صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ضمن سلسلة "ترجمان"، الجزء الثاني من كتاب تاريخ الدولة العثمانية الحديثة History of the Ottoman Empire and Modern Turkey المكوّن من جزأين، وهو من تأليف ستانفورد ج. شو وإيزيل كورال شو وترجمة أحمد سالم سالم. وجاء الثاني تحت عنوان الإصلاح والثورة والجمهورية: قيام تركيا الحديثة (1808-1975) Reform, Revolution, and Republic: The Rise of Modern Turkey, 1808-1975. أما الجزء الأول فكان بعنوان إمبراطورية الغازي: صعود الدولة العثمانية وانحدارها (1280-1808) Empire of the Gazis: The Rise and Decline of the Ottoman Epire,1280-1808).
يقع الجزء الثاني من الكتاب في 841 صفحة، شاملًا تصديرًا، ومقدمة خاصة للطبعة الثانية من الكتاب الأصلي، وستة فصول. كما يورد المؤلف في نهاية الكتاب بيبلوغرافيا تفصيلية لكل ما تعلق بتاريخ الدولة العثمانية وتركيا الحديثة (1808-1975)، وضمنه أيضا ملاحق بقائمة الصدور العظام ورؤساء الوزراء العثمانيين (1839-1922)، وقائمة برؤساء الجمهورية التركية، وقائمة أخرى برؤساء وزراء المجلس الوطني الكبير والجمهورية التركية، وفهرسًا عامًّا.
يتناول الجزء الثاني من الكتاب التحولات العميقة التي شهدتها الدولة العثمانية في قرنها الأخير، وصولًا إلى تأسيس الجمهورية التركية. ويركّز المؤلفان على محاولات التحديث في مؤسسات الدولة وبنيتها الاجتماعية، في ظل ضغوط خارجية متزايدة، وصعود التيارات الفكرية والقومية؛ ما أدى إلى تفكك السلطنة وبروز الجمهورية. ويُظهر السرد كيفية تشابك الحروب والانتفاضات والأزمات الصحية والاقتصادية، وتشكيلها خلفية مأساوية جامعة لمختلف شعوب السلطنة من أرمن وأتراك وعرب ويونانيين ويهود، بعيدًا من المقاربات الأحادية أو المنحازة.
يتميّز هذا الجزء الثاني بأنه استند إلى محفوظات عثمانية ومراجع غربية؛ ما أتاح للمؤلفَين تقديم قراءة تاريخية متوازنة، تراعي التعدد الثقافي والعرقي لمجتمعٍ غير متجانس. وقد أثارت معالجة قضية الأرمن نقاشًا واسعًا، خصوصًا لدى القرّاء الأرمن، وكان الإصرار على عرض معاناة هؤلاء جزءًا من عرضٍ أوسع لمأساة عامة ينبغي فهمها ضمن سياق مركّب متعدّد زاويا النظر. ويدعو المؤلفان في خاتمة الكتاب إلى مقاربة نقدية منفتحة لتاريخ هذه الحقبة تتيح فحص الروايات المتعددة والمقارنة بين مصادرها؛ لتكوين وعي تاريخي أعمق وأكثر تحررًا من المقولات الجاهزة. وبذلك، يُعدّ هذا الجزء من الكتاب مساهمة نوعية في فهم التحولات الكبرى التي أسّست لقيام تركيا الحديثة، ومرجعًا مهمًّا لفهم تاريخ المنطقة بعيون عربية ناقدة.
إن وجود هذا الجزء من الكتاب في المكتبة العربية له أهمية كبرى في إثراء الفكر التاريخي العربي ودعم الباحثين والمهتمين بتاريخ المنطقة؛ فهو يُعدّ مرجعًا قيّمًا لأي قارئ عربي يتطلع إلى فهم التغيرات التي مرت بها الدولة العثمانية، والتي كانت أساسًا لتشكيل تركيا الحديثة.