إشراف: بيير سينغارافايلو وسيلفان فينير Venayre Sylvain & Singaravélou Pierre
ترجمة: مجموعة من الباحثين.
تنسيق ومراجعة: محمد حبيدة.
عنوان الكتاب:
تاريخ العالم في القرن التاسع عشر.
العنوان الأصلي:
Histoire Du Monde Au XIXe Si ècle.
الناشر: الدار البيضاء: مؤسسة الملك عبد العزيز للدراسات الإنسانية.
سنة النشر: 2021.
عدد الصفحات: 940 صفحة.
مقدمة
صحيح أنّ للرؤية الكونية باعًا طويلًا في حقل الدراسات التاريخية التي تبدأ، كما هو معلوم، مع أب التاريخ هيرودوت، وظلّت مستمرة أيضًا على نحو واضح في الأدبيات الإغريقية واللاتينية القديمة، وأيضًا في الدراسات التاريخية الأوروبية الوسيطية والحديثة على حدّ سواء، بيد أنّها كانت تنبني، في حقيقة الأمر، بالأساس، على مركزية الذات وهامشية الآخر، والتي بلغت أوجَها مع النزعة "المركزية الأوروبية" أو "النزعة الغربية"، إشارة إلى أوروبا وامتداداتها في العالم الجديد (الولايات المتحدة الأميركية، وكندا، وأستراليا، ونيوزيلندا ... إلخ). ومع ذلك، فالحاصل أنّ هذا الواقع، الذي عمّر طويلًا تحت وطأة الأحداث الكبرى التي هزّت أوروبا ومعها بقيّة العالم، من حربين عالميتين مدمّرتين، سرعان ما تبدّد، فاسحًا بذلك المجال أمام مجموعة من المدارس التاريخية لتجديد الصّنعة أو مهنة المؤرخ. وارتباطًا بذلك، برز حقل جديد في الهيستوريوغرافيا الغربية لا يستسلم لمفاعيل "المركزية" وإغراءاتها الموغلة في الإعلاء من شأن الذات والتنقيص من شأن الآخرين، وبدلًا من ذلك استعاض عن نموذج الغرب بتبنّي منظور كوني للماضي الإنساني، وفق حركية عالمية تستجيب لحقبة العولمة التي تشعرنا بأنّ ثمّة شيئًا يكاد يجمعنا.
إذا كان "التاريخ العالمي" قد قطع أشواطًا كبيرة في الأوساط الأكاديمية الأنكلوسكسونية، المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص، وبدرجة أقل في ألمانيا وهولندا وفرنسا وإيطاليا، التي كافح روّادها - جماعة المؤرخين - من أجل أن يكتسب هذا الحقل - تاريخ العالم - هويته المتفرّدة، ضدًّا في المقاربات الكلاسيكية اللصيقة بما هو قومي ومحلّي صرف، سواء تعلّق الأمر بالأبعاد أو طبيعة المقاربات والموضوعات والإشكاليات، مستفيدين في ذلك من تطوّر المعرفة التاريخية ورؤاها ومقارباتها، وانفتاح المؤرخين على الحقول الأخرى في العلوم الإنسانية والاجتماعية (الاقتصاد، وعلم الاجتماع، وعلم السياسة، والجغرافيا، والأنثروبولوجيا، والعلاقات الدولية ... إلخ)، فإنّه مع ذلك كله، يظلّ هذا التوجّه حقلًا بكرًا في بقيّة الفضاءات الجغرافية الأخرى.
في هذا السياق، أيضًا، وإن كان المقام فعلًا لا يتّسع للتفصيل، نشير إلى أنّ أحد أهداف "تاريخ العالم" هو إبراز الأنساق المشتركة لتاريخ كل الناس، وعرض التاريخ العالمي بوصفه تجربة إنسانية متداخلة ومترابطة ومشتركة. وفي هذا الإطار، يعتبر كتاب صعود الغرب، للمؤرخ الأميركي وليام ماك نيل، حقًّا محاولةً مؤسسة في هذا الباب، ويمكن أيضًا أن ندرج ضمن الإطار نفسه الدراسات الأميركية حول ما يُصطلح على تسميته "حديث النهايات"، في إشارة إلى عمل كل من فرانسيس فوكوياما، نهاية التاريخ والإنسان الأخير، وصمويل هنتنغتون صراع الحضارات، والمؤرخ الإسكتلندي نيال فيرغسون الحضارة: الغرب والبقية. لكن يظلّ كتاب كريستوفر بايلي، ولادة العالم الحديث، وكتابا المؤرخ الألماني يورغين أوسترهاميل العولمة: تاريخ موجز، وتحول العالم: التاريخ العالمي في القرن التاسع عشر، أعمالًا رائدة في هذا القطاع الهيستوريوغرافي.
على هذا النحو، وتماشيًا مع هذه "الموضة الجديدة" التي أخذت حيّزًا مهمًّا في الفضاءات الأنكلوفونية والألمانية، نجد أن الأوساط الفرنكوفونية هي الأخرى أولت اهتمامًا على نحو متزايد بهذا القطاع الهيستوريوغرافي؛ "التاريخ العالمي" أو "التاريخ الكوني"، خاصة خلال العقد الأخير. وفي هذا السياق، تُشكّل الكتب، سواء التي أشرف عليها باتريك بوشرون، تاريخ العالم في القرن الخامس عشر،و حرّرها وحده، تاريخ فرنسا العالمي، أعمالًا مؤسسة حقًا في هذا الباب. وضمن هذا السياق العام أيضًا، يندرج مؤلَّف تاريخ العالم خلال القرن التاسع عشر، الذي نُشر عام 2017 عن دار النشر الفرنسية فايار، والذي شارك في إخراجه ما ينيف على مئة باحث وباحثة، وتحت إشراف المؤرخين بيير سينغارافايلو وسيلفان فينير.
صفوة القول، يعدّ هذا الكتاب الجماعي الضخم حقًّا محاولة طموحة وعلامة فارقة على الخروج من الرؤية الغربية الضيّقة والاستعاضة عنها بانتهاج رؤية شمولية كونية لتاريخ العالم، بغية استشراف عوالم أرحب، ما من شأنه أن يعطي الكلمة الفرنسية القديمة (تولموند) معناها الكامل حقًّا، حيث يغدو التاريخ تاريخ كلّ الناس Mankind. وقد نُقل هذا العمل حديثًا إلى العربية، بمساهمة باحثين مغاربة وتونسيين، وسهر على تنسيقه ومراجعته محمد حبيدة، أستاذ التاريخ الاجتماعي ومناهج البحث والترجمة بجامعة ابن طفيل بالمغرب، وصدر في 940 صفحة من القطع المتوسط، عن "سلسلة ترجمات" في مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود في الدار البيضاء بالمغرب عام 2021. ويشكّل الكتاب في حلته العربية قيمة مضافة للمشتغلين في الدراسات التاريخية، وما يزيدها رونقًا وأهمية كونها أقرب إلى الكتابة الثانية المبدعة، منها إلى الترجمة بالمعنى الحرفي للكلمة.
*هذه المراجعة منشورة في العدد 15 من مجلة "أسطور" (شباط/ فبراير 2022)، وهي مجلة محكّمة للدراسات التاريخية المتخصصة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا كل ستة أشهر.** تجدون في موقع دورية "أسطور" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.