نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدورة الخامسة للمدرسة الشتوية الدولية بعنوان "وسائل التواصل الاجتماعي، الرقابة، ومجتمعات السيطرة". وذلك في الفترة 6-11 كانون الثاني/ يناير، في مقر المركز بالدوحة. وشارك في الدورة 36 باحثًا وباحثة، بين مشاركين ومحاضرين ومعقّبين، وعرض فيها 19 من الباحثين مشاريعهم البحثية في جلسات متخصصة ركّزت على جوانب مختلفة من دراسة الرقابة ووسائل التواصل الاجتماعي، استنادًا إلى بيانات من الولايات المتحدة الأميركية، ومصر، وإيران، والهند، والسعودية، وفلسطين، ونيجيريا.

الانطلاقة

استُهلّ اليوم الأول بكلمة ترحيبية ألقاها هاني عواد، الباحث في المركز العربي، أشار فيها إلى مساهمة المدرسة الشتوية في إنتاج معرفة معمّقة ونقدية عن موضوعات مختارة في العلوم الاجتماعية والإنسانية، فضلًا عن إتاحة فُرصٍ للباحثين الشباب وطلبة الدكتوراه يتعرّفون من خلالها إلى مقاربات مختلفة تساهم في تعميق المعرفة عن هذه الموضوعات. وأشار الباحث إلى أن الدورة الحالية تهدف إلى مناقشة الأجندة البحثية الناشئة عن التفاعل بين وسائل التواصل الاجتماعي، والرقابة، وسيطرة الحكومات والشركات، وتأثيرها في الثقافة الجماهيرية، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

الاستعارات الشائعة في دراسات الرقابة

ألقى ديفيد ليون، المدير السابق لمركز دراسات المراقبة في جامعة كوينز في كينغستون في أونتاريو، والباحث الرائد في دراسات الرقابة، المحاضرة الافتتاحية للمدرسة بعنوان "الاستعارات الشائعة الخاصة بالمراقبة وسبب أهميتها". وفيها قدّم قراءة لثلاث استعارات شائعة في دراسات الرقابة، هي: "الأخ الأكبر"، و"البانوبتيكون" و"عين الله". وطرح الباحث أهمية معرفة استخدام هذه الاستعارات في التقويم العام للمراقبة لأنها تتيح للمجتمع المدني فرصًا للتفاعل مع القضايا العامة التي ترتبط اليوم بقوة الشركات الكبيرة وعلاقتها بالحكومات من جهة، وبحقوق الإنسان والعدالة والرعاية والمشاركة الاجتماعية والسياسية من جهة أخرى.

خلال الجلسة الأولى من المدرسة الشتوية، عرضت كلّ من كوثر علي ورقة عنوانها "المقاومة الرقمية الفلسطينية وسياقها الاستعماري الاستيطاني"، وآية صوفان ورقة بعنوان "استكشاف سرديات الحروب، والمبادرات الرقمية، والرقابة في الحرب الإسرائيلية على غزة". وقد بيّنت علي السياق التاريخي للعرق والعنصرية والسلطة في الثقافات الرقمية، وذلك من أجل فهم أوسع لاختيار الأدوات الرقمية لقيادة نشاط عبر الإنترنت ضمن العدالة الاجتماعية، في حين ناقشت صوفان كيفية أداء سرديات الحروب دورًا حاسمًا في تحديد الهوية الذاتية، والتبرير والتحدي، معتمدةً في ذلك على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بوصفها دراسة حالة.

وخلال الجلسة الثانية، قدّم أشرف أبو موسى ورقة بعنوان "العمل الإنساني في عصر الاستعمار الرقمي: حالة فلسطين"، وناقش من خلالها تأثير الاحتلال الرقمي في العمل الإنساني في فلسطين، وعرض الواقع الجديد الذي يخلقه هذا النوع من الاحتلال في بنية العمل الإنساني وهيكليته. وقدّمت إيتكساسو دومينغيز دي أولازابال ورقة بعنوان "العزلة الرقمية في فلسطين: الجغرافيا السياسية لما يسمى بـ ’الفجوة الرقمية‘"، بيّنت من خلالها أنه لا يجري التمييز ضد الفلسطينيين رقميًّا فقط، بل تُنتهك استقلاليتهم وخصوصيتهم عبر الإنترنت أيضًا، بسبب الاستخدام الواسع لتكنولوجيا المراقبة والأنظمة اللوجستية والأبعاد المتعددة للقيود على المعلومات.

محاضرات، جلسات، ورشات وموائد مستديرة

افتُتح اليوم الثاني للمدرسة الشتوية، الأحد 7 كانون الثاني/ يناير، بمحاضرة بعنوان "التضليل الإعلامي والمراقبة والتصيّد على/ في الشرق الأوسط"، قدّمها أحمد الراوي - أستاذ مشارك في الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي والاتصال العام في كلية الاتصالات في جامعة سيمون فريزر، وعضو مؤسس في أكاديمية التربية الإعلامية والرقمية في بيروت - عرض خلالها الظواهر المتطورة للتضليل الإعلامي، والتصيد والمراقبة في الشرق الأوسط. وناقش أنّ الدولة، في بعض الدول العربية، ليست الطرف الوحيد المنخرط في العمليات الإعلامية، إذ طوّر كثير من الأحزاب السياسية وحتى الميليشيات، جيوشًا إلكترونية خاصة تُستخدم لتشويه سمعة خصومها وإسكات المعارضة. وباستخدام قواعد بيانات واسعة ومقابلات مع ناشطي حقوق الإنسان وأدلّة تجريبية، بيّنت المحاضرة كيفية استهداف الصحافيين النقديين والناشطين، في كثير من الأحيان، بحملات تضليل منسقة على وسائل التواصل الاجتماعي لتشويه صدقيتهم والإضرار بسمعتهم.

أعقبت المحاضرة طاولة مستديرة ترأّسها فادي زراقط، حول الحروب ووسائل التواصل الاجتماعي، بمشاركة كلّ من الباحثين أحمد الراوي ومارك أوين جونز ومحمد حماس المصري ومحمد زياني ونديم ناشف. وتناولت كيفية تفاعل استخدام منصات وسائل التواصل الاجتماعي مع تقنيات ضبط المحتوى وتحديده، ونشر المعلومات المضللة والخاطئة، مما أدى في بعض الأحيان إلى فهمٍ مجزّأ أو مضلل للصراعات، واستغلال أطراف عديدة هذه المنصات؛ بغرض الدعاية.

ثم عرض أحمد أبو زيد ورقته حول "مكافحة الإرهاب، وتشريعات الجرائم الإلكترونية، وقوة الأوتوقراطية الرقمية"، وقدّم السيد عبد الحميد ورقة بعنوان " سرديات السجناء السابقين المضادة وتشكيل الذوات الحدّية".

التغريدات المؤيدة للدكتاتورية على منصّة إكس

افتتح مارك أوين جونز، الأستاذ المشارك في دراسات الشرق الأوسط في جامعة حمد بن خليفة في قطر، اليوم الثالث، الإثنين 8 كانون الثاني/ يناير، بمحاضرةٍ عنوانها "من ’ الغسل الأخضر‘ إلى التغريدات المؤيدة للدكتاتورية: الخداع الضار على منصة إكس (تويتر سابقًا)"، تناولت بروز مظاهر الدعاية حول التغير المناخي واستراتيجيات الاستقطاب عبر وسائل التواصل الاجتماعي في السودان. وتسلط دراسات الحالة هذه الضوء على التحديات في تأطير "أوامر الخداع" و"عمليات الخداع"، واقترحت نموذجًا لتحديد التفاعلات بين وكلاء الخداع والجغرافيا السياسية.

ثمّ قدّمت إيزادورا بورخيس مونروي ورقتها بعنوان "لمن الرقابة الجماعية عبر الإنترنت؟ آثار التأطير والعلاقات بين الجماعات في الرأي العام"، عرضت فيها مقياسًا لمزاعم الخصوصية المتنافسة، بعيدًا عن مخاوف الخصوصية الذاتية المرجعية والتغاير الاجتماعي الديموغرافي. أعقبتها ورقة لنور حموي، بعنوان "تأثير المعلومات المضللة في المظالم القائمة على الهوية: دراسة داخل المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة"، تناولت تأثير نشر المعلومات الكاذبة والمضللة في المظالم المرتبطة بالهوية ودورها المحتمل في تعزيز الولاء للمجموعة.

اختُتمت أعمال هذا اليوم بورشة عمل قدّمها فادي زراقط، رئيس وحدة دراسات المجال الرقمي الاجتماعي العربي في المركز العربي، بعنوان "الهندسة العكسية لوسائل التواصل الاجتماعي". تناولت الورشة وسائل التواصل الاجتماعي بأسلوب تفكيكي هندسي، يتيح التعرف إلى مكوناتها وبناها الهندسية التي تسمح بتشكيل الجاليات والمجتمعات، وربط الأفراد والشخصيات والكيانات. وعرضت سبل الاستفادة من هذا التفكيك الهندسي العكسي لجمع البيانات والمعطيات وإعادة تركيبها من أجل إنتاج الدراسات الأكاديمية.

"وسائل التواصل الاجتماعي، الرقابة، ومجتمعات السيطرة"

افتُتح اليوم الرابع بطاولة مستديرة ثانية حول موضوع هذه الدورة، ترأّسها هاني عوّاد وشارك فيها كلّ من أحمد الراوي وديفيد ليون وهيثر جابر ومارك أوين جونز وطه ياسري. تناولت التفاعل بين وسائل التواصل الاجتماعي، والرقابة، وسيطرة الحكومات والشركات وتأثيرها في الثقافة الجماهيرية.

ثم قدّم برونو شميت فورهيرد ورقة بعنوان "المنشورات، والوطنيون، والدعاية: التعبئة الوطنية في وسائل التواصل الاجتماعي السعودية". وباستخدام وسائل التواصل الاجتماعي السعودية دراسةَ حالة، أوضحت الورقة أنّ الدولة تطمح إلى التأثير في الجدال العام من خلال عمليات معلوماتية موالية للحكومة، لكنّها تنجح في ذلك جزئيًا. وتبيَّن، بدلًا من ذلك، كيفية اعتماد الدولة أيضًا على تعبئة مؤيديها لتعزيز نقاط الحوار المؤيدة للحكومة. وعرضت لورا شون ورقة بعنوان "تحوّل علاقات الدولة - المجتمع في العصر الرقمي: وسائل التواصل الاجتماعي بوصفها ميسّرًا للاستجابة في المملكة العربية السعودية في ضوء تغير المناخ"، أوضحت من خلالها كيف تؤدي وسائل التواصل الاجتماعي دورًا ميسّرًا للاستجابة في السياقات الأوتوقراطية.

وعرضت باريشهر كاظمي، في الجلسة الأخيرة، ورقة بعنوان "بين التخفّي والاعتقال: ديناميات المقاومة والقمع في النشاط الرقمي للمرأة الإيرانية"، تناولت كيفية محاولة الدولة قمع المعارضة النسائية وكيفية صوغ النساء نشاطهن في مواجهة هذا القمع. وعرضت ميترا شمسي ورقة بعنوان "وسائط النشاط النسوي الإيراني: سياسات المرئي"، ناقشت خلالها ديناميات وسائل التواصل الاجتماعي وإمكاناتها في سياق نشاط المرأة في إيران؛ فثمة من يرى أنّ حملات النساء تؤدَّى في فضاءات هجينة، حيث تتشابك المنصات الإلكترونية وغير الإلكترونية، ووسائل الإعلام الرقمية البديلة والسائدة، لحشد الدعم وجذب انتباه وسائل الإعلام المحلية والدولية السائدة.

يذكر أنّ أعمال هذه الدورة ستُختتم يوم الخميس، 11 كانون الثاني/ يناير، حيث ستُعرض مجموعة أوراق للمشاركين، إضافةً إلى محاضرة عامة وورشة عمل حول استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي من أجل سلامة المجتمع.

افتُتحت أعمال اليوم الخامس، يوم الأربعاء 10 كانون الثاني/ يناير، بعرض ورقتين لديبورا دايك وجويندالينا سيمونسيني. عرضت دايك في ورقتها بعنوان "الرقابة والرقابة المضادة على نشاط وسائل التواصل الاجتماعي في نيجيريا: حملة #EndSARS 2022، وتويتر وبرامج الفي بي إن"، أساليب الرقابة التي تمارسها نيجيريا على وسائل التواصل الاجتماعي وتصوّر المواطنين لهذه الرقابة. وأعقبتها ورقة سيمونسيني، بعنوان "التغلّب على انعدام الأمن الرقمي، وإعادة التفكير في الأمان: النشاط الرقمي النسوي التونسي في زمن التراجع الديمقراطي"، التي تناولت تصوّر الناشطات الرقميات النسويات في تونس وفهمهنّ للأمن الرقمي، والاستراتيجيات التي ينفّذنها لحماية أنفسهن في النشاط السياسي على الإنترنت وخارجها.

في الجلسة الثانية، عُرضت ورقتان، الأولى لم. م. وسيم حول "السلطوية الرقمية في الهند وسعي حزب بهاراتيا جاناتا إلى ’هندو راشترا‘"، بحثت في جوانب من السلطوية الرقمية في الهند، والثانية لهبة البيض بعنوان "تأثير السياق القانوني في تعزيز مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، ناقشت فيها نجاح دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في اعتماد أحكام قانونية كافية تحقق توازنًا فعّالًا بين مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي وحماية المستخدمين.

ثم قدّمت ريبيكا إل. ستاين، الأستاذة المشاركة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية في جامعة ديوك في الولايات المتحدة، محاضرة بعنوان "الحرب ووسائل التواصل الاجتماعي والسياسات المرئية"، واستنادًا إلى دراساتها السابقة حول "العسكرة الرقمية"، ركّزت على محاولات إسرائيل ومؤيديها لإدارة ميدان الأدلة المرئية، والقلق الذي تولّده نتيجة لتزايد انتشار شهادات الفلسطينيين في غزة عبر الهواتف الذكية، وقدرتهم على إنتاج صور للعدوان الإسرائيلي على المباشر.

الحركات الاجتماعية والرقابة عبر وسائل التواصل الاجتماعي

افتُتح اليوم السادس والأخير من برنامج المدرسة الشتوية، الخميس 11 كانون الثاني/ يناير، بمحاضرة لطه ياسري، أستاذ في كلية علم الاجتماع وزميل في معهد جيري للسياسات العامة في جامعة كوليدج دبلن، بعنوان "هل يمكن التعهد الجماعي إنقاذ السوق الاجتماعية للأفكار؟"، ناقش فيها المزايا والعيوب المحتملة للمبادرات المجتمعية التي تهدف إلى الإشراف على المحتوى في وسائل التواصل الاجتماعي، مستندًا إلى أبحاث سابقة وتحليل أوّلي لبيانات Birdwatchعلى منصة إكس (تويتر سابقًا).

ثمّ عُرضت ثلاث أوراق لكلّ من أمين نائيني، بعنوان "أمننة الاحتجاجات العامة: استكشاف دور حملات التضليل على الإنترنت التي تقودها الدولة في إيران"، وأمين مجيدي فرد، بعنوان "الوسم في وسائل التواصل الاجتماعي بوصفه أداة للسيطرة على الحركات الاجتماعية"، والهه اسلامى، بعنوان "الحكم من خلال التمكين: الأعمال التجارية النسائية عبر الإنترنت وأنظمة القيمة المتنافسة في إيران ما بعد الثورة". حيث ناقش نائيني، حملات التضليل التي تستخدمها الحكومة الإيرانية على الإنترنت لأمننة احتجاجات الشارع واعتبار القمع إجراءً لحماية الأمن العام. وعرض مجيدي فرد وصفًا لاستراتيجيات الوسم على وسائل التواصل الاجتماعي ضمن حركة "المرأة، الحياة، الحرية" في إيران، وعرضت اسلامى أنشطة ريادة الأعمال النسائية الرقمية في سياق الحداثة والتنمية في إيران.

اختُتم اليوم الأخير من الدورة بورشة عمل قدّمها مهندس البرمجيات الرئيس في معهد قطر لبحوث الحوسبة QCRI، حمدي مبارك، بعنوان "استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي من أجل سلامة المجتمع: أدوات ودراسات حالة"، عرض فيها بعض الأدوات التي يمكن استخدامها لزيادة سلامة المجتمع، بما في ذلك الكشف عن خطابات الكراهية والرسائل العشوائية، وقدّمت دراسات حالة لفهمٍ أفضل للصراعات السياسية والشائعات مثل الآراء حول لقاحات فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) والهجمات على قطر قبل كأس العالم 2022.