيضًا السياسات التي تتفاعل مع هذه المطالب، سواء المطالب الصغرى أو الكبرى للجماهير.
المفاهيم والقضايا
ما هي اللاحركات الاجتماعية؟
يشير الكاتب في الفصل الأوّل من الكتاب إلى أنّ مصطلح اللاحركات هو جزء من الأنشطة الجماعية التي يقوم بها أفرادٌ لا ينتمون إلى فئة أو إلى طبقة واحدة؛ فهم يقومون بممارسات مشتركة ينخرط فيها عدد كبير منهم حتى لو كانت هناك منظمات أو مؤسسات تشكّل أنماط هذه الممارسات. وأشار الكاتب في الفصل الأوّل إلى أنّ أنشطة الإسلاميين المتطرفين مثال على هذه اللاحركات، إذ تعبّر عن أحلام معظم الفقراء في الشرق الأوسط وآمالهم. وهو ما دفع الكثير من المحللين إلى أن يفسّروا الحركات الإسلامية في العالم العربي على أنّها نظائر للحركات الاجتماعية المدنية. وهى إحدى الوسائل التي استخدمها المهمشون للمطالبة بحقوقهم. وهو ما قد يعلّل حدوث هذه الحركات في المناطق الفقيرة من المدن بصورة خاصة.
ويذهب الكاتب في الفصل الثاني إلى أنّ الوطن العربي في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين دخل نفقًا اقتصاديًا مظلمًا، ولم ير الكثيرون أيّ مخرج منه على الرغم من القدرات الاقتصادية الهائلة التي يمتلكها؛ فعلى الرغم من الدخل الاقتصادي المرتفع، تزايد عدد الفقراء، ولم يكن البحث العلمي أو النظام التعليمي في المستوى المطلوب. ويبدو أنّ إدارة جورج بوش أخذت على عاتقها مهمة تحريك المياه الراكدة في منطقة الشرق الأوسط؛ فطالبت الدول العربية بالاستغناء عن بعض الكتب الدينية، وتغيير نصوص الكتب المدرسية، وتوجيه الأئمة للتخلّي عن نقد الولايات المتحدة الأميركية وسياساتها. وفي هذا الإطار، قامت بتغيير نظام الحكم في أفغانستان والعراق، وتجاهلت رأي الكثير من العرب الذين عدّوا التغيير بالقوة أمرًا غير مقبول.
أمّا الفصل الثالث والذي يبرز مؤشرًا أسماه الكاتب "الزحف الهادئ"؛ إذ رأى أنّ تأثير اقتصاديات العولمة في دول العالم العربي، والتي شهدت انفتاحًا على مفاهيم الحرية والديمقراطية، كان واضحًا، وأنّ مظاهر التأثير اتّضحت في الهيكلة الاقتصادية لتلك الدول، والتي ارتبطت بتقليل الإنفاق العام على الجوانب الاجتماعية، والتحوّل الكبير من الاشتراكية إلى الرأسمالية، والذي صاحبه في كثيرٍ من الأحيان مشروطية سياسية.
وعلى الرغم من أنّ الفقراء كانوا أكثر المتضررين من تلك الهيكلة الاقتصادية، فهم لم يقوموا بالتظاهر أو الاعتراض على الأوضاع القائمة. بل ارتضوا أن يعيشوا على الهامش ولم يمثّلوا قوى التغيير في المنطقة العربية. ويتفق الكاتب مع ما أشار إليه أوسكار لويس في حالة الفقراء؛ إذ يشير إلى حقيقة خمول الفقراء وسكونهم ولامبالاتهم بالفقر وتداعياته الاقتصادية، وعدم رغبتهم في التغيير أو عدم قدرتهم عليه، وهو ما أسماه في نظريته بـ"ثقافة الفقر". تلك الثقافة التي يتبنّونها وتَحول بينهم وبين مقوّمات تغيير الأوضاع المتردّية في دولهم.
أمّا الفصل الرابع، فيتناول دور الجمعيات الأهلية الإسلامية في تجذير الرغبة لدى الفقراء لحدوث تغيير في العالم العربي؛ إذ استطاعت الجمعيات الخيرية الإسلامية أن تحرّك الفقراء نحوها بديلًا عن الدولة العاجزة والمتراجعة اقتصاديًا عن أداء دورها. ولقد كان ذلك ممكنًا وبخاصة لأناس اعتادوا على أن ترعاهم الدولة؛ فمعظم الدول الإسلامية كانت قابعة تحت عباءة حكم ديكتاتوري يمنع مشاركة جمعيات العمل الاجتماعي في تنمية المجتمع. ويعتقد الحكم الديكتاتوري أنّ الدولة هي الأساس، وهي التي يجب أن يضحّي الجميع من أجلها بوصفها المصدر الوحيد للحياة. وهي تمنح هذا الحق في مقابل ولاء الأفراد؛ فالدولة تسيطر على أغلب الموارد والقطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا تترك سوى جزء بسيط من المجتمع يستطيع الاعتماد على نفسه لكي ينمو ويتطوّر بصورة منفردة. ويبدو أنّ الجمعيات الإسلامية الأهلية وعَت ذلك تمامًا ونجحت في سرقة الولاية على الفقراء من الدولة. ومن ثمّ كانت ثورات ثمانينيات القرن الماضي وتظاهراتها تعبيرًا مبكرًا عن عدم الرضا عن السياسات الليبرالية الحديثة في منطقة الشرق الأوسط؛ فقد حاولت العديد من الدول سدّ عجز ميزانياتها عن طريق الحدّ من الإنفاق العام وما شابه ذلك من أساليب. ولكن أدّى ذلك إلى خرق العقد الاجتماعي بين الدول وشعوبها. ومن ضمن الأساليب التي حاولت الشعوب من خلالها الحفاظ على حقوقها والمطالبة بالمزيد، كانت النقابات العمالية؛ فهي تستطيع الاستجابة بسرعة وبانتظام للممارسات غير العادلة التي تمارسها الدولة. وقد ظهر دور هذه النقابات أثناء فترات الاستعمار الأجنبي لهذه البلاد. ويعدّ توسّع عمل الجمعيات الخيرية الإسلامية في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته، تأكيدًا للرغبة في التوجّه نحو أسلمة المنظمات غير الحكومية في منطقة الشرق الأوسط.
ويتحرّك الكاتب بين الفئات المهمشة في فصول الكتاب؛ فبعد الفقراء يتناول في الفصل الخامس النساء بوصفهنّ ذوات وضع خاص في منطقة الشرق الأوسط، ولهنّ ارتباط مباشر بالثورات والتظاهرات التي تحدث في هذه المنطقة. ويضرب مثالًا على ذلك وضع النساء الخاص في إيران ودورهنّ في التظاهر والمقاومة والتفاوض؛ وذلك لشعورهنّ أكثر من غيرهنّ بالظلم وبخاصة داخل الأسر الفقيرة، ما دفعهنّ إلى ممارسة حقوقهن بشتّى الطرق، ولكن كانت أهمّ التحدّيات التي واجهتهنّ ربط مطالبهنّ المشروعة بمطالب المجتمع ككلّ، وتحوّل تلك المطالب الفردية أو الفئوية إلى مطالبَ جمعية.
وفي الفصل السادس يحاول الكاتب تحليل الاتجاهات الفكرية والتنظيرية المتعلقة بالحركات الشبابية في العالم العربي. وتأتي أهمية هذا الموضوع - في رأيه - من تزايد التوقعات والتحذيرات بشأن الوزن السياسي لفئة الشباب في الشرق الأوسط، والتي يعتقد البعض توجّهها لخدمة الإسلامية الراديكالية. بينما يبرز آخرون – كما في حالة فئة الشباب السعودي - توجّهاتها نحو التحوّل الديمقراطي في المنطقة. ومن ثمّ، يرى بيات تعارض الآراء بخصوص اتّجاه تأثير فئة الشباب المسلم بوصفها من الفواعل السياسية والاجتماعية، إمّا لمصلحة الإسلامية الراديكالية أو ضدّها.
ويأتي هذا الخلاف، في رأي بيات – من حقيقة أنّ المنطقة العربية قد شهدت في الأعوام الماضية عمليات حشد جماعات الإسلام السياسي المتشددة لفئة الشباب (في السعودية، ومصر، والمغرب). وشهدت محاولاتهم تحدّي السلطات السياسية والأخلاقية التابعة للنظم المستبدة كما في النظام الإيراني. ومن ثمّ يهتم هذا الفصل بالإجابة عن التساؤلات التالية: أين سياسات اسيعاب فئة الشباب وترشيد الحركات الشبابية؟ وهل يغلب على الحركات الشبابية الميول الثورية أم الميول الإصلاحية؟ وكيف تسهم النظرية السائدة عن الحركات المجتمعية في فهم طبيعة السياسات الشبابية في العالم الإسلامي؟
وفي فصله السابع، يتناول الكتاب إشكالية الإبداع الفني ودوره في التغيير. ويربط بين حياد دور الفنّ في التغيير ونظرة القوى المحفّزة للتغيير إليه وإيمانها بدوره في التغيير؛ إذ انتقد الإسلاميون مثلًا كلّ ما يتعلق بالفنون، بل قام طلاب الجامعات في شمال مصر وجنوبها بمهاجمة جميع الأشكال الفنية، مثل المسرحيات وما شابهها، والتي كانت تقام داخل الحرم الجامعي في ثمانينيات القرن الماضي. وهو أمر أدّى إلى تعمّق الخلافات بين المصلحين والمحافظين داخل الحكومة نفسها؛ فالإسلاميون لا يرغبون في التعامل مع ما يمكن وصفه بالمرح. وهو أمر متجذّر في القواعد الإسلامية ذاتها، كما يقول الكاتب حتى إنّ إحدى زوجات الرسول - عليه الصلاة والسلام - ذكرت في إحدى المرات أنّه لم يضحك قطّ بل كان يكاد لا يبتسم. ويبدو أنّ الإسلام كغيره من الأديان لا يضع أيّ نظرية للمرح. بل إنّ هناك آراء ترى أنّ المرح يهدّد النظام الاجتماعي كلّه، ومن هنا جاءت خطورة التعامل مع الفنّ في التغيير السياسي في العالم العربي.
وبعد تحليل الكاتب الفئات المحفزة والقائدة للتغيير، ينتقل إلى الجزء الثاني من الكتاب، فيناقش في فصله الثامن كيف أنّ الشوارع في العالم العربي أضحت مسرحًا للأحداث مثلما حدث أثناء الثورة الفرنسية، وفي الولايات المتحدة، وفي أوروبا الشرقية؛ فالشوارع أضحت ملاذ جميع الفئات بخاصة من ينتمون إلى الطبقات الدنيا والوسطى، والذين لا يمثّلون جزءًا من مراكز صنع القرار. فالشارع هو المكان الذي يجمع المعروف والمجهول والمرئيّ والصوتي. وفيه تتكوّن العواطف والآراء، وتنتشر. وعندما يقع الشارع في قلب المدينة، يكون ذا أهمية كبرى لقربه من وسائل المواصلات والطرق الرئيسة، ما يشير إلى أهمية الميادين والمناطق الحيوية في قيادة التغيير.
وفي الفصل التاسع، يناقش الكتاب كيف يمكن أن تؤجّج السياسات الحكومية في بلدٍ ما مشاعر الاضطهاد والشعور بالأقلية. ويلقي الضوء على حالة المسيحيين في مصر، وكيف شعر المسيحيون بأنّهم أقلية في العقود الثلاثة من القرن العشرين. ليس بسبب تطوّر الأفكار الإسلامية وتوغّلها فقط، ولكن زاد من هذا الشعور ما تبنّته الحكومات المتتالية من سياسات عنصرية حرمتهم من بعض المزايا التي يتمتع بها غيرهم من غير المسيحيين. ويشرح الكاتب كيف أنّ هذه السياسات الحكومية لا تأخذ في الحسبان إقامة نموذج تنموي يستند إلى التوازن الجغرافي، وكيف يمكن أن يؤدّي التهميش الجغرافي والاستبعاد من مخرجات التنمية إلى ما يسمّى بالراديكالية الإسلامية.
ويتحدّى الكاتب في الفصل العاشر الربط بين كثافة الحركات الاجتماعية والتدرّج بمستويات التغيير حتى تصل إلى الثورة. فقد تكون هناك تحرّكات عديدة في عالمنا الراهن. ولكن هذا لا يعني حدوث تغيرات كبيرة أو سريعة؛ إذ يجب النظر في أهداف هذه الحركات وأساليبها، والتحقّق أيضًا من أنّ نمط التغيير الحادث يوصف بأنّه ثورة، بخاصة في ما يتعلق بالحركات والثورات الإسلامية. لقد سلّطت الثورة الإيرانية الضوء على ما أطلقنا عليه الإسلام السياسي. وكانت هناك آراء ترى أنّ الأمر يرتبط بالشيعة من حيث أنّهم أكثر قدرةً على القيام بالثورات من السنّة. ولكن في الحقيقة لدى السنّة النوازع نفسها. ويعدّ حسن البنّا في مصر أب إحدى أكبر الحركات السياسية الإسلامية وأعرقها في الوطن العربي. وقد استقى معارفه من المودودي، ليطرح الإسلام نفسه على أنّه بديل سياسي واجتماعي واقتصادي وأخلاقي عن الأنظمة القائمة.
أمّا الفصل الحادي عشر، فيناقش الشارع العربي والفرق بين سياسات الشارع والشارع السياسي، وذلك من خلال الإشارة إلى حيّ شبرا في القاهرة من منطلق أنّه أحد الأحياء العريقة التي اختلطت فيها كلّ الطوائف، ومثالٌ للأحياء الشعبية المصرية. فقد كان الحيّ محلًا لإقامة العديد من النبلاء والمواطنين من الطبقة الراقية في فصل الصيف؛ فلفْظ شبرا يأتي من المصطلح القبطي "دجيبرو" أو "سابرو"، ويعني "الريف". وقد اتّسع الحيّ في القرن التاسع عشر. وتحوّل الحيّ وما حوله بالتدريج إلى أحياء للأقباط. أمّا في القرن العشرين، فتحوّلت شبرا إلى سكن المواطنين من الطبقة الوسطى. يمثّل الأقباط نسبة 40%. لذا لا تعدّ الكنائس أمرًا غريبًا على مسلمي المنطقة. بل إنّه لا يمكن التفرقة بين الكنائس والجوامع والزوايا التي تجاورها. لذا تمثّل شبرا الشارع السياسي، وإحدى صور التناغم بين المسلمين والأقباط في مدينة القاهرة. ولكن السياسات الخاطئة لإدارة هذا الشارع أفرزت مواجهات ساخنة واعتداءات وقتلًا. ولقد رأينا بالفعل كيف مرّت مصر بثلاثة عقود من العنف الممنهج بين المسلمين والأقباط؛ فقد جرى قتل العشرات، ومهاجمة الكنائس والمساجد، لعدم دراية صنّاع القرار بمفهوم الشارع السياسي.
ولقد اهتمّ المراقبون بما أسمته جريدة وال ستريت بـ"الشارع العربي اللاعقلاني" أو "الشارع العربي المجنون". وكانت تساؤلات الجريدة عن إمكانية أن يدعم الشارع العربي أسامة بن لادن والحركات الإسلامية المتطرفة في حال هاجمت الولايات المتحدة بلدًا مسلمًا، ما قد يعرّض مصالح الولايات المتحدة للخطر؛ فقد كان هناك تخوّف من الغضب العربي. ولذا ارتبط مفهوم الشارع العربي بالعقل العربي، وما يمثّله من عنف. فقبل ذلك لم يمثّل الشارع الرأي العام العربي؛ إذ ارتبط بردة الفعل العنيفة فقط. ولكن سياسة الشارع بصورة عامة وسياسة الشارع العربي بصورة خاصة، أمر شديد التعقيد. وعلينا أن نتذكّر الدور الكبير الذي قام به الشارع أثناء الثورة الفرنسية، وأثناء الثورة العمالية، والتظاهرات التي عارضت الحرب الأميركية في فيتنام والثورات "المخملية" في أوروبا الشرقية؛ فالشارع هو المحفّز الحقيقي للأفراد العاديين الغائبين عن مؤسسات الدولة القوية، بخاصة العاطلين عن العمل والمهاجرين وربّات البيوت وغيرهم.
ويناقش الفصل الثاني عشر مستقبل الثورات الإسلامية في العالم العربي موضحًا أنّه لا يمكن أن تؤدي هذه الاختلافات والصراعات إلى حدوث تظاهرات أو ثورات؛ فالمسلمون والمسيحيون في مصر، وحتى في ضوء شعور الأقباط بكونهم أقلّية، وأحداث العنف في الإسكندرية عام 2006، لن تؤدّي كلّ تلك الأشكال المتلاحقة للعنف إلى ثورات وتغيرات ثورية راديكالية.
أمّا الفصل الثالث عشر، فيناقش أنّ الاهتمام بالديمقراطية في الوطن العربي أمر ليس بالجديد، لكن الجديد هو الاهتمام المتزايد بالإسلام من منطلق أنّه أحد العناصر التي تعرقل الإصلاحات الديمقراطية؛ لأنّه يرى أنّ الله هو المرجعية، وهو مصدر التشريع. والجديد أيضًا تلك المقولة التي ترى أنّ الإسلام لا يتماشى مع الديمقراطية؛ إذ لا يقبل بعض المفاهيم مثل المواطنة والحرية، بل يحضّ أتباعه على العنف والجهاد. لذا فهو لا يتبنّى المفاهيم نفسها التي يتبنّاها الغرب؛ فالغرب يهتمّ بالحرية والانفتاح والإبداع. وهي مفاهيم لا يرضى عنها الإسلاميون.
ويرى الكاتب في هذا الفصل أنّ الأمر لا يتعلق بإذا ما كان الإسلام مع الديمقراطية أو ضدّها. ولكن الأمر يرتبط بإمكانية تكيّف الإسلام مع الديمقراطية وتبنّي أفكارها. فلا شكّ في أنّ أيّ تغيير أو إصلاح للأنظمة الديكتاتورية يتطلّب الكثير من الجهد. ولكن تظلّ التغيرات والأساليب الديمقراطية ذات أهمية كبرى للإصلاح السياسي والاقتصادي والمجتمعي في أيّ دولة.
خلاصة تحليلية
يعدّ هذا الكتاب من أهمّ الكتب في المكتبة العربية، لفهم خصوصية المنطقة العربية لأشكال التغيير السياسي ودينامياته؛ فبقراءته قد نصل إلى الإجابة عن السؤال المحيّر: لماذا لم تنجح بعض محاولات التغيير في العالم العربي؟ إذ رأى الكاتب من خلال كتابه أنّ إمكانات اللاحركات الشبابية في العالم الإسلامي للتغيير مرهونة بقدرة الأنظمة السياسية والاجتماعية على "استيعاب" مطالبها الشبابية، فلو جرى تضمينها في النظم السياسية، لاندثرت اللاحركات الشبابية، وبقي الشباب وحدة سياسية محافظة كسائر الجماعات الأخرى. أمّا إذا جرى تجاهل هذه المطالب والتعامل معها باستهانة، فستتحوّل إلى قوى تنادي بالتغيير والديمقراطية في المنطقة. وهنا لا بدّ لتلك الحركات الشبابية أن تتحرّك سياسيًا مثل حركة "6 أبريل" المصرية. وأكّد الكاتب أنّ النظم السياسية الحالية في العالم الإسلامي تفتقر إلى القدرة على استيعاب فئة الشباب، ما يعني تنبّؤه بما حدث مؤخرًا في العالم العربي، حين قادت اللاحركات الشبابية حافلة التغيير تحت مظلة الإصلاح الاقتصادي (العيش)، والديمقراطية (الحرية)، والعدالة الاجتماعية. هذا التغيير الذي تحدّث عنه الكاتب من خلال مفهوم "الزحف الهادئ" المتمثل في تأثيرات العولمة الاقتصادية في تغيير الهياكل السياسية في المنطقة. ويبدو أنّ الشباب المسلم في العالم العربي كما أشار الكاتب، في صراع مستمر لتأكيد شبابيته والمطالبة بها من ناحية، ومحاولة استرجاع حقوقه وتصيّد الفرص من المساحات السياسية المتاحة أمامه، واللجوء إلى الدين والالتفاف حوله من ناحية أخرى. وهو في ظلّ تلك الثنائيات يوائم بين الهويّة الشبابية والمسلمة، والظروف السياسية والاقتصادية. وهو ما يجب أن يمثّل مصدر اهتمام النظم السياسية. ولعلّ التعارض بين الهويّتين يفسّر ما شهده العالم العربي مؤخرًا، وما أسمته الأوساط العلمية بـ"الربيع العربي".
ويؤخذ على الكاتب ولوعه بالمقارنة بين النموذج الإيراني وما عداه من النماذج الأخرى في العالم العربي، ثم تعميم النتائج على "العالم الإسلامي"؛ ما يعدّ نوعًا من المجازفة بتعميم الحالة الإيرانية. وهو نوع من التحيّز المنهجي الذي يصعب قبوله؛ إذ صحيح أنّ الكاتب كان موفّقًا في ما يتعلق بإيضاح ضغوط قوى الإصلاح الديني النابعة من المؤسسات الرسمية، والتي تسعى إلى إعادة إحياء قيمة السند والانتماء إلى المنظومة العلمية التراثية. ولكنّه أوضح أنّه لا يمكن تجاهل انتشار خطاب الدعاة الجدد الذين يسعون إلى مغازلة الميول الشبابية التي يصفها بيات بالمزيج بين المدنّس و"المقدّس". وهو الجانب الوحيد الذي تناوله الكاتب بالتحليل. ومع ذلك تناسى بيات تحوّل الخطاب الديني الدعوي في معظم النظم السياسية العربية إلى خطاب ثقافي ترفيهي يتزعّمه أبطال "التوك شو"، ويحرّكه رأس المال الإعلامي بالأساس. ولهذا يصعب في خضمّ التفاعلات الصدامية والاستيعابية التي يعيشها الشباب بين تلك التيارات داخل المجال الديني، اختزال توجّهاتهم في الثنائية التي يطرحها بيات، وهي المدنّس والمقدّس. ما يؤكّد مرةً أخرى، قصور المقارنة مع الحالة الإيرانية، وخطأ التعميم والتسرّع بقبول نظرية عن التغيير في العالم العربي، فضلًا عن المجتمع المسلم في الشرق الأوسط. وتبقى الإضافة الحقيقية لهذا الكتاب في جملة المفاهيم التي طوّعها الكاتب، وهي "اللاحركات الاجتماعية"، و"الثورة بالإنابة"، وسرقة ولاية الدولة من جانب مؤسسات المجتمع المدني، ومفهوم السياسة الجديد الذي يولي المواطن كلّ الاهتمام لا النخب السياسية، لتساهم في بلورة إطار نظري مبدع يساعد على فهم ما يحدث في عالمنا العربي.