نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدورة الثانية من المدرسة الشتوية في الفترة 3-11 كانون الثاني/ يناير 2021، بعنوان "الدولة وتحولاتها"، عبر تطبيق زوم ومنصات التواصل الاجتماعي التابعة للمركز.

شارك في الدورة الثانية من المدرسة الشتوية 10 باحثين من خلال كتابة أوراق بحثية تطرح إشكاليات تتعلق بمفاهيم الدولة وتحولاتها. وقد تعددت وتنوعت اختصاصاتهم وموضوعاتهم، وهي تمتد لتشمل الحرب الباردة، وقيود السيادة، وبناء الدولة بعد الاستعمار، وغير ذلك.

وعالجت أوراق المشاركين موضوع الدولة وتحولاتها من خلال نماذج مخصوصة من الوطن العربي وخارجه، وطرحت جملة من الأسئلة المركزية على غرار: ماذا يعني أن تكون دولة ذات سيادة في زمن تصاعد التدخل الأجنبي المباشر؟ أيتعلق تعريف السيادة بالحدود الجغرافية فقط أم يجب أن يعني شيئًا آخر أكبر؟ وهل يمكن أن تكون الدول الضعيفة ذات سيادة حقيقية؟ وما المتغيرات الأهم في تفسير مسارات تشكل الدول في الوطن العربي وخارجه؟ وكيف يفسر ذلك التطور السياسي لهذه الدول وسيادتها اليوم أو غياب هذه السيادة؟

قدّم الدكتور وجيه كوثراني في اليوم الأول من المدرسة الشتوية أولى المحاضرات وعنوانها "عندما تتحول القيادة الطائفية إلى وسيط بين المواطن والدولة: النموذج التاريخي المستحيل، معطيات من التجربة اللبنانية"؛ إذ حاول فيها تفكيك مداخلة الدولة المستحيلة، من خلال التركيز على العوامل الداخلية المتعلقة بالفاعلين السياسيين، وممارساتهم، ومضامين الثقافة السياسية التي ينطلقون منها. وبناء عليه، قسّم التاريخ اللبناني إلى مراحل تاريخية بدءًا من التاريخ العثماني، مرورًا بمحطات مصيرية في تاريخ لبنان كإعلان دستور 1926 وميثاق الاستقلال عام 1943 وميثاق الطائف عام 1989، وصولًا إلى تحليل المرحلة الراهنة والتغيرات التي عرفتها بنية النظام الطائفي في لبنان، مشيرًا في ختام محاضرته إلى أنّ الطائفية تزداد صلابة في الحالة اللبنانية.

افتُتح اليوم السادس من المدرسة، 8 كانون الثاني/ يناير 2021، بمحاضرة لدانيال نيكسون وأليكساندر كولي بعنوان "الخروج من الهيمنة". وتركز موضوع المحاضرة على كتاب صادر للباحثَين له العنوان نفسه، يطرح إشكالية النظام الدولي ودور الولايات المتحدة الأميركية فيه خلال فترة حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب. كما ذهب المحاضران إلى استشراف التغيرات التي ستطرأ على السياسة الخارجية الأميركية خلال فترة حكم الرئيس المنتخب جو بايدن؛ إذ ينطلقان من افتراض نظري يتمثل في أن فترة الهيمنة الأميركية على النظام الدولي قد انتهت، وأن انتهاءها غير مقترن بحكم ترامب فحسب، بل إنه بدأ منذ عقد من الزمن تقريبًا. وبناء عليه، يقترح الباحثان أن على الولايات المتحدة أن تتأقلم وتساير النظام العالمي الجديد الذي يقوم بالأساس على المنافسة، فهي لم تعد تهيمن على العالم وحدها.

وألقت رولا الحسيني محاضرة بعنوان "مساهمة نظرية في الجندر والدولة الطائفية: أمثلة من العراق ولبنان" في اليوم السابع من الدورة، 9 كانون الثاني/ يناير 2021، ، حيث توصلت الباحثة بالاعتماد على تحليل معمق للقوانين المساندة للمرأة، ولحضور المرأة في السلطات الثلاث للدولة، التشريعية والتنفيذية والقضائية، في العراق ولبنان، إلى نتيجة مفادها أن "نسوية الدولة" أقل نجاحًا في الدول العربية الطائفية. وتعزو الباحثة ذلك إلى التقاطع بين النوع الاجتماعي والأبوية والطائفية داخل الدول الطائفية.

وقدّم مهران كمرافا، الباحث في المركز العربي، ومدير وحدة الدراسات الإيرانية، محاضرة بعنوان "مرونة الدولة في إيران: تحليل مؤسساتي"، في اليوم الثامن من المؤتمر، 10 كانون الثاني/ يناير 2021. عالج فيها إشكالية شريعة النظام الإيراني المتناقصة شعبيًا، من خلال الإجابة عن سؤال حول أسباب بقاء النظام الإيراني في الحكم رغم الضغوطات الخارجية وتناقص شرعيته داخليًا.

وتضمنت أعمال اليوم الأخير من المدرسة الشتوية محاضرة عامة قدّمها عبد الوهاب الأفندي، أستاذ العلوم السياسية، ورئيس معهد الدوحة للدراسات العليا، بعنوان "إعادة موضعة تأثير السلطة في الدولة والدولنة وانعدامها في العصر المكيافيلي"، ناقش فيها التراجع الملحوظ للنموذج الليبرالي عالميًا، مع التركيز على إقليم الشرق الأوسط باعتباره المنشأ الرئيس لظاهرة تراجع النموذج الليبرالي للدولة. وطرح مجموعة من الأفكار والتأملات حول الدولة وتحولاتها من جهة، وتطور علاقته الفكرية بهذا المفهوم من جهة أخرى. وانطلق في تحليله من العلاقة بين الفكر الأوروبي والعربي وبالأساس ابن خلدون ومكيافيلي ودورها في بناء "علم حول السياسة"، أي تفكيك مختلف القوى التي تحكم السياسة من خلال تحليل أفعال الفاعلين السياسيين. كما عرّج الأفندي على إشكالية الدولة في علاقتها بالإله ودور الفكر السياسي الأوروبي في إنتاج مداخلة تعويض سلطة الدولة للسلطة الميتافيزيقية وتأثير ذلك في طبيعة الحكم المنتجة. كما تطرقت المحاضرة إلى التراجع الملحوظ للنموذج الليبرالي عالميًا، مع التركيز على منطقة الشرق الأوسط. وقد عزا هذا التراجع إلى نشوء النظام النيومكيافيلي الذي تصبح عقلانية الدولة بموجبه هي منهج الحكم وقاعدته، وليس الأخلاق كما عُهد في نماذج أخرى سابقة. وجادل الأفندي بأن الدول التي تميل إلى اتباع هذا النظام تتذرع بالحاجة الماسة إلى مواجهة حالات الطوارئ، كالإرهاب الذي يأتي على بعض الدول، أو الأوبئة التي تنتشر بين حين وآخر، إلا أن هذا التوجه العالمي نحو تراجع النموذج الليبرالي في الحكم يهدد الدولة بوصفها كيانًا يحكمه القانون.